الإيداع:
عرضت المجلة لعقد الإيداع في الكتاب السادس منها المتعلق بالأمانات. كما عرض قانون التجارة لبعض أنواع من الإيداع هي الإيداع في المخازن العامة والإيداع في البنوك (المواد 528 – 542 و630 – 632). وقد وضع المشروع هذا العقد في مكانه بين العقود الواردة على العمل، وبعد أن عرف الإيداع حدد التزامات الوديع (المودع عنده) والتزامات المودع وبين أسباب انتهاء العقد، ثم عرض لبعض أنواع الإيداع فوضع لها ما تقتضيه من أحكام.

وتعرف المادة (720) الإيداع بأنه عقد يلتزم الوديع بمقتضاه أن يتسلم من المودع شيئًا لحفظه، وأن يرده عينًا . ويتضح من هذا التعريف أن الإيداع عقد رضائي، يلتزم الوديع بموجبه أن يتسلم شيئًا، منقولاً أو عقارًا، ليتولى حفظه ثم يرده عينًا. فالعقد يتم قبل التسليم، أما تسلم الوديعة فهو التزام في ذمة الوديع بعد انعقاد العقد، وفي ذلك يتفق المشروع مع التقنيين المصري والتقنينات التي حذت حذوه، وكذلك مع تقنين الالتزامات السويسري. أما التقنينات العربية الأخرى وكذلك غالبية التقنينات الأجنبية فإن الإيداع فيها عقد عيني.

أولاً: التزامات الوديع:

وتعرض المواد (721 – 725) لالتزامات الوديع فهو بأن يتسلم الوديعة وبأن يقوم بحفظها، وبأن يردها للمودع عند انتهاء الإيداع.

1 – فالوديع يلتزم طبقًا لنص المادة (721) بأن يتسلم الوديعة، بحيث لو امتنع عن ذلك اعتبر مخلاً بالتزامه وتحمل بالمسؤولية طبقًا للقواعد العامة، والغالب أن المودع لا يطلب التنفيذ العيني، إذ الإيداع من عقود الأمانة والثقة، وإذا أبى الوديع تسلم الوديعة فإن ثقة المودع فيه تتزعزع، لذلك يكون الأصلح للمودع أن يطالب الوديع بالتعويض عما أصابه من ضرر بسبب عدم تنفيذ هذا الأخير لالتزامه، وغني عن البيان أن الإيداع لا ينقل ملكية الوديعة إلى الوديع، لذلك فإن الوديع لا يتحمل تبعة هلاك الوديعة بسبب أجنبي سواء قبل التسليم أو بعده.

والوديع ليس له أن يستعمل الوديعة، ولا أن يسمح لأحد باستعمالها، إلا إذا أذن له المودع بذلك صراحة أو ضمنًا، وهذا الإذن لا يُفترض، بل يقع على عاتق الوديع عبء إثباته، وإذا أخل الوديع بالتزامه، فاستعمل الوديعة دون إذن أو تصرف فيها بالبيع أو بالرهن أو الإيجار أو العارية أو أي تصرف آخر، كان مسؤولاً عن ذلك مسؤولية مدنية، وجازت أيضًا مساءلته جنائيًا عن جريمة التبديد إذا توافرت أركانها.

2 – ويلتزم الوديع بحفظ الوديعة، بل إن التزامه بالحفظ هو الالتزام الجوهري الذي يترتب على عقد الإيداع، ولما كان الأصل في الإيداع أن يكون بغير أجر، فإن الوديع لا يلتزم في حفظ الوديعة إلا بالعناية التي يبذلها في حفظ ماله، دون أن يكلف في ذلك أزيد من عناية الشخص العادي (مادة 722/ 1)، أما إذا كان الإيداع نظير أجر، فإن الوديع يلتزم في حفظ الوديعة بعناية الشخص العادي (م 722/ 2)، وكل ذلك ما لم يتم الاتفاق على خلافه (722/ 3)، ومن ثم يجوز الاتفاق على تشديد مسؤولية الوديع، كما يجوز الاتفاق على تخفيضها أو الإعفاء منها.

3 – ولما كان شخص الوديع يكون عادةً محل اعتبار خاص عند المودع فإنه لا يجوز للوديع أن ينيب عنه غيره في حفظ الوديعة إلا في حالتين:

1/ إذا أذن له المودع في ذلك إذنًا صريحًا.
2/ أو إذا اضطر إلى ذلك بسبب ضرورة ملجئة عاجلة (مادة 723)، كما إذا فاجأه داعٍ للسفر ولم يتمكن من رد الوديعة إلى المودع فاضطر إلى إيداعها عند من يأتمنه عليها، ويكون عليه أن يخطر المودع بذلك بمجرد أن يتيسر له هذا الإخطار.

4 – ويلتزم الوديع، عند انتهاء الإيداع، أن يرد الوديعة إلى المودع أو إلى ما من يخلفه فإذا كانت الوديعة مما ينتج ثمارًا وقبضها المودع لديه وجب عليه ردها أيضًا إلى المودع، ويكون الرد في المكان الذي كان يجب فيه حفظ الوديعة، وتكون مصروفاته على المودع وكل ما سبق ما لم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك (مادة 724).

5 – وقد يموت الوديع، ويعتقد وارثه بحسن نية أن الوديعة ملك لمورثه وتدخل في تركته فيتصرف فيها. فإن كان تصرفه فيها بالبيع وتعذر على المودع استردادها من المشتري التزم الوارث أن يرد إلى المودع ما قبضه من ثمن أو أن يحول إليه ما عسى أن يكون له من حقوق قبل المشتري (مادة 725/ 1)، أما إن كان قد تصرف فيها بطريق التبرع وتعذر على المودع استردادها من المتبرع إليه، فإن الوارث يلتزم أن يرد إلى المودع قيمتها وقت التبرع (مادة 725/ 2). وكل ذلك يصدق على المنقول، أما إذا كان الشيء المودع عقارًا، وباعه الوارث ولو بحسن نية، فإن ملكيته لا تنتقل إلى المشتري بالبيع، لأن البيع قد صدر من غير مالك، ولذلك يستطيع المودع وهو المالك الحقيقي أن يسترد العقار من تحت يد المشتري.

ثانيًا: التزامات المودع:

ويعرض المشروع في المادتين (726 و727) لالتزامات المودع، وهى دفع الأجر إذا كان مشترطًا ورد المصروفات التي أنفقها الوديع في حفظ الوديعة، وتعويضه عن كل ما لحقه من خسارة بسببها.

1 – والأصل في الإيداع أن يكون بغير أجر، إلا إذا وجد اتفاق على الأجر وقد يكون هذا الاتفاق صريحًا، كما قد يكون ضمنيًا يُستخلص عادة من حرفة الوديع، فالإيداع في المخازن العامة مثلاً يُفترض فيه أن يكون بأجر وإذا لم يعين مقدار الأجر، ترك تعيينه للعرف أو لتقدير القاضي، ولا يجوز تعديل الأجر المتفق عليه لا بالنقص ولا بالزيادة، ويُدفع الأجر في الوقت الذي يتفق عليه المتعاقدان، فإذا لم يُتفق على وقت كان الأجر مستحقًا في الوقت الذي يعينه العرف، فإن لم يوجد عرف، كان الدفع في الوقت الذي ينتهي فيه حفظ الوديعة (مادة 726 من المشروع). وغني عن البيان أنه إذا انتهي حفظ الوديعة قبل الموعد المحدد استحق الوديع الأجر بنسبة المدة التي بقيت فيها الوديعة في حفظه ما لم يتفق على غير ذلك.

2 – فإذا أنفق الوديعة مصروفات لحفظ الوديعة التزم المودع بردها إليه (مادة 727)، والمقصود بحفظ الوديعة هنا حفظها من الهلاك إذا تعرضت لخطر وكذلك الحفظ العادي إذا اقتضى هذا الحفظ مصروفات ما. فإن أودع شخص عند آخر بضائع أو منقولات أخرى، فإن ما ينفقه الوديع على هذه المنقولات لحفظها من الهلاك، كرشها بالمبيدات الحشرية وتنقيتها وكأقساط التأمين ضد السرقة والحريق وما ينفقه في حفظ المنقولات الحفظ العادي كأجرة المكان وأجر الحارس وكذلك مصروفات الصيانة المعتادة كعلف الحيوان وتشحيم السيارة، كل هذا يرجع به الوديع على المودع بموجب عقد الوديعة.

كذلك يلتزم المودع بتعويض الوديع عما يصيبه من ضرر بسبب الوديعة. فإذا كان في الشيء المودع عيب خفي. كمرض معدٍ في الحيوان، ولم ينبه المودع الوديع إلى وجود هذا العيب، كان مسؤولاً عن تعويض الوديع عما يصيبه من ضرر بسبب ذلك، إلا إذا كان هذا الأخير عالمًا بالعيب دون تنبيه.

ثالثًا: انتهاء الإيداع:

تعرض المواد (728 – 731) لانتهاء الإيداع، فهو ينتهي بانقضاء الأجل وبرجوع أحد المتعاقدين عن الإيداع قبل انقضاء الأجل وكذلك بموت الوديع.

1 – فقد يتفق المتعاقدان على أجل لحفظ الوديعة، فينتهي العقد بانقضاء هذا الأجل، سواء كان متفقًا عليه صراحةً أو ضمنًا، وإذا لم يُتفق على أجل، كان لكل من المتعاقدين إنهاء الإيداع بعد إخطار الطرف الآخر بميعاد مناسب (مادة 728 من المشروع).

2 – ولما كان الأصل في الإيداع أن الأجل يكون محددًا لمصلحة المودع، فإنه يكون له أن ينزل عن الأجل ويطلب رد الوديعة وذلك دون إخلال بحق الوديع في الأجر عما بقي من مدة (مادة 729 من المشروع).

كذلك يجوز للوديع أن يطلب إنهاء الإيداع قبل الأجل المتفق عليه، إذا كان الإيداع بغير أجر، وطرأت للوديع أسباب يتعذر معها أن يستمر حافظًا للوديعة (مادة 730)، لأن الوديع يكون في هذه الحالة متبرعًا ولا يصح أن يُضار بتبرعه.

3 – كذلك ينتهي الإيداع بموت الوديع، ما لم يُتفق على غير ذلك (مادة 731)، لأن شخص الوديع يكون محل اعتبار عند التعاقد فوجب أن ينحل العقد بموته إلا إذا اتُفق على غير ذلك، ومتى انحل العقد استقرت في تركة الوديع الالتزامات التي ترتبت عليه إلى وقت انحلاله فتبقى التركة مثقلة بها، بما في ذلك الالتزام برد الوديعة.

رابعًا: بعض أنواع الإيداع:

ويعرض المشروع بعد ذلك لبعض أنواع الإيداع، وهي الإيداع الناقص والإيداع في الفنادق.

1 – فإذا كانت الوديعة مبلغًا من النقود أو أي شيء آخر مما يهلك بالاستعمال وأذن المودع للوديع في استعمال هذا الشيء، فلا مناص من أن يستهلك الوديع الشيء باستعماله، ومن ثم لا يستطيع أن يرده بعينه وإنما يرد مثله كما هو الحال في القرض. ولذلك خرج المشروع بهذا النوع من الإيداع. ويسمى الإيداع الناقص أو الشاذ – عن أن يكون إيداعًا واعتبره قرضًا (مادة 732)، وأظهر مثال لذلك، ودائع النقود في المصارف حيث تنتقل ملكية النقود إلى المصرف ويرد مثلها، فيكون العقد في هذه الحالة قرضًا أو حسابًا جاريًا، ولكن لا يوجد ما يمنع من أن يرد الإيداع الناقص على أشياء أخرى مما يهلك بالاستعمال، كالقطن والحبوب.
على أنه إذا تم إيداع مبلغ من النقود على أن يرد بالذات دون أن يستعمل كان هذا إيداعًا عاديًا لا إيداعًا ناقصًا، ويفترض في إيداع النقود أنه إيداع ناقص ما لم يقم الدليل على العكس.

2 – أما الإيداع في الفنادق وما ماثلها من الأماكن فقد وضع المشروع له أحكامًا خاصة تحمل أصحاب هذه المحال بمسؤولية جسيمة عن الودائع التي يأتي بها النزلاء إلى محالهم، وتظهر جسامة هذه المسؤولية من وجهين:

الأول: التوسع في معنى الوديعة، فأي شيء يأتي به النزيل معه في الفندق يُعتبر مودعًا عند صاحب الفندق ولو لم يسلم إليه بالذات، فيشمل ذلك كل ما يأتي به النزيل من حقائب وأمتعة وملابس ونقود ومجوهرات وأوراق مالية ومستندات وبضائع، كما تدخل السيارة التي يأتي بها النزيل ويودعها في جراج الفندق أو في فنائه.

الثاني: التوسع في المسؤولية، فصاحب الفندق وما ماثله مسؤول في العناية بحفظ الأشياء التي يأتي بها النزلاء، حتى عن فعل المترددين على محله (733/ 1)، فلا يكفي إذن بذله عناية الشخص العادي في المحافظة على هذه الأشياء، بل عليه أيضًا أن يراقب أتباعه من خدم وموظفين بل ومراقبة المترددين على الفندق من زوار وغيرهم، فهو مسؤول عن أفعال هؤلاء جميعا ولو كانوا من غير أتباعه، فإذا ما تحققت هذه المسؤولية وجب على صاحب الفندق أن يعوض النزيل عن كل ما أصابه من ضرر وفقًا للقواعد العامة.

3 – وفي مقابل هذا التوسع في المسؤولية تم التخفيف عن كاهل صاحب الفندق من ثلاثة وجوه:

الأول: وضع حد أقصى لمسؤولية صاحب الفندق فيما يتعلق بالنقود والأوراق المالية والأشياء النفيسة الأخرى (مادة 733/ 2) فهو لا يُسأل فيما يتعلق بها عن تعويض يجاوز ألف دينار إلا في ثلاثة أحوال هي:

( أ ) أن يكون الحادث قد وقع بخطأ جسيم منه أومن أحد أتباعه، ففي هذه الحالات يجوز الرجوع عليه بكل القيمة أيًّا كان مقدارها ولو زادت على ألف دينار.

(ب) أن يكون قد تسلم النقود أو الأوراق المالية أو الأشياء الثمينة الأخرى، وأخذ على عاتقه حفظها وهو على علم بقيمتها.

(جـ) أن يكون قد رفض تسلم هذه الأشياء عهدة لديه وهو على علم بقيمتها دون أن يبدي لذلك سببًا معقولاً.

الثاني: إلزام النزيل بإخطار صاحب الفندق بسرقة الشيء أو فقده أو تلفه بمجرد كشفه لذلك، فإن أبطأ في الإخطار دون عذر مقبول فلا يكون صاحب الفندق مسؤولاً إذا أثبت أنه لو أُخطر في وقت مناسب لأمكنه تفادي الضرر (مادة 734/ 1).

الثالث: إذا انقضت مدة ستة أشهر من اليوم الذي يغادر فيه النزيل الفندق دون أن يطالب صاحب الفندق قضائيًا بحقه، سقطت دعواه (مادة 734/ 2).

4 – وإذا كان الاتفاق على تشديد مسؤولية صاحب الفندق جائزًا بالرغم مما عليه من شدة، غير أن الاتفاق على الإعفاء من هذه المسؤولية أو على التخفيف منها كان ولا يزال محل خلاف في الفقه والقضاء، ولذلك رأى المشروع حسمًا لهذا الخلاف أن ينص على بطلان كل شرط بالإعفاء من المسؤولية أو بالتخفيف منها (مادة 735)، إذ أن النزيل إذا قبل مثل هذا الشرط يكون مضطرًا إلى قبوله فآثر المشروع أن يحميه وهو نص له مثيل في بعض التقنينات الأجنبية (609 صيني).

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .