النظام القانوني لشركة الشخص الواحد وفق نظام الشركات الجديد
حسام الحجيلان

إن النظام الجديد للشركات، سوف يكون له مردود إيجابي على الاقتصاد السعودي يتمثل في تحريك النشاط التجاري، خاصة فيما يتعلق برأس المال الصغير والمتوسط، وقد جاء ذلك متزامنا مع توجيهات المقام السامي بإنشاء هيئة مختصة لدعم المشاريع ذات الرأسمال الصغير والمتوسط. فلا شك أن فكرة إنشاء شركة الشخص الواحد هي مكملة لهذا النهج الاقتصادي القويم، الذي تهدف الدولة من ورائه توسيع فرص العمل التجاري.

فشركة الشخص الواحد هي نمط جديد من الشركات، تم استحداثه في نظام الشركات الجديد لسنة 1437هـ/ 2015م، وذلك في مادتيه (55، 154)، حيث إن شركة الشخص الواحد هي محدودة المسؤولية يملكها شخص طبيعي أو معنوي واحد.

والشركة بهذا الشكل تعتبر استثناء على الأصل الوارد بالمادة الثانية من هذا النظام، والتي توجب وجود طرفين على الأقل، لأن الشركة تعد بصفة عامة هي عقد يلتزم به شخصان أو أكثر وفق أحكام نظام الشركات.

وقد كان الدافع لاستحداث مثل هذه النوعية من الشركات هو تطور العمل التجاري المؤسسي عبر الشركات بمختلف أنواعها، ومن ثم فقد كانت الحاجة ملحة لإيجاد أنواع جديدة من الشركات «شركة الشخص الواحد».

وللتأريخ لمثل هذه الشركة، نجد أن شرارة البدء كانت لدى فقهاء القانون الفرنسي لاستنباط نوع جديد من الشركات وهو ما يعرف بـ «شركة الشخص الواحد».

وبعد قيام هذا النوع الجديد بفترة قصيرة قامت عدة دول بالسير في هذا الاتجاه، وعملت على تعديل قوانينها لتسمح بقيامها، وحتى صدور هذا النظام الجديد كان الأمر ما زال غير معترف به بالمملكة.

ومن ثم لم يكن منظماً هذا الوضع في ظل نظام الشركات السابق، على أساس أن الشركة وفق النظام السابق يجب أن تكون من شخصين فأكثر، ولم ترد أية استثناءات على هذا الوضع بعكس النظام الجديد الحالي.

ومن خلال نظرة سريعة على واقع العمل التجاري الإقليمي والعالمي، والتطورات الكبيرة التي حدثت وما زالت تحدث فيه، وحتي يتم إضافة المزيد من الحماية والضمانات القانونية للعمل التجاري وأنشطة الاستثمار المتعددة، كان من الواجب والضروري النص على هذه النوعية من الشركات «شركة الشخص الواحد»، وأن تتضمنها نصوص النظام المنظم للشركات بالمملكة العربية السعودية، وهذا ما تم بالفعل وفق هذا النظام.

– مفهوم شركة الشخص الواحد:

تُعرف شركة الشخص الواحد (ش.ش.و): بأنها هي كل مشروع يمتلك رأس ماله بالكامل شريك واحد طبيعياً كان أو معنوياً، ويكون لهذه الشركة ذمة مالية مستقلة عن الذمة المالية للشريك، وقد تؤسس هذه الشركة ابتداء من شريك واحد، وقد تؤول الى شركة من شريك واحد جراء بقاء شريك واحد فيها.

– الفرق بين شركة الشخص الواحد والمؤسسة الفردية:

هناك مجموعة من الفروق ما بين كل من شركة الشخص الواحد والمؤسسة الفردية، يمكن أن نسرد بعضا منها، وذلك على النحو التالي:-

1-أن شركة الشخص الواحد هي شركة ذات شخصية اعتبارية مستقلة عن شخص صاحبها أو مؤسسها -رغم كونها تؤسس من شريك/ مساهم واحد فقط- وتخضع لنظام الشركات، وقد تكون إما مساهمة مغلقة أو ذات مسئولية محدودة.

بعكس المؤسسة الفردية هي منشأة يمتلكها شخص واحد، ولا تملك شخصية اعتبارية مستقلة، وإنما متبوعة بشخص مالكها فقط لا غير، ولا تخضع لنظام الشركات.

2- أن شركة الشخص الواحد لها ذمة مالية مستقلة، وأن الشريك بهذه الشركة يُسأل بقدر مساهمته بالشركة فقط، أي أنه مسؤول مسؤولية محددة بمقدار رأس مال الشركة، رغم كونه الشريك الوحيد بها.

بعكس المؤسسة الفردية لا يكون لها ذمة مالية مستقلة عن شخص صاحبها، وهو المسئول عن جميع حقوق والتزامات المؤسسة، والضامن لجميع حقوق الدائنين للمؤسسة.

3-اختلاف مجالات نشاط كل منهما، فشركة الشخص الواحد مجالاتها نفس مجالات الشركات المساهمة وذات المسئولية المحدودة من حيث حجم النشاط ورأس المال.

بعكس المؤسسة الفردية التي يكون مجال نشاطها غير محدد بشكل معين، كما في شركة الشخص الواحد.

– خصائص شركة الشخص الواحد:

هناك العديد من الخصائص التي تساهم بها هذه النوعية من الشركات في دعم العمل التجاري، حيث ستشجع العديد من المواطنين للدخول في العمل التجاري المؤسسي، مما سينعكس على الوضع التجاري والاقتصادي بالمملكة، ونسوق عدة أمثلة لهذه الخصائص، منها على سبيل المثال لا الحصر:

أولاً: إمكانية تأسيسها من قبل شخص واحد فقط، أي أنها تكون شركة كباقي أنواع الشركات تتميز بشخصية اعتبارية مستقلة، وذمة مالية منفصلة عن شخص مالكها.

ثانياً: المسؤولية المحدودة للشريك أو المساهم، فمسؤولية الشريك أو المساهم في شركة الشخص الواحد عن ديون والتزامات وخسائر الشركة، تكون محددة بمقدار رأسمالها المقدم منه شخصياً، ولا تجاوز ذلك إلى أمواله الخاصة.

ثالثاً: تشجع على الاستثمار والتجارة، فشركة الشخص الواحد تمكن الشريك الوحيد أن يخصص جزءًا من ذمته المالية لمباشرة التجارة والاستثمار، وهذه الذمة المخصصة هي المسؤولة فقط عن ديون والتزامات الشريك الوحيد، مما يشجع المستثمر على استثمار جزء من أمواله في إطار هذه الشركة، وتجنبه مخاطر تعرض كامل ذمته المالية للمسؤولية في تعامله مع دائني الشركة.

رابعاً: تؤدي إلى الحد من تأسيس شركات صورية وهمية، فالواقع العملي يثبت بأن هناك شركات يتم تأسيسها من شريكين أو أكثر، في حين أن الواقع هو أن هذه الشركة مؤلفة فعلياً من شخص واحد فقط، وأن سبب وجود شريكين أو أكثر هو استيفاء شكلي يتطلبه نظام الشركات في عقد الشركة، كما كان بالمادة (2) من نظام الشركات السابق والحالي، ولكن النظام الحالي استثني هذه النوعية من الشركات من هذه المادة.

خامساً: استمرارية العمل التجاري ويسر انتقاله وسهولته، فبما أن هذه الشركة تمنح الفرد الخيار في أن يخصص جزءًا من ذمته المالية، لأغراض مباشرة عمل تجاري في إطار الشركة، فإن وفاة الشريك لا تعني انتهاء أعمال الشركة، بل تنتقل الشركة إلى ورثته، وهذا يتطلب تغيير نظام الشركة، والعقد التأسيسي لها دون حاجة لتغيير شكل الشركة وتحويلها ودون حاجة لاتباع الإجراءات النظامية الكثيرة الواردة بنظام الشركات، فهذا الانتقال يتم بيسر تام من شركة الشخص الواحد إلى نفس الشركة متعددة الشركاء.

سادساً: سهولة اتخاذ القرارات داخل الشركة ومرونة إدارتها، فوجود شريك وحيد يمنحه جميع الصلاحيات والسلطات الممنوحة لهيئة المديرين/ مجلس الإدارة وصلاحيات الجمعية العامة العادية وغير العادية لكونه الشريك الوحيد، كما يعطيه الفرصة لإدارة الشركة بشكل مرن وسلس، ولا يكون مقيدا بأخذ موافقة أحد، لذلك فهي تمنح مالك الشركة ادارتها على نحو متميز، وتكون له الاستقلالية في الإدارة والرقابة، وإصدار القرارات بسهولة وسرعة، بما ينعكس كل ذلك على تحقيق الأرباح ونمو الشركة، وكذلك إحساسه بقيمة ما يبذله من جهد ورعاية لها، دون التقيد بإجراءات روتينية عقيمة.

سابعاً: يكون للشركة اسم تجاري يستمد من غاياتها، ولا يظهر اسم مالك الشركة باسم الشركة لكونه لا يكون للاعتبار الشخصي أي تأثير على غيره، ولكون أن من يتعامل مع هذه الشركة يتعامل على أساس الاعتبار المالي، ولحماية غيره يجب إدراج اسم الشركة ومقدار رأسمالها ورقم تسجيلها في جميع أوراقها ومطبوعات وفي العقود التي تبرمها.

– شركة الشخص الواحد في القوانين المقارنة:

هناك بعض الدول الأوربية والعربية التي تضمنت قوانينها هذه النوعية من الشركات، ويأتي على رأسها قانون الشركات الألماني لعام (1980م)، وقد نصت المادة الأولى منه على أن: «الشركة ذات المسؤولية المحدودة يمكن أن تؤسس من شخص واحد أو عدة أشخاص لتحقيق أي غرض مشروع طبقا لنصوص هذا القانون».

وقانون الشركات الفرنسي لعام (1985م)، إذ نصت المادة (2/1) منه على أن: «الشركة ذات المسؤولية المحدودة تنشأ من شخص واحد أو عدة أشخاص لا يتحملون من خسائر الشركة إلا بنسبة حصصهم في رأس المال».

وقانون الشركات الإنجليزي لعام (1992م)، فقد جاء بالمادة (2/1) على أنه: «بالرغم من أي تشريع أو قاعدة قانونية تنص على المخالفة، فإن الشركة المساهمة الخصوصية يمكن أن تؤسس من شخص واحد كما يمكن أن تصبح فردية لا تتضمن سوى عضو واحد».

وكذلك تضمنتها قوانين بعض الدول العربية، ويأتي على رأسها قانون الشركات الأردني لسنة 1997م، والقوانين المعدلة له لسنة 2002م، فقد تضمن هذا القانون النص على شركة الشخص الواحد في إطار الشركة ذات المسؤولية المحدودة، والشركة المساهمة الخاصة والشركة المساهمة العامة. حيث تنص المادة (53-ب) من هذا القانون على أنه: «يجوز للمراقب الموافقة على تسجيل شركة ذات مسؤولية محدودة تتألف من شخص واحد أو أن تصبح مملوكة لشخص واحد». كما تنص المادة (65-أ) مكرر على أن «تتألف الشركة المساهمة الخاصة بين شخصين أو أكثر ويجوز للوزير بناء على تنسيب مبرر من المراقب الموافقة على تسجيل شركة مساهمة خاصة مؤلفة من شخص واحد أو أن يصبح عدد مساهميها شخصا واحدا».كذلك تنص المادة (90-ب) على أنه: «مع مراعاة أحكام الفقرة (ب) من المادة (99) من هذا القانون يجوز للوزير بناءً على تسبيب مبررمن المراقب الموافقة على أن يكون مؤسس الشركة المساهمة العامة المحدودة شخصاً واحداً أو أن تؤول ملكية الشركة إلى مساهم واحد في حال شرائه كامل أسهمها».

كما تضمن قانون الشركات التجارية البحريني رقم 21 لسنة 2001م، المعدل بالقانون رقم 50 لسنة 2014م، وذلك بالمادة (290): «يجب أن يكون لشركة الشخص الواحد نظام يحدد أحكامها وبياناتها وإجراءات قيدها وشهرها، ويصدر هذا النظام بقرار من الوزير المعني بشئون التجارة».

وكذلك تضمن قانون الشركات التجارية القطري رقم (5) لسنة 2002م، وذلك بالفقرات (1 :8) من المادة (260) من هذا القانون.

وأيضاً تضمن قانون الشركات الكويتي رقم 25 لسنة 2012م، المعدل بالقانون رقم 97 لسنة 2013م، وذلك بالمادة (85): «يقصد بشركة الشخص الواحد، – في تطبيق أحكام هذا القانون- كل مشروع يمتلك رأس ماله بالكامل شخص واحد طبيعي أو اعتباري، لا يسأل مالك الشركة عن التزاماتها إلا بمقدار رأس المال المخصص للشركة.

وإذا تعدد ملاك حصص رأس مال الشركة – لأي سبب من الأسباب – تحولت بقوة القانون إلى شركة ذات مسئولية محدودة».

– لمن تصلح شركة الشخص الواحد؟

يثور التساؤل هنا لمن تصلح شركة الشخص الواحد؟

ويمكن الرد بأن هذه الشركة تصلح للجميع، وسبب ذلك يرجع إلى أن هذه الشركة تنشأ بإرادة منفردة هي إرادة الشريك/ المساهم الواحد فيها، كما يكون هذا الشريك/ المساهم الواحد مسؤولاً مسؤولية محدودة في أمواله، وذلك من خلال اقتطاع جزء أو مبلغ معين من أمواله، ليخصصه لهذه الشركة والوفاء بديونها من دون أن تمتد المسؤولية لباقي ذمته المالية. يضاف لذلك أنها تصلح في حال توافر قدر صغير أو كبير من رأسمال المراد استثماره، مما يساعد الجميع إلى تبني مثل هذه الشركة، والعمل وفقاً لها.

وأخيراً وليس بآخر ومع مزايا هذا النظام الجديد نأمل من وزارة التجارة والصناعة وهيئة سوق المال، الالتفات إلى عدد من النقاط ذات الأهمية عند وضع اللائحة التنفيذية لهذا النظام، وهي كالآتي:

1- وضع حد أدنى لرأسمال الشركة، على أن يكون رأسمال هذه الشركة مرتفعاً، ومدفوعاً بالكامل، لأنه هو الضامن الوحيد لمديونية الشركة.

2- أنه من المشكلات التي قد تنتج عن شركة الشخص الواحد، خطر الخلط بين الذمة المالية لصاحب الشركة وبين الذمة المالية للشركة نفسها من حيث الأموال، وذلك نظراً لصعوبة الفصل بين أموال الشريك الواحد الخاصة، وبين أمواله التي خصصها للشركة أو المشروع.

3- من الملاحظات على النظام أنه لم يتضمن تنظيماً لعضوية الشخص المعنوي، وترتيب العلاقة بينه وبين ممثله، كما تم تقييد الشخص الطبيعي بعدم تأسيس أكثر من شركة شخص واحد.

4- وجود نظام يحدد أحكام شركة الشخص الواحد وبياناتها وإجراءات قيدها وإشهارها وطرق إدارتها وانتقال ملكيتها وحلها، بما يحقق الاطلاع للدائنين والمتعاملين معها، مع موافقة الوزير على تأسيس هذا النوع من الشركات.

تمت بحمد الله.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت