ان جوهر هذا العقد هو تكليف الوسيط من قبل الموسط بإيجاد متعاقد لابرام صفقة معينة مقابل اجر فمهمة الوسيط هي التقريب بين شخصين يرغبان في التعاقد فهو وسيط يعمل باسمه الشخصي وبكل استقلال عن أطراف التعاقد الاصلي الذي يسعى هو لإبرامه دون ان يتدخل في هذا العقد كما يقوم الوسيط بعمل مادي هو التوسط لإيجاد متعاقد اخر لإبرام عقد معين(1). وقد ثار الخلاف حول الطبيعة القانونية لعقد الوساطة التجارية بين اعتباره من قبيل الوكالة او من قبيل المقاولة ، فذهب اتجاه الى اعتبار الوساطة وكالة وبالتالي اعتبار الوسيط وكيلاً عن الموسط وهذا الرأي هو الاتجاه السائد في قضاء محكمة النقض المصرية فقد جاء في أحد قراراتها (( بأنه السمسار هو وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ، وكيل بكلفة أحد المتعاقدين التوسط لدى العاقد الاخر لإتمام صفقة بينهما بأجر يستحق له بمقتضى اتفاق صريح او ضمني يستفاد من طبيعة عمله عند نجاح وساطته بإبرام عقد الصفقة على يديه ))(2).

لكن هذا الاتجاه القضائي لمحكمة النقض المصرية لم يحض بتأييد الفقه بل انتقده كثير من فقهاء القانون التجاري لاختلاف دور الوسيط عن الوكيل فالوسيط لا يتعاقد باسم موكله فهو ليس نائبا عنه وان الشخص الذي يبحث عنه هو الذي يتعاقد مباشرة مع من وسطه ففكرة النيابة هي التي تميّز بينهما فالوكيل يمثل الموكل وينوب عنه في ابرام العقد في حين ان الوسيط لا ينوب عن الموسط لذلك تنتهي مهمته بمجرد تلاقي الايجاب مع القبول بالنسبة لكل من الموسط والشخص الذي عثر عليه الوسيط(3). فضلا عن ذلك فإن مهمة الوسيط هي القيام بعمل مادي هو البحث عن شخص يقبل التعاقد بالشروط التي حددها من لجأ الى توسيطه لإتمام صفقة معينة دون اشتراك من جانبه في إبرام العقد في حين ان عمل الوكيل هو عمل قانوني هو إبرام العقد باسم موكله ولحسابه بينما لا يقوم الوسيط بأي عمل قانوني لحساب عميله (4).

لذلك يذهب الاتجاه الثاني الى انه لا يمكن اعتبار الوساطة وكالة بل هي صورة خاصة من عقد المقاولة وهو العقد الذي يتعهد به أحد الطرفين ان يصنع شيئا او يؤدي عملا لقاء اجر يتعهد به الطرف الاخر (5). واستنادا الى ما تقدم من أسباب ابتعادها عن الوكالة والاختلافات الكبيرة بينهما لذلك فإن الوساطة تعتبر صورة خاصة من صور المقاولة وليست وكالة(6). ويرى الباحث ان الوسيط التجاري لا يعد وكيلاً للاختلاف الجذري في دوره كوسيط عن دور الوكيل باعتبار ان الاخير ينيب من يمثله ويقوم بعمل قانوني لصالحه من خلال التعاقد باسم الموكل ولحسابه في حين ان الوسيط التجاري يقوم بعمل مادي وليس قانوني ، اما دوره كمقاول فأيضاً لا تنطبق عليه احكام عقد المقاولة من عدة وجوه منها مسؤولية المقاول تختلف عن الوسيط وكذلك الوسيط لا يضمن تنفيذ الصفقة وسلامتها من العيوب في حين ان القوانين نصت على ضمان خاص بالمقاول وكذلك فان المقاولة لا تنتهي بموت المقاول إلا اذا كانت شخصيته محل اعتبار في العقد بينما الوساطة تنتهي بموت الموسط ، وعليه يكون عقد الوساطة التجارية عقد مسمى ومنظم في القوانين وله أحكام خاصة تميزه عن الوكالة والمقاولة.

وقد يشترط الوسيط ان يذكر اسمه في العقد الذي يتوسط فيه كوسيط او يشترك في تحرير العقد او الإشارة الى ان العقد قد تم بناءا على وساطته وان ذلك لايغير من طبيعة عقد الوساطة اذ يقصد الوسيط من ادراج اسمه على هذا النحو تأكيد صفته كوسيط وحفظ حقه في العمولة وخاصة اذا لم يكن قد قام بتحرير عقد مستقل بينه وبين من عهد اليه بعمل الوساطة(7). اذا لم يكن الوسيط وكيلا عن الموسط فإن ذلك لايمنع من ان ينيب احد الطرفين الوسيط في ابرام العقد وحينئذ يجمع بين صفتي الوساطة والوكالة في ان واحد ولا تدخل عملية الابرام في حدود عملية الوساطة بل يقوم بها بصفته وكيلا عن المتعاقد المذكور مما يستوجب تمييز الدور الذي قام به الوسيط سواء بالنسبة للوساطة او الوكالة(8). ويخضع القضاء الفرنسي العلاقة في هذه الحالة الى أحكام الوكالة المأجورة او الوكالة بالعمولة حسب طبيعة العقد وليس وفقا لأحكام عقد الوساطة إذ يستغرق عقد الوكالة عقد الوساطة بانعقاد العقد ونصبح أمام عقد واحد هو وكالة عادية او وكالة بالعمولة يكون موضوعها انعقاد العقد بواسطة الوكيل نيابة عن موكله (9).

واذا كان القضاء الفرنسي يخضع العلاقة لاحكام الوكالة حسب ما تقدم فإن ثمة رأياً يخضع عمل الوسيط في هذه الحالة لا حكام النيابة او الوكالة فضلا عن احكام الوساطة طالما كان مستقلا في القيام بعمله ولا يؤثر في استقلال الوسيط في قيامه بالوساطة التزامه بتعليمات عملية بشأن العقد المراد إبرامه لان التزامه بهذه التعليمات ينشأ عن عقد الوساطة وليس عن عقد عمل يجعله تابعا لاحد المتعاقدين (10) . ويميل الباحث الى تأييد هذا الرأي اذ لا يمكن إخضاع العلاقة لاحكام الوكالة فقط وتجاهل عقد الوساطة اذ ان عمله بالأساس كان القيام بالوساطة دون التدخل بإبرام العقد لكن بتفويض الوسيط من قبل الموسط بإبرام العقد أصبحنا أمام عقدين عقد وساطة وعقد وكالة لذلك فإن عمل الوسيط يخضع في حالة إبرام العقد من قبله لاحكام الوكالة والوساطة في آن واحد لانه وسيط ووكيل في نفس الوقت . واذا كانت الوكالة شيئاً مختلفاً عن الوساطة بما فيها الوكالة بالعمولة الا انها قد تختلط معها في بعض الامور وذلك في حالة الوساطة المالية(11) إذ ان الاتجاه السائد في قوانين الاسواق المالية وطبيعة العمل في هذه الاسواق يميل الى حصر التعامل بالاوراق المالية المسجلة فيه بالوسطاء الماليين فقط ووكلائهم المسجلين بعد حصولهم على الاجازة بممارسة هذه المهنة وتوافر الشروط القانونية التي يتطلبها القانون فيهم (12).

وعليه فإن عقد بيع الأسهم في سوق الاوراق المالية لا يبرم الا وكالة وذلك استنادا الى نص القانون الذي حصر التعامل بالأسهم على الوسطاء ووكلائهم فقط إذ لا يسمح للمستثمر القيام بإبرام العقد للبيع او الشراء أصالة بل عن طريق وسيط مالي مجاز من قبل ادارة السوق ومسموح له بممارسة مهنة الوساطة المالية في سوق الاوراق المالية اذ يتم تكليف الوسيط من قبل عميله المستثمر بأن يجري له عملية بيع او شراء للأسهم في الاسواق المالية في هذه الحالة اذا ذكر اسم عميله في عقد البيع او الشراء كان وكيلا عنه اذ يتصرف الوسيط بالنيابة عن عميله بموجب تفويض تحريري مصادق عليه من مجلس ادارة السوق ولكن الصورة الغالبة للعمل في الاسواق المالية هي ان الوسيط المالي يعمل باسمه الشخصي على حساب عميله دون ذكر اسم هذا العميل اذ يعتبر في هذه الحالة وكيلا بالعمولة ويصبح مسؤولا امام الوسيط الاخر بحيث لا يذكر للعميل اسماً ولا يشار اليه بأي إشارة (13) . ومادام الوكيل لم يذكر اسم عميله فإنه يعتبر ضامناً نفسه بنفسه وحيث يعتبر كل من الوسيطين بائعا ومشتريا ويظل اسم البائع في عالم الخفاء وكذلك اسم المشتري اذ يعتبر هذا التكتم من اسرار الحرفة فإن كان يجوز للعملاء ان يبيحوا ذكر اسمائهم الا ان هناك من يهمه عدم ذكر اسمه نظرا لمركزه الاجتماعي وانه ربما يكون في عدم ذكر اسمه نجاح للعملية في السوق المالي (14) .

من كل ما تقدم يتبين ان الوسيط التجاري لايعتبر وكيلا اذ ان دوره يختلف عن دور الوكيل وان كان يجوز ان يجمع بين صفتي الوكالة والوساطة في حالة تكليفه صراحة من قبل الموسط بإبرام العقد الذي يتوسط فيه ولكن هذا العموم تقيده حالة الوساطة المالية اذ يعتبر الوسيط المالي وكيلا عن العميل اذا ذكر اسمه في عقد بيع وشراء الاسهم داخل سوق الاوراق المالية ويخضع للأحكام العامة للوكالة اما اذا لم يذكر اسم عميله ( المستثمر ) في عقد البيع او الشراء فيعتبر وكيلا بالعمولة ويلتزم بالتزامات الوكيل بالعمولة الضامن .

_____________________

[1]- ينظر : د. سميحة القليوبي ، الموجز ، المصدر السابق ، ص 489 .

2- الطعن المرقم 539 سنة 39 في جلسة 7/1/1975 س26 ص 124 اشار اليه د. احمد حسني ، قضاء النقض التجاري ، المبادئ التي قررتها محكمة النقض في خمسين عام 1930-1981 مطبعة اطلس ، ص 221 .

3- ينظر : مصطفى رضوان ، الفقه والقضاء في القانون التجاري ، جزء اول منشأة المعارف بالاسكندرية ، 1958 ، ص 241 ؛ وكذلك د. حسني المصري ، العقود التجارية ، المصدر السابق ، ص 178 ؛ ود.محمد كامل مرسي ، العقود المسماة ، الجزء الرابع ، طبعة اولى ، 1953 ، دار النشر للمطبوعات الجامعية ، ص 475 .

4- ينظر : د. محمد حسن جبر ، المصدر السابق ، ص 65-66 .

5- ينظر : المادة (864) من القانون المدني العراقي ويقابلها المادة (646) من القانون المدني المصري اما المشرع الفرنسي فلم يأتي بتعريف لعقد المقاولة لذلك اختلف الشراح في التعريف به لعدم اتفاقهم على العنصر الذي يميز بين العقدين فمن قال منهم ان الفيصل هو في طريقة اجر العامل ، وعرفوا عقد المقاولة بانه العقد الذي يتعهد فيه شخص بأن يؤدي لأخر عملا معينا لقاء اجر يحسب على حسب اهمية العمل ، اما الشراح الذين يرون مع القضاء ان الركن الاساسي في عقد العمل هو رابطة التبعية والخضوع التي بين العامل ورب العمل كيفما كانت طريقة الاجر فيعتبرون ان هناك مقاولة كلما كان العمل المأجور يؤدي بحرية لحساب الغير وهذا الرأي هو الذي يقول به معظـم الشـراح ( ينظر : اوبري وروه نبذة 3865وبلانيول 11نبذة 907 ) أشار اليهم محمد كامل مرسي العقود المسماة ، المصدر السابق ، ص 473-474 .

6- ينظر : د. مراد منير فهيم ، المصدر السابق ، ص 56 .

7- ينظر : د. محسن شفيق ، القانون التجاري الكويتي ، طبعة 1972 ، ص 53 . أشارت اليه : د. سميحة القليوبي ، المصدر السابق ، ص 491 .

8- ينظر : د. علي حسن يونس ، المصدر السابق ، ص 84 .

-9Cass – civ 5 Juill 1962 R.T .dr .com . 1963 -358 Aix -24 nov -1952 -5 – 1927 -2-15 –Cass –civ -20-Janv 1931 .1.181 D.H .1931 .115

أشارت اليه د. سميحة القليوبي –المصدر السابق ، ص 491 .

0[1]- ينظر : د. حسني المصري ، العقود التجارية ، المصدر السابق ، ص 179 .

1[1]- سيتم دراسة هذه الحالة بالتفصيل في المبحث المخصص للوساطة المالية في الفصل الثاني من هذه الدراسة.

2[1]- تنص ( الفقرة الثالثة / أ ) من القسم الثالث للقانون المؤقت لأسواق الأوراق المالية على (( تنحصر كافة التعاملات في سوق الأوراق المالية بالوسطاء المخولين من قبل السوق للتعاطي بمثل هذه التعاملات )) ويقابلها المادة (45/1) من قانون التجارة المصري والمادة (24/أ) من قانون الأوراق المالية الأردني المرقم23 لسنة 1997 .

3[1]- ينظر : د. عبد السلام ذهني ، القانون التجاري ، مطبعة الاعتماد ، مصر ، ص 347 .

4[1]- لاكورج ، 218 ن 11544 اشار اليه : الدكتور عبدالسلام ذهني ، المصدر نفسه ، ص 248 .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .