دعوى المطالبة بالريع عن الغصب في القانون المصري .

الطعن 1813 لسنة 57 ق جلسة 21 / 1 / 1993 مكتب فني 44 ج 1 ق 52 ص 273

برئاسة السيد المستشار/ محمد رأفت خفاجى نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد بدر الدين المتناوي، شكري جمعة حسين نائبي رئيس المحكمة، فتيحة قرة ومحمد الجابري.
———
– 1 إيجار” القواعد العامة في الإيجار . محل الإيجار”. محكمة الموضوع ” سلطتها بالنسبة للمنازعات الناشئة عن العقود : في عقد الايجار . في تحديد ملحقات العين المؤجرة”.
ملحقات العين المؤجرة . ما هيتها . المواد 432 ، 564 ، 566 مدنى . استقلال قاضى الموضوع بتحديدها ـ في ضوء المعايير الواردة بالمواد المذكورة ـ دون معقب متى كان سائغا .
مؤدى المواد 432، 564، 566 من التقنين المدني أن ملحقات العين المؤجرة تشمل كل ما أعد بصفة دائمة لاستعمال العين المؤجرة في الغرض المقصود منها أو حتى يستكمل هذا الاستعمال طبقاً لما تقضى به طبيعة الأشياء وعرف الجهة وقصد المتعاقدين، وكان تحديد ما تعتبر من ملحقات العين المؤجرة – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – يختلف باختلاف الظروف، وهو بهذه المثابة يترك لتقدير قاضى الموضوع استهداء بالمعايير السالفة، باعتباره مسألة تتعلق بتفسير العقد، ولا يخضع فيها لرقابة محكمة النقض متى كان استخلاصه سائغا وله مأخذه من الأوراق.
– 2 إثبات ” طرق الإثبات : الإثبات بالبينة . الوقائع المادية”. ارتفاق ” من اسباب كسب الارتفاقات الظاهرة . تخصيص المالك الأصلي”.
الارتفاق وتخصيص المالك الأصلي . ماهية كل منهما . المادتان 1015 ، 1017 مدنى . مؤداه . علاقة التبعية بين عقارين بخدمة احدهما للآخر . جواز إثباتها بكافة طرق الإثبات . إقامة المالك الأصلي للعقارين علامة ظاهرة تنبئ عن خدمة أحد العقارين للآخر . عدم اعتبارها ـ في ذاتها ـ ارتفاقا في مفهوم المادة الأولى .
عرف الشارع الارتفاق في المادتين 1015،1017 من القانون المدني ومفاد هذا أن علاقة التبعية التي ينشئها المالك بين العقارين تدل عليها واقعة مادية أجاز المشرع إثباتها بأي طريق الإثبات هي أقامه المالك الأصلي للعقارين علامة ظاهرة تنبئ في وضوح عن أن أحد العقارين يخدم الآخر، بحيث تبدو هذه التبعية مؤدية تأدية تامة للمهمة الاقتصادية للارتفاق الذى لم يبرز وجوده قانونا بسبب اتحاد المالك، ذلك أن هذه العلاقة لا تشكل في حد ذاتها ارتفاقا بالمعنى القانوني المنصوص عليه في المادة 1015 من حيث كونه مرتبا على عقار لفائدة عقار غيرة يملكه شخص آخر وإنما تظل في أداء مهمته إلى أن ينشأ من الناحية القانونية عند ما يصبح العقاران مملوكين لمالكين مختلفين مع بقائهما على حالهما .
– 3 ارتفاق ” من خصائص حق الارتفاق . نشوئه لفائدة عقار لا لفائدة شخص”.
التفرقة بين حق الارتفاق كحق عيني والحق الشخصي . مناطها . ورود التكليف على العقار لخدمة عقار آخر أم لفائدة شخص بعقد لا ينشئ إلا حقوقا شخصية .
أن مناط التفرقة بين حق الارتفاق كحق عيني وبين مجرد الحق الشخصي هو ما إذا كان التكليف على العقار مقررا لفائدة عقار آخر فيكون حق ارتفاق أم لفائدة شخص بعقد لا ينشئ إلا حقوقا شخصية فيكون حقا شخصيا .
– 4 ارتفاق “من خصائص حق الارتفاق . نشوئه لفائدة عقار لا لفائدة شخص”. إيجار” القواعد العامة في الإيجار . محل الإيجار”. نقض ” اسباب الطعن . الاسباب القانونية التي يخالطها واقع”.
الفصل في بيان قصد المالك من الوضع الذى أنشأه وما إذا كان قصد به خدمة شخصية مؤقتة أو إخضاع أحد العقارين لخدمة الآخر على وجه الدوام . دفاع قانوني يخالطه واقع . اقتصار دفاع الطاعن أمام محكمتي الموضوع على كون حديقة النزاع جزء من العين المؤجرة أو إحدى ملحقاتها دون إثارة أي دفع يتعلق بالمادة 1017 مدنى أمامها. عدم جواز التحدي بذلك لأول مرة أمام محكمة النقض.
إذ كان البت فيما إذا كان الوضع الذى أنشأه المالك قصد به خدمة شخصيه مؤقتة أو إخضاع أحد العقارين لخدمة الآخر على وجه الدوام هو من الدفوع القانونية التي يختلط بها واقع، وكان دفاع الطاعن أمام محكمتي الموضوع اقتصر على أن حديقة النزاع هي جزء من العين المؤجرة له أو في الأقل القليل إحدى ملحقاتها ولم يثر الطاعن أمام محكمة الموضوع دفاعا يتعلق بالمادة 1017 من القانون المدني التي قصدها في وجه النعي مما يدل على أن الطاعن تمسك بدفاع جديد يخالطه واقع لم يسبق التحدي به أمام محكمة الموضوع فلا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض .
– 5 تعويض ” التعويض عن الفعل الضار غير المشروع . التعويض عن الغصب”. ريع ” التزام الغاصب برد ما يجنيه من غلة العين المغصوبة”.
التزام الغاصب برد ما يجنيه من غلة العين المغصوبة . اعتباره بمثابة تعويض لصاحبها مقابل حرمانه منها .
المقرر في قضاء هذه المحكمة أن ما يجنيه الغاصب من غله العين المغصوبة مما يعتبر التزامه برده في مقام التعويض عن حرمان صاحبها منها.
– 6 تقادم ” التقادم المسقط : مدة التقادم . دعوى المطالبة بالريع”. ريع ” تقادم دعوى المطالبة بالريع من الغصب”.
دعوى المطالبة بالريع عن الغصب . سقوطها بالتقادم الطويل بمضي خمسة عشرة سنة و ليس بالتقادم الثلاثي . م 2/375 مدنى .
المقرر وفقا للفقرة الثانية من المادة 375 من القانون المدني أن دعوى المطالبة بالريع عن الغصب باعتباره عملا غير مشروع لا تسقط إلا بمضي خمس عشرة سنة ومن ثم فإن التقادم الذي يسري على هذه المطالبة هو التقادم الطويل وليس التقادم الثلاثي المنصوص عليه في المادة 172 مدنى.
– 7 تعويض ” تقادم دعوى التعويض عن الخطأ التقصيري . مدة التقادم”. تقادم ” التقادم المسقط . مدة التقادم “. حيازة ” حماية الحيازة في ذاتها “. ريع “التزام الحائز سيء النية برد الريع”. ملكية ” اسباب كسب الملكية . الحيازة المكسبة للملكية “.
الحائز سيء النية . التزامه برد الثمرة وهي الريع . سقوط الحق في المطالبة به بالتقادم الطويل . م 2/375 مدنى . لا يغير من ذلك أن عين النزاع غير مثمرة . إلزام الغاصب بالتعويض لحرمان صاحب الحق من الانتفاع بها . اقتران الحيازة بحسن نية . لا إلزام برد الثمرة . المادتان 978 ، 979 مدنى .
تطبيق المادتان 978، 979 من القانون المدني يقتضى حتما التفريق بين الحائز حسن النية والحائز سيء النية عند بحث تملك ثمار العين التي يضع يده عليها فإن لكل حكما، فالثمرة وهى الريع واجبة الرد إذا كان آخذها حائزاً سيئ النية والحق في المطالبة بها لا يسقط إلا بالتقادم الطويل عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة 375 من القانون المدني، أما إذا كان أخذها حائزا للعين واقترنت حيازته بحسن نية فلا رد للثمرة.
– 8 ريع . محكمة الموضوع ” سلطتها بالنسبة للريع . في تقدير الريع”. ملكية ” اسباب كسب الملكية – الحيازة المكسبة للملكية “. حيازة ” حماية الحيازة في ذاتها “.
استخلاص نية واضع اليد عند بحث تملك غلة العين . واقع . استغلال محكمة الموضوع بتقديرها .
المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تعرف حقيقة نية واضع اليد عند البحث في تملك غله العين الموجودة يده هو من مسائل الواقع التي تخضع في تقديرها لسلطة محكمة الموضوع .
– 9 تعويض ” التعويض عن الفعل الضار غير المشروع . التعويض عن الغصب”. ريع ” ماهيته”. محكمة الموضوع ” سلطتها بالنسبة للريع . في تقدير الريع”.
الريع . ما هيته . تعويض أو مقابل انتفاع يلتزم بأدائه الغاصب لصاحب العقار المغتصب مقابل ما حرم من ثمار . تقديره . واقع . استقلال قاضي الموضوع به دون التزام باتباع معايير معينه . لا محل للتحدي بقواعد تحديد الأجرة الواردة في قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية .
الريع – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – يعتبر بمثابة تعويض لصاحب العقار المغتصب مقابل ما حرم من ثمار ويلزم بالريع من ارتكب العمل غير المشرع وهو الغضب، وكان تقدير هذا التعويض أو مقابل الانتفاع من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضى الموضوع طالما أن القانون لا يلزمه باتباع معايير معين، ومن ثم فلا محل للتحدي بأسس ومعايير تقدير أجرة الأماكن المؤجرة التي تضمنتها قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية المتعاقبة .
– 10 إثبات ” اجراءات الاثبات : ندب الخبراء . تقدير عمل الخبير”. محكمة الموضوع ” سلطتها بالنسبة لمسائل الإثبات . تقدير عمل الخبير”.
اقتناع قاضى الموضوع بتقرير الخبير . عدم التزامه بالرد استقلالاً على المطاعن الموجهة إليه .
اقتناع قاضى الموضوع بعمل الخير وسلامة الأسس التي بنى عليها مما يدخل في سلطته الموضوعية في تقدير الدليل بغير التزام بالرد استقلالا على المطاعن الموجهة إليه .
———-
الوقائع
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن المطعون ضدهم أقاموا على الطاعن الدعوى رقم 4612 لسنة 1977 مدني الجيزة الابتدائية للحكم بإلزامه بمبلغ 1925 جنيه ريع الحديقة الغربية المجاورة لسكنه عن المدة من 1/7/1971 حتى 31/10/1977 بواقع 25 جنيه شهريا، وقالوا بيانا لها إنهم يمتلكون كامل أرض وبناء العقار الموضح بالصحيفة، وأن الطاعن وهو مستأجر لشقة بالدور الأرضي قام بوضع يده على الحديقة الغربية والتي لا يشملها عقد استئجاره فأقاموا الدعوى، ندبت المحكمة خبيرا وبعد أن أودع تقريره عادت وندبت ثلاثة خبراء وبعد أن قدموا تقريرهم حكمت بإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضدهم مبلغ 2225 جنيه و800 مليم. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 1109 لسنة 103 ق القاهرة، وبتاريخ 9/4/1987 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
———–
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
حيث إن الطعن أقيم على سبب واحد من خمسة أوجه، ينعى الطاعن بالوجه الأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم أخطأ في تفسير عقد الإيجار المؤرخ 1/4/1951 عندما قرر أن العقد لم يتضمن الحديقة مثار النزاع وأنها ليست من أصل العين المؤجرة أو ملحقاتها، في حين أن الحديقة تعتبر من ملحقات العين المؤجرة له وأن الانتفاع بالحديقة يتبع انتفاعه بالعين المؤجرة ودون مقابل مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان مؤدى المواد 432، 564، 566 من التقنين المدني أن ملحقات العين المؤجرة تشمل كل ما أعد بصفة دائمة لاستعمال العين المؤجرة في الغرض المقصود منها أو حتى يستكمل هذا الاستعمال طبقا لما تقضي به طبيعة الأشياء وعرف الجهة وقصد المتعاقدين، وكان تحديد ما يعتبر من ملحقات العين المؤجرة – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – يختلف باختلاف الظروف، وهو بهذه المثابة يترك لتقدير قاضي الموضوع استهداء بالمعايير السالفة، باعتباره مسألة تتعلق بتفسير العقد، ولا يخضع فيها لرقابة محكمة النقض متى كان استخلاصه سائغا وله مأخذه من الأوراق. لما كان ذلك وكان البين من الحكم المطعون فيه، أنه وهو بصدد تفسير عقد إيجار الشقة سكن الطاعن قد انتهى إلى أن العقد لم يتضمن الحديقة مثار النزاع، وأورد في مدوناته (…. أن الثابت من الاطلاع على الأوراق أن الحديقة – موضوع النزاع ليست من ملحقات العين المؤجرة في مفهوم المواد 148، 562، 566، 432 من القانون المدني، فلم يتضمنها عقد الإيجار المنوه عنه كما أنها ليست من مستلزمات الانتفاع بالعين المؤجرة أو طبيعتها فالعين المؤجرة واقعة بالدور فوق البدروم، وإذ خلصت محكمة أول درجة إلى أن الحديقة موضوع النزاع ليست من ملحقات العين المؤجرة وهو ما انتهى إليه الخبراء في تقريريهما والذي تطمئن إليهما هذه المحكمة مما يدعوها إلى الأخذ بهما لما ورد بهما من أسباب تحيل إليها هذه المحكمة، ومن ثم فإن وضع يد المستأنف على هذه الحديقة وانتفاعه بها يكون على غير سند مما يلزمه بدفع مقابل انتفاعه بها ….) وهي أسباب سائغة لها سندها من أوراق الدعوى، ولا يعدو أن يكون ما أثاره الطاعن إلا جدلا موضوعيا تنحسر عنه رقابة هذه المحكمة، ومن ثم يكون النعي به غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعي بالوجه الخامس على الحكم المطعون فيه، مخالفة القانون وفي بيان ذلك يقول إن ما أورده الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه، من أن حق الارتفاق لا يرد إلا على عقار لمصلحة عقار آخر، ويشترط أن يكون العقارين مملوكين لشخصين مختلفين وإذ كان المدعون هم وحدهم الملاك لذات العقار الواحد الذي يستأجر الطاعن إحدى شققه فمن ثم لا تتوافر فكرة الارتفاق قانونا لوحدة المالك والعقار، وكان ما أورده يخالف القانون، ذلك أنه ليس من الضروري أن يكون هناك عقاران مستقلان منفصل كل منهما عن الآخر بل يصح أن يكون مالك العقار هو الذي قام بتقسيمه إلى قسمين، والثابت أن المالك الأصلي قد خصص الحديقة مثار النزاع لخدمة الشقة رقم 7 سكن الطاعن فيكون في حكم من يملك عقارين منفصلين خصص أحدهما لخدمة الآخر، وإذ خالف الحكم هذا النظر فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك أن الشارع بعد أن عرف الارتفاق في المادة 1015 من القانون المدني قال أنه “حق يحد من منفعة عقار لفائدة عقار غيره يملكه شخص آخر” بين أسباب كسبه واشترط في كسبه بالتقادم أن يكون ظاهرا، ثم عرض المشرع لحكم كان معمولا به دون نص في ظل القانون المدني السابق يسمى تخصيص المالك الأصلي مستكملا به أسباب كسب حق الارتفاق ابتداء فقال في المادة 1017 “1- يجوز في الارتفاقات الظاهرة أن ترتب أيضا بتخصيص من المالك الأصلي. 2- ويكون هناك تخصيص من المالك الأصلي إذا تبين بأي طريق من طرق الإثبات أن مالك عقارين منفصلين قد أقام بينهما علامة ظاهرة، فأنشأ بذلك علاقة تبعية بينهما من شأنها أن تدل على وجود ارتفاق لو أن العقارين كانا مملوكين لملاك مختلفين …..” ومفاد هذا أن علاقة التبعية التي ينشئها المالك بين العقارين تدل عليها واقعة مادية أجاز الشارع إثباتها بأي طريق من طرق الإثبات هي إقامة المالك الأصلي للعقارين علامة ظاهرة تنبئ في وضوح عن أن أحد العقارين يخدم الآخر، بحيث تبدو هذه التبعية مؤدية تأدية تامة للمهمة الاقتصادية للارتفاق الذي لم يبرز وجوده قانونا بسبب اتحاد المالك، ذلك أن هذه العلاقة لا تشكل في حد ذاتها ارتفاقا بالمعنى القانوني المنصوص عليه في المادة 1015 من حيث كونه مرتبا على عقار لفائدة عقار غيره يملكه شخص آخر وإنما تظل في أداء مهمته إلى أن ينشأ من الناحية القانونية عندما يصبح العقاران مملوكين لمالكين مختلفين مع بقائهما على حالهما، وأن مناط التفرقة بين حق الارتفاق كحق عيني وبين مجرد الحق الشخصي هو ما إذا كان التكليف على العقار مقررا لفائدة عقار آخر فيكون حق ارتفاق أم لفائدة شخص بعقد لا ينشئ إلا حقوقا شخصية فيكون حقا شخصيا، وكان البت فيما إذا كان الوضع الذي أنشأه المالك قصد به خدمة شخصية مؤقتة أو إخضاع أحد العقارين لخدمة الآخر على وجه الدوام هو من الدفوع القانونية التي يختلط بها واقع، وكان دفاع الطاعن أمام محكمتي الموضوع اقتصر على أن حديقة النزاع هي جزء من العين المؤجرة له أو في الأقل القليل إحدى ملحقاتها ولم يثر الطاعن أمام محكمة الموضوع دفاعا يتعلق بالمادة 1017 من القانون المدني التي قصدها في وجه النعي مما يدل على أن الطاعن تمسك بدفاع جديد يخالطه واقع لم يسبق التحدي به أمام محكمة الموضوع فلا تجوز إثارته لأول مرة أمام هذه المحكمة ويكون النعي به غير مقبول.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجهين الثالث والرابع على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول إن حسن النية يفترض دائما ما لم يقم الدليل على العكس ويزول حسن النية من وقت إعلان الحائز بعيوب حيازته، وأن الطاعن حسن النية ولم يعلم بعيوب حيازته إلا من تاريخ إعلانه بصحيفة الدعوى الابتدائية في 9/11/1977 ومن ثم فإن القضاء بإلزامه بمقابل الانتفاع عن المدة من عام 1971 إلى تاريخ رفع الدعوى في سنة 1977 مخالف لنص المادتين 965/3، 966/2 من القانون المدني، هذا إلى أن المحكمة رفضت الدفع بالتقادم تأسيسا على أن الريع المستحق في ذمة الحائز سيء النية لا يتقادم إلا بخمس عشرة سنة طبقا لنص المادة 375/2 من ذات القانون في حين أن التعويض عن العمل غير المشروع يلحقه التقادم الثلاثي المنصوص عليه في المادة 172 من ذات القانون خاصة وأن الحديقة غير مثمرة وأن التعويض مقابل الثمار مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن النعي بوجهيه غير سديد، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن ما يجنيه الغاصب من غلة العين المغصوبة مما يعتبر التزامه برده في مقام التعويض عن حرمان صاحبها منها وكان من المقرر وفقا للفقرة الثانية من المادة 375 من القانون المدني أن دعوى المطالبة بالريع عن الغصب باعتباره عملا غير مشروع لا تسقط إلا بمضي خمس عشرة سنة ومن ثم فإن التقادم الذي يسري على هذه المطالبة هو التقادم الطويل وليس التقادم الثلاثي المنصوص عليه في المادة 172 مدني، ولما كان تطبيق المادتين 978، 979 من القانون المدني يقتضي حتما التفريق بين الحائز حسن النية والحائز سيء النية عند بحث تملك ثمار العين التي يضع يده عليها فإن لكل حكما، فالثمرة وهي الريع واجبة الرد إذا كان آخذها حائزا سيء النية والحق في المطالبة بها لا يسقط إلا بالتقادم الطويل عملا بنص الفقرة الثانية من المادة 375 من القانون المدني، أما إذا كان آخذها حائزا للعين واقترنت حيازته بحسن نية فلا رد للثمرة، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تعرف حقيقة نية واضع اليد عند البحث في تملك غلة العين الموجودة تحت يده هو من مسائل الواقع التي تخضع في تقديرها لسلطة محكمة الموضوع. لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد خلص إلى أن الطاعن حائز سيء النية للعين محل النزاع ومسئول عن تعويض أصحابها – المطعون ضدهم عن المدة المطالب بها وأن التزامه في هذا الصدد لا يتقادم إلا بخمس عشرة سنة على ما أثبته بمدوناته “وحيث ترتب على فعل المدعى عليه حرمان المدعين من استغلال ملكهم للحديقة اغتصابه فمن ثم يتعين تعويضهم عن هذا العمل غير المشروع الذي اتصل بعمل المذكور ونتج عنه مباشرة اتصال السبب بالمسبب، وترى المحكمة استهداء بما ورد بتقرير الخبير مناسبة ما قضى به في المنطوق ومعلوم أن الريع المستحق في ذمة الحائز سيء النية لا يسقط إلا بمضي خمسة عشر سنة عملا بحكم المادة 375/2 من القانون المدني والمدعى عليه بهذا الوصف لأنه رجل قانون يعلم تمام العلم أن عين النزاع بمنأى عن الارتفاق فضلا عن تمام علمه بأنها ليست محل عقد إيجارته الشقة رقم “7” من العمارة ملك المدعين وليست من مستلزماتها بحسب ما أعدت له …… وحيث اقتصرت طلبات المدعين لاستحقاق الريع على الفترة الخاصة (86 شهرا) تالية لتاريخ 19/7/1971 فإن المحكمة تجيبهم ……” وكان ما أورده سائغا ويكفي لحمل قضائه ولا يغير من ذلك أن عين النزاع غير مثمرة فلا يؤثر ذلك في إلزام غاصبها بتعويض صاحب الحق عن حرمانه من الانتفاع بها، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن بوجهي النعي يكون على غير أساس.
حيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثاني من سبب الطعن أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون، في بيان ذلك يقول إن الحكم اعتمد في تقدير مقابل الانتفاع بالحديقة إلى ما جاء بتقرير الخبير باحتساب ثمن المتر في عام 1977 تاريخ شراء العقار، في حين أنه كان يتعين طبقا لنص المادة 11 من القانون رقم 52 لسنة 1969 تحديد سعر المتر وفقا لثمن المثل وقت البناء وهو عام 1934 مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أن الريع – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – يعتبر بمثابة تعويض لصاحب العقار المغتصب مقابل ما حرم من ثمار ويلزم بالريع من ارتكب العمل غير المشروع وهو الغصب، وكان تقدير هذا التعويض أو مقابل الانتفاع من مسائل الواقعة التي يستقل بها قاضي الموضوع طالما أن القانون لا يلزمه بإتباع معايير معينة، ومن ثم فلا محل للتحدي بأسس ومعايير تقدير أجرة الأماكن المؤجرة التي تضمنتها قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية المتعاقبة، وأن اقتناع قاضي الموضوع بعمل الخبير وسلامة الأسس التي بني عليها مما يدخل في سلطته الموضوعية في تقدير الدليل بغير التزام بالرد استقلالا على المطاعن الموجهة إليه، وإذ التزم الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه النظر المتقدم فإنه يكون متفقا مع صحيح القانون ويكون النعي على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .