شرح قانوني لمبدأ الفصل بين السلطات في التشريع الجزائري

La Séparation Des Pouvoirs

أصل المبدأ :

يجد المبدأ أصله في الفلسفة الإغريقية ، وقد تناوله عدة فلاسفة ومفكرين منهم أفلاطون أرسطو ، لوك وغيرهم وإن كان هذا المبدأ إقترن بإسم مونتسكيو وفي كتابه “روح القوانين” الذي إستطاع أن يوضح فيه بطريقة جيدة خلص من خلالها إلى أن مبدأ الفصل بين السلطات وسيلة للتخلص من السلطة المطلقة للملوك والأباطرة والمستبدين.

إن تجمع السلطات في يد واحدة يؤدي إلى الإستبداد لأن طبيعة البشر ميالة لحب السيطرة ومن أجل وضع حد لذلك لا بد من توزيع السلطات على هيئات مختلفة تعمل من أجل تحقيق الصالح العام للمجتمع.

*تعريف مبدأ الفصل بين السلطات :

هو توزيع وظائف الدولة على هيئات منفصلة تستقل كل منها عن الأخرى في مباشرة وظيفتها ، بحيث يتحقق داخل الدولة سلطة تشريعية تتمثل في وظيفة وضع القوانين ، وسلطة تنفيذية تتمثل في مهمة تنفيذ القوانين ، وسلطة قضائية تتمثل في مهمة الفصل في النزاعات والخصومات.

غير أنه لا يجب أن يفهم من مبدأ الفصل بين السلطات بأن كل سلطة مستقلة عن السلطة الأخرى تمام الإستقلال بحيث تكون كل منها بمعزل تام عن الأخرى وإنما المقصود بهذا المبدأ هو دعم تركيز سلطات الدولة وتجميعها في يد هيئة واحدة بل توزيعها على هيئات منفصلة ومتساوية بحيث لا يمنع هذا التوزيع والإتصال من تعاون ورقابة كل هيئة مع الأخرى.

· مزايا مبدأ الفصل بين السلطات :

إن الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات يؤدي إلى تحقيق ما يلي :

1)-صيانة الحرية ومنع الإستبداد : يؤدي نظام تركيز السلطات في هيئة واحدة إلى إساءة إستعمال السلطة التي تنتهي بالقضاء على حريات الأفراد وحقوقهم.

2)-إتقان الدولة وظائفها وحسن سير العمل بها : إن توزيع السلطات على عدة هيئات فيه نوع من التخصص وإعتناء كل سلطة بعملها ومجال إختصاصها مما يؤدي إلى إتفان العمل وإحادته.

3)-إحترام القوانين وحسن تطبيقها : يحقق مبدأ الفصل بين السلطات والقوانين ويكفل تطبيقها تطبيقا عادلا.

4)-تجسيد الديمقراطية : يعتبر مبدأ فصل السلطات من الركائز الأساسية التي تقوم عليها الدولة الديمقراطية ، فتوزيع السلطات بين هيئات مختلفة يساعد على ترقية وضمان الفكر الديمقراطي والعمل على تجسيده في الواقع العملي.

*الإنتقادات الموجهة إلى المبدأ:

إذا كان المبدأ المذكور قد ناصره البعض فإن هناك من عارضه ووجه إليه الإنتقادات التالية :

1)- السلطة تعتبر كل لا يتجزء فهي كالإنسان تماما حيث لا يمكن فصل أي جزء منه و إلا تعطلت وظائفه بالإضافة إلى أن توزيع السلطات بين هيئات مختلفة فيه تفتيت وتمييع للسلطة مما يؤدي إلى إضعافها.

2)- توزيع السلطة على هيئات مختلفة فيه تهرب من المسؤولية خاصة الأنظمة السياسية التي يطغى فيها حزب سياسي على الطبقات السياسية الأخرى ومثال ذلك أن تشرع سلطة ولا تلتزم سلطة أخرى بتنفيذ أو تطبيق قوانينها وهكذا…..

· مبدأ الفصل بين السلطات في الدستور الجزائري:

الدستور الجزائري لسنة 1996 (28/11/1996 ) نص في المادة 98 منه على أنه يمارس السلطة التشريعية برلمان يتكون من غرفتين وهما المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة وله السيادة في إعداد القانون والتصويت عليه.

أما المادتان 70 و 71 فنصتا على أنه يجسد رئيس الجمهورية رئيس الدولة وحدة الأمة وهو حامي الدستور وينتخب عن طريق الإقتراع العام المباشر والسري.

أما المواد (138، 139 ، 140 ، 141، 147، 148 …) من الدستور فتنص على أن السلطة القضائية مستقلة وتمارس في إطار القانون وأنها هي الحامية لحريات وحقوق المواطنين وتقوم على أساس المساواة وتصدر أحكامها بإسم الشعب وأن القاضي لا يخضع إلا للقانون وهو محمي من أشكال الضغوط والتدخلات التي قد تضر بأداء مهمته أو تمس نزاهته في إصدار الأحكام.

خلاصة القول

أن الدستور الجزائري 1996 أخذ بمبدأ الفصل بين السلطات وقد خصص الفصل الأول من الباب الثاني للسلطة التنفيذية 28 مادة أما الفصل الثاني فقد خصصه للسلطة التشريعية 40 مادة أما الفصل الثالث فقد خصصه للسلطة القضائية 21 مادة ، وقد أقر التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية كما أقر الرقابة المتبادلة بينهما ويظهر ذلك في حق رئيس الجمهورية في حل المجلس الشعبي الوطني (م129) من جهة ، ورقابة البرلمان لعمل الحكومة (م99) وهو ما يعرف بالفصل المرن بين السلطات .