تعديلات قانون الأحوال الشخصية.. مخالفات شرعية أم إنصاف للمرأة؟

منذ العام 1953، قاوم قانون الأحوال الشخصية جميع التغيرات التي طرأت على المجتمع السوري، ولم يتعرض إلّا إلى تعديلات طفيفة، غيرت ملامح بعض بنوده، ولم تكن مرضية لبعض مجتمع القانونيين الداعين إلى تعديلات جذرية على القانون الحالي.

أغلب التعديلات على القانون تمت قبل العام 1975، وبعد العام 2000، وتركزت على أمور تتعلق بالزواج، لكن التعديلات الأكثر شمولًا انتظرت 66 عامًا إلى حين إقرارها.

ففي العاشر من شباط الحالي، أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد القانون رقم 4 لعام 2019 القاضي بتعديل 23% من مواد قانون الأحوال الشخصية، وشمل التعديل عددًا كبيرًا من المواد، من المفترض أن يصبّ أغلبها في إطار تحسين وضع المرأة.

ويعد قانون الأحوال الشخصية من القوانين الأكثر حساسية، لكونه ينظم أمورًا تتعلق بالحياة العامة والشؤون الشخصية للأفراد، إذ يُعنى بقضايا الطلاق والزواج والإرث وحضانة الأطفال، وما إلى ذلك من قضايا تؤثر في حياة المواطنين.

وعلى اعتبار أن قانون الأحوال الشخصية يستند إلى الشريعة الإسلامية كمرجع أساسي، لذا فأي تعديل يطرأ عليه لا بد أن يفتح مجالًا واسعًا للجدل، ويجذب آراءً متناقضة، بعضها يطالب بالوصول إلى قانون أحوال شخصية مدني، وبعدها ينظر بحذر شديد إلى البنود والنقاط التي يمكن أن “تخالف” الشريعة الإسلامية.

عنب بلدي اطلعت على التعديلات الحاصلة على 71 مادة من أصل 308 مواد في قانون الأحوال الشخصية رقم 59 لعام 1953، وأجرت مقارنة بين تلك المواد قبل وبعد التعديل، كما حاورت ثلاثة محامين سوريين لتفسير تلك التعديلات والاطلاع على الآراء المختلفة حيالها.

مخالفة للشرع؟
تحددّ الشريعة الإسلامية، التي يستند إليها قانون الأحوال الشخصية السوري، الأمور المتعلقة في شؤون الزواج والطلاق وحضانة الأبناء والميراث، بالاستناد إلى نصوص قرآنية صريحة أو أحاديث نبوية، وتكثر التفاصيل التي يُستند فيها إلى الآراء الفقهية للمذاهب والطوائف الإسلامية المختلفة.

بما أن التعديلات طالت عددًا كبيرًا، نسبيًا، من مواد القانون فإن جزءًا لا بأس به منها كان موضع انتقاد، على اعتبار أنه مخالف للشريعة الإسلامية.

المحامي محمد الحبال، مدير مكتب جمعية الإصلاح الأسري في مدينة اسطنبول، يرى أن أغلب التعديلات مخالفة للشريعة وستؤدي إلى مخالفات، وسيتم توسيع الإشكالات بين الناس بسبب المفارقات الموجودة في القوانين.

وفي حديثه إلى عنب بلدي، انتقد الحبال أكثر من تعديل على القانون، ومنها التعديل الوارد على البند الثاني من المادة رقم 12 والذي جاء في نصه “إذا زوج الأب ابنته البالغة العاقلة بأمرها ورضاها وكانت حاضرة بنفسها في مجلس العقد صح الزواج بحضور شاهد واحد أو امرأتين إضافة للأب”.

وكانت المادة في القانون الأساسي تشترط فقط في صحة عقد الزواج “حضور شاهدين رجلين أو رجل وامرأتين مسلمين عاقلين بالغين سامعي الإيجاب والقبول فاهمين المقصود بهما”.

ويرى الحبال أن الواجب في الشهادة أن يكون فيها رجلان، مضيفًا أن التعديل “ألغى دور الأب كولي أمر واعتبره شاهدًا، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لا نكاح إلى بولي وشاهدي عدل”.

وفي البند الثالث من المادة ذاتها ورد أنه يجوز أن يكون أحد الشهود من دين الزوجة، أي في حال كانت الزوجة مسيحية على سبيل المثال، يمكن أن يكون أحد الشهود مسيحيًا، وهو ما يعتبره الحبال “مبطلًا للعقد”.

التعديلات على المادة 26، التي تحدد ولي أمر الفتاة عند الزواج، رآها الحبال أيضًا مخالفة للشريعة، إذ منح التعديل أم الزوجة الحق في أن تكون وليها عند كتابة عقد الزواج في حال غياب الأب، أو عدم توفر ولي عصبي للفتاة (جد، عم، أخ..)، وهو ما يجده الحبال مناقضًا لـ “القاعدة الشرعية التي تقول إن القاضي ولي من لا ولي له”.

أما القاضي السوري إبراهيم الحسين، عضو المجلس القضائي السوري المستقل، فلديه رأي مختلف، إذ يجد أنه من الطبيعي أن “يثار الجدل حول هذه التعديلات لا سيما من أولئك الذين يظنون أنه لا يجوز المس بالآراء الفقهية التي اعتادوا عليها والتي كانت تشكل مرجعًا رئيسًا لقانون الأحوال الشخصية السوري عند إصداره عام 1953”.

آراء فقهية مختلفة في الاعتبار
يضيف الحسين في لقاء مع عنب بلدي، “طالما أننا نقول بأنها آراء فقهية فهذا يعني بالضرورة أنها قابلة للتعديل تبعًا لظروف الزمان والمكان، مع الإشارة طبعًا إلى أن ذلك لا يخالف نهج الفقهاء أنفسهم فالإمام الشافعي سبق وعدل في مذهبه وفقًا لطبيعة المجتمع الذي عاش فيه”.

ويرى الحسين أن إعادة النظر في ترتيب من يملك حق حضانة الطفل في التعديلات الجديدة، هي واحدة من الأمور التي أثارت الجدل، إذ قضت المادة 139 من القانون الأساسي أن يكون “حق الحضانة للأم، فلأمها وإن علت، فلأم الأب وإن علت، فللأخت الشقيقة، فلأخت الأم.. إلخ”، وفي التعديل الجديد أصبح للأب حضانة ابنه قبل حضانة أم الأم.

لكن المحامي محمد الحبال، لا يجد مخالفة شرعية في هذا التعديل، الذي “قال به الإمام أحمد ابن حنبل”.

وأبدى الحبال استغرابه من الأخذ برأي المذهب الحنبلي في التعديل، بينما يستند “القانون غالبًا إلى المذهب الحنفي ونادرًا ما يخرج إلى آراء مذاهب أخرى إلا في حال وجود مصلحة عامة”.

المادة 100 من القانون، والتي تم تعديلها بحيث يعتبر الخلع فسخًا للعقد وليس طلاقًا، أيضًا اعتبرت من المواد الجدلية التي تتحمل آراء فقهية، بحسب الحبال الذي يوافق الرأي القائل بأن الخلع فسخٌ.

أين المرأة من القانون
أُقرّت في التعديلات الجديدة على قانون الأحوال الشخصية الكثير من الأمور المتعلقة بوضع المرأة كزوجة أو أم، في إطار “محاولة تحسين وضع النساء في سوريا”.

رئيس قسم الأحوال الشخصية في كلية الشريعة في دمشق، محمد حسان عوض، قال لصحيفة “الوطن” المقربة للنظام في 2 من شباط الحالي (أي قبل إقرار التعديلات في مجلس الشعب)، إن التعديلات عالجت التمييز ضد المرأة وسهلت بعض الإجراءات القانونية القضائية بما في ذلك معالجة السبب الرئيس للزواج العرفي وتسهيل الإجراءات الأخرى في القضاء للوصول إلى مبتغى القانون، كما أعطت مساحة أوسع للمرأة في بعض الجوانب لم يكن منصوصًا عليها بالقانون.

لكن بعض القانونيين لا يرون في التعديلات تحسينًا كبيرًا لوضع المرأة، ومنهم محامية سورية تقيم في دمشق (رفضت نشر اسمها)، قالت لعنب بلدي إن ما حدث بالنسبة للقانون هو “ترقيع” وليس تعديل نقاط جوهرية.

وضربت المحامية مثالًا على ذلك تعديل سن الزواج بالنسبة للفتيات في المادة 16 من القانون، إذ أصبحت أهلية الزواج للفتى والفتاة محددة بسن 18 عامًا، بعد أن كان سن الأهلية للفتاة 17 عامًا.

ورغم أن ذلك يمكن أن يسهم في إزالة الغطاء القانوني عن تزويج الفتيات القاصرات، لكن القاضي الشرعي يمكنه أن يزوج الفتاة أو الفتى في سن أصغر من 18 عامًا، في حال رأى فيهما أهلية للزواج، وذلك بحسب المادة 18 من القانون والتي تقول “إذا ادعى المراهق أو المراهقة البلوغ بعد إكمال الخامسة عشرة وطلبا الزواج يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما، ومعرفتهما بالحقوق الزوجية”.

القاضي إبراهيم الحسين، يوافق المحامية في أنّ التعديلات لم تكن منصفة للمرأة كما يجب، إذ لم

يعطِ التعديل الجديد الحق للفتاة، حتى التي بلغت الثامنة عشرة (ولم يسبق لها الزواج)، بتزويج نفسها بل بقي القانون يشترط وجود موافقة الولي، وفي حال تعنته ورفضه يحق للفتاة أن ترفع الأمر للقاضي الذي إما أن يأذن بالزواج وإما لا مع اشتراط الكفاءة ومهر المثل”، في إشارة إلى التعديل على المادة 20.

ويرى الحسين أن هذا “يعني استمرار القانون في اتباع الاتجاه الذي يعتبر المرأة غير قادرة على تحديد مصيرها بنفسها وبأنها بحاجة لمن يكللها بالحماية”.

بالمقابل، لا ينكر الحسين وجود بعض النقاط الإيجابية في التعديلات بالنسبة للمرأة، مثل المادة 21 التي تنص على ما يلي: “إذا زوج الولي الفتاة بغير إذنها ثم علمت بذلك كان العقد موقوفًا على إجازتها صراحة”.

إضافة إلى ذلك، باتت المرأة وفق التعديل على المادة 73 تستطيع أن تشترط في عقد زواجها العمل خارج المنزل، ولا يسقط حقها في النفقة إذا لم تأخذ إذن زوجها فيما بعد، كما في السابق.

وفي حال تعسّف الزوج في الطلاق يجوز “للقاضي أن يحكم للمطلقة على مطلقها بحسب حاله ودرجة تعسفه بتعويض لا يتجاوز مبلغ نفقة ثلاث سنوات لأمثالها فوق نفقة العدة”، بحسب التعديل على المادة 117 بعد أن كان يشترط القانون الأساسي لذلك أن يصيب المرأة فقر وبؤس بسبب الطلاق التعسفي ليتم منحها النفقة، وهو ما يُفترض به أن يسهم في الحد من التعسف في الطلاق الذي يمارسه بعض الرجال على زوجاتهم.

هل تكفي تلك التعديلات؟
يتفق القاضي إبراهيم الحسين والمحامية المقيمة في دمشق على ضرورة إجراء تعديلات على قانون الأحوال الشخصية، بينما يرى المحامي محمد الحبال أن عدم تعديل القانون أفضل.

ويشير القاضي الحسين إلى أن “قانون الأحوال الشخصية كان بحاجة ماسة لإجراء تعديلات عليه، بغض النظر عن مدى مشروعية النظام وأهليته لإصدار هذه التعديلات والطريقة التي تم بواسطتها إعدادها”، مضيفًا أن “القليل منها جاء منصفًا ومتماشيًا مع الحاجات المجتمعية”.

كما تقول المحامية إن التعديلات لا توافق ما هو مطلوب، لكنها على قدر التوقعات، “إذ لم يكن من الممكن أن يتم إنجاز أكثر من ذلك على يد من عدلوا المواد”.

ومثال على ذلك، تشير المحامية إلى المادة 146 التي تنتهي بموجبها مدة الحضانة للولد (ذكرًا كان أو أنثى) في الخامسة عشرة من العمر، بعد أن كانت مدة الحضانة للذكر تنتهي في سن الثالثة عشرة، إذ ترى أنه أمر جيد، لكن المشكلة التي لا تزال مستمرة أنه “لا يوجد بيت للحاضنة”.

أما القاضي الحسين فيرى أن التعديلات “لا ترقى لجعل القانون كاملًا محصنًا من الخطأ، ولا شك أن عدم التشاركية في مناقشة هذه التعديلات وعدم إطلاع الخبراء والكفاءات المجتمعية عليها والسعي لتمريرها بطريقة السلق أثار بالفعل انتقادات واسعة محقة”.

وأضاف، “لا أستطيع أن أفهم كيف قام مجلس الشعب بدراسة كل هذه المواد خلال يوم واحد مع أن قراءتها والتمعن فيها بشكل فردي تحتاج لعدة أيام.
لكن هذا ليس بغريب على النظام السوري الذي لا يهمه إلا تمرير الرسائل وهذه المرة تبدو رسالته للغرب ليظهر نفسه بمظهر المدافع عن حقوق المرأة”.

ويوافق المحامي محمد الحبال هذا الرأي، إذ يرى أن “السمة العامة لهذه التعديلات هي محاباة القوانين الأوروبية”.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت