مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد

خالد أحمد عثمان
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

شرط التحكيم، كما يعرفه بعض فقهاء القانون، هو “الاتفاق مقدما في عقد ما على إخضاع المنازاعات التي تنشأ عنه في المستقبل للتحكيم، ويرد كشرط من شروط هذا العقد أو كاتفاق مستقل”. وقرر نظام التحكيم السعودي، مثل غيره من القوانين المقارنة، بأنه متى تم الاتفاق على التحكيم، سواء في وثيقة مستقلة أو في عقد، فإنه يجب على طرفيه اللجوء إلى التحكيم للفصل في المنازعات التي يثيرها هذا العقد وعدم عرضها على المحاكم والهيئات القضائية المختصة أصلا بنظرها.

وقد جاء نص المادة السابعة من نظام التحكيم السعودي في هذا الصدد على النحو التالي: “إذا كان الخصوم قد اتفقوا على التحكيم قبل قيام النزاع أو إذا صدر قرار باعتماد وثيقة التحكيم في نزاع معين قائم فلا يجوز النظر في موضوع النزاع إلا وفقا لأحكام هذا النظام”.

ويثور هنا تساؤلان، الأول ما أثر بطلان شرط التحكيم على العقد المتضمن لهذا الشرط؟.. والثاني، ما أثر بطلان العقد على شرط التحكيم؟ بمعنى آخر هل يترتب على بطلان شرط التحكيم بطلان العقد المدرج فيه هذا الشرط؟.. وهل يترتب على بطلان العقد بطلان هذا الشرط؟.. أم يستقل كل منهما عن الآخر صحة وبطلانا؟.. قبل الإجابة عن هذين التساؤلين، نضرب بعض الأمثلة التي توضح طبيعة كل منهما.

فشرط التحكيم يكون باطلا في العقود الإدارية “الحكومية” إذا أدرج فيها من دون موافقة رئيس مجلس الوزراء. ويكون باطلا أو قابلا للإبطال, إذا ورد في عقد وقعه مدير شركة بالنيابة عن الشركة التي يديرها إذا لم تكن من صلاحياته الموافقة على إجراء التحكيم في المنازعات التي تكون الشركة طرفا فيها. والعقد يكون باطلا أو قابلا للإبطال, إذا شاب إبرامه عيب من عيوب الرضا مثل الإكراه والغلط والتدليس والغبن أو كان موضوع العقد غير مشروع أو مخالفا لأحكام النظام العام.

لم يتعرض نظام التحكيم السعودي لهذا الموضوع بعكس بعض القوانين المقارنة، فالقانون الفرنسي قرر بالنسبة للحالة الأولى المتعلقة ببطلان شرط التحكيم بأن بطلان، هذا الشرط لا يكون له أثر في بقاء العقد، واعتبر شرط التحكيم في هذه الحالة كأن لم يكن. وهذا يعني أن العقد المتضمن هذا الشرط يظل صحيحا نافذا على الرغم من بطلان شرط التحكيم، وذلك على أساس أن شرط التحكيم يتمتع باستقلال عن العقد حتى وإن كان قد ورد كبند من بنوده. ويترتب على بطلان شرط التحكيم في هذه الحالة إحالة المنازعات الناشئة عن العقد إلى المحكمة أو الهيئة القضائية المختصة.

ونسوق على ذلك مثلا بأنه إذا أبرمت جهة حكومية عقدا مع مقاول تضمن شرط التحكيم لحل وتسوية الخلافات الناشئة عن هذا العقد من دون الحصول على الموافقة المسبقة لرئيس مجلس الوزراء على إدراج هذا الشرط ضمن بنود العقد، فإن هذا الشرط يعتبر باطلا، ويظل العقد صحيحا وملزما لطرفيه، وفي هذه الحالة تحال الخلافات الناشئة عن هذا العقد إلى ديوان المظالم بوصفه الجهة القضائية المختصة بالفصل في المنازعات الناشئة عن العقود الإدارية.

أما بالنسبة للحالة الثانية، وهي إذا كان شرط التحكيم صحيحا، أي قد استوفى شروط صحته ولكن العقد كان باطلا، فإن الأصل في هذه الحالة أن العقد يزول بكل ما تضمنه من أحكام وشروط بما في ذلك شرط التحكيم، لكن العديد من القوانين المقارنة قررت عكس ذلك استنادا إلى مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد، حيث نصت صراحة على أن بطلان العقد لا يبطل شرط التحكيم الوارد ضمن بنود هذا العقد. ونسوق على ذلك مثلا بالمادة (23) من قانون التحكيم المصري الصادر سنة 1994، حيث قررت اعتبار شرط التحكيم اتفاقا مستقلا عن شروط العقد، ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر في شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحا في ذاته.

وقد أكدت قواعد لجنة القانون التجاري الدولي للأمم المتحدة الصادرة عام 1977 على استقلال شرط التحكيم عن العقد الذي يتضمنه، وأن هيئة التحكيم تتمتع بسلطة الفصل في وجود أو صحة العقد الذي يكون شرط التحكيم الوارد به جزءا لا يتجزأ منه. وأنه يتعين على هيئة التحكيم أن تنظر إلى هذا الشرط باعتباره اتفاقا مستقلا عن النصوص الأخرى للعقد.

وبناء على ما سبق يمكن القول إنه إذا طعن أحد المتعاقدين في صحة العقد وتمسك ببطلانه لأي سبب من أسباب البطلان، فإن ذلك لا يؤثر في شرط التحكيم المدرج في العقد طالما كان هذا الشرط صحيحا في ذاته، وبالتالي فإن طلب الطاعن أو موافقته على إحالة النزاع إلى التحكيم لا تعني التنازل عن طعونه ولا تعني التسليم بصحة العقد، لأن شرط التحكيم – كما سلف القول – يعتبر شرطا مستقلا، وبالتالي يحق لمن يتمسك ببطلان العقد أن يدفع بهذا البطلان أمام هيئة التحكيم التي تملك صلاحية الفصل في الخلاف حول صحة العقد وبطلانه.

ونخلص من جميع ما سبق إلى القول إن مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي المتضمن لشرط التحكيم أصبح مبدأ مستقر في فقه وقانون التحكيم المقارن.

ولقد دعونا المشرع السعودي في مقالات سابقة نشرت في جريدة “الاقتصادية” إلى تطوير نظام التحكيم الحالي بإدخال تعديلات معينة عليه، ونجدد في هذا المقال هذه الدعوة ونطلب أن تتضمن التعديلات والإضافات المقبلة لهذا النظام النص صراحة على استقلال شرط التحكيم عن العقد الذي تضمنه، وأن بطلان شرط التحكيم لا يؤثر في صحة العقد، كما أن بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه لا يؤثر في صحة الشرط المذكور متى كان هذا الشرط صحيحا في ذاته.