خطورة اللوائح الداخلية للشركات على استمراريتها
فهد الطبيب
يعد نموذج نوكيا بالسقوط عن عرش صناعة الهاتف المتنقل، النموذج الأشهربين الشركات الصناعية الكبرى في العالم. حيث شكل سقوط نوكيا المدوي من على عرش الهواتف النقالة، اهتمام بالغمن قبل المراقبين لشؤون الشركات الكبرى في العالم.

كما استحوذت قضية نوكيا على اهتمام المراقبين، ونصب جل ذلك الاهتمام على منتج نوكيا النهائي, والاسباب التقنية التي ادت الى تخلف منتج نوكياالنهائي عن باقي المنتجات المنافسة. ويعزي اغلب المراقبين لملف نوكيا, بان سقوط نوكيا يعود بالدرجة الاولى إلىالقصور التقني.

حيث ادى هذا الاهتمام المستمر و المتمركز حول الجانب التقني فقط الى قصور واضح في فهم اسباب شيخوخة نوكيا. ومن خلال الأطلاع على ملف نوكيا, وجدت بان أخطر ما تم إهماله او تجاهله من قبل الدارسين لملف شركة نوكيا، كان الجانب المتعلق باللوائح الداخلية للمنشاة (نوكيا) اذ لم يتم التطرق باي صورة من الصور الى ذلك الجانب المهم جدا بالنسبة لأي منشئة في العالم.

هناك اهتمام قد لا اكون بالغت أن وصفته بالاهتمام أحادي الابعاد من قبلعدد كبير من الباحثين في ملفات الشركات المتعثرة، حيث كثير ما يتمحور هذا الاهتمام القاصر، فقط على الجانب التقني للمنتج النهائي.

على راس هذه العوامل المهمة والتي تم اهمال التطرق اليها سواء بقصد او غير قصد من قبل المراقبين, هي انظمة المنشأة الأدارية المرتبطة بالعنصر البشري. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تجد بان في كثير من المنشآت الصناعية لوائح داخلية تنص على ان يكون جميع العاملين في المراكز التقنية الرئيسية المسؤولة عن إصدار المنتجات الجديدة هم من حملة الشهادات المتخصصة، وان يكون لديهم خبرة لا تقل عن عشر سنوات في مجالات محددة.

اضافة الى ذلك، من الوارد جدا بان تجد ان القوانين الداخلية للمنشأة تنص على ان لا يستطيع احد من موظفي الإدارات الأخرى المساهمة بأي شكل من الأشكال بإنتاج ذلك المنتج. هذا يتم رغم وجود شواهد عملية كثيرة تدل على أن جميع العاملين في المنشأة يستطيعون ان يساهمون في ابتكار وتحسين جودة المنتجات، سواء كان ذلك يشكل مباشر او غير مباشر.

خلال العقود الماضية استثمرت الشركات العالمية الكثير من الجهد والمال في انظمتها الداخلية, لكنها غفلت او تغافلت عن أن لتلك النظم تاريخ صلاحية محدد. وقد تكون تلك العوامل او المتغيرات المؤثرة على خطة سير المنشأة ونجاحها من عدمه, عوامل اقتصادية خالصة، تقنية صرفة، أو اجتماعية شاملة, ويضل التقييم المستمر لتلك المتغيرات هو السبيل الوحيد لتحديد مدى صلاحية تلك اللوائح والانظمة من عدمها في الوقت القائم.

إضافة إلى ذلك، يجب التنبه إلى أن وجود هوة أو عدم تناغم بين القائمين على تطوير اللوائح الداخلية للشركة وبين الراسمين لا هداف تلك الشركة يعد بمثابة الفخ لكثير من المنشأت. فالكثير من أنظمة العمل واللوائح الداخلية للشركات تعود إلى الخمسينات منا لقرن الماضي.

قبل ان تظهر اثار الشيخوخة على المنشات من الخارج, فهي تشيخ اولاً من الداخل, متاثرة بانضمتها البالية. حيث يعد عدم التناغم بين اللوائح الداخلية للشركات وأهدافها المرسومة سبب رئيسي في تخبطها وشيخوختها المبكرة.

كذلك ايضا يخلق ذلك الفراغ بين اللوائح الداخلية للمنشأة والأهداف المراد تحقيقها نوع من العزلة بين العاملين والإدارة، من ما يؤدي في النهاية إلى الوهن في اداء المنشأة. كما يعد حرمان المنشأة من مساهمات آلاف الموظفين، والاكتفاء بمساهمات بعض الموظفين المتخصصين دون غيرهم من الموظفين بحجة عدم سماح الأنظمة واللوائح المعمول بها داخل المنشاءة احد اهم الأسباب في نضوب الأفكار.

واظهرت ايضا بعض الدراسات الحديثة الخاصة بقوانين عمل العمال في المنشأت بان عدم وجود نظام ساعات عمل مرنة, سيحد بشكل كبير من انتاجية العاملين في تلك المنشآت. كما يعد الخلل في نظام المكافآت أحد أهم اسباب انكفاء الموظف والحد من مساهمته في تطوير ونهوض المنشاة.

فعدم قدرة اللوائح الداخلية على التعاطي مع المتغيرات والتحديات المستمرة التي تواجه المنشاة يعد أحد مكامن الخلل في اي منظومة او مؤسسة، وسبب رئيس في حرمانها من الكثير من الأرباح المحتملة. والتركيز على الجوانب التقنية المتعلقة بالمنتج دون الاهتمام بالتفاصيل الخاصة في اللوائح والانظمة الداخلية للمنشأة, سيخلف فراغ داخلي كبير، سيؤدي في أغلب الاحيان الى انكفاء وابتعاد الكثير من الموظفين عن محور الأعمال في المنشأة.

التناغم بين اللوائح الداخلية والأهداف المعلنة ضرورة قصوى لاستمرار وبقاء الشركات متجددة وقائمة. حيث ان غياب الحافز نتيجة لضعف اللوائح الداخلية وعدم تطويرها يعد اهم اسباب انكفاء الموظف.

اخيرا وليس اخرا، عدم الأخذ في الاعتبار المتغيرات الاجتماعية ومايصاحبها من تأثير على اسلوب حياة الموظف, يعد بمثابة العقاب للمنشأة قبل الموظف.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت