المراد بالحمل ما في بطن الآدمية المتوفى عنه وهي حامل به. يقال امرأة حامل وحاملة إذا كانت حبلى. والمفقود هو من انقطع خبره فلم تعلم له حياة ولا موت. سواء كان بأسر أو سفر غالبه السلامة. أو كان بما غالبه الهلاك. كمن غرق في مركب أو فقد من بين أهله. أو في مفازة مهلكة ونحو ذلك. والخنثى هو من لم تتضح ذكورته ولا أنوثته له شكل ذكر وفرج امرأة. أو ثقب في مكان الفرج يخرج منه البول. والغرقي جمع غريق مثل قتلى وقتيل. والمراد الميت في الماء. وكذا من خفي موتهم بنحو هدم أو غربة أو نار.

(عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا استهل المولود) أي رفع صوته بالبكاء وصاح شديدًا عند ولادته (ورث) وفي لفظ “إذا استهل المولود صارخًا ورث” فصارخًا حال مؤكدة (رواه أبو داود) وللترمذي وغيره من حديث جابر “إذا استهل السقط صلي عليه وورث” فدل الحديثان على أن المولود إذا وقع منه الاستهلال. أو ما يقوم مقامه. كما لو عطس أو رضع أو تنفس وطال زمن التنفس. أو وجد منه دليل على حياته. كحركة طويلة أو سعال. ورث. لأن هذه الأشياء تدل على الحياة المستقرة.

فيرث بشرطين بأن ولد حيًا لا ميتًا بالاتفاق. وبتحقيق وجوده في الرحم حين موت الموروث. ولو نطفة بلا نزاع. ومن خلف ورثة فيهم حمل يرثه. ولم يرضوا بوقف الأمر إلى وضعه.

وطلبوا القسمة لم يعطوا كل المال بلا نزاع. ووقف للحمل الأكثر من إرث ذكرين أو أنثيين. لأن وضعهما كثير معتاد. فإذا ولد أخذ حقه من الموقوف. وما بقي فلمستحقه من الورثة.

ومن لا يحجبه الحمل يأخذ إرثه كاملًا كالجدة. فإن فرضها السدس مع الولد وعدمه. ومن ينقصه الحمل شيئًا يعطى اليقين. كالزوجة والأم. فيعطيان الثمن والسدس. ومن سقط به كعصبة لم يعط شيئًا. للشك في إرثه.

(وروي) من حديث أبي هريرة وغيره أخرجه الترمذي وغيره (أنه صلى الله عليه و سلم قال أعمار أمتي) أي غالب أعمارهم (ما بين الستين) سنة (والسبعين) سنة لأن الغالب أن لا يعيش أكثر من هذا. ويشهد له الحال وأقلهم من يجوز ذلك ومنهم من لا يبلغ الستين وفي القرون الماضية كانت أعمارهم وأبدانهم وأرزاقهم أضعاف ذلك ولم يزل الخلق يضعف حتى صارت هذه الأمة هي آخر الأمم فمن انقطع خبره ولا يدري حياته وموته. له حالتان: حالة يكون الغالب عليه السلامة. كمن سافر لتجارة أو سياحة أو طلب علم أن نحو ذلك. انتظر به حتى يتيقن موته أو تمضي عليه مدة لا يعيش في مثلها. وذلك مردود إلى اجتهاد الحاكم. وهو قول الشافعي والمشهور عن مالك وأبي حنيفة. لأن الأصل حياته.

واتفقوا على أنه لا يقسم ماله حتى تمضي مدة لا يعيش في مثلها. وعن أحمد ينتظر به تمام تسعين سنة منذ ولد لأن الغالب أنه لا يعيش أكثر منها. والحالة الثانية يكون الغالب عليه الهلاك. كمن غرق في مركب فسلم قوم دون قوم. أو فقد من بين أهله. أو من بين الصفين. أو في مفازة مهلكة. أو نحو ذلك انتظر به تمام أربع سنين منذ فقد. وقد اتفق الصحابة على اعتداد امرأة المفقود بعد التربص هذه المدة. وحلها للأزواج بعد ذلك. وانقطاع خبره في تلك المدة يغلب على الظن هلاكه. ثم بعد مضي المدة يقسم ماله بين ورثته الأحياء. حين يحكم الحاكم بموته.

وإن مات مورثه في مدة التربص أخذ كل وارث إذًا اليقين. وهو ما لا يمكن أن ينقص عنه مع حياة المفقود أو موته.ووقف ما بقي. فإن قدم أخذ نصيبه الذي وقف. ورد الباقي على مستحقه. وإن مضت المدة ولم يعلم خبره فعن أحمد يرد إلى ورثة الميت الذي مات في مدة التربص قطع به الموفق وغيره. وإن بان موته قبل موت مورثه رد الموقوف على مستحقه بلا خلاف. وكذا إن بان ميتًا ولم يتحقق أنه قبل موت مورثه. واتفقوا على أنه لا يرث المفقود إلا الأحياء من ورثته.

(وأنه سئل) أي وروي أنه صلى الله عليه و سلم سئل (عن مولود) خنثى (له قبل) كفرج المرأة (وذكر) كذكر الرجل (من أين يورث) وهو ينقسم إلى مشكل وغير مشكل. فمن ثبت فيه علامات الرجال أو النساء فيعلم أنه رجل أو امرأة. وليس بمشكل. وأخبر صلى الله عليه و سلم أنه يعتبر إرثه بمباله. (قال) يورث (من حيث يبول) فأخبر صلى الله عليه و سلم أن حكمه حكم من ظهرت علاماته فيه.
(وأنه) صلى الله عليه و سلم (أتى بخنثى من الأنصار فقال ورثوه من أول ما يبول منه) وهو قول علي ومعاوية وغيرهما وقال الموفق يعتبر بمباله في قول من بلغنا قوله من أهل العلم. وقال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الخنثى يورث من حيث يبول. إن بال من حيث يبول الرجل فهو رجل. وإن بال من حيث تبول المرأة فهو امرأة. ولأن خروج البول أعم العلامات لوجودها في الصغير والكبير وإن كان مشكلًا فلا يخلو من حالتين. أما أن يرجى انكشاف حاله أولا.
فإن رجي بأن كان صغيرًا عومل هو ومن معه من الورثة بالأضر إن طلبوا القسمة ووقف الباقي عند الجمهور إلى أن يتضح أمره كبوله من أحد آلتيه. فإن بال منهما فبأسبقهما عند الجمهور. وإن استويا فبأكثرهما. وكحيضه وتفلك ثدييه ونبات لحيته. وإن لم يرج انكشاف حاله بأن مات وهو صغير. أو بلغ ولم يتضح أمره. أعطي نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى.

قال الموفق وهو قول ابن عباس ولا يعلم له في الصحابة منكر. هذا إن ورث بهما متفاضلًا. وإن ورث بهما على السواء أعطي نصيبه كاملًا. وإن ورث بالذكورية فقط أعطي نصف ميراث ذكر. أو بالأنوثية فقط فنصف ميراث أنثى. وكخنثى مشكل في الحكم من لا ذكر له ولا فرج. ولا فيه علامة. ذكر ولا أنثى. وذكر الموفق وغيره أنه قد وجد ذلك.

(ولم يورث أبو بكر) الصديق الخليفة الراشد -رضي الله عنه- وأرضاه (و) لا (غيره) من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم كابن عباس وزيد بن ثابت والحسن بن علي وغيرهم (من علم موتهم معًا) أي جميعًا بعضهم من بعض (أو جهل السابق) منهم موتًا (بعضهم من بعض) وهو قول عمر بن عبد العزيز والزهري والأوزاعي ومالك والشافعي وأبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد. وروى سعيد وغيره أن قتلى اليمامة وصفين والحرة لم يورث بعضهم من بعض.

وأن أم كلثوم بنت علي وابنها زيدًا لم يدر أيهما مات أول فلم ترثه ولم يرثها. ولأنه لم يكن حيًا حين موت الآخر. وشرط الإرث حياة الوارث بعد موت الموروث. وإذا مات متوارثان بغرق أو هدم أو حرق أو غربة أو نار ونحو ذلك فلهم خمسة أحوال إما أن يتأخر موت أحد المتوارثين ولو بلحظة. فيرث المتأخر إجماعًا. أو يتحقق موتهما معًا فلا إرث إجماعًا. أو تجهل كيفية موتهما. أو يعلم سبق أحدهما الآخر لا بعينه. أو يعلم السابق بالموت ثم ينسى. ففي هذه الأحوال الثلاثة عند الأئمة الثلاثة وإحدى الروايتين عن أحمد لا إرث بينهم. لما تقدم.

وعنه إذا جهل السابق بالموت ولم يختلفوا فيه ورث كل منهما من الآخر من تلاد ماله دون ما ورثه منه دفعًا للدور. واحتجوا بما رواه الشعبي عن عمر لما وقع الطاعون بالشام: أن ورثوا بعضهم من بعض. وبما روي عن إياس بن معاوية مرفوعًا في قوم وقع عليهم بيت فقال يرث بعضهم من بعض ولكن قال الموفق إنما هو عن إياس نفسه. وحكاه أحمد عنه. والقول الأول مذهب الجمهور. وجزم به شيخ الإسلام. وقال لو مات متوارثان وجهل أولهما موتًا لم يرث بعضهم من بعض. وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي. اهـ. وإن تداعيا ولا بينة. أو تعارضت بينتاهما حلف كل منهما على إبطال دعوى صاحبه. ولم يتوارثا لعدم وجود شرطه.