مناقشة الاستجواب البرلماني :

تكونت بعض التقاليد البرلمانية المؤثرة سلبا على الاستجواب في الأعوام الخمسة عشر الماضية، ومن أبرز تلك التقاليد مناقشة استجواب واحد كل شهر، وأن الاستجوابات لا تدرج في جدول الأعمال قبل شهر يناير أو فبراير، ويراعى أن فض الدورة يتم عادًة في منتصف يونيو، فإن عدد الاستجوابات التي يمكن مناقشتها سيكون محدودًا مقارنة بعدد الاستجوابات المقدمة(1) وتبدأ المناقشة بقيام العضو مقدم الاستجواب بشرح استجوابه، بالرغم من أنتفاء أي قيد زمني في الدستور أو اللائحة في هذا الصدد، إلا أن التقليد جرى على قيام المستجوب بشرح استجوابه في مدة لا تتجاوز ساعة(2). ولا أدري لماذا لا تتاح المساحة الزمنية الكافية للمستجوب لشرح وجهة نظره وأدلة اتهامه خاصة في الموضوعات المتشعبة. ويلي الخطوة السابقة قيام الوزير أو الوزراء الموجه إليهم الاستجواب بالرد عليه، وفي الوقت الذي قيد فيه المستجوب وبحدود زمنية معينة لشرح استجوابه ، فإن الموجه إليه الاستجواب يمكنه الرد للمدة التي يراها مناسبة(3). ولا شك أن هذه المفارقة تخلو بصورة مطلقه من أي منطق. وللمستجوب الرد على إجابة من وجه إليه الاستجواب، وتكون له الأولوية في ذلك، ثم تتسع الدائرة بتدخل باقي الأعضاء في الحوار(4) وتقدم الاقتراحات إلى الرئيس أثناء مناقشة الاستجواب ليتخذ المجلس القرار الذي يراه وهو لا يخرج عن الانتقال إلى جدول الأعمال ولهذا الاقتراح الأولوية على ما عداه، وهو الختام المعتاد للاستجواب(5). أو تقدم اقتراح برغبة(6). أو تشكيل لجنة تقصي حقائق في المخالفات المنسوبة للوزير المستجوب(7). أو طرح الثقة(8).

______________

1- عبد الحميد، أشرف: الاستجواب بين نصوص الدستور واللائحة الداخلية والسوابق البرلمانية.مقال. مجلة قضايا برلمانية. العدد ( 13 ). السنة ص 43 .

2- فكرى، فتحي: وجيز القانون البرلماني في مصر. مصر: دون ذكر الناشر. 2003. ص 456 .

3- عبد الوهاب، محمد: القانون الدستوري. الإسكندرية: منشأة المعارف. دون ذكر سنة الطبع. ص 239 .

4- المادة ( 202 ) من اللائحة الداخلية لمجلس الشعب المصري.

5- المادة ( 204 ) من اللائحة الداخلية لمجلس الشعب المصري.

6- المادة ( 130 ) من الدستور المصري. والمادة ( 212 ) من اللائحة الداخلية لمجلس الشعب المصري.

7- المادة ( 219 ) من اللائحة الداخلية لمجلس الشعب المصري.

8- المادة ( 126/2 ) من الدستور المصري.

مناقشة الاستجواب والرد عليه ومسألة حجب الثقة عن الوزير أو الحكومة في التشريع البرلماني :

يقضي هذا الإجراء قيام العضو الذي قدم الاستجواب، بشرح موضوع استجوابه أمام أعضاء المجلس التشريعي وقد نصت المادة ( 80/4) من النظام الداخلي للمجلس التشريعي الفلسطيني على ” يشرح المستجوب موضوع استجوابه…”. ولا بد من الإلتزام بالوقت المحدد قانونيًا لتقديم الاستجواب إذا وجد، أو وفقًا للوقت الذي يحدده رئيس المجلس(1) وبعد انتهاء العضو مقدم الاستجواب من شرح استجوابه يأتي دور الوزير للإجابة عن الاستجواب( 2). ويقتضي هذا الإجراء في معظم التشريعات البرلمانية أن يقدم الوزير الموجه إليه الاستجواب رده كتابة وتلاوته في الجلسة للمناقشة، ويجوز للوزير أن يستدعي بعض موظفي وزارته لحضور مناقشة الاستجواب، كما له أن ينيب عنه وزيرًا آخر للإجابة والرد عن الاستجواب إذا لم يوجد معوقات تحول دون رده على الاستجواب، ومن حق الوزير الموجه له الاستجواب الامتناع عن الرد على الاستجواب، كأن يثبت الوزير أن الاستجواب يتعلق بحياته الشخصية، أو أنه يتضمن عبارات غير لائقة، أو أن وقائع الاستجواب كانت ضمن وقائع استجواب سبق توجيهه بمناسبة أخرى وتم فحصها من لجنة تقصي حقائق(3) ومن المستغرب أن كلا من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2005 والنظام الداخلي للمجلس التشريعي الفلسطيني لم يتطرق لما ذكرته في الفقرة السابقة، ولا أعلم على ماذا يعتمد المجلس التشريعي الفلسطيني إن واجهته معضلة أثناء ورود استجواب على جدول أعمال المجلس التشريعي. وبعد إجابة الوزير الموجه إليه الاستجواب يجوز لأعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني الاشتراك في المناقشة وإبداء الآراء بخصوص موضوع الاستجواب(4) وبعد رد الوزير الموجه إليه الاستجواب يمكن لمقدم الاستجواب بيان أسباب امتناعه أو عدم امتناعه عن الرد، وقد يطلب مقدم الاستجواب عند عدم امتناعه عن رد الوزير هو وغيره من الأعضاء أن يطرحوا مسألة حجب الثقة عن الوزير المقدم بحقه الاستجواب أو عن الوزراء جميعهم( 5). وفق الأحكام والإجراءات المحددة في القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2005 ، وقد نصت المادة ( 57/1) من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2005 على أنه “يجوز لعشرة من أعضاء المجلس التشريعي، بعد استجواب، التقدم بطلب سحب الثقة من الحكومة أو من أحد الوزراء، ولا يجوز التصويت على هذا الطلب إلا بعد مضي ثلاثة أيام على الأقل من تقديمه، ويصدر القرار بموافقة أغلبية أعضاء المجلس”.

ونجد أن الفقرة السابقة كانت في مكانها وخاصة بإعطاء مهلة ثلاثة أيام قبل التصويت على حجب الثقة عن الوزير أو الوزراء، وذلك لإعطاء الفرصة للو زير أو الوزراء للتقييم والمراجعة لسياسية الوزارة وأعمالها وتصحيح ما وقعت به من أخطاء إن أمكن. ومن خلال مراجعتي لمحاضر ضبط جلسات المجلس التشريعي الفلسطيني منذ عام 1996 حتى عام 2005 لم يستخدم حق الاستجواب في مختلف دوراته، وإنما أقتصر فقط على توجيه الأسئلة إلى بعض الوزراء ونذكر على سبيل المثال مسألة وزير المالية السابق محمد زهدي النشاشيبي عن تأخر الوزارة في إعداد الموازنة العامة في الموعد المحدد. كذلك فقد استخدم المجلس التشريعي الفلسطيني وسيلة التحقيق البرلماني مع بعض الوزراء، نذكر منها تشكيل لجنة تحقيق من المجلس التشريعي للوقوف على ملابسات انفجار مصنع القداحات في مدينة الخليل للخروج بتقرير نهائي حول ذلك ولتحديد المسؤولية. وفي الدورة التاسعة للمجلس التشريعي الفلسطيني ونتيجة للظروف الأمنية الصعبة، وما واكبها من مطالب الإصلاح الداخلية والخارجية، ووجود وزير داخلية مسؤول قانونيًا عن الأجهزة الأمنية، استجوب المجلس التشريعي وزير الداخلية في 1/6/2005 ، وهي المرة الأولى التي يلجأ فيها المجلس التشريعي منذ انتخابه إلى هذه الأداة الرقابية المهمة(6) ونجد أن هناك من الحالات التي تعرض فيها المجلس لمساءلة بعض الوزراء والتي بدت بأنها الأقرب إلى ممارسة حقهم في الاستجواب منها إلى أي حق أخر كحق السؤال و غيرة. وعلى سبيل المثال: “جلسة المجلس التشريعي الفلسطيني في دورته الثالثة الخاصة بالاستماع إلى وزير المالية حول الموازنة العامة للسلطة الوطنية الفلسطينية لعام 1999 م المنعقدة في مدينة رام الله يوم الخميس الموافق 28/1/1999 م، حيث أخذت بعين الاعتبار توصيات لجنة الموازنة العامة للسلطة الفلسطينية لعام 1999 م ونقاش الإخوة الأعضاء يقرر:

• توجيه اللوم إلى مجلس الوزراء بسبب تأخره عن تقديم مشروع الموازنة العامة للسلطة الفلسطينية لعام 1999 م وتحميله المسؤولية القانونية بهذا الشأن.

• إعطاء مهلة لمجلس الوزراء أقصاها ثلاث ة أسابيع من يوم الخميس الموافق 1999/1/28 م لتقديم مشروع الموازنة العامة للسلطة الفلسطينية لعام 1999 م.

• يعقد المجلس جلسة خاصة لسحب الثقة من الحكومة إذا انقضت المدة القانونية دون تقديم مشروع الموازنة العامة للسلطة الفلسطينية للعام 1999 م”(7) ومن العرض السابق لتفصيلات هذه الحالة وما جرى تحت سقف أروقة المجلس التشريعي، نرى أن هذه الحالة قريبة من ممارسة المجلس لحقه في الاستجواب فيما يتعلق بالموازنة العامة وإن لم يكن ذلك واضحًا، إذ لم يتبع المجلس الإجراءات المعهودة في ممارسته حقه في الاستجواب، ونرد ذلك إلى بداية عصره في القيام بمثل هذه الأعمال حيث الخبرة القليلة لأعضائه فيما يتعلق بإتباع الإجراءات القانونية إضافة إلى طغيان التأثير السياسي على أعمال المجلس مما يدفع أعضاءه للابتعاد عن المواجهة والمصادمة مع السلطة التنفيذية وكذلك الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة وهيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية وتداخل الصلاحيات بينهما، مما ساهم في ذلك التداخل بين عضو المجلس التشريعي والحكومة ، وتعارض المصالح، حيث يطرح تولي بعض أعضاء المجلس التشريعي مناصب في مؤسسات أهلية تساؤلات جديه حول تضارب المصالح، وحول انصراف الأعضاء عن دورهم النيابي لتحقيق مصالح خاصة إلا أنه من ناحيتنا نرى بأن قيام المجلس بتوجيه اللوم لمجلس الوزراء إنما هو تعبير عما خرج به المجلس من رأي حول المماطلة في تقديم وزارة المالية للموازنة العامة وقتها وتعبير المجلس عن لوم مجلس الوزراء هو بداية تلويح بحجب الثقة عنه، مسألة حجب الثقة في العادة تأتي بعد قيام المجلس باستنفاذ جميع وسائله الرقابية ومن بينها الاستجواب.

___________________

1- الحياري، عادل: القانون الدستوري والنظام الدستوري الأردني. عمان: المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتوزيع 1972، ص 216 .

2- المادة ( 80/4 ) من النظام الداخلي للمجلس التشريعي الفلسطيني.

3- الشاعر، رمزي طه: النظرية العامة للقانون الدستوري. الكويت: مطبوعات جامعة الكويت. 1972. ص 130 . الحياري، عادل : مرجع سبق ذكره. ص 210 . الشكرى، علي يوسف: مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية. ط 1. القاهرة: ايتراك للنشر والتوزيع 2004 .. ص 246

4- المادة (80/4)من النظام الداخلي للمجلس التشريعي الفلسطيني.

5- المادة (80/4) من النظام الداخلي للمجلس التشريعي الفلسطيني.

6- السعدي، بهاء الدين: الرقابة البرلمانية على أداء الأجهزة الأمنية. رام الله: الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن.. 2005 . ص 91

7- المجلس التشريعي الفلسطيني. القرارات. رام الله. 2000 . قرار رقم ( 361/11أ/3)

المؤلف : احمد نبيل صوص
الكتاب أو المصدر : الاستجواب في النظام البرلماني
الجزء والصفحة : ص68-71

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .