عرض قانوني لنظريــة هوتون في تفسير الظاهرة الإجرامية

أولاً :مضمون نظرية هوتون

في أواخر الثلاثينياتقامالعالم الأمريكيأرنستألبيرهوتونErnest Albert Hooton-أستاذ الأنثروبولوجيابجامعة هارفاردHarvard-بدراسات واسعة شملت مجرمينً ممنأدينوا من قبل القضاء وأودعواالمؤسسات العقابيةودور الإصلاحوالرعاية الاجتماعية ؛كما قام بدراسة مقارنة على مجموعات ضابطة من غير المجرمين بلغ 3203 شخصا ممن تتوافر فيهم ذات الصفات العضوية وتتماثل كافة ظرفهم النية ومستوى الذكاء والمستوى الثقافي والحضاري ، موزعون بين 1976 شخصاً سوياً و1227 شخصاً من غير الأسوياء.

وقدنشر هوتونفي عام 1939 نتائج أبحاثه مثبتا خلالهاأن المجرمين يتميزون

بوجود علامات ارتدادية – تبلغ حوالي مائة وسبع – مثل التي قال بها لومبروزو وبوجودانحطاط جسماني موروث ونقص ودونية بيولوجيةBiological inferiority. واستدل على هذا الانحطاط بوجود شذوذ عضوي يتمثل في انحدار الجبهة وانكفائها ، وفرطحة الأنف وغلظتها ، ورُفعالشفاه ، وضئالة حجم الأذن ، وطول الرقبة ورفعها ، وهبوط الأكتاف. فضلاً عن انتشار عادة الوشم بين المجرمين ، وكثافة ونعومة شعر الرأس وميله للون الكستنائي الضارب للحمرة وغير الأشيب ، وميل العيون للون الرمادي المشوب بالزرقة.

وذهبهوتونإلى حد تأكيدأن الانحطاط الجسماني الموروث يختلف باختلاف المجرمين ، فمن بين هؤلاء تميزهم عمن يرتكبون جرائم من أنواع أخرى ، فالقتلة يمتازون بطول القامة وامتلاء الجسم ، كما أن قصار القامة المفرطين في الوزن يرتكبونالجرائمالجنسية…وهكذا.

ثانياً :تقدير نظرية هوتون:

يعود لهوتون الفضل في التركيز على شخصية المجرم والبحث بداخلها عن تفسير للسلوك الإجرامي. وإذا كان هوتون قد تفادى النقد الذي وجه إلى لومبروزوفيما يتعلق بأسلوب البحث ،إذ شملتدراساته، فضلاً عن عدد منالمجرمين، عدد مماثل – بل يزيد – من غيرالمجرمين ، فإن نظريته لم تسلممن النقد ، الذي يتلخص في النقاط التالية :

-قيل أن هذه النظرية تفتقد للموضوعية من كونهالم تقدم دليلاً علمياًواحداًعلى أن الانحطاط الجسماني الذي يتميز به المجرمون هو انحطاط يرجع إلى عامل الوراثةدون غيره من العوامل. ولم يقل لنا هوتون لماذا أسقط من اهتماماته العواملالأخرىوثيقة الصلة بالسلوك الإجرامي كالعوامل البيئيةأوالاقتصادية أو الثقافية. فمما لا شك فيه أن المظاهر التي قيل بها قد تعود لأسباب عرضية مكتسبة وغير وراثية كسوء تغذية أو أسباب مناخية وبيئية ومهنية تؤثر في شكل وملامح الشخصية الإنسانية…الخ.

-كما أنهقد عيب على هوتون ما ذهب إليه من أن خصائص المجرمين تختلف تبعاً لاختلاف نوع الجريمة المرتكبة ، ذلك لأنه اكتفى بالجريمة التي دخل

من أجلهاالفردالسجن ، بينما قد يكون قد ارتكب من قبل ذلك جرائم أخرى. فالمحكوم عليه في سرقة أو نصب قد يكون قد حكم عليه في جريمة ضرب أو هتك عرض مثلاً.وبالتالي فليس صحيحاًالقول بوجود صفات وعلامات مميزة في مرتكبي جرائم الأشخاص تختلف عن تلك التي توجد لدى مرتكبي جرائم الأموال. فإن صح ذلك أحياناً ، فإن الدراسة الواقعية العلمية تكذبه.

-كما أخذ على تلك النظرية استخدامها لمجموعة ضابطة صغيرة العدد ، لا تفي باحتياجات الدراسة العلمية السليمة التي تشترط التمثيل الجيد للعينة. بل أن المجموعات الضابطة التي استعان بها – وغالبيتها من الإيطاليين المهاجرين – لا يمكن أن يمثلوا كل نسيج المجتمع الأمريكي المعرف بتعدد تركيباته الأنثروبولوجية والعرقية.

-كما أن اختيار هوتونللمجموعة الضابطة والتي قارن بين أفرادها وبين طوائف المجرمين لم يكن سليماً لأنه اعتمد في مقارنته علىمن حكم القضاء بإدانتهم ، الأمر الذي يوصلنا إلى نتيجة شاذة مؤداها أن الرجال سوف يتميزون بصفات انحطاطية أكثر من تلك التي توجد لدى النساء ، ذلك أن الرجال يشكلون النسبة الغالبة من المساجين في العالم.

-وأخيراً فقدعيبعلى نظريةهوتونأنها أقامت أبحاثها على طائفة نزلاء السجون الذي حكم القضاء بإدانتهم على أساس أن هذه الطائفة تمثل جميع

المجرمين ، والحقيقة أنها لا تضم غير نسبة محدودة منهم ، فهي لا تضم الذين حكم عليهم بعقوبات سالبة للحرية ولكن مع إيقاف التنفيذ أو الذين حكم عليهم بالغرامة فقط.كما أن جزءً لا بأس به منالمجرمينلم يكتشف أمرهمبعد ويبقون خارج المؤسسات العقابية. وبالتالي فإندراسات هوتون لم تشملكلهؤلاء ولم تكشف عن مدى شيوع الانحطاط الجسدي لديهم على الرغم من أنهم مجرمون في الحقيقة.