مجلس النواب والإرادة الشعبية (قانون الانتخابات إنموذجاً)
القاضي سالم روضان الموسوي

في كل دورة انتخابية سواء على مستوى مجلس النواب أو مجالس المحافظات تتعالى الأصوات المطالبة بتعديل قانون الانتخابات وتمثل أغلبها صوت الشعب الذي يعارض الآليات الانتخابية المتبعة في ظل القوانين النافذة، وهذا الصوت لم يكن يمثل قلة أو ثلة من الشعب، بل يكاد يشكل إجماعا شعبيا قلما حظي به موضوع آخر، لذلك فانه يمثل إرادة شعبية تطالب بتعديل القوانين الانتخابية حتى أن أغلب الكتل الانتخابية المشاركة في أي انتخابات تجعل من هذا المطلب شعار انتخابي تستجدي به الناخبين للتصويت لصالحها، لكن الأمر المؤسف أن هذه الكتل التي تصدت للمشهد النيابي تخلت عنه، وعادت إلى مصالحها الفئوية متجاهلة تلك الإرادة الشعبية التي أوصلتها إلى سدة مجلس النواب، وفي آخر حلقة في سلسلة تجاهل الإرادة الشعبية، تمثل في تمرير قانون مجالس المحافظات، وصوت مجلس النواب عليه بأغلبية مريحة، ومن عارضه عدد قليل من النواب، وان الكتل الرئيسة ذات الأغلبية المؤثرة في التصويت جميعها كانت تعبر عن امتعاضها من الآليات النافذة وتنتقد القانون السائد والنافذ، بل أن بعضهم اعتبر التعديل مطلب لتحقيق الإرادة الشعبية، وأن وسائل الإعلام تضج بهذه الادعاءات وعلى لسان أعضاء تلك الكتل، لكن الواقع افرز لنا غير ذلك، إذ مرروا القانون على وفق مصالحهم الفئوية والشخصية، وعادوا بنا إلى معادلة سانت ليغو التي غادرتها ولم تعمل بها جميع البلدان التي تمارس الانتخابات، لأن تلك الطريقة لم تحقق مطالب الشعب ولم توفر التمثيل الصحيح للشعب في مجلس النواب أو مجلس المحافظة، إلا إن أعضاء مجلس النواب عمدوا إلى ذلك الأمر مع ما أنتجت لنا هذه الطريقة من إفرازات سيئة وصلت إلى حد التزوير وحرق صناديق الاقتراع، فضلاً عن العزوف الشعبي عن الانتخابات وبنسبة كبيرة ومؤثر مما دعا البعض إلى التشكيك بمخرجات العملية الانتخابية الأخيرة لمجلس النواب .

لذلك ومن خلال التجارب التي مر بها العراق منذ بدأ في إجراء الانتخابات النيابية بعد عام 2003 فالثابت بان تلك الجهات المتصدية للمشهد النيابي والتشريعي لا علاقة لها بالإرادة الشعبية وإنما تسعى إلى فرض مصالحها الشخصية والحزبية والفئوية، وارى بان العلاج للعلل التي يعاني منها العراق والاعتلال السياسي والتشريعي المستشري في أوصاله لا يكون إلا بإعادة النظر في آليات الانتخابات وجعل الإرادة الشعبية هي الوسيلة التي من خلالها ننهض بذلك الواقع ووضعها نصب الأعين عند التشريع كما إن الشعب يجب أن يكون له دور ايجابي، بمعنى أن لا يكتفي بالموقف السلبي الرافض المتمثل بالامتناع عن المشاركة وإنما عليه أن يتخذ الإجراءات التي أساسها القانون وتكفلها الدستور عبر تفعيل دور الشارع والرأي العام في الإعلان عن صوت الشعب الرافض حتى يرضخ المشرع العراقي إلى سماع ذلك الصوت ومن ثم تشريع قانون يمثل الإرادة الشعبية الحقيقية وليس المزيفة التي يزعم البعض إنهم يعبرون عنها عبر تعديل قانون الانتخابات النافذ وجعل الترشح إلى عضوية مجلس النواب او عضوية مجالس المحافظات لمن يحصل على أعلى الأصوات دون الالتفات إلى قائمته التي ترشح فيها ويكون من يرتقى إلى كرسي البرلمان أو مجلس المحافظة هو من نال أعلى الأصوات عن أقرب منافسيه و لا اعتقد إن العذر الذي ساقه البعض بان عملية الاحتساب ستطول نسبيا ويكون مانعا يحول دون ذلك، لأن أي انتخابات جرت في العراق بعد عام 2004 كانت تأخذ مديات زمنية طويلة تقاس بالأشهر وليس بالأيام مع وجود جهاز مشرف عليها ضخم بإمكانيات مالية وبشرية هائلة، والاحتساب على أساس أصوات الأفراد الفائزين سيكون أقل كلفة لأنها لا تذهب إلى احتساب العتبة لأي قائمة ولا تذهب إلى احتساب عدد أصوات القائمة كما لا تحتاج إلى عناية في توزيع المقاعد داخل القائمة الفائزة.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت