موقف القوانين العربية من المفاجأة بالزنا :

لقد اختلفت خطة القوانين العربية في شأن المفاجأة بالزنى اختلافا كبيراً، ويبدو هذا الاختلاف في النصوص القانونية التي تنظم أحكام هذا العذر من عدة وجوه:

اولاً: من حيث اعتبار الجريمة مشمولة بالعذر المخفف من العقاب :

إن اغلب قوانين العقوبات العربية قد عدت الجريمة المرتكبة حال المفاجأة بالزنى مشمولة بالعذر المخفف من العقاب، كقانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937 (المادة/237) منه، والجزاء الكويتي رقم 16 لسنة 1960 (المادة/153) منه، والمغربي لسنة 1959 (الفصل/418)منه، والجزائري لسنة 1966 (المادة /279) منه، والاردني(1) لسنة 1960 (المادة/340) منه، واللبناني(2). رقم 340 لسنة 1943( المادة/562) منه، والليبي لسنة 1953(المادة/375) منه. ويلاحظ أن بعض هذه القوانين قد نصت على أن الجاني يستفيد من العذر المخفف كقانون العقوبات الاردني والبعض الآخر قد نص على العقوبة المخففة كقانون العقوبات الليبي، اذ نصت المادة (375) منه على أنه (من فوجئ بمشاهدة زوجته أو ابنته او اخته أو امه في حالة التلبس بالزنى أو في حالة جماع غير مشروع فقتلها في الحال هي أو شريكها أو هما معاً ردا للاعتداء الماس بشرفه أو شرف اسرته، يعاقب بالحبس، واذا نتج عن الفعل اذى جسيم أو خطير للمذكورين في الظروف ذاتها فتكون العقوبة الحبس مدة لاتزيد على سنتين. ولا يعاقب على مجرد الضرب أو الايذاء البسيط في مثل هذه الظروف).

ثانياً: من حيث اعتبار الجريمة مشمولة بالعذر المحل(3) من العقاب:

أن قلة من القوانين العربية قد عدت الجريمة المرتكبة في حالة المفاجأة بالزنى مشمولة–في بعض حالاتها- بالعذر المعفي من العقاب، كقانون العقوبات السوري رقم 148 لسنة 1949 (المادة /548) منه والتي تنص على أنه (1-يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو احد اصوله أو فروعه أو اخته في جرم الزنى المشهود او في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو ايذائهما أو على قتل أو أيذاء احدهما بغير عمد. 2- يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو احد اصوله أو فروعه أو اخته في حالة مريبة مع آخر). وكذلك قانون عقوبات سلطنة عمان لعام1974 (المادة/252) منه.

ويلاحظ أنه في قانون العقوبات السوري قد جرى التمييز بين حالتين :

الحالة الأولى: أن الجاني يستفيد من العذر المحل من العقاب أن ارتكب جريمته حال مفاجأته بالمجنى عليها في جرم الزنى المشهود او في صلات جنسية فحشاء مع آخر.

وفي الحالة الثانية: فأنه يستفيد من العذر المخفف إن فوجئ بالمجنى عليها في الحالة المريبة مع آخر. وإن ما يميز بين الحالتين هو أن مقدار الاستفزاز يزيد في الحالة الأولى إذ تفترض اليقين من السلوك الاخلاقي المنحرف، أما الحالة الثانية فتفترض مجرد الشك في هذا السلوك(4). ويلاحظ إن قانون عقوبات سلطنة عمان لم يحدد الحالة التي يستفيد فيها الجاني من العذر المحل أو الحالة التي يستفيد فيها من تخفيف العقوبة، فقد نصت المادة (252) من القانون المذكور على أنه (يستفيد من العذر المحل أو من تخفيف العقوبة وفقاً لأحكام المادة (109) من هذا القانون، من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا، أو فاجأ أمه أو اخته أو ابنته حال تلبسها بالمضاجعة غير المشروعة، فأقدم في الحال على قتلها أو ايذائها أو قتل من يزني بها او يضاجعها أو ايذائه أو قتلهما معاً أو إيذائهما).

ثالثاً: من حيث المساواة بين التلبس بالزنى والحالة المريبة:

إن بعض قوانين العقوبات العربية قد عدت ان العذر المخفف عد متوفراً سواء ارتكبت الجريمة في حالة التلبس بالزنا أو في حالة وجود المجنى عليها في حالة مريبة أو في فراش غير مشروع، كقانون العقوبات اللبناني والاردني(5). وهذه القوانين تتشابه مع قانون العقوبات العراقي في هذه الناحية. بينما قوانين عقوبات عربية أخرى قد نصت على توفر العذر المخفف عند ارتكاب الجريمة في حالة التلبس بالزنى فقط، كقانون العقوبات المصري إذ نصت المادة (237) منه على أنه (من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنى وقتلها في الحال هي ومن زنا بها يعاقب بالحبس بدلا من العقوبات المقررة في المادة (234 و 236). وكذلك الحال في قانون الجزاء الكويتي (المادة/153) منه.

رابعاً: من حيث استفادة الزوجة من العذر:

إن بعض قوانين العقوبات العربية قد نصت على استفادة الزوجة من العذر المخفف إن ارتكبت جريمتها حال مفاجأتها بتلبس زوجها بالزنى، كقانون العقوبات الجزائري في المادة (279 )منه إذ نصت على أنه (يستفيد مرتكبي القتل والجرج والضرب من الاعذار اذا ارتكبها احد الزوجين ضد الآخر أو على شريكه في اللحظة التي يفاجئه فيها في حالة التلبس بالزنا). وكذلك الحال في قانون العقوبات الاردني – بعد التعديل رقم 86 لسنة 2001-واللبناني والسوري، إذ إن كلمة ” الزوج” في القانونين الأخيرين تحتمل التذكير والتأنيث وتطلق على البعل وعلى أمرأته(6). بينما تشترط بقية القوانين العربية أن يكون الجاني رجلاً ولم تمنح هذا العذر للأنثى.

خامساً: من حيث الحكم وفق الشريعة الاسلامية:

لقد عاقبت بعض قوانين العقوبات العربية الجاني الذي يرتكب جريمته حال المفاجأة بالزنى بالعقوبات المقررة في الشريعة الاسلامية، كالتعزير بدلاً من القصاص كما هو الحال في قانون الجرائم والعقوبات لجمهورية اليمن رقم 12 لسنة 1994 في المادة (232) منه إذ نصت على أنه (إذا قتل الزوج زوجته هي ومن يزني بها حال تلبسهما بالزنا أو اعتدى عليهما اعتداء افضى إلى موت أو عاهة فلا قصاص في ذلك وأنما يعزر الزوج بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة، ويسري ذات الحكم على من فاجأ احدى أصوله أو فروعه أو اخواته متلبسه بجريمة الزنا).

سادساً: من حيث الغاء العذر في قانون العقوبات:

لقد كان قانون العقوبات التونسي يعد إن الزوج القاتل لزوجته أو لمن وجده معها وهما بحالة الوقاع مشمولاً بالعذر المخفف للعقاب (الفصل /207) منه. الا أن القانون المذكور قد الغى الفصل (207) منه بموجب القانون رقم 72-93لسنة 1991 وأصبح الرجل الذي يقتل زوجته الآن معرضاً لعقوبة الموت. ويتضح بعد هذا الاستعراض لبعض مواقف قوانين العقوبات العربية، إن هناك تحولاً في بعض مواقف هذه القوانين من الجريمة المرتكبة في حالة المفاجأة بالزنى، فقانون العقوبات الاردني واللبناني تحولا من العذر المحل إلى العذر المخفف، ثم قانون العقوبات التونسي قد ألغى العذر المخفف.

__________________

1- كانت المادة (340/1) عقوبات اردني تنص على العذر المحل (المعفي) من العقاب، لكنها عدلت بالقانون المؤقت رقم 86 لسنة 2001 وأصبحت تقرأ على الوجه الآتي: (1-يستفيد من العذر المخفف من فوجئ بزوجته أو احد اصوله أو فروعه أو اخواته حال تلبسها بجريمة زنى أو في حالة فراش غير مشروع فقتلها في الحال أو قتل من يزني بها أو قتلهما جميعاً أو اعتدى عليها أو عليهما اعتداء افضى إلى موت أو جرح أو إيذاء أو عاهة دائمة. 2- ويستفيد من العذر ذاته الزوجة التي فوجئت بزوجها حال تلبسه بجريمة الزنى او في فراش غير مشروع في مسكن الزوجية فقتلته في الحال أو قتلت من يزني بها أو قتلتهما معاً أو اعتدت عليه أو عليهما اعتداءاً أفضى إلى موت أو ايذاء أو عاهة دائمة. 3- ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي بحق من يستفيد من هذا العذر ولا تطبق عليه أحكام الظروف المشددة). ينظر:

Lynn welchman-Extracted provoisions from the penal codes of Arab states relevant to “crime of honoure”.

الموقع على الانترنت http:// www.soas.as.uk/

عاطف البطوش/جرائم الشرف في قانون العقوبات : تعديل 2001 ليس صائباً، جريدة الرأي الاردنية في 28/1/2004م.

الموقع على الانترنت http:// www. Alrei.batelco.jo/

2- كانت المادة 562 عقوبات لبناني تنص على العذر المحل من العقاب، لكنها عدلت بالقانون رقم 7 في 20/شباط/1999 لتصبح مجرد عذر مخفف. وتنص بعد التعديل على أنه (يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو احد اصوله أو فروعه أو اخته في جرم الزنى المشهود أو في حالة الجماع غير المشروع فأقدم على قتل احدهما او ايذائه بغير عمد. ويستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو احد فروعه أو احد اصوله أو اخته في حالة مريبة مع آخر). ينظر الاستاذة غادة عدنان حديب، الدستور اللبناني والمرأة،

الموقع على الانترنت: http://www.amangordan.org/

3- العذر المحل: هو سبب للاعفاء من العقاب على الرغم من بقاء اركان الجريمة كافة وشروط المسؤولية عنها متوافرة. ينظر . د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات اللبناني، القسم العام، مرجع سابق، ص754.

4- ينظر د. محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص763.

5- من التدابير التي اتخذت للقضاء على جرائم الشرف في الاردن، التعديلات الاساسية التي ادخلت على القوانين الوطنية لا سيما فيما يتعلق بتعطيل المادة (340) عقوبات لكونها تبرئ ساحة مرتكبي هذه الافعال والاستعاضة عنها بحكم ينص على معاقبة مرتكبي جرائم الشرف. ينظر تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، الجمعية العامة، بعنوان العمل من اجل القضاء على الجرائم المرتكبة ضد المرأة باسم الشرف، رقم/أ/57/169 في 2/تموز/2002، ص4.

6- ينظر د. محمد الفاضل، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، الجرائم الواقعة على الاشخاص، مطبعة جامعة دمشق، 1959، ص487.

موقف القوانين في العراق من المفاجأة بالزنا :

عندما فتح العرب المسلمون العراق، وانتهت مدة القانون القديم، ساد نظام قانوني جديد هو النظام الاسلامي المستمد من أحكام الشريعة الإسلامية. وقد بقي هذا النظام سائداً في العراق حتى منتصف القرن التاسع عشر(1)، إذ اصدرت الدولة العثمانية قانون الجزاء العثماني سنة 1858 م الذي طبق في العراق بوصفه جزءا منها، واستمر هذا القانون نافذاً حتى صدور قانون العقوبات البغدادي في 21/ت2/1918م(2)، والذي استمر نافذ المفعول حتى سنة 1969م إذ صدر قانون العقوبات رقم 111 النافذ حالياً(3). وسيتم بحث موقف هذه القوانين من المفاجأة بالزنى.

اولاً: المفاجأة بالزنا في قانون الجزاء العثماني :

تناول قانون الجزاء العثماني المفاجأة بالزنى في المادة (188)(4) منه. وقد ميز هذا القانون بين حالة المفاجأة بالتلبس بالزنى وعدها عذراً معفياً من العقاب أن ارتكب الجاني جريمته حال هذه المفاجأة ضد زوجته أو احدى محارمه، وبين رؤية الشخص زوجته أو إحدى محارمه على فراش غير مشروع مع آخر وارتكب جريمته فهو معذور، أي أنه يتمتع بالعذر المخفف. كما أن هذا القانون قد جعل العذر المعفي أو المخفف شاملاً جرائم القتل أو الجرح أو الضرب التي يمكن ان ترتكب في مثل هذه الأحوال، كما وسع من نطاق العذر إذ جعله يشمل ارتكاب الجريمة ضد الزوجة أو إحدى المحارم وشريكها احدهما أو كليهما ولم يقصرها على الزوجة وشريكها فقط.

ثانياً: المفاجأة بالزنا في قانون العقوبات البغدادي:

تناول قانون العقوبات البغدادي المفاجأة بالزنى في المادة (216) (5) منه. إن قانون العقوبات البغدادي لم يأخذ بالعذر المعفي من العقاب كما فعل قانون الجزاء العثماني، وإنما أخذ بالعذر المخفف للعقاب فقط عند ارتكاب الزوج أو المحرم جريمة القتل حال مفاجأته بتلبس زوجته أو إحدى محارمه بالزنى أو وجودها في فراش واحد مع عشيقها. وقد حدد هذا القانون العقوبة التي تفرض على الجاني وهي الحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات إن ارتكب جريمة القتل ضد الزوجة أو ضد إحدى المحارم دون الشريك، وبذلك تكون جريمة القتل المرتكبة ضد الشريك هي جريمة قتل عادية. ولم ينص القانون على الجرائم الأخرى التي يمكن ان ترتكب حال هذه المفاجأة كجريمة الاعتداء المفضي إلى الموت أو إلى عاهة مستديمة.

ثالثاً: المفاجأة بالزنا في قانون العقوبات العراقي:

نص قانون العقوبات العراقي على المفاجأة بالزنى في المادة (409)(6) منه. إن هذا القانون اخذ بالعذر المخفف في حالة الجريمة المرتكبة حال مفاجأة الزوج بتلبس زوجته أو احدى محارمه بالزنى وعاقب الزوج أو المحرم بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كما هو الحال في قانون العقوبات البغدادي. إن القانون العراقي قد شمل بالعذر الزوج أو المحرم الذي يرتكب جريمة القتل او الاعتداء المفضي إلى الموت او إلى عاهة مستديمة ضد الزوجة أو احدى المحارم وضد شريكها احدهما أو كليهما. ومنع هذا القانون الزوجة او احدى المحارم وشريكها من التمتع بحق الدفاع الشرعي ضد الزوج أو المحرم، كما منع تطبيق أحكام الظروف المشددة على الجريمة المرتكبة في هذه الأحوال. ويتضح من استعراض مواقف هذه القوانين من المفاجأة بالزنى أنها جاءت واسعة النطاق جميعاً لنصها على شمول الجريمة المرتكبة ضد الزوجة أو احدى المحارم بالعذر المخفف. وبينما أخذ قانون الجزاء العثماني بالعذر المعفي من العقاب، فقد أخذ القانونان الأخران بالعذر المخفف اذ ساويا في العقاب بين الجريمة المرتكبة حال التلبس بالزنى وبين الوجود في الفراش الواحد، في حين أن قانون الجزاء العثماني قد فرق بينهما. وإن هذه القوانين قد حصرت العذر بالزوج او المحرم ولم تمنحه للزوجة أو لغيرها من الاناث. إن قانون العقوبات البغدادي قد جعل العذر متوفرا في حالة قتل الزوجة أو احدى المحارم فقط، بينما قانون الجزاء العثماني وقانون العقوبات العراقي قد جعلا العذر متوفراً إن ارتكبت الجريمة ضد الزوجة او احدى المحارم وضد شريكها احدهما او كليهما. إن مصدر نص المادة (409) ومن قبلها (216) عقوبات بغدادي هو قانون العقوبات الفرنسي مع بعض الاختلاف في الأحكام، رغم ان المجتمع الأوربي يختلف اختلافاً كبيراً عن مجتمعنا الاسلامي الشرقي(7).

________________________

1- ينظر فتحي عبد الرضا الجواري، تطور القضاء الجنائي العراقي، منشورات مركز البحوث القانونية، 12، مطبعة وزارة العدل، بغداد، 1986، ص27.

2- المذكرة الايضاحية لقانون العقوبات البغدادي، ينظر جميل الاورفه لي، شرح قانون العقوبات البغدادي، ط1، مطبعة المعارف، بغداد، 1948، ص22.

3- نشر في الوقائع العراقية العدد 1778 في 15/9/1969.

4- نصت المادة (188) من قانون الجزاء العثماني على انه (من فاجأ زوجته أو احدى محارمه حال تلبسها بالزنى مع شخص آخر فضرب أو جرح أو قتل احدهما أو كليهما فهو معفو. ومن رأى زوجته أو احدى محارمه مع شخص آخر على فراش غير مشروع فضرب أو جرح أو قتل احدهما أو كليهما فهو معذور).

5- نصت المادة 216 عقوبات بغدادي على أنه (كل من فاجأ زوجته أو احدى محارمه في حال تلبسها بالزنا أو وجودها في فراش واحد مع عشيقها وقتلها في الحال يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنين).

6- نصت المادة (409) عقوبات عراقي على أنه (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من فاجأ زوجته أو احدى محارمه في حالة تلبسها بالزنا او وجودها في فراش واحد مع شريكها فقتلهما في الحال أو قتل احدهما او اعتدى عليهما او على احدهما اعتداءاً افضى إلى الموت او إلى عاهة مستديمة. ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر ولا تطبق ضده احكام الظروف المشددة).

7- ينظر د. محمد نوري كاظم، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1977، ص115. جبرائيل البنا، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، ط2، مطبعة الرشيد، بغداد ،1946-1947، ص67.

موقف القوانين الغربية من المفاجأة بالزنا :

سنبحث في موقف بعض القوانين اليونانية والرومانية القديمة من المفاجأة بالزنى .

اولاً: موقف القوانين اليونانية القديمة:

يرجع عذر المفاجأة بالزنى إلى القوانين اليونانية لأنها اقدم من القوانين الرومانية من الناحية التاريخية. وأهم القوانين اليونانية هو قانون دراكون(1) (620) ق.م ، وقانون صولون (600) ق.م. ففي أثينا كان من حق الزوج إذا فاجأ زوجته مع عشيقها أن يقتلها في الحال، أما في غير حالة التلبس لم يكن يجوز له قتلها(2). ولكن يلاحظ أنه لم تحدد عقوبة للزوج القاتل لزوجته في هذه الحالة، ويبدو انه كان عذراً معفياً من العقاب. كما لم يحدد الموقف من شريك الزوجة الزانية، هل يجوز للزوج ان يقتله أم لا، ويبدو أن حق الزوج في القتل يقتصر على زوجته دون شريكها في الزنى(3). وكان قانون صولون يفرض غرامة على من يعتدي على عرض امرأة حرة. وهي عقوبة أخف بكثير مما ورد في قانون دراكون. وأباح لمن يضبط رجلاً متلبساً بالزنى ان يقتله في الحال(4).

ثانياً: موقف القوانين الرومانية القديمة:

أن من اقدم الآثار التي كانت تترتب على الزواج في المجتمع الروماني(5) هو التزام الزوجة بالوفاء لزوجها باقتصارها عليه في علاقاتها الجنسية. وقد كان الـعرف يعطي الزوج حق توقيع عقوبة الموت على الزوجة إذا ضبطها وهي تزني(6). وأن الذي كان سائداً في ظل القانون الروماني القديم في المدة السابقة على صدور قانون جوليا(7) هو القانون (إذا فاجأت الزوجة متلبسة بجريمة الزنى فأقتلها بغير حكم ولا عقاب عليك) أما بعد ظهور قانون جوليا فأن الزوج قد فقد حقه في أن يقتل زوجته المتلبسة بالزنى، فأن قتلها فأنه يعد مسؤولاً لأن قانون جوليا كان ينص على قاعدة أساسية هي (أن الزوج الذي يفاجأ بتلبس زوجته بالزنى كان عليه أن يطلقها حالاً وينتقم لنفسه من الشريك والا عد معتدياً على الاخلاق العامة)(8). ومما جاء في قانون جوليا أيضاً أنه اجاز لوالد الفتاة ان يقتلها سواء كانت متزوجة او تعيش مع والدها بشرط ان يضبطها متلبسة بالزنى، وأن يقوم بقتلها حال مشاهدتها متلبسة بالزنى مع شريكها وأن يتم القتل بفعل واحد ومعها شريكها وأن ترتكب الجريمة في منزل الزوج أو في منزل الأب(9). أي ان قانون جوليا قد جعل الحق في قتل الفتاة المتلبسة بالزنى وشريكها لوالدها سواء كانت متزوجة ام لا وبشروط معينة بدون أن يفرض عليه أي عقاب. وعندما لم يستطع قانون جوليا ان يقاوم الزنى والفساد بسبب اساءة استعمال الطلاق فأن بعض الاباطرة ادخلوا تعديلاً على هذا القانون هو أن الزوج الذي يقتل زوجته وهي متلبسة بجريمة الزنى قد منح التخفيف من العقاب وليس الاعفاء منه، ثم تناقص شيئاً فشيئاً حق الأب في ذلك(10).

________________________

[1] -دراكون حاكم اثينا. وهو أول قانون يوناني مكتوب. ينظر د. هاشم الحافظ، تاريخ القانون، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1980، ص45.

2- ينظر د. محمود سلام زناتي، المرأة عند قدماء اليونان، الكتاب الأول، دار الجامعات المصرية للطباعة والنشر، الاسكندرية، 1957، ص24.

3- أن الشعوب الأفريقية كانت تنظر إلى زنى الزوجة بوصفه اعتداءً صارخاً على حق من الحقوق الاساسية التي اكتسبها الزوج بالزواج. لذلك فأن الجزاء الذي يصيب عشيق الزوجة يتسم بالشدة، فقديما كان للزوج الحق في قتل من يضبطه متلبساً بالزنى بزوجته. ينظر د. محمود سلام زناتي، النظم القانونية الأفريقية وتطورها، ج1، دار النهضة العربية، القاهرة، 1966، ص225.

4- ينظر د. ادوار غالي الدهبي، تاريخ النظم القانونية والاجتماعية، مرجع سابق، ص205. وتجدر الاشارة إلى إن سبارطة وهي إحدى الدويلات التي نشأت في بلاد اليونان، كانت الاباحة الجنسية فيها شائعة، إذ كان يجوز للازواج ان يعيروا زوجاتهم إلى رجال اقوياء حتى يكثر بذلك الاطفال الاقوياء. ينظر المرجع السابق، ص210.

5- أن اقدم قانون روماني هو قانون الالواح الاثنى عشر (450) ق. م. ينظر د. هاشم الحافظ، مرجع سابق، ص46.

6- ينظر د. محمود سلام زناتي، المرأة عند الرومان، الكتاب الثاني، دار الجامعات المصرية للطباعة والنشر، الاسكندرية، 1958، ص212.

7- صدر قانون جوليا عام (90) ق. م. خاص بالزنى، اصدره الامبراطور أغسطس. ينظر د. محمد عبد المنعم بدر و د. عبد المنعم البدراوي، مبادئ القانون الروماني تأريخه ونظمه، مطابع دار الكتاب العربي، القاهرة، 1956، ص245.

8- ينظر د. احمد حافظ نور ، مرجع سابق، ص29 وما بعدها.

9- ينظر د . محمد صبحي نجم، الجرائم الواقعة على الأشخاص ، ط1، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، الاردن-عمان، 1994، ص267.

10- ينظر د. احمد حافظ نور، مرجع سابق، ص35-36.

موقف القوانين الأجنبية من المفاجأة بالزنا :

أن عذر الاستفزاز Lexcuse de provocation لم يعد معترفاً به في فرنسا إذ أنه الغي بموجب القانون رقم (75-617) الصادر في 11 تموز 1975 في المادة (17) منه، والذي نص على الغاء جميع مواد التجريم الخاصة بالزنى الواردة في المواد من (336 حتى 339) من قانون العقوبات الفرنسي إلى جانب الغاء عذر قتل الزوجة الزانية في حالة التلبس الواردة في المادة (324) منه(1). وكانت المادة (324/2)(2) عقوبات فرنسي تعد أن المفاجأة بالزنى عذراً مخففاً لعقاب الزوج الذي يرتكب جريمة قتل زوجته ومن يزنى بها خلال هذه المفاجأة، بشرط الا يكون الزوج متخذا خليلة. أي أنها تنطوي على عذر مخفف كما هو الحال في قانون العقوبات العراقي الا أنها مقررة لمصلحة الزوج فقط دون غيره من اقارب الزوجة، كما كانت المادة المذكورة تشترط أن يرتكب القتل في اللحظة التي يفاجئ فيها الزوج زوجته وعشيقها متلبسين بالزنى في بيت الزوجية لما تسببه من أهانة في شرف الزوج(3). بينما يعّد قانون العقوبات العراقي إن العذر المخفف متوفراً إن ارتكبت الجريمة في أي مكان ولم يشترط ارتكابها في منزل الزوجية. وبعد الغاء المواد الخاصة بتجريم الزنى في فرنسا، أصبح فعل الزنى لا يشكل جريمة حسب قانون العقوبات الفرنسي. وقد تناولت بعض القوانين الأجنبية عذر المفاجأة بالزنى، فقانون العقوبات الايطالي لعام 1930 في المادة (587) منه وسع من نطاق العذر ليستفيد منه الأب والأخ إذا ارتكب جريمة القتل في لحظة اكتشافه العلاقة الجنسية غير المشروعة وهو بحالة الغضب الذي اثاره الاعتداء على شرفه أو شرف عائلته وجعل عقوبة الجاني هي السجن من ثلاث إلى سبع سنوات. ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل من يقتل الشخص الذي كانت له العلاقات الجنسية غير المشروعة مع زوجته أو ابنته أو شقيقته(4). ويرى الفقيه الأمريكي بيردك ان اعطاء هذا العذر للزوج دون الأب والأخ ينسجم ومنطقي مع التشريعات الأوربية-عدا الايطالي والبلجيكي- لأن المرأة بعد زواجها طبقاً لهذه التشريعات تأخذ اسم عائلة زوجها وتتسمى بأسمه فيقال (مسز فلان Mrs.x ) وتنفصل بذلك عن عائلة ابويها، فأن زنت فأنما يلحق العار عائلة الزوج لا عائلة الأبوين(5).

_____________________

1- ينظر

France code penal-Deuxieme Edition، Paris، 1987، pp.213، 237.

2- نصت المادة (324/2) عقوبات فرنسي على أنه(من فاجأ زوجته ومن يزني بها وقتلهما حال تلبسهما بالزنى في بيت الزوجية يعد معذوراً).

3- ينظر

Pierre Bouzat et Jean pinatel، Traite de Droit penal et de criminologie، Tome1، Deixieme edition، Paris، 1970، p.640.

4- ينظر MARC ANCEL، LES CODES PENAUX EUROPEENS، TOME 11، PARIS، 1957 ، P.981.

5- ينظر د. احمد حافظ نور، مرجع سابق، ص371.

المؤلف : قاسم تركي عواد الجنابي
الكتاب أو المصدر : المفاجأة بالزنى عنصر استفزاز في القتل والايذاء

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .