قضية الخلع
المحامي زامل شبيب الركاض
اعتنى الإسلام بالزواج لأنه أساس الأسرة واللبنة التي يقوم عليها المجتمع، ووسيلة الإنسان لتنظيم الفطرة والغريزة التي أودعها الله فيه على وجه يحقق الاستخلاف في الأرض، وحفظ نوعه وذكراه بالتوالد والتناسل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، من هنا كانت عناية الإسلام بالأسرة والزواج ووضع لها نظاماً كاملاً محكماً تنشأ فيه رابطة الزواج على أساس من الرحمة والمودة والسكينة، إذ جعله الله من آياته في خلقه وعده من نعمه على عباده فقال سبحانه وتعالى: {ومن آياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}، وبهذه الأركان الثلاثة الواردة في الآية تتحقق السعادة السكن والمودة والرحمة، وإذا كان الأصل في الزواج كما أسلفنا السكينة في الأسرة واستمرار مودتها وتراحمها، إلا انه يحدث أحياناً أن تنفصم عراها بنشوب خلافات بين الزوجين، والتي شرع الله لها الطلاق كعلاج أخير حينما تفشل كل سبل المعالجة والإصلاح، فأباحت الشريعة الطلاق صيانة للأسرة وحفاظاً على الأعراض ووضعت له حدوداً وضوابط بعد نفاد محاولات الإصلاح.

والإسلام بتشريعه للطلاق يكون منسجماً مع نهج التوسط بين الإفراط والتفريط، بخلاف غيره من الشرائع، والتي منها ما تبيح الطلاق على إطلاقه بلا محاذير ولو بغير سبب، ومنها ما يجعل الزواج مؤبداً ولا تبيح الطلاق مطلقاً كما هو الحال في الغرب حيث عمت الفوضى في الحياة الاجتماعية وشاع اتخاذ الأخدان والعشيقات، فجاء الإسلام وجعل الطلاق حاجة من حاجات البشر لا يتم اللجوء إليها إلا عند الضرورة ووجود المبرر القوي لها، ومن محاسن الشريعة الإسلامية أن جعلت الطلاق بيد الرجل، وذلك لأن المرأة سريعة الغضب شديدة التأثر وغالباً تدفعها طبيعتها إلى الجري وراء عواطفها بلا ترو، ذلك لأنها خلقت على رقة في الطبع، وبها من الغرائز ما يصلح أن تكون مصدراً للحنان والأمومة، إذ لو جعل الطلاق بيدها وهي على ما أسلفنا من رقة العاطفة وسرعة الانفعال لانهارت كثير من العلاقات الأسرية والزوجية في لحظة طائشة وبمجرد خصام عارض وهذا لا يمنع أن تكون هنالك نساء يتصفن بالحكمة والتروي ولكن أحكام الشرع تبنى على غالب الأحوال.

وحيث إن الخالق سبحانه وتعالى يعلم مصالح خلقه وهو اللطيف الخبير فقد تكرر قوله تعالى في آيات الطلاق في القرآن الكريم {وإذا طلقتم النساء}، والخطاب موجه للرجال ودليل على انه جعل الطلاق بيد الرجال لحكمة يعلمها الخالق جل وعلا، حتى ان الدراسات التي بحثت الحكمة من جعل حق الطلاق بيد الرجل كقاعدة عامة، توصلت إلى أن ذلك ليس منقصة في حق المرأة بل حماية لها من انفعالاتها التي هي جزء من طبيعتها، وإذا كان الإسلام قد جعل الطلاق بيد الرجل، فقد أعطى المرأة الحق في الخلع من زوجها، متى ما كان هنالك مبرر لذلك، وحفظ الإسلام للمرأة المسلمة حقوقاً فاقت به من كانت قبلها، بل ان المرأة الآن في الغرب لا زالت تصارع من أجل حقوق ومكاسب، هي مقررة للمرأة المسلمة منذ عصر النبوة.

والخلع حق المرأة المسلمة في الطلاق من زوجها إذا كرهته لدينه أو خلقه وتخشى أن لا تؤدي حق الله في طاعته، فلها أن تخالعه بعوض تفتدي به نفسها ودليل مشروعيته قوله تعالى: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به}، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمرأة التي كرهت زوجها ورغبت في مخالعته «أتردين عليه حديقته» قالت نعم قال عليه الصلاة والسلام لزوجها «إقبل حديقتها وطلقها تطليقة» والمرأة لا يجوز لها شرعاً أن تخالع زوجها بغير مبرر، لأن الخلع إضرار بها وبزوجها وإزالة لمصالح النكاح لحديث «أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة» والخلع باعتباره فداء لا يصح إلا بعوض يتراضى عليه الطرفان وحكمه أنه طلاق لا رجعة فيه لأن شرط العوض والرجعة متنافيان.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت