جرائم الاعتداء على الاشخاص وعقوبتها وفقاً لقانون العقوبات المصري

جرائم الاعتداء على الأشخاص

تعريف :

جرائم الاعتداء على الأشخاص هي تلك الجرائم التي تنال بالاعتداء أو تهدد بالخطر الحقوق اللصيقة بالإنسان. ومن بين هذه الحقوق ما يمثل أهم حقوق الفرد في المجتمع على الإطلاق وهو الحق في الحياة، إذ إن جميع الحقوق الأخرى تنبني على هذا الحق، فتنشأ بوجوده وتزول بفناء الإنسان.

وتنقسم الجرائم التي تقع على الأشخاص إلى عدة أقسام: فمنها ما يمثل اعتداء على حياة الإنسان كالقتل، ومنها ما يصيب سلامة جسم الإنسان كالضرب والجرح وإعطاء المواد الضارة، وبعضها يمثل اعتداء على الجنين داخل رحم أمه فتتوافر جريمة الإجهاض ومنها ما يمس عرض الإنسان وحياءه كالاغتصاب وهتك العرض والزنا والفعل الفاضح.

و منها ما يصيب الحق في الشرف و الاعتبار كالقذف و السب .

و نتناول أربعة أنواع من هذه الجرائم ، و هى .

ــ جرائم القتل

ــ جرائم الضرب و الجرح و إعطاء المواد الضارة

ــ جرائم الاعتداء على العرض

ــ جرائم الاعتداء على الشرف و الاعتبار

جرائـــــــم القتــل:

جرائم القتل تنقسم بالنظر إلى توافر إحدى صور الركن المعنوي إلى قتل عمدي وقتل غير عمدي والقتل العمدي قد يكون بسيطا وقد يقترن بظروف تشدد من العقوبة بل قد يقترن بظروف مخففة. والقتل الغير العمدي قد يقترن أيضا بظروف تشدد من العقوبة. إلا أن جرائم القتل -على الرغم من تنوع صورها – تشترك فيما بينها في بعض الأحكام.

الأحكام المشتركة في جرائم القتل:

القتل يمثل اعتداء على أهم حقوق الإنسان وهو الحق في الحياة ويتحقق بقيام الجاني بإزهاق روح إنسان آخر على قيد الحياة.

وتشترك جرائم القتل (سواء أكانت عمدية أم غير عمدية) – وفقا للتعريف المتقدم- في أنها تتطلب توافر شرطين: الأول خاص بموضوع أو محل الاعتداء، إذ يشترط أن يكون المجني عليه إنسانا حياً، والثاني خاص بالركن المادي أي النشاط أو السلوك الإجرامي الذي يتحقق به الاعتداء على حياة المجني عليه.

محل الاعتداء في جرائم القتل:

يشترط أن يكون محل الاعتداء إنساناً حياً وقت اقتراف الجاني لفعله، وأن يقع الاعتداء على غير الجاني.

الشرط الأول – أن يقع الاعتداء على إنسان حي:

تقع جريمة القتل إذا كان المجني عليه إنساناً. فإذا انتفت هذه الصفة في محل الاعتداء، لا تقع جريمة القتل، وإن جاز معاقبة مرتكبيها عن جريمة أخرى.

بداية حياة الإنسان :

الحياة وصف ينصرف إلى جسم الإنسان ويراد به مباشرته لمجموعة من الوظائف العضوية (سواء أكانت داخلية أم خارجية) والذهنية بحيث يكون قادرا على الحركة والنمو بصورة طبيعية.

يمد قانون العقوبات حمايته على الكائن الإنساني ليس فقط بعد ميلاده ولكن أيضا يسبغ حمايته للجنين في جميع مراحل نموه. إلا أن الحياة الإنسانية داخل الرحم تختلف عن الحياة عموما بعد الميلاد حيث يكتسب الإنسان عند تحققها الشخصية القانونية.

وقد استقر الفقه إلى أنه ببداية عملية الولادة يصبح الجنين إنساناً متمتعا بالحياة، لأن هذه المرحلة تعتبر إيذانا باكتمال المولود ويكون المولود قادرا على التكيف في الحياة الخارجية، ويتأثر مباشرة بالمؤثرات الخارجية ويمكن أن يكون محلا للاعتداء مثل غيره من الناس. ولا عبرة بعد ذلك بالعيوب أو التشوهات أو الأمراض التي قد يحملها المولود.

تحديد نهاية حياة الإنسان:

لحظة وفاة الإنسان وإن كانت لا يجب أن تثير صعوبة في تحديدها مع تقدم العلوم الطبية إلا أنها ما زالت محل جدل وبحث على مستوى العالم. ويمكن رد الآراء المختلفة وفقا لمعيارين: معيار تقليدي ومعيار حديث.

فوفقا للمعيار الأول: فإن الوفاة تتحدد في حالة توقف جميع أجهزة الإنسان عن العمل. أي في حالة توقف المخ والقلب عن النبض والدورة الدموية وجهاز التنفس عن العمل.

أما وفقاً للمعيار القانونى فإن الطب الحديث أو العرف الطبي السائد يعتبر الإنسان قد فارق الحياة عندما تنتهي حياة المخ.

الشرط الثاني – أن يكون المجني عليه غير الجاني:

القتل كما سبق لنا أن عرفناه هو إزهاق روح إنسان بواسطة شخص آخر. أي إن الجاني والمجني عليه شخصان مختلفان. فإذا ما قرر الشخص إنهاء حياته بنفسه كانت الواقعة انتحارا وليست قتلا بالمعني القانوني. ومما لا شك فيه أن التمييز بين الحالتين له أهمية كبيرة ذلك أن أغلب التشريعات الجنائية لا ترى في الانتحار أو الشروع فيه جريمة.

الركن المادي للقتل:

يتبين من تعريف القتل أن الركن المادي للجريمة ينهض على ثلاثة عناصر:

العنصر الأول يكمن في السلوك الإجرامي. الثاني في النتيجة. الثالث في علاقة السببية.

السلوك الإجرامي:

فيقصد إذن بالسلوك الإجرامي في جرائم القتل (سواء أكانت عمدية أم غير عمدية) كل نشاط يؤدي إلى الاعتداء على حياة إنسان. ويستوعب النشاط الإجرامي نوعين من السلوك هما : سلوك إيجابي وسلوك سلبي.

(1) السلوك الإيجابي:

يتحقق السلوك الإيجابي بارتكاب الجاني حركة عضوية إرادية يترتب عليها النتيجة الإجرامية.

القتل بالوسائل المعنوية:

يميل غالبية الفقه المصري – بحق – إلى الاعتراف بصلاحية الوسائل النفسية أو المعنوية لتحقيق عنصر الاعتداء. فقد سبق أن بينا أن القانون لم يحدد وسيلة بعينها يتعين على الجاني استعمالها للقول بتحقق جريمة القتل وأنه بذلك يساوي – من حيث التجريم – بين الوسائل المختلفة التي يترتب على استعمالها ذات النتيجة الإجرامية ما دامت تصلح لإحداثها.

السلوك السلبي (القتل بطريق الامتناع):

يعني السلوك السلبي في القتل، إحجام أو امتناع الشخص عن اتخاذ موقف إيجابي معين يترتب عليه وفاة إنسان. مثال ذلك امتناع الأم عمدا عن إرضاع صغيرها بنية قتله

النتيجـــــة الإجرامية:

وفاة المجني عليه:

«وفاة المجني عليه»: هي النتيجة الإجرامية في جرائم القتل. ولا يشترط القانون للعقاب على القتل أن تتحقق النتيجة بفعل واحد، فيسأل الجاني ولو كانت الوفاة حدثت نتيجة عدة أفعال متتالية كمن يقوم بطعن المجني عليه عدة طعنات أو يضع السم في طعامه على جرعات لا تصلح كل واحدة منها منفصلة أن تحقق الهدف. ولا يشترط العثور على جثة المجني عليه كاملة ما دامت المحكمة قد بينت الأدلة التي أقنعتها بوقوع القتل على شخص المجني عليه.

علاقة السببية:

يقصد بعلاقة السببية: إمكان إسناد النتيجة الإجرامية إلى شخص معين من الناحية المادية. وعلاقة السببية عنصر جوهري في جميع الجرائم سواء أكانت عمدية أم غير عمدية. فيجب لمعاقبة الشخص أن يكون الاعتداء على حياة المجني عليه قد تحقق نتيجة سلوكه.

الأحكام الخاصة بالقتل العمدي:

قد يكون القتل العمدي بسيطاً وقد يقترن بظروف تشدد من العقوبة، وقد يقترن بظروف مخففة.

القتل العمدي في صورته البسيطة:

يتطلب القتل العمدي البسيط – بالإضافة إلى توافر محل الجريمة والركن المادي – توافر القصد الجنائي.

القصــــــد الجنائي:

»القصد الجنائي« هو أخطر صور الركن المعنوي، ذلك أن الجريمة تمثل عدوانا على المجتمع يكتمل عندما تكون جميع العناصر المادية للجريمة مرتكبة عن عمد.

عناصر القصد الجنائي :

القصد الجنائي: هو علم الجاني بعناصر الجريمة وإرادته متجهة إلى تحقيق هذه العناصر أو إلى قبولها.

يتبين من تعريف القصد الجنائي أنه ينهض على عنصرين: الأول: العلم بعناصر الجريمة، والثاني إرادة تحقيق هذه العناصر.

أولاً – العلم بعناصر الجريمة :

ويجب أن يحيط الجاني بجميع الوقائع ذات الأهمية القانونية في تكوين الجريمة. وعلى ذلك يجب أن يعلم الجاني بعناصر الركن المادي ومحل الاعتداء في جريمة القتل.

العقـــــــوبــــة

إذا ما ثبت للمحكمة من ظروف الدعوى توافر أركان جريمة القتل العمدي – ولم يكن المتهم في حالة دفاع شرعي أو استعمال حق – وجب على القاضي النطق بالعقوبة المقررة لهذه الجريمة. وقد نصت المادة 234 من قانون العقوبات في فقرتها الأولى على عقوبة القتل العمدي وهي السجن المؤبد أو السجن المشدد. وللقاضي إذا حكم بالسجن المشدد أن يحكم بعقوبة تتراوح بين حديها الأدنى والأقصى. بل له أن يهبط بالعقوبة إلى السجن أو الحبس الذي لا يجوز أن ينقص عن ستة أشهر وفقا للمادة 17 من قانون العقوبات، إذا اقتضت أحوال الجريمة رأفة القضاة بالمتهم.

أما في حالة الشروع في القتل، فتتحدد العقوبة في ضوء نص المادة 46 من قانون العقوبات.

القتل العمدي في صورته المشددة:

القتل العمدي المشدد يتطلب – بالإضافة إلى توافر محل الجريمة والركن المادي والركن المعنوي – توافر ظرف من الظروف الواردة في المواد من 230 إلى 234 و251 مكرر من قانون العقوبات.

و قد نص المشرع على عقوبة الإعدام عند توافر إحدى هذه الأسباب.

وأسباب التشديد ترجع إلى الأنواع الآتية:

الأول: التشديد الذي يرجع إلى نفسية أو قصد الجاني كسبق الإصرار (المادة 230 من قانون العقوبات)؛

الثاني: التشديد الذي يتعلق بوسيلة أو كيفية ارتكاب الجريمة كالقتل بالسم (المادة 233 عقوبات) أو الترصد (المادة 230 عقوبات)؛ ثالثاً: التشديد الذي يقوم على اقتران القتل العمد بجناية (المادة 234/2 ع)؛

رابعاً: التشديد الذي ينهض على ارتباط جناية القتل بجناية أو بجنحة أخرى.

سبــق الإصـرار:

يميز القانون بين القتل غير المسبوق بعزم وتصميم على ارتكابه (القتل في صورته البسيطة) والقتل المسبوق بالتروي والتفكير (القتل في صورته المشددة)، حيث يشدد العقاب في الحالة الثانية أي إذا وقعت الجريمة مع»سبق الإصرار«. فقد ذهبت المادة 230 من قانون العقوبات إلى أن »كل من قتل نفساً عمداً مع سبق الإصرار على ذلك أو الترصد يعاقب بالإعدام«.

عــلة التشديد:

يكشف توافر ظرف سبق الإصرار عن خطورة إجرامية لدي الجاني الذي فكر في ارتكاب جريمته بصورة هادئة واستقر على تنفيذها قبل الإقدام عليها، فهو أشد خطرا من الشخص الذي ارتكب جريمته تحت تأثير انفعالات طارئة أو بمناسبة مشاجرة عابرة.

تعريف سبق الإصرار:

سبق الإصرار هي حالة قائمة بنفس الجاني وملازمة له. وقد عرف الشارع »سبق الإصرار« بأنه: »هو القصد المصمم عليه قبل الفعل لارتكاب جنحة أو جناية يكون غرض المصر منها إيذاء شخص معين أو أي شخص غير معين وجده أو صادفه سواء كان ذلك القصد معلقا على حدوث أمر أو موقوفا على شرط«.

عناصر سبق الإصرار:

يقوم سبق الإصرار على عنصرين: عنصر زمني وعنصر نفسي.

أولاً – العنصر الزمني:

يقصد بالعنصر الزمني: الوقت الذي استغرقه الجاني في التروي والتفكير قبل ارتكاب الجريمة.

ثانياً – العنصر النفسي:

ليست العبرة للقول بتوافر سبق الإصرار بمضى الزمن بين التصميم على الجريمة ووقوعها بل العبرة هى بما يقع في ذلك الزمن من التفكير والتدبير، ويعني العنصر النفسي التفكير الهادئ والتروي قبل ارتكاب الجريمة.

عقوبة القتل مع سبق الإصرار:

الإعدام هو : عقوبة مرتكب جريمة القتل العمد مع توافر سبق الإصرار وفقا للمادة 230 من قانون العقوبات.

الترصـــــــــــد

تعريفـــــه:

عرفت المادة 232 من قانون العقوبات »الترصد« بأنه: »تربص الإنسان لشخص في جهة أو جهات كثيرة مدة من الزمن طويلة كانت أو قصيرة ليتوصل إلى قتل هذا الشخص أو إلى إيذائه بالضرب ونحوه«.

ويتضح من التعريف السابق أن »الترصد« يقوم على انتظار الجاني للمجني عليه في مكان معين يتوقع قدوم المجني عليه فيه لإتمام جريمته. ومن ثم فإن ظرف الترصد ليس له شأن بنفسية الجاني ولكنه متعلق بماديات الجريمة وكيفية ارتكابها.

عناصر الترصد:

يقوم الترصد على عنصرين: عنصر زمني وآخر مكاني.

أولاً – العنصر الزمني:

يقصد بالعنصر الزمني هنا الوقت الذي قام الجاني فيه بالانتظار حتى قدوم المجني عليه لتنفيذ جريمته.

ثانياً – العنصر المكاني:

يعني العنصر المكاني قعود الجاني في مكان معين انتظارا للمجني عليه.

عــلة التشديد:

يشدد المشرع عقوبة القتل مع الترصد لاعتبارات عديدة أهمها: أن الترصد ينطوي فيه غدر وجبن ونذالة ويعتمد على عنصر المفاجأة والمباغتة، فلا يكون المجني عليه مستعداً لمواجهة الخطر الذي يأتيه بغتةً من الخلف.

عقوبة القتل مع الترصد:

الإعدام هو عقوبة جريمة القتل مع الترصد وفقا للمادة 230 من قانون العقوبات.

القتل بالسم:

إذا كان القانون لا يقيم أهمية من حيث التجريم – كما سبق أن أشرنا – بين الوسائل أو الطرق التي تصلح لتحقيق النتيجة الإجرامية، إلا أنه وضع في الاعتبار وسيلة القتل بالسم في تشديد العقوبة. فشدد العقوبة إذا كانت الوسيلة المستخدمة في ارتكاب جريمة القتل هي »السم«. فنصت المادة 233 من قانون العقوبات على أن »من قتل أحدا عمدا بجواهر يتسبب عنها الموت عاجلا أو أجلا يعد قاتلا بالسم أيا كانت كيفية استعمال هذه الجواهر ويعاقب بالإعدام«.

عـــلة التشديد:

يرصد الشارع عقوبة مشددة إذا كان القتل مرتكباً بالسم وذلك لاعتبارات عديدة. فالقتل بالسم شأنه شأن الترصد ينطوي على الغدر والخديعة والجبن. فالمجني عليه الذي يكون قد وثق بالجاني، لا يكون مستعداً لمواجهة الخطر الذي يأتيه بغتةً.

ماهية السم:

ذهب غالبية الفقه إلى أن الضابط في اعتبار المادة سامة هو بالنظر إلى طريقة تفاعلها مع أنسجة جسم الإنسان. فتعتبر كذلك كل مادة تؤدي إلى الموت عن طريق التفاعل الكيمائي.

مدلول »الاستعمال« في جريمة القتل بالسم:

يقصد بكلمة »الاستعمال« الواردة في النص إعطاء المجني عليه المادة السامة.

عقوبة القتل بالسم:

يرصد المشرع عقوبة الإعدام لمرتكب جريمة القتل بالسم (المادة 233 من قانون العقوبات).

اقتران القتل بجناية:

يكشف الجاني عن خطورته البالغة عندما يرتكب جنايتين إحداهما قتل في فترة زمنية متقاربة.

نص الشارع على هذا الظرف في الفقرة الثانية من المادة 234 بقوله إنه »يحكم على فاعل هذه الجناية (أي جناية القتل العمد) بالإعدام إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى«. ويتضح من نص الفقرة الثانية من المادة 234 عقوبات أنه يتعين توافر – بالإضافة إلى ارتكاب الجاني جريمة القتل – شرطين: الأول خاص بالجناية الأخرى والثاني خاص بالاقتران الزمني.