لايمكن تصحيح العقد الباطل إلا بالتغيير في عنصر من عناصره ، بما يؤدي الى زوال البطلان عنه ، فالوسائل التي تتضمن مثل هذا التغيير ، يترتب عليها زوال البطلان وتصحيح العقد ، أما الوسائل التي تفتقد لمثل هذا التغيير ، فلا يترتب عليها زوال البطلان ، ولايتحقق من خلالها تصحيح العقد الباطل . وعليه ، يعد من المسلم به ، بأن الأجازة والتقادم لايترتب عليها تصحيح العقد الباطل . لذا سوف نقسم هذا الموضوع الى فرعين ، نخصص الفرع الاول للأجازة اما الفرع الثاني فسنتطرق فيه الى التقادم ، وسنرى في هذين الفرعين ، بأن الاجازة والتقادم لاتعد من وسائل تصحيح العقد الباطل وفقاً للقانون والفقه والقضاء .

الفرع الأول : الاجازة لاتصحح العقد الباطل

عُرفت الأجازة بأنها عمل قانوني صادر من جانب واحد هو الطرف الذي قرر البطلان لمصلحته(1) فهي تصرف قانوني إنفرادي يهدف الى تطهير العقد من اثر العيوب التي تجعله مهدداً بالزوال في حالة بطلانه ، إذ ينزل بمقتضاه من تقرر البطلان لمصلحته عن حقه في التمسك به ولايحتاج الى قبول من جانب الطرف الثاني(2). فالعقد الباطل لايمكن ان ترد عليه الاجازة ، فليس بمقدور أي شخص ان يجيز عقداً باطلاً فلايمكن تصحيحه بالاجازة . وهذا ماجاءت به المادة 141- من قانوننا المدني إذ نصت على إنه اذا كان العقد باطلاً جاز لكل ذي مصلحة ان يتمسك بالبطلان ، وللمحكمة ان تقضي به من تلقاء نفسها ، ولايزول البطلان بالاجازة(3) فالعقد الباطل لايمكن تصحيحه بالأجازة ، لان الباطل عدم ، والأجازة لاتحيل العدم الى وجود ، فلا يترتب على اجازة العقد الباطل تصحيحه ، فهو يبقى باطلاً على الرغم من إجازته ، فلو أن مجنوناً ، مثلاً ، أبرم عقداً ، وبعد زوال جنونه ورفع الحجر عنه أجاز هذا العقد ، فأن تلك الأجازة لاتزيل عن العقد بطلانه ، الذي يبقى حق التمسك به ، حتى لمن صدرت منه الأجازة ، ولأي شخص آخر له مصلحة في إهدار هذا العقد(4). ويعد من قبيل أجازة العقد ، أن ينزل المتعاقد عن حقه في الطعن في العقد ، فهذا النزول يفيد ضمناً الرضاء به أي اجازته ، لذا فلا يعتد به(5). فالعقد الباطل في القوانين الوضعية . وكذلك في الفقه القانوني ، غير قابل للتصحيح عن طريق الأجازة ، فلايمكن تصور ورود الأجازة على العقد الباطل(6). وكذلك الحكم في الفقه الاسلامي ، فالعقد الباطل ليس له وجود شرعي فلا ينتج أثراً ، لذا لا يترتب عليه آثار العقد الصحيح ، فلا يمكن أن ترد عليه الاجازة ، لان الاجازة لاتصحح إلا عقداً موجوداً قابلاً لانتاج آثاره ، أي عقداً معيباً لا باطلاً (7). وكذلك موقف القضاء العراقي والمصري ، فالعقد الباطل غير قابل لتصحيحه عن طريق الأجازة(8). ونحن نرى ، بأن عدم عدّ الاجازة وسيلة لتصحيح العقد الباطل ، يرجع الى ان الاجازة لايترتب عليها زوال البطلان ، فعلى الرغم من اجازة العقد الباطل ، يبقى سبب البطلان قائماً ، فالاجازة هي مجرد تنازل عن حق التمسك بالبطلان ، فهي لاتتضمن أي تغيير في عناصر العقد يترتب عليه زوال البطلان ، فهي لاتتضمن إنقاصاً أو إضافة أو إستبدال ، وهذا يعني بقاء العيب المسبب للبطلان قائماً، فعناصر العقد تبقى على حالها بالرغم من الاجازة ، دون تغيير فيها ، بما فيها العنصر المعيب المسبب للبطلان ، وعلى هذا تبقى صفة البطلان دون ان تزول ، وهذا يعني ، عدم تصحيح العقد الباطل . وعلى هذا ، فلا يترتب على إجازة العقد الباطل ، تصحيحه ، لعدم زوال صفة البطلان ، لذا نعتقد ، بأنه لايمكن أن يُعد تنفيذ عقد الهبة الباطل لتخلف الشكل ، استناداً الى نصوص تشريعية وفقاً لأحكام القانون المصري ، تصحيحاً لهذا العقد بأجازته ، لان العقد الباطل لايمكن أن ترد عليه الاجازة ، فالوصف الذي يلحق عقد الهبة الذي لم يستوف الشكل الذي نص عليه القانون هو البطلان ، وفقاً للمادة 488/ف1- من القانون المدني المصري تكون الهبة بورقة رسمية وإلا وقعت باطلة ما لم تتم تحت ستار عقد آخر — وهو ما جاءت به المادة 1339 من القانون المدني الفرنسي ، إذ نصت على إن الواهب لايمكنه إجازة الهبة الباطلة شكلاً بأي تصرف لاحق ويجب اعادتها في الشكل القانوني(9). وعلى هذا ، فأن عقد الهبة الباطل لاتصححه أجازة الواهب ، ومع ذلك فقد جاء في المادة 489- من القانون المدني المصري إذا قام الواهب أو ورثته مختارين بتنفيذ هبة باطلة لعيب في الشكل فلا يجوز لهم أن يستردوا ماسلموه وكذلك المادة 1340- من القانون المدني الفرنسي اجازة ورثة الواهب للبطلان الناشيء عن عيب الشكل أو أي عيب آخر ، أو تنفيذهم الاختياري للهبة يعد بمثابة تنازل من جانبهم عن الاحتجاج به (10). وعلى الرغم من ذلك ، فأننا نرى ، أن التنفيذ الاختياري لعقد الهبة الباطل ، الذي أجازه كل من القانونين المصري والفرنسي ، لا يعد إجازة لهذا العقد ،لان الأجازة لاتصحح العقد الباطل ، فهي لاتتضمن تغييراً في عناصر العقد يؤدي الى زوال العيب الذي يبطل العقد ، فعلى الرغم من الأجازة يبقى عيب الشكل قائماً ولايزول .من جانب آخر ، لو فرضنا بأن الاجازة تصحيح لعقد الهبة الباطل ، فهذا يعني بأنها ستجعل العقد صحيحاً بأثر رجعي يمتد الى يوم إبرامه . وهذا لم يتحقق في التنفيذ الاختياري لأنه يجعل العقد مرتباً لاثاره من تاريخ التنفيذ وليس بأثر رجعي(11).ومن جهة ثالثة ، فأن قواعد الشكلية تتعلق بالنظام العام ، فأجازة العقد تخالف تلك القواعد ، وتنفي الصفة الامرة عنها ، وعندها يكون الشكل أمراً لافائدة منه إذا كان بالامكان تجاوزه بطريق الأجازة(12). فالأثر الذي يرتبه القانون على بطلان الهبة لتخلف الشكل ، يتمثل بنشوء إلتزام طبيعي في ذمة الواهب أو ورثته(13). فالعقد الباطل لاترد عليه الأجازة ، وهذا التنفيذ الأختياري لايعد إجازة للعقد ، لأن ذلك يتنافى مع طبيعة ومفهوم الأجازة ، بل يعد إلتزاماً طبيعياً قانونياً(14). وإمكانية تنفيذ عقد الهبة الباطل ، من قبل الواهب أو ورثته ، إستناداً الى نص القانون ، لايجعل بطلان هذا العقد من نوع خاص ، فهذا البطلان له خصائص البطلان المطلق الذي يعرفه القانون الفرنسي والمصري ،فلا يصحح بالأجازة والتقادم(15). إذ لا يمكننا القول بتعدد البطلان وتنوعه بحسب تعدد وتنوع مايرتبه القانون على البطلان من آثار ، فالبطلان واحد من حيث ماهيته ، فهو وصف ينتج عن تخلف شرط تطلبه القانون في العقد أو نتيجة مخالفة العقد للنظام العام .فالبطلان وصف يلحق العقد ، ويرتب القانون على هذا الوصف آثاراً بحسب الخلل الذي أصاب العقد ، فقد يقرر أعادة الحالة الى ماكانت عليه قبل التعاقد ، وهذا هو الأصل ،وقد يرتب على ذلك، مجرد التعويض عن البطلان ، وقد يرتب عليه تحول العقد الباطل ، وقد يترتب عليه انتقاص العقد الباطل ، وقد يبقى البطلان ويترتب على العقد الباطل جميع آثاره الأصلية لاعتبارات تتعلق بحسن النية وأستقرار التعامل(16). فأختلاف الأثر من حالة الى أخرى ، لايعني أن كل حالة تعد نوعاً خاصاً من البطلان ، وإنما يدل هذا الاختلاف في الأثر المترتب على البطلان ، على أختلاف أسباب البطلان وإنها ليست واحدة ، لذا فأن مايرتبه القانون على تخلف ركن الشكل في الهبة الباطلة من أثر مختلف عما يرتبه على الحالات الأخرى ، لايعني ان بطلان الهبة يعد نوعاً خاصاً للبطلان ، فهذا البطلان يُبنى على عيب ناتج عن تخلف شرط تطلبه القانون، أي تخلف الشكل ، فهو كأي بطلان ناتج عن أي سبب آخر من أسبابه(17). وعلى هذا ، لانتفق مع رأي الدكتور وليم سليمان قلادة الذي ذهب الى عدم تحقق البطلان في حالة تخلف الشكل في الهبة ، كون أن القانون – وفقاُ لرأيه – قد صحح الهبة في هذه الحالة ، ومن ثم قرر جزاءاً لها يختلف عن البطلان . فقد ذكر بهذا الصدد ، اذا كان القانون يصحح التصرف رغم تخلف الواقعة أو إذا كان يقرر جزاءاً لها غير البطلان ، فأن ذلك يعني أن ما تخلف ليس عنصر في التصرف القانوني (18). ونحن نعتقد إن الدكتور وليم قلادة ، قد توصل الى هذا الرأي نتيجة إقتناعه بأن إعادة الحالة الى ما كانت عليه قبل التعاقد ، يُعّد الأثر الوحيد الذي يترتب على البطلان ،لذا قرر بأن الشكل لايعد عنصراً في العقد ، وتخلفه لايجعل العقد باطلاً، وهذا يخالف نص المادة 488/ف1- من القانون المدني المصري ، والمادة 1339 – من القانون المدني الفرنسي ، من جهة أخرى ، لايُعد كل أثر يختلف عن القاعدة التي تقضي بأنعدام العقد الباطل ، تصحيحاً للعقد ، بل يشترط لتحقق التصحيح زوال البطلان بالتغيير في عنصر من عناصر العقد ، وهذا لم يتوافر في حالة التنفيذ الأختياري لعقد الهبة الباطل . وعلى هذا ، فأننا نرى أن التنفيذ الاختياري لعقد الهبة الباطلة يعد تنفيذاً لعقد باطل وليس تصحيحاً له بأجازته ، بمعنى آخر يعد هذا التنفيذ استثناءً ، مقرراً بموجب نص القانون ، من المبدأ القائل بأن العقد الباطل لايرتب أثراً ولم يكن استثناء من مبدأ عدم جواز اجازة العقد الباطل ، فلا نكون مع تصحيح للعقد الباطل بأجازته ، بل نكون مع تنفيذه ، على الرغم من بطلانه ، وعدم تصحيحه . وما ذكرناه عن الأجازة ، ينطبق على التقادم ، فالأخير لايتضمن أي تغيير في عنصر من عناصر العقد الباطل ، فلا يؤدي الى زوال البطلان لبقاء سبب البطلان وعدم رفعه ، فالبطلان لايزول بالتقادم ، وهذا ما سيدور البحث حوله في الفرع التالي .

الفرع الثاني : التقادم لايصحح العقد الباطل

يستند التقادم الى مضي مدة معينة من الزمن ، إلا ان الزمن وإن كان عنصراً رئيساً من عناصر التقادم ، إلا أنه غير كاف لكسب الحق وغير كافٍ لفقده ، بل لابد أن يضاف إليه عناصر أخرى ، وأن يشترط زيادة عليه شروطاً خاصة، فلكي يترتب على الزمن أثر مكسب يجب أن يوجد معه عمل ايجابي من جانب المكتسب، أي حيازة تستوفي شروطها القانونية ، ولكي يترتب على الزمن من جهة أخرى ، أثره المسقط ، لابد من واقعة سلبية هي سكوت صاحب الحق طيلةً المدة القانونية للتقادم ، فالقانون يمنع سماع الدعوى للمطالبة بحق من الحقوق بعد مدة معينة من الزمن(19). والعقد الباطل لايصححه التقادم ، فهو لاينقلب صحيحاً بالتقادم ، مهما طال عليه الأمد ، فهو عدم والعدم لايصير شيئاً بفوات الزمن . وعليه ، فالبطلان لايزول بالتقادم(20). ولكن لأستقرار المعاملات والمحافظة على الأوضاع التي إستقرت زمناً طويلاً قرر القانون المدني المصري سقوط دعوى البطلان بمضي خمس عشرة سنة من وقت العقد(21). إلا ان سقوط دعوى البطلان لايعني تصحيحاً لهذا العقد ، فلا ينقلب العقد الباطل الى عقد صحيح بمضي هذه المدة عليه ، وإنما يقصد بذلك عدم جواز سماع الدعوى التي ترفع لتقرير البطلان ،فدعوى البطلان – كسائر الدعاوى – لاتسمع لسقوطها بالتقادم ، اما العقد الباطل فهو لايزال باطلاً ولم يحصل تصحيحه لبقاء صفة البطلان ملازمة له وذلك لان الدفع ببطلان هذا العقد لايسقط بالتقادم مهما مرمن الزمن ، فاذا باع شخص شيئاً وكان عقد البيع باطلاً ، ولم يكن قد سلم المبيع الى المشتري ومضى على البيع خمس عشرة سنة أو أكثر ، ثم رفع المشتري دعوى يطالب البائع بتسليم المبيع اليه كان للبائع ان يدفع الدعوى ببطلان عقد البيع ، فالعقد الباطل لم يتم تصحيحه بالتقادم(22). ويُرجعْ بعض الفقهاء(23). سقوط دعوى البطلان بالتقادم وعدم سقوط الدفع بالبطلان ، الى إن مدة التقادم لاتسري إلا من الوقت الذي يتمكن فيه صاحب الحق من مباشرته ، وعليه ، يُمكن أن تتقادم دعوى البطلان بعدم رفعها خلال خمس عشرة سنة من وقت العقد ، لأن دعوى البطلان يمكن إستعمالها إبتداءً من ذلك الوقت ، أما الدفع بالبطلان فلا ينشأ ولايمكن إستعماله من تاريخ العقد بل من وقت رفع الدعوى المستندة الى ذلك العقد. أما قانوننا المدني، فلم يوجد فيه نص مماثل لنص الفقرة الثانية من المادة 141- من القانون المدني المصري، إلا أنه قد نص في المادة 429- منه على أنه الدعوى بالألتزام أياً كان سببه لاتسمع على المنكر بعد تركها من غير عذر شرعي خمس عشرة سنة مع مراعاة ما وردت فيه احكام خاصة. فهذه المادة تتضمن نصاً عاماً يمنع سماع الدعوى إذا تركت بدون عذر شرعي خمس عشرة سنة ، وبما إن دعوى البطلان لابد أن تقترن اقامتها بالمطالبة بحق من الحقوق الشخصية ، وإلا كانت دون جدوى ، لذا فأن الحكم الوارد في المادة 429- يشمل أيضاً دعوى البطلان ، وعليه ، تسقط دعوى البطلان بمضي خمس عشرة سنة من وقت العقد ، على الرغم من عدم وجود نص يماثل نص المادة 141/ف(2) من القانون المدني المصري ، وهذا مايراه الاستاذ الدكتور عبد المجيد الحكيم(24).بينما يرى الدكتور غني حسون طه أن دعوى البطلان يمكن إقامتها حتى بعد مضي خمس عشرة سنة أو أكثر على ابرام العقد(25). ونحن نرى ، سواء أكان موقف قانوننا المدني هو سقوط دعوى البطلان بالتقادم أم عدم سقوطها يبقى العقد باطلاً ولايتم تصحيحه لعدم زوال صفة البطلان الملازمة له . فلو أخذنا بالرأي القائل بأن دعوى البطلان تسقط بمضي المدة ، وهذا ما نرجحه ، كونه يؤدي الى إستقرار الأوضاع التي استمرت لمدة طويلة ويتماشى مع موقف القانون المدني المصري ، والقانون المدني الفرنسي ، فأن هذا ، لايترتب عليه زوال سبب البطلان ، وهذا يعني عدم تصحيح العقد الباطل على الرغم من تقادم دعوى لبطلان . أما أذا أخذنا بالرأي الذي يذهب الى ان دعوى البطلان لاتسقط بالتقادم ، فهذا الرأي يشير بوضوح الى عدم زوال البطلان لا عن طريق الدعوى ولا عن طريق الدفع ومن ثم يكون واضحاً منه عدم تصحيح العقد الباطل في هذه الحالة أيضاً . وكذلك الحال ، في القانون المدني الفرنسي ، فالعقد الباطل لايصححه تقادم دعوى البطلان به ، بل إن بعض الفقهاء ذهب الى أبعد من هذا ، في القول بأن دعوى البطلان المستند الى النظام العام لاتسقط بالتقادم ، فيجوز رفع الدعوى للمطالبة بهذا البطلان مهما طالت المدة، أي حتى بعد انقضاء مدة التقادم(26). إلا ان محكمة النقض الفرنسية ومنذ البداية واعتماداً على نص المادة 226(2) من القانون المدني الفرنسي التي تقضي بأن كل الدعاوى سواء كانت عينية أم شخصية يكون تقادمها بمضي ثلاثين سنة … — قررت هذه المحكمة، سقوط دعوى البطلان بمضي ثلاثين سنة ،إستقراراً للاوضاع التي استمرت لمدة طويلة(27). وهذا ما ذهب اليه أكثر فقهاء القانون الفرنسي في الوقت الحاضر(28). وكذلك القرارات الحديثة لمحكمة النقض الفرنسية تذهب الى سقوط دعوى البطلان بمضي ثلاثين سنة إبتداءً من تاريخ العقد(29). وقد سوغ بعض الفقهاء ، طول هذه المدة مقارنة بالمدة التي قررها القانون في العقد القابل للابطال بأن هذهِ المدة الطويلة تسمح وبشكل متساوٍ لكل ذي مصلحة في المطالبة بالبطلان ، حتى تتضاعف فرص انعدام العقد ببطلانه ،كون هذا البطلان قد وصف به العقد المخالف للمصلحة العامة او الذي فقد عنصراً جوهرياً فيه ، ولكن حتى لاتبقى هذه المدة مفتوحة الى الأبد ، جعلها القانون ثلاثين سنة تبدأ من تاريخ انعقاد العقد(30). إلا ان سقوط دعوى البطلان بالتقادم ، على وفق ما تقدم ، لايعني ان العقد الباطل قد اصبح صحيحاً بعد مضي مدة التقادم ، أي لايؤدي ذلك الى تصحيح العقد الباطل ، ذلك لان صفة البطلان لازالت ملازمة للعقد على الرغم من تقادم دعوى البطلان ، فسقوط هذه الدعوى يعني منع رفعها للمطالبة بالبطلان مما يؤدي الى تثبيت الوضع القائم الذي أستقر لمدة طويلة ، فلا يترتب على ذلك تصحيح للعقد الباطل بمضي المدة ولا يلتزم أي طرف بعد انتهاء مدة التقادم بتنفيذ الالتزامات المترتبة بموجب ذلك العقد ، وإذا طولب بذلك يستطيع أن يدفع بالتمسك بالبطلان مهما طال الأمد ، وهذا يعني عدم تصحيح العقد الباطل بالرغم من سقوط دعوى البطلان ، إذ يبقى التمسك بالبطلان عن طريق الدفع جائزاً، دون تقييد بمدة معينة(31).بمعنى آخر ، ان البطلان يستمر ويمكن أن يُثار بواسطة الدفع لأن القول بعكس ذلك ، سيؤدي الى إن المتعاقد يمكن أن يتخلص من البطلان اذا أنتظر حتى تنتهي مدة التقادم(32). وعليه فتقادم دعوى البطلان لايؤدي الى تصحيح العقد ، فالبطلان يستمر ملازماً للعقد ، لان التقادم لا يطهر العقد من العيب الذي أدى الى بطلانه ، وبذلك لايختلف عن الاثر المترتب على الأجازة . بينما يكون الامر مختلفاً ، بالنسبة للعقد الموقوف والعقد القابل للأبطال .

____________________

1- استاذنا الدكتور حسن علي الذنون /مصادر الالتزام /مصدر سابق /ص155.

2- د. احمد شوقي محمد عبد الرحمن /مصدر سابق /ص6،3.

3- وتقابلها في القانون المدني المصري المادة 141 /ف1 – . وفي القانون المدني السوري المادة 142/ف1-.

4- د. عبد الفتاح عبد الباقي /مصدر سابق /ص483 ، د. غني حسون طه /مصدر سابق /ص284.

5- انظر في ذلك ، قرار محكمة النقض المصرية بهذا الشأن ،رقم 58 في 27/4/1967 /مجموعة احكام النقض /السنة الثامنة عشرة /السنة 34 ق /ص918.

6- وهذا هو رأي جميع الفقهاء ، ومنهم، د. السنهوري /الوسيط في شرح القانون المدني /الجزء الاول /مصدر سابق /ص514 ، د. مصطفى الجمال /مصدر سابق /ص189 ، د. احمد حشمت ابو ستيت /مصدر سابق /ص252 ،د. عبد المنعم فرج الصدة /مصادر الالتزام /مصدر سابق/ص285 ، استاذنا الدكتور الذنون /نظرية العقد /مصدر سابق /ص73 ، د.غني حسون طه /مصدر سابق /ص286 ، د. عبد الفتاح عبد الباقي /مصدر سابق /ص482 . وفي الفقه الفرنسي :

TERRE’ ،SIMLER et LEQUETTE ،op. cit ، p.400. FLOUR ، AUBERT et SAVAUX ،p.249. GUERRIERO ،L’act juridique Solennel ،L.G.D.J ، paris ،1975 ،p.379.

7- استاذنا الدكتور مصطفى الزلمي /مصدر سابق /ص158 ، إذ ذكر بأن المادة 219- من مرشد الحيران جاء فيها بأن العقد الباطل لاينعقد أصلاً ، فهو غير قابل للاجازة وانظر كذلك الدكتور السنهوري /مصادر الحق /الجزء الرابع /مصدر سابق /ص134.

8- قرار محكمة تمييز العراق رقم 61 /استئنافية /1969 في 29/10/1969 ، إذ جاء فيه ان الاجازة لاتصحح العقد الباطل م141 مدني -…– منشور في قضاء محكمة تمييز العراق /المجلد السادس /وزارة العدل /المكتب الفني /ص245-246 . وكذلك قرارها المرقم 159 /هيئة موسعة اولى /81 في 27/2/1982 /مجموعة الاحكام العدلية/العدد الاول/السنة الثالثة عشرة /1982 /ص54. وفي القضاء المصري قرار محكمة النقض المصرية 1649 في 15/12/1987 إذ جاء فيه العقد الباطل لايصحح بالاجازة — أشار إليه الدكتور عبد الحكم فودة /نظرية البطلان في القانون المدني /مصدر سابق /ص835 .

-9 1339 Le donateur ne peut qu’ile re’parer par aucun acte confirmatif les vices d’une donation nulle en la forme ،il faut que’lle soit refaite dans la forme le’gale–.

10 -1340 La confirmation ou ratification ou exe’cution volontaire d’un donation par les he’ritiers ou ayants cause du donateur ،emporte leur renonciation à opposer soit les vices de forme ،soit toute autre exception –.

ويبدو ان الفارق بين القانونين المصري والفرنسي هو ان المشرع الفرنسي قصر التنفيذ الاختياري لعقد الهبة الباطلة على ورثة الواهب ، في حين شمل المشرع المصري الواهب الى جانب ورثته .

11- د.ياسر احمد كامل الصيرفي /التصرف القانوني الشكلي /مصدر سابق/ص457.

12- د. حسين عبد القادر معروف /مصدر سابق /ص208.

13- أنظر تفصيل هذا الرأي ، د.جميل الشرقاوي /مصدر سابق /ص315 ، د. السنهوري /مصادر الحق/الجزء الرابع /مصدر /ص109 ، د. ثروت حبيب /الألتزام الطبيعي /حالاته وآثاره / مطبعة الرسالة /عابدين /مصر /1961/ص444. وأنظر في الفقه الفرنسي :

RIPERT ،la re’gle moral ،dans les obligations civiles ، p، 379-380.

14- أنظر في ذلك ، وليم سليمان قلادة /مصدر سابق /ص91-92.

15- أنظر في ذلك :

TERRE’ ، SIMLER et LEQUETTE ، op .cit ، p .397.

وانظر كذلك ما ذكر في هذا المصدر من قرارات لمحكمة النقض الفرنسية تؤيد عدم قابلية العقد للأجازة والتقادم وإنما يمكن أعادة عمل العقد من جديد وفقاً للشكل القانوني ، ومن هذه القرارات:

– Cass 1re civ ، 11 juin 1981 ، Bull ، civ ، I ، no 211 ، p .173 JCP 1982 ، 11 ،19840 ، 2e esp . note G .RAYMOND.

16- أنظر تفصيل تلك الآثار ، د. جلمي بهجت بدوي /آثار التصرفات الباطلة/القسم الأول/ مصدر سابق /ص379ومابعدها.

17- أنظر ذلك ، د. جميل الشرقاوي /مصدر سابق /ص313.

18- الدكتور وليم سليمان قلادة /مصدر سابق /ص294.

19- علي احمد حسن /التقادم في المواد المدنية والتجارية ،فقهاً وقضاءٍ ، منشأة المعارف /الاسكندرية /1985/ص17. د. غني حسون طه /مصدر سابق /ص287 … وعليه لايعد صحيحاً ما ذهب اليه الدكتور عبد القادر الفار من أن التقادم طريقة لأنقضاء الحقوق ناتجة عن مضي المدة ، فهذا غير دقيق ، فالتقادم يؤدي الى سقوط دعوى المطالبة بالحق ، وليس الحق نفسه ، انظر د. عبد القادر الفار /احكام الالتزام /آثار الحق في القانون المدني /عمان –الاردن /الطبعة الرابعة /مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع /1997 /ص214.

20- د. عبد الرزاق السنهوري/الوجيز في النظرية العامة للالتزام / مصدر سابق /ص193.

21- فقد نصت المادة 141/ف(2) من القانون المدني المصري، على وتسقط دعوى البطلان بمضي خمس عشرة سنة من وقت العقد–.

22- د. احمد حشمت ابو ستيت /مصدر سابق /ص254-255، وأنظر كذلك أحكام محكمة النقض المصرية التي تؤيد إن سقوط دعوى البطلان بالتقادم لايؤدي الى زوال صفة البطلان فلا ينقلب صحيحاً…

الطعن رقم 2415 لسنة70ق في 8/4/2002.

الطعن رقم 2911 لسنة 59ق س 45ص694.

الطعن رقم 2030 لسنة 58ق س44ص286 .

وقد وردت الاشارة الى هذه القرارات وغيرها في د. عبد الرزاق السنهوري /الوجيز في النظرية العامة للالتزام /مصدر سابق /ص194.

23- د. احد حشمت ابو ستيت /مصدر سابق/ص255، استاذنا الدكتور مصطفى الزلمي/مصدر سابق /ص159.

24- د. عبد المجيد الحكيم /الموجز في شرح القانون المدني /الجزء الاول /في مصادر الالتزام /مصدر سابق /ص276، ويؤيد هذا الأتجاه الدكتور عبد المنعم فرج الصدة /نظرية العقد في قوانين البلاد العربية /مصدر سابق /ص413،وهذا هو موقف الفقه الاسلامي فالعقد الباطل لايرتب أثراً ، فيحق لكل من العاقدين الدفع بالبطلان ، اذا طلب الآخر تنفيذ العقد ، وهذا الدفع لايسقط بالتقادم بخلاف دعوى البطلان فأنها تسقط بالتقادم بمضي مدة التقادم ، خمس عشرة سنة عند بعض فقهاء المسلمين ، وعشر سنوات عند آخرين ، وهذا يعني عدم جواز تصحيح العقد الباطل بتقادم دعوى البطلان ، وبذلك لايختلف عن الفقه القانوني ، انظر في ذلك ، استاذنا الدكتور مصطفى الزلمي /مصدر سابق/ص159،والمادة 151- من مرشد الحيران ، التي اشار اليها في هذا المصدر.

25- د.غني حسون طه /مصدر سابق/ص289.

26- WEILL et TERRE’ ،op .cit، p.322.

27- L’article 2262 toutes les actions ،tant re’elles que personnelles ،sent prescrites par trente ans….. —

وقد جاءت قرارات محكمة النقض الفرنسية تطبيقاً لذلك ومنها.

Cass civ 11 nov 1845 D. P1125 Req 5 mai D.P 1880 ،I، 145 ، not Beudant .

أشير إليه في: WEILL et TERRE’ ،op. cit ،p.322

28- TERRE’ ،SIMLER et LEQUETTE ،op .cit. p.407 ،MARTY et RAYNAUD ،op .cit، p. 235.

29- Cass ،1re civ ،26 Janv ،1983 ،Bull ،civ،I. no 39 p.24 ،D. 1983 ،p.317 note A.BRETON ،RTD، civ .1983 ،749 ،obs،F.CHABAS et 773 ،obs.J.PATARIN.

TE’RRE’،SIMLERetLEQUETTE،op.cit.p.407.أشير اليها في:

30- TERRE’ ،SIMLER et LEQUETTE ،op.cit ،p.407.WEILL et TERRE’ ،op.cit.p .329

31- MARTY et RAYNAUD،op.cit.235،TERRE’ ،SIMLER et LEQUETTE ،op.cit ،408،

وانظر قرارات محكمة النقض الفرنسية التي ذُكِرت في المصدر الأخير والتي تشير الى عدم زوال صفة البطلان بتقادم دعوى البطلان ، ومنها القرارات الحديثة التالية :

Cass ،1re civ،19 dec 1995 ،contrats ،conc. ،conson ،1996 ، no 38 ،obs ،LEVENEUR.

Cass ،1re civ ، 1er dec ،1998 ،Defre’nois،1999،364،obs .AUBERT.

32- WEILL et TERRE’ ،op. cit،329.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .