قراءة في مقتضيات قانون رقم 19 .12المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل بنسبة للعمال وعاملات المنازل

شريف بوزردة
طالب باحث حاصل على شهادة ماستر في قانون الاعمال والمقاولات
كلية العلوم الاقتصادية القانونية الاجتماعية السويسي الرباط

يعرف القانون رقم 19.12المتعلق بتحديد شروط الشغل و التشغيل بنسبة للعمال و عاملات المنازل بكونه مجموعة من القواعد القانونية التي تسعى الى تنظيم العلاقة الشغلية التي تجمع بين المشغل و العامل او العاملة في المنازل .

من اجل فهم خصوصيات هذا القانون لابد اولا من تحديد مجموعة من المفاهيم المؤطرة له ندكر منها تعريفه للمفهوم العامل او العاملة المنزليين و الذين عرفهم المشرع المغربي من خلال المادة الاولى بكونه كل شخص يقوم بصفة دائمة واعتيادية مقابل اجر بإشغال مرتبطة بالمنزل او بالآسرة عند مشغل واحد او اكثر.

كما انه عمل على تحديد طبيعة الاعمال التي تدخل في حكم الاعمال المنزلية من خلال المادة الثانية من هذا القانون التي تنص على كالتالي :
تشمل الاعمال المنزلية : الاعمال المرتبطة بالبيت والاسرة والتي حددها المشرع المغربي في الاعمال الاتية :

اعتناء بشؤون البيت – الاعتناء بالأطفال – بأحد افراد البيت بسبب عجزه اوسنه –السياقة- البستنة حراسة المنازل .

تجدر الاشارة في هذا الصدد انه قبل صدور هذا القانون عرف المجتمع المغربي جدلا محتدما بين أوساطه الحقوقية والقانونية حول ضرورة استصدار قانون حمائي للفئة لطالما عانت من كل اوجه التهميش و الاستعباد ;على هذا الاساس كان المغرب ملزما بالوفاء بالتزاماته الدولية القاضية بحماية حقوق الطفل و حماية الكرامة الانسانية [1] خصوصا في ظل الحراك الدولي الذي عرفه المجتمع الدوليين مما دفع بالمشرع المغربي الى اصدار قانون 19.12رقم بتاريخ 16اغسطس2016 [2]

الذي يهتم بتنظيم العلاقة التي تجمع بين المشغل او رب البيت حسب التسمية القديمة و العامل او العاملة الذين كان يطلق عليهم خدام البيوت تطبيقا للمبدأ العمل اللائق و تماشيا مع متطلبات المادة الرابعة مدونة الشغل في فقرتها الاولى[3]

من هنا يمكن القول على ان هذا القانون يكتسي
اهمية قانونية : تتجلى في ابراز البعد القانوني والحقوقي للتنظيم العلاقة الشغلية بين المشغل و عمال وعاملات المنازل .
اهمية اجتماعية : تتجلى في ابراز صور الحماية الاجتماعية التي تحظى بهذا الفئة من خلال مقتضيات القانون .
اهمية اقتصادية : تتجلى في ابراز اثار النهوض بهذه الفئة على نمو الاقتصادي.

مما يؤكد على ضرورة القيام بمحاولة استقرائية تحليلية للمقتضيات هذا القانون على اساس محاولة فهم خصوصياته
من هنا يمكن طرح الاشكال التالي :
اين تكمن خصوصيات قانون رقم 19 .12من الناحية الشكلية والموضوعية
من اجل الاجابة على هذا التساؤل الاشكالي سنعتمد على المناهج الاتية :
المنهج الاستقرائي : الذي سيمكننا من قراءة جميع النصوص القانونية المتعلقة تنظيم العلاقة التي تجمع بين المشغل او مجموعة من المشغلين و عامل او عاملة المنزل

المنهج التحليلي : الذي سيساعدنا في تحليل هذه المقتضيات من اجل الوقوف على نقط الضعف و القوة بنسبة لهذا القانون
هذه المناهج التي ستظهر من خلال التصميم التالي :
اولا : قراءة شكلية للقانون 19.12
ثانيا : قراءة موضوعية للقانون 19.12

اولا : قراءة في الناحية الشكلية للقانون 19 .12
يتطلب منا التحليل المنهجي للمقتضيات القانون رقم 19.12 القيام بقراءته قراءة اكاديمية من حيث التركيبة البنيوية لهذا القانون . لهذا فان اول ما سنقوم به في هذا الصدد هو تحليله من الناحية الشكلية ,على اساس محاولة فهم خصوصيات هذا القانون من الناحية الشكلية

من هنا يمكن القول على انه اول ما يثير ملاحظتنا في هذا القانون الصادر بتاريخ 16 اغسطس 2016تحت رقم 19.12 هو :

مسالة تسميته : حيث انه عمل على اعادة تسمية الفئة التي يخاطبها من خلال انه اسماهم بعمال وعاملات المنازل ذلك عوض خدام وخادمات البيوت والتي كان منصوص عليها في اغلب التشريعات الوطنية السابقة وهذا فيه نوع من الذكاء القانوني بنسبة للمشرع المغربي ذلك لكون ان هذه التسمية لطالما اثارت عدة اشكالات وجدالات داخل الساحة الوطنية و الدولية باعتبارها لا تخدم التوجه العام الاعلان العالمي للحقوق الانسان للسنة 1948ثم الاتفاقية الدولية189 المتعلقة بهذا الموضوع اضافة الى التوجه الاقليمي والعربي من خلال مقتضيات قانون رقم [4]92/274وكذلك المطالب التي كانت تنادي بها الجمعيات الوطنية اضافة الى هذا المتطلب الدولي والوطني فانه بإعادة تسمية هذه الفئة قد تجاوز المشرع تلك التراكمات التاريخية التي ارتبطت بهذا التسمية حيث لطالما ارتبط هذا الاسم بمفهوم العبودية و سياسة الاقنان[5].

من هنا يمكن القول على ان في هذه التسمية تطبيق للنوع من الحماية القانونية لهذه الفئة المستضعفة ذلك من خلال ابراز طبيعة العلاقة التي تجمع بين هذه الفئة و المشغلين حيث ادرجها المشرع المغربي في اطار العلاقات الشغيلة كما انه حدد البعد المجالي لهذا العلاقة والتي ربطها المشرع بالمنزل بمفهومه الواسع.[6]

مسالة بنيته : وبرجوعنا الى تحليل البنية الشكلية سنجد انها تتكون من27 مادة ثم تقسيمها على خمسة ابواب يرى فيها بعض الفقهاء القانونين و المتهمين بهذا المجال على انها غير كافية من اجل تطبيق البعد الاجتماعي لهذا القانون حيث يؤكدون على الضعف العددي كما انها تدل على محاولة المشرع اسكات المطالب الدولية والوطنية ولا تعكس ابدا رغبة حقيقية من اجل تطبيق حماية اجتماعية لهذه الفئة , في حين يرى الفريق اخر ان العبرة في الغاية و المكتسبات التي تحققت على ضوء هذا القانون اما فيما يخص ضعف عدد المواد فانهم ينادون برؤية شمولية لهذا القانون ذلك كما ثم الاشارة اليه سابقا حيث ان هذا القانون جاء في سياق تميم مقتضيات المادة الرابعة من قانون 65 .99 على هذا الاساس فهم مشمولون بكل المقتضيات المنصوص عليها في مدونة الشغل

كما انهم بتحديد طبيعة علاقاتهم التعاقدية فهم ايضا الفئة المخاطبة بمقتضيات قانون رقم 18.12المعدل للظهير المتعلق بحوادث الشغل والامراض المهنية1963 وحتى في حالة غياب النص القانوني فيمكن لهم الرجوع الى المبادئ العامة المنصوص عليها في اطار صحة العقد و اثاره و اجارة الصنعة المنصوص عليها في مقتضيات ظهير 1913 المتعلق بالالتزامات والعقود .

اخيرا يمكن القول في هذا الاطار ان هذه المواد ثم تقسيمها بصفة عامة الى شقين اساسين :
شق اول : متعلق بالالتزامات الملقاة على عاتق المشغل في اطار هذه العلاقة التعاقدية
شق ثاني : متعلق بحقوق العمال والعاملات الذين يشتغلون في البيوت

ثانيا : قراءة في الناحية الموضوعية للقانون 19 .12
من اجل تحليل الجانب الموضوعي للقانون رقم 19.12 لابد اولا تحليل المحيط العام الذي طبع استصدار هذا القانون نجد انه لم يتم المصادقة عليه من طرف غرفتي البرلمان الا بعد مرور خمس سنوات على مسالة الأخذ والرد في مقتضياته ذلك باعتباره يمس شريحة عريضة من الفئة الشغيلة في المجتمع والتي ارتبط اسمها بوضعية الهشاشة اضافة الى ضغط المجتمع الدولي عبر صندوق نقد الدولي من هنا فان خروج هذا القانون يعتبر وفاء المغرب بأحد الالتزاماته الدولية
على اساس تحليلنا للمقتضيات هذا القانون فانه يمكن تسجيل مجموعة من الملاحظات اهمها :

اول ما يثير حفيظتنا هو التصور الضيق الذي اتبعه المشرع المغربي في مسالة تعريفه للمفهوم عامل او عاملة المنازل و الذي اشترط فيه ضرورة حضور قرينة الدوام والاعتياد في حين ان توجه العام للمشرع العربي من خلال مقتضيات قانون 92/274 الذي يتجاوز هذا التصور الضيق بمفهوم واسع يشمل حتى العامل المؤقت ذلك الذي نجد فيه اطار حماية اكبر للفئة تعتبر مقصية بمقتضى هذا القانون .

ثانيا : ما اتفق عليه جمهور الفقهاء هو ان الاتجاه العام للدولة يتجه نحو حماية حقوق القاصرين من خلال اعادة التفكير في جميع النصوص التي تمس حقوق هذه الفئة مثل اعادة التفكير في مجموعة من المواد[7] مدونة الاسرة من خلال التأكيد على ضرورة منع تزويج القاصرات على هذا الاساس فمسالة المصادقة على قانون رقم 19.12خصوصا في مادته السادسة التي سمحت بتشغيل الفئة ما بين 16سنة شمسية الى18 سنة شمسية الموجبة للسن الاهلية الكاملة رغم اشتراطها للضرورة حصول الاذن من طرف الاولياء مع العلم انه ع م يعدل 49%من عاملات البيوت هن الامهات القاصرات العازبات في 2011 سنة في حين ان المبررات التي اعطتها الدولة هو ان سن اجبارية التعليم في المغرب هو15 سنة رغم كون ان هذا القانون قد اعطى مجموعة من الضمانات بنسبة لهذه الفئة اولا المنع الكلي للتشغيل للقاصرين دون سن اضافة اجبار المشغل القيام بفحص طبي على نفقته في كل ستة اشهر بنسبة للقاصر ثم إدراج مسالة عدم اجبار هذه الفئة على القيام بإشغال شاقة او قاهرة

ثالتا : امكانية الاستفادة من محو الامية والتكوين الغير النظامي اضافة الى حصص التكوين المهني لكنه جعلها رهينة بمسالة الاتفاق بين المشغل و العامل او العاملة القاصر.

رابعا :اذا كان هذا القانون قد اطفى نوع من الحماية للفئة القاصرين فانه قدم نفس الحماية بنسبة للعمال او العاملات الراشدين ذلك من خلال تحديد ساعات العمل في48 ساعة تقسم على الاسبوع ما استحضار استفادة هذه الفئة من راحة اسبوعية تتمثل في 24ساعة مستمرة كاملة اضافة الى عطلة سنوية بعد مرور ستة اشهر كما انه استحضر مسالة العاملة المرضع حيث اعطها الحق في ممارسة حقها في الرضاعة وذلك في اطار ساعة تقسهما على اليوم كله كما ان هذا القانون عمل على تحديد الحد الادنى لأجر الذي جعله يتمشى مع الحد الادنى في مجال الصناعة و الخدمات [8]اضافة على انه اوجب على المشغل ان يسلم الى العامل او العاملة شهادة وذلك في اجل ثمانية ايام من انتهاء العمل .

خامسا ان المشرع المغربي قد منع جميع صور الوساطة[9] في هذا الباب ذلك لكون هذه العلمية لطالما شكلت احد الاسباب التي تمس بمصلحة العامل او العاملة خصوصا اذا كان قاصرا حيث يثم استغلاله من طرف الوسيط بكل اوجه الاستغلال التي تمس بكرامته الانسانية .

كل هذه النقط التي اشار اليها المشرع المغربي في مقتضيات هذا القانون تعتبر مكتسبات جد مهمة بنسبة لهذه الفئة التي لطالما عانت من التهميش قساوة العمل وهزالة الاجر الشئ الذي يدفعنا الى القول ان المشرع انه قد احسن صنعا في اصداره هذا القانون الذي يطبق نوعا من الحماية الاجتماعية لكن هذا ايضا لا يمنعا من القول على ان هذا القانون مازال ينتظره الكثير. خصوصا ان مجموعة من المواد او ضمانات تنتظر صدور مرسوم تنظيمي يعمل على تفعيلها كما ان جل هذه الضمانات غير مقرونة بجزاء جنائي يطبق على المشغل في حالة مخالفته بل هناك بعض الحالات التي اشار فيها الى مسالة تطبيق التعويض و الغرامات الهزلية المنصوص عليها في بابه الخامس .

كما نلاحظ غياب دور مفتشية الشغل في هذه العلاقة الشغلية خصوصا اننا نعلم الدور الرقابي الذي تعلبه هذه المؤسسة اللهم بعض حالات التي تتمثل في تسلم نظير من عقد الشغل والقيام بمسطرة الصلح اضافة الى هذا لاوجود الى اي مقتضى يشير الى امكانية ممارسة العمل النقابي بنسبة لهذه الفئة خصوصا اننا نعلم الدور الذي تعلبه النقابات في جلب مجموعة من المكتسبات الحقوقية و الدور الحمائي الذي تلعبه في هذا الصدد .كما ان هذا القانون لم يشير الى مسالة متعلق بالتصريح بهذه الفئة الى صندوق الضمان الاجتماعي او امكانية استفادتهم من التقاعد في حالة بلغوهم سن استحقاقه علما ان هذا النشاط الذي تقوم عليه هذه العلاقة هو نشاط بدني مما يجعلهم معرضين للتشرد في حالة التي يصبحون غير قادرين معها بالقيام باي نشاط عضلي .

اخيرا لا تفوتنا الفرصة الى ان نشير على انه رغم كل المكتسبات التي جاء بها هذا القانون او الاهداف التي يسعى الى تحققيها و التي تتطلب منا التنويه والتقدير الا انها تظل مجرد حبر على ورق استحضار للمجموعة من الاعتبارات اهمها :

غياب الوعي خصوصا الوعي الحقوقي لهذه الفئة التي هي مطالبة بتفعيل مقتضيات هذا القانون او معنية بها .
غياب الدور الرقابي للمفتشية الشغل و دور النقابات المهنية الذي يجعل من صوت هذه الفئة صوتا غير مسموع .

لهذا فان هذا القانون يتطلب نوع من المراجعة التي من شانها ان تساهم في تحقيق البعد الاجتماعي للهذا القانون تجعل منه يتمشى مع خصوصيات المجتمع المغربي .
هنا يطرح السؤال حول سبب غياب علم الاجتماع القانوي في استصدار القاعدة القانونية!

لائحة المراجع المعتمدة:
الكتب:
ü محمد سعيد جرندي، الدليل العملي لمدونة الشغل، الجزء الأول،مطبعة صناعة الكتاب، الطبعة الأولى 2016.
ü محمود جمال الدين زكي، عقد العمل في القانون المصري، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الثانية،1982.
الاتفاقيات الدولية:
ü الاتفاقية رقم 189 بشأن العمل اللائق للعمال المنزليين.
ü الاتفاقية رقم 182 بشأن حظر أسوء أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها.
ü الاتفاقية رقم 138 بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام.
النصوصو القانونية:
ü قانون رقم 65.99 يتعلق بمدونة الشغل.
ü قانون رقم 12.18 يتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل.

تقارير:
ü رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول مشروع قانون 19.12 بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعمال المنزليين، إحالة رقم 5/2013.

[1] نذكر منها
الاتفاقية الاممية سنة 1989 للحقوق الطفل
اتفاقية العمل الدولية رقم 138التي تحدد الحد الادنى للسن العمل
اتفاقية رقم 182 اشكال العمل بنسبة الاطفال
الصادر بتاريخ6 ذو القعدة 1437 بمقتضى ظهير رقم 1.16.121[2]
[3] يحدد قانون خاص شروط الشغل و التشغيل المتعلق بخدم البيوت الذين تربطهم علاقة شغل بصاحب البيت
[4] المرسوم المحدد للقائمة العمال المشبهين لأجراء في مجال الضمان الاجتماعي المؤرخ في6 يونيو 1992
[5] الاقنان جمع قن هو العبد مملوك الابوين حسب المعجم الجامع للمعاني

[6] المنزل حسب مقتضيات الفصل من القانون الجنائي المغربي هو كل بيت او مسكن او خيمة ماؤى مسكون او قابل للسكنى ومشتملاته حظيرة الدواجن و الحديقة
كما انه على مستوى المادة من م ج يشمل المنزل ايضا الغرف المؤجرة في الفنادق المكاتب المخصصة للمزوالة المهن الحرة
[7] االمادة 20المادة21 المادة22 من القانون رقم70.03

[8] يشكل الاجر المحدد في قانون المحدد للشروط الشغل والتشغيل للعمال وعاملات المنازل 60%الحد الادنى من الاجر في مجال الصناعة والخدمات المادة 19
[9] المقصود بالوساطة في هذا الباب الوساطة المتعلقة بالأشخاص الذاتيين ذلك من خلال ما جاء في مقتضيات المادة الرابعة من قانون 19.12