دعوى النسب شرعاً وقانوناً

حقوق الأولاد وهم ثمرة الزواج ، تثبت من وقت الولادة ، و بعضها على الأب وحده ، وبعضها على الزوجين ، وبعضها على الوالدين ، وبعضها حق لهما ، وأول ما يثبت للأولاد من حقوق ، هو ثبوت النسب ، وهو حق للولد ، وللأب ثم يكون حق التربية ) 1 (0

وفيما يلى نتناول حق الولد ـ ذكراً كان أو أنثى ـ فى إثبات نسبه وأحكام ذلك شرعاً وقانوناً، خاصة وأن دعاوى إثبات ، ونفى النسب بلغت عدداً خطيراً فى الآونة الأخيرة على التفصيل الآتى :

أولاً : إثبات النسب فى الشريعة الإسلامية :

هناك ثلاثة قواعد تحكم ثبوت النسب فى الشريعة الإسلامية :

1ـ أقل مدة للحمل هى ستة أشهر :

أقصى مدة للحمل فقد اختلف فيها الفقهاء :

ذهب الإمام مالك إلى أنها خمس سنين ، وقال الشافعى أربع ، وهو رأى عند المالكية ، ورأى الحنابلة ، وعن أحمد أن أقصى مدة للحمل سنتان وهو رأى الحنفية ، لما روى عن عائشة رضى الله عنها قالت: لا تزيد المرأة عن السنتين فى الحمل ، وقال محمد بن الحكم: إن أقصى مدة الحمل سنة قمرية ، وقال الظاهرية أقصى مدة الحمل تسعة أشهر ، ولا يزيد على ذلك 0 وقال بن رشد : هذه المسألة الرجوع فيها إلى العادة والتجربة ، وقول بن الحكم والظاهرية هو الأقرب إلى المعتاد 0

وقد أخذ المشرع المصرى خروجاً على المذهب الحنفى فى القانون رقم 25 لسنة 1929 برأى قريب من مذهب بن الحكم لأن السنة عنده هلالية ، ذلك أن العمل بمقتضى مذهب الإمام / أبى حنيفة كان يقتضى اعتبار أقصى مدة للحمل سنتين ، ولكن القانون رقم 25 لسنة 1929 عد أقصى مدة الحمل سنة شمسية ( 365 ) يوماً بالنسبة لسماع دعوى نفقة العدة ، ودعوى النسب حسبما يفهم من نص المادة / 23 من القانون سالف الذكر المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 0

2ـ السبب فى ثبوت النسب :

اتفق الفقهاء على أن العقد الصحيح هو السبب فى ثبوت نسب الولد الذى يولد فى أثناء قيام العلاقة الزوجية ، إلا أنهم اختلفوا فى اشتراط الدخول أو إمكان الدخول :

فقال أبو حنيفة : إن العقد الصحيح وحده سبب فى ثبوت نسب الولد ولو لم يلتق الرجل بالمرأة قط 0

وقال أحمد : فى قول ، والشافعى ، ومالك : إن العقد الصحيح سبب لثبوت نسب ما تأتى به المرأة فى أثناء قيام الزوجية أو العدة إذا كان الدخول ممكناً ، فإذا ثبت أنه غير ممكن فإن النسب لا يثبت ، وكذلك إذا ثبت أنهما لم يتلاقيا قط ولم يكن فى الإمكان تلاقيهما 0

أما شيخ الإسلام ابن تيميه : فقد اختار أن النكاح الصحيح يعد سبباً لثبوت النسب بشرط الدخول الحقيقى ، وقال إن أحمد أشار فى رواية حرب بمثل ذلك 0

وهذا ما رجحه وبحق ابن القيم (1) حيث قال : وهذا هو الصحيح المجزوم به فكيف تصير المرأة فراشاً ولم يدخل بها الزوج ولم يبن بها لمجرد امكان بعيد ؟ وهل يعد أهل العرف واللغة المرأة فراشاً قبل البناء بها ؟ وكيف تأتى الشريعة بإلحاق نسب من لم يبن بامرأة ولا دخل بها ولا اجتمع بها بمجرد امكان ذلك ؟ وهذا الامكان قد يقطع بانتفائه عادة فلا تصير المرأة فراشاً إلا بدخول محقق0

أما السبب فى ثبوت النسب الفاسد ومثال الزوجية الفاسدة زواج الرجل من أخته فى الرضاعة أو من تزوجت بغير شهود فهو الدخول الحقيقى وبدونه لا يثبت النسب ، ومثل ذلك الوطء بشبهة من كل الوجوه 0

وقد أخذ المشرع المصرى خروجاً على المذهب الحنفى فى القانون رقم 25 لسنة 1929 برأى وسط حيث منع عند الإنكار سماع دعوى النسب لولد زوجة ثبت عدم التلاقى بينها وبين زوجها من حين العقد ، ولا لولد زوجة أتت به بعد سنة من وقت غيبة الزوج عنها0

3ـ الزنا لا يثبت نسباً :

لقوله فى الحديث الصحيح: ” الولد للفراش وللعاهر الحجر” (2) ، ولأن ثبوت النسب نعمة والجريمة لا تثبت النعمة بل يستحق صاحبها النقمة 0

فإذا كان فعل الزنا خالى من أى شبهة مسقطة للحد فإن النسب لا يثبت بالإجماع ، أما إذا كانت ثمة شبهة تمحو وصف الجريمة فإن النسب يثبت على الراجح 0

ثانياً : إثبات النسب فى القانون المصرى :

نص المادة / 15 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية جرى على أنه : ” لا تسمع عند الإنكار دعوى النسب لولد زوجة ثبت عدم التلاقى بينها وبين زوجها من حين العقد ولا لولد زوجة أتت به بعد سنة من غيبة الزوج عنها ولا لولد المطلقة المتوفى عنها زوجها أتت به لأكثر من سنة من وقت الطلاق أو الوفاة “

يستند هذا النص من الشرع على :

القاعدة الأصولية عند أبى حنيفة وصاحبيه أن : ” النسب يخاطر فى إثباته أو يحتال لإثباته ما أمكن ” ، وذلك طبقاً للقاعدة الشرعية القائلة ” بحمل المرأة على الصلاح وإحياء للولد وحفظ له من الضياع ” 0وفى هذا ما يدل على مدى حرص الإمام وصاحبيه على ثبوت النسب صيانة للمولود من الضياع (2) 0

لا يعنى ذلك أن للمشرع الإسلامى فى إثبات النسب حرص خاص فكل ما يعنيه هو إقرار الحق فيه شأنه فى ذلك شأن سائر الحقوق ، والفقهاء لهم فى ذلك مسائل متفرقة منها ما روعى فيه الاحتياط ومنها ما لم يراع ذلك وهم جميعاً يتكلمون عن النسب حيث يكون الفراش ثابتاً لا نزاع فيه.

ولثبوت النسب سبب ووسائل :

أولاً : سبب إثبات النسب :

أما السبب فهو الزواج أو ما يطلق عليه الفقهاء الشرعيون “الفراش” والمقصود بعلاقة الزوجية تلك الزوجية الصحيحة ، أو الزوجية الفاسدة ، وسواء كان الزواج مكتوباً أو شفوياً 0 أما إذا كانت العلاقة بين الرجل والمرأة ليست علاقة زوجية أى علاقة زنا فالمقرر شرعاً أن الزنا لا يثبت نسباً 0 والزوجية إما أن تكون صحيحة ، أو فاسدة ، وفيما يلى نوضح حكم كلاً منهما :

1ـ الزوجية الصحيحة ( أى مجرد إمكان الوطء بغض النظر عن تحقق وقوعه طالما انعقد العقد ) شروط إثبات النسب بناء عليها ثلاثة (3) :

أ ـ أن يأتى الولد بعد مضى ستة أشهر على الأقل من وقت الزواج أو أقل من سنة ، والعبرة بالأشهر الميلادية ، فإذا جاء الولد لأقل من ذلك فلا يثبت نسبه إلا إذا اعترف به الزوج 0ويفترض ذلك أيضاً أن الأم قد ولدته وكانت من الناحية الطبية لا يوجد لديها ما يمنع الإنجاب وإلا لم يثب النسب لعدم قدرتها مثلاً لكونها عاقراً ، ويكفى لإثبات النسب فى هذه الحالة شهادة امرأة واحدة مسلمة أو رجل كالطبيب 0

ب ـ أن يكون الزوج ممن يتصور أن يكون الحمل منه عادة بأن يكون قد بلغ الأثنتى عشر سنة أى سن البلوغ ، ولم يكن عقيماً لا يتصور الإنجاب منه0

ج ـ أن يكون من المتصور التلاقى بين الزوجين فعلاً دون اشتراط الدخول أو الخلوة 0

والمشرع المصرى لم يشترط لإثبات النسب فى الزوجية الصحيحة وجود وثيقة زواج رسمية، كما لا يشترط فى إثبات عقد الزواج العرفى تقديم هذا العقد بل يكفى أن يثبت بالبينة ( شهادة الشهود) حصوله بشرط توافر الشروط والأركان الشرعية فيه 0

وتقدير إنكار الخصم للزوجية المدعاة من عدمه يعد من مسائل الواقع التى يستقل بتقديرها قاضى الموضوع، وبالتالى فهو مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض (4) 0كان هذا قبل إلغاء الطعن بالنقض كطريق من طرق الطعن فى أحكام الأحوال الشخصية الاستئنافية بموجب القانون رقم 10 لسنة 2004 بشأن إصدار قانون إنشاء محاكم الأسرة (5) 0

فإذا ثبت نسب الولد بالزواج الصحيح لاستيفاء شروطه الثلاثة السابقة انغلقت أمام الزوج وسائل نفيه إلا باتخاذه طرق الملاعنة á ( 1 ) فاللعان عند الحنفية إذا اتهم الزوج زوجته بالزنا أو نفى نسب ولدها إليه ، بشرط توافر شروطه 0

2ـ الزوجية الفاسدة كسبب لثبوت النسب :

ومثال الزوجية الفاسدة زواج الرجل من أخته فى الرضاعة أو من تزوجت بغير شهود 0

ويجب لثبوت النسب فى الزوجية الفاسدة أن يكون الزواج ثابتاً لا نزاع فيه رغم فساده سواء كان الإثبات بالفراش أو الإقرار أو البينة 0

وكما يثبت النسب فى الزواج الفاسد فيثبت أيضاً فى الوطء بشبهة ومثاله حالة المطلقة ثلاثاً ويصلها المطلق خلال العدة معتقداً أنها تحل له على الرغم من بينونتها منه بينونة كبرى 0

وفى الحالتين الزواج الفاسد والوطء بشبهة لا يثبت فيهما النسب إلا بأحد طرق أربعة هى قيام الفراش أو الإقرار أو البينة أو حكم القافة 0

ثانياً : وسائل إثبات النسب :

أما وسائل إثبات النسب أى طرق إثبات علاقة الزوجية التى يترتب عليها إثبات النسب أو نفيه بعدم إثباتها فهى أربعة :

1ـ ثبوت الزوجية ( الفراش ) بكافة طرق الإثبات 0 2ـ الإقرار بالنسب أو الاستلحاق ( دعوة النسب ) 0 3ـ البينة الشرعية 0 4ـ حكم القافة (2) ( يثبت به النسب عند الجمهور ) 0

1ـ ثبوت الزوجية ( الفراش ) بكافة طرق الإثبات :

يثبت النسب بالزواج كما ذكرنا سواء كان صحيحاً أو فاسداً أو تم الوطء بشبهة إذا توافرت شروط كل منها ، وسواء كان الزواج رسمياً أو عرفياً صحيحاً شرعاً ، مكتوباً أو غير مكتوب 0

وفى حكم حديث قضت محكمة استئناف القاهرة للأحوال الشخصية بأنه :

” وحيث أنه لا يشترط فى إثبات عقد الزواج تقديم هذا العقد بل يكفى أن يثبت بالبينة وقرائن الأحوال حصوله وحصول المعاشرة الزوجية تنفيذاً له ، كما أنه ليس باللازم أن يشهد الشهود مجلس ذلك العقد بل يكفى أن يشهدوا بعلمهم بحصوله لأن الشهادة بالتسامع جائزة 0 كما أن المقرر شرعاً أن النسب هو حق الله تعالى وهو من النظام العام وقد جرى الشارع على إثباته حتى إذا دار الأمر بين ثبوته ونفيه وترجح جانب الإثبات وتقبل فيه الشهادة حسبة ويغتفر فيه التناقض لما قد يصاحبه من لبس أو إخفاء وتجوز فيه الشهادة بالشائع ويترتب النسب فى نكاح فاسد إذ الأصل أن النسب يحتال فى إثباته بما هو جائز عقلاً وقبوله شرعاً لحمل المرأة على الصلاح صيانة لشرفها وشرف عشيرتها وللتستر على الأعراض وإحياء للولد مراعاة لمصلحته ” (3) 0

وعلى ذلك يمكن للزوجة إثبات العلاقة الزوجية ـ الفراش ـ بمعاينة الزوج المنكر لنسب ولده منها لواقعة الولادة ، أو حضوره مجلس العقد (4)، وتقبل قضاءً شهادة الطبيب المولد فى إثبات واقعة الولادة ، وكذلك شهادة امرأة واحدة كما سبق القول 0

2ـ الإقرار بالنسب أو الاستلحاق ( دعوة النسب ):

يعد الإقرار بالنسب سبباً منشئاً له إذا صدر من الأب مجرداً دون التصريح أنه من زنا 0 ولا يشترط فى هذه الحالة المدة المشار إليها ـ ألا تقل مدة الحمل عن ستة أشهر ، ولا تزيد عن سنة

ولقد أتى المشرع بقيود بموجب نص المادة / 7 من القانون رقم 1 لسنة 2000 فى حالة إذا كان المقر بالنسب قد توفى منكراً له فلا تقبل دعوى إثبات النسب أو الإقرار به أو الشهادة على الإقرار به بعد الوفاة إلا إذا وجدت أوراق رسمية أو مكتوبة جميعها بخط المتوفى وعليها إمضاؤه أو أدلة قطعية جازمة على صحة هذا الإدعاء

والإقرار بالنسب نوعان : إقرار أصلى ، وإقرار فرعى بالنسب :

الأول: الإقرار الأصلى : أى هو الإقرار بالبنوة أو الأبوة ، ولا يكون فيه حملاً للنسب على الغير

ويشترط لثبوت النسب الأصلى بالإقرار أربعة شروط :

أ ـ أن يكون المقر ببنوته ممن يولد مثله لمثل المقر

ب ـ أن يصدق المقر له المقر إذا كان مميزاً ، وإن لم يكن كذلك ثبت النسب دون حاجة لتصديقه

ج ـ أن يكون المقر بنسبه مجهول النسب أى لا يعلم له أب فى البلد الذى يوجد فيه

د ـ ألا يصرح المقر بالنسب أن المقر له ابنه من علاقة زنا

وتلك الشروط السابقة كما تسرى على المقر بالأبوة ، تسرى أيضاً على الأم إذا أقرت بالأمومة، إلا أن وجه الاختلاف بينهما أن الأم إن أقرت بأمومتها للطفل من زواج غير شرعى أى علاقة زنا يثبت النسب للأم الزانية بشرط إثبات المرأة المقرة ولادتها للمقر له بالأمومة

الثانى : الإقرار الفرعى بالنسب :

وهو الإقرار الذى يكون فيه حملاً للنسب على غير المقر 0 كما إذا قال الرجل بأن فلاناً أخوه فإن معنى ذلك جعله ابناً لأبيه وأخاً له نفسه ولأخيه إن كان موجوداً

وهذا الإقرار لا يصلح بمفرده لإثبات النسب حال كون الإقرار يعد حجة قاصرة على المقر فقط لا يتعداه إلى الغير 0 ويشترط لصحة هذا الإقرار أن يصدقه من حمل الإقرار بالنسب عليه أو أن يثبت المقر صحة ما جاء بإقراره بالبينة (1)

3ـ البينة الشرعية :

تعد البينة وهى شهادة الشهود إحدى طرق إثبات النسب ، وإذا ثبت النسب بموجبها فلا حاجة لبحث ما إذا كان المطلوب إثبات نسبه من زواج صحيح إذ يكفى ثبوت النسب بأحد الطرق المقررة شرعاً خاصة البينة ذلك أن لها حجة متعدية وليست قاصرة فى الإثبات كما هو حال الإقرار (2)

إلا أنه يشترط لقبولها فى إثبات النسب معاينة واقعة الولادة أو حضور مجلس العقد (3) 0 أما عن نصابها المقرر شرعاً فهو رجلين أو رجل وامرأتين 0 ويكفى فيها التسامع استثناءً

وفى أحكام محكمة النقض المصرية أقرت بصحة الشهادة على وجود عقد الزواج وقيام العلاقة الزوجية حتى ولو لم يعاين الشاهد العقد متى اشتهر عند الشاهد ذلك طبقاً لمذهب الأحناف المعمول به فى مصر فى دعاوى الأحوال الشخصية عند عدم وجود نص فقد جاء فى أحد أحكامها : ” العشرة أو المساكنة لا تعتبر وحدها دليلاً شرعياً على قيام الزوجية والفراش وإنما نص فقهاء الحنفية على أنه يحل للشاهد أن يشهد بالنكاح ولو لم يعاينه متى اشتهر عنده بأحد نوعى الشهادة الشرعية الحقيقية أو الحكمية فمتى شهد أن رجلاً وامرأة يسكنان فى موضع أو بينهما انبساط الأزواج وشهد لديه رجلان عدلان بلفظ الشهادة أنها زوجته حل له أن يشهد بالنكاح وإن لم يحضر وقت العقد ، وهذا عند الصاحبين أما عند أبى حنيفة فلا يجوز للشاهد أن يشهد على النكاح بالتسامع إلا إذا اشتهر شهرة حقيقية وهى ما تكون بالتواتر ” (1)

ويثبت النسب بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين 0 ويعتد فى إثبات النسب بشهادة التسامع إستثناءً

4ـ حكم القافة ( يثبت به النسب عند الجمهور ) :

وكما سلف الذكر أن القافة لغة جمع قائف وهو الذى يعرف النسب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود ، وتعد القافة أحد وسائل إثبات النسب شرعاً وقانوناً

فهى من الناحية الشرعية :

حكم رسول الله rوقضاؤه باعتبار القافة وإلحاق النسب بها 0 حيث ثبت فى الصحيحين من حديث عائشة رضى الله عنها قالت دخل على رسول الله r ذات يوم مسروراً تبرق أسارير وجهه فقال ألم تر أن “مجززاً المدلجى” نظر آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد وعليهما قطيفة قد غطت رؤسهما وبدت أقدامهما فقال أن هذه الأقدام بعضها من بعض فسر النبى rبقول القائف ولو كانت كما يقول المنازعون من أمر الجاهلية كالكهانة ونحوها لما سر بها ولا أعجب بها 00 ، قال الشافعى والنبى r أثبته علماً ولم ينكره ولو كان خطأ لأنكره لأن فى ذلك قذف المحصنات ونفى الأنساب (2)

وحكم القافة من الناحية القانونية وإن كان معترف به شرعاً فى إثبات ونفى النسب إلا أنه من الناحية الواقعية نادراً ما يتم اللجؤ إليها كوسيلة من وسائل الإثبات وذلك بسبب قلة عدد القافة فى العصر الحالى بل وندرتهم فى ظل ما طرأ على العالم من تقدم علمى وتكنولوجى فى عصر تحكمه الأدلة المادية فى مجال الإثبات 0كما هو الحال فى ظهور تحليل الأنسجة أو الحمض النووى وهو ما يعرف بتحليل الـ D.N.A

· المحكمة المختصة نوعياً ومحلياً بنظر دعاوى إثبات ونفى النسب :

بموجب القانون رقم 1 لسنة 2000 بتنظيم إجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية وما نصت عليه المادة/ 10 منه ، وكذلك ما نصت عليه المادة / 3 من القانون رقم 10 لسنة 2004 بإنشاء محاكم الأسرة ، فإن المحكمة المختصة بنظر دعاوى النسب هى محكمة الأسرة الابتدائية

ويتعين قبل رفع الدعوى اللجؤ إلى مكتب تسوية المنازعات الأسرية المختص بطلب تسوية النزاع حول النسب ، عملاً بنصوص المواد / 5 ، 6 ، 8 من القانون رقم 10 لسنة 2004 سالف الذكر ، وإلا قضى فى الدعوى بعدم قبولها عملاً بنص المادة / 9 من ذات القانون

أما المحكمة المختصة محلياً بنظر الدعوى فهى المحكمة التى يقع فى دائرتها موطن المدعى عليه عملاً بنص المادة / 15من القانون رقم 1 لسنة 2000 سالف الإشارة إليه 0 وذلك إذا كان موطنه معلوماً فإذا كان غير ذلك أى أنه لم يكن للمدعى عليه موطن معلوم فى مصر فإن المحكمة المختصة محلياً هى التى يقع فى دائرتها موطن المدعى

 خاتمــــــــــة :

والجدير بالذكر أنه بلغت أعداد دعاوى إثبات وإنكار النسب المنظورة أمام المحاكم المصرية فى الآونة الأخيرة ما يقرب من 12 ألف قضية وهو عدد جد خطير ترجع أسباب هذا الكم الهائل من الدعاوى فى الغالب الأعم منها إلى تزايد عدد حالات الزواج العرفى وتنكر الأزواج لما يسفر عنه هذا الزواج من أطفال يحاولون التنصل من إثبات أنسابهم إليهم ، مع ضعف الوازع الدينى عند هؤلاء ، وعند البعض ممن يحاولن إلصاق نسب أطفالهن إلى من ليسوا بآبائهم بغرض الابتزاز أو التشهير

فضلاً عن ظهور أنواع جديدة من الزواج بمسميات منها المألوف ومنها غير ذلك كالزواج السياحى ، والمؤقت ، أو محدد المدة مسبقاً ، أو زواج المتعة ،وزواج المسيار ، وزواج الطوابع؟؟ ، وزواج الدم ؟؟

ولا ينبغى لنا الحكم على جميع تلك الدعاوى بأنها لا تستند إلى أحقية رافعيها فى إقامتها وإنما نقول بأن الغالب الأعم منها ما لا يستند إلى حق ثابت وقائم يتفق وصحيح الواقع والشرع والقانون.

ونود الإشارة إلى أنه أواخر القرن الماضى لم يكن هناك وسيلة علمية مؤكدة يمكن بواسطتها التأكد من إثبات أو نفى النسب حيث كان الاعتماد فى ذلك على تحليل عينة من دم الطفل لمعرفة فصيلة دمه لمقارنتها بفصيلة دم الأبوين ، ولم تكن تلك النتيجة مؤكدة لنسب الطفل إذ أنه على فرض تطابق فصيلة الدم بينهما فهناك ملايين من البشر يحملون ذات الفصيلة وقد يكون هناك مصادفة تطابق بين فصيلة دم الأب الحقيقى للطفل ، والأب المراد إلصاق نسب الطفل إليه 0

ومع التقدم العلمى فقد ظهر ما يعرف بتحليل الـ D.N.A الذى لا يعتمد فى إثبات أو نفى النسب على فصيلة الدم بل على تحليل الجينات الوراثية حيث يتم الحصول على عينة من الدم من 2 إلى 5 سم أو مسحة من الغشاء المخاطى المبطن لتجويف الفم لفحص من 7 إلى 14 موقعاً بهذا الحامض نصف تلك المواقع يكون مطابقاً تماماً للأب والنصف الآخر يطابق تماماً الأم 0 ذلك أن كل خلية بجسم الإنسان يوجد بها 46 كروموسوم ما عدا الحيوان المنوى والبويضة يوجد فى كل منهما 23 كروموسوم ، وتحمل كل خلية حوالى 30 إلى 35 ألف جين نصفها يأتى من صفات الأب والنصف الثانى من الأم ، ويمكن الاعتماد على نتيجة ذلك التحليل فى نفى النسب بنسبة 100 % ، وفى إثبات النسب بنسبة 99.99 % وتظهر نتيجة التحليل خلال أسبوعين 0

وعلى الرغم من ذلك أرى أنه على الرغم من دقة هذا التحليل على النحو السالف ذكره كما أكد ذلك أطباء الطب الشرعى إلا أنه ونحن بصدد عمل بشرى قابل للخطأ ، ولا يمكن التأكد من صحته بنسبة 100% فى جميع الأحوال فإنه فى مقام إثبات النسب وهو أمر جد خطير يجب تحرى الدقة فلا يكتفى فى ذلك بالتحليل فقط بل يتعين توافر دليل آخر مكمل له كالبينة، أو حكم القافة بوجود شبه بين الولد المراد إثبات نسبه ، والرجل المدعى أبوته له 0 وحجتنا فى ذلك أنه بالنظر فى كافة الاكتشافات العلمية وقت ظهورها كانت غاية ما وصل إليه العلم وقتها ، وبعد فترة من الزمن طالت أو قصرت يظهر اكتشاف آخر جديد يدل على قصور الاكتشاف السابق عليه كما كان هو الحال قبل ظهور تحليل الـ D.N.A ، وما كان عليه العمل من استخدام فصيلة الدم كمؤشر لنفى النسب أكثر منه دليلاً على إثباته 0

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن تحليل الـ D.N.A ليس دليلاً كافياً بذاته لإثبات النسب إذ أن نتيجته قد يترتب عليها إثبات النسب ليس للأب الحقيقى بل يتعداه إلى شخص آخر هو والد هذا الشخص ، أو أخيه لاتحاد الجينات الوراثية بينه وبينهما وبين الطفل المراد إثبات نسبه ، وهنا يتضح ما سبق قوله من عدم وجود وسيلة بشرية مؤكدة النتائج 100 % 0

فى ظل عدم وجود نص يطبق حد الزنا على مرتكبيه هل يصبح الإدعاء بأن الولد وليد أو نتاج علاقة آثمة مخرجاً للرجل أو المرأة من إثبات النسب ؟

ونجيب على هذا التساؤل بأن الشريعة الإسلامية لا تعترف بإثبات النسب طالما كان الولد نتيجة علاقة محرمة شرعاً ـ علاقة الزنا ـ اعترف بها أحد طرفى هذه العلاقة أو اعترف بها أحدهما

ففى حالة اعتراف الرجل بالزنا هروباً من إثبات الولد له فإن الشريعة الإسلامية تطبق عليه الحد المعروف على مرتكب هذه الكبيرة ، أما وقد خلا القانون المصرى من نص يطبق حد الزنا على أمثال هؤلاء فقد بات ذلك الإدعاء بالزنا مخرجاً لهم لإنكار نسب الولد لهم خاصة وأن المشرع المصرى يطبق فى هذه الحالة مذهب الإمام أبى حنيفة الذى لا يقر بإثبات النسب لمدعى أنه وليد علاقة زنا

لذلك فقد تقدم أحد أعضاء مجلس الشعب بمشروع قانون لم يناقش بعد يتضمن النص على جعل تحليل الـ D. N. A وجوبياً فى أمثال تلك الدعاوى ، وجعل جزاء الإدعاء الكاذب بإثبات النسب عقوبته الغرامة المالية الكبيرة 00 ولكن يثور التساؤل إذا كان هذا المشروع بقانون يضيف وسيلة جديدة من وسائل إثبات النسب ، فما هو الحل إذا جاء التحليل مؤكداً نسبته إليه ـ وسبق لنا القول أن هذا التأكيد محل نظر إذ قد يأتى التحليل بتلك النتيجة مع والد هذا الشخص ، أو أخيه لاتفاق أنسجة كل منهم ـ ثم ادعى المراد نسب الولد له أنه ثمرة علاقة زنا ؟ خاصة وأن الشريعة الإسلامية كما ذكرنا أنها باتفاق الفقهاء لا تعترف بالنسب المترتب على علاقة الزنا ؟

فإذا صدر هذا المشروع بقانون على النحو المذكور وترتب عليه إثبات النسب مع وجود الإدعاء بأنه وليد علاقة آثمة شرعاً ، يكون فى هذا الإثبات للنسب مخالفة صريحة لأحكام الشريعة الغراء  إذن ما هو الحل ؟؟؟

الحل فى اعتقادى أن يتضمن هذا المشروع بقانون تعديلاً بالإضافة بإضافة نص جديد لقانون العقوبات ،أو يضع نصاً خاصاً فى هذا القانون المزمع إصداره يجرم ارتكاب كبيرة الزنا قانوناً ، ويضع لها عقوبة مشددة كما وردت بالشريعة الإسلامية ، وبذلك يقع الشخص الراغب فى الفرار من إثبات النسب بين نارين إما الاعتراف بالنسب ، أو الادعاء بأن الولد نتيجة علاقة زنا وهنا يكون عليه تنفيذ العقوبة المغلظة المقررة لمرتكب تلك الجريمة

وفى اعتقادى أيضاً أن مثل ذلك النص المشدد المقرر لعقوبة الزنا يحقق عدة أهداف فى آن واحد :

الأول : أنه يعد تطبيقاً لشرع الله عز وجل ابتغاء مرضاته

والثانى : أنه يقلل بل وقد يحد من تفكير أصحاب الضمائر المريضة من ارتكاب مثل تلك الكبائر

والثالث : أنه يحد من عدد دعاوى إثبات وإنكار النسب الغير قائمة على أسا س من الواقع أو الحقيقة ، حيث من يقع فى ارتكاب الفاحشة ـ الزنا ـ ويتولد عن هذه الجريمة ولد ، سيكون أهون عليه الاعتراف به من الإدعاء كذباً بالزنا هروباً من إثبات نسب الولد له ، ومن ثم توقيع عقوبة الزانى المقترحة عليه 0 ومن ثم الحفاظ على حق هؤلاء الصغار الذين لم يرتكبوا خطأ ويدفعون ثمن أخطاء آبائهم طيلة حياتهم معيرين بين أقرانهم بأسوأ الصفات

لذلك نهيب بالمشرع التدخل بوضع نص تشريعى يجرم الزنا ، ويضع له أشد العقوبات حتى تكون محقق