دعوى المسؤولية في الفقه والقانون الكويتي – دراسة متميزة

دعوى المسئولية ( البحرين – الكويت )

تخضع دعوى المسئولية للأحكام العامة في شأن سائر الدعاوي إلا أنها تثير في خصوصيات هذا البحث مسائل معينة تستدعي اهتماما خاصا, وهذه المسائل هي طرفا الدعوى وسبب الدوى وتقادمها والإثبات وحجية الشيء المقضي ورقابة محكمة النقض فيما يتعلق بأركان المسئولية وطبيعة الحكم الصادر في دعوى المسئولية.

المطلب الأول : طرفا الدعوى

الدعوى مشتقة من الدعاء وهو الطلب . وفي الشرع: قول يطلب به الإنسان إثبات حق على الغير لنفيه، والبينة من البيان، وهو الكشف والإظهار، والبينة في الشرع تظهر صدق المدعي وتكشف الحق. والأصل في الباب قوله ( صلى الله عليه وسلم ) : ‘ لو ترك الناس ودعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ، لكن البينة على المدعي ، واليمين على المدعى عليه ‘ وفي رواية ‘ واليمين على من أنكر ‘ ويروى أن حضرميا وكنديا اختصما بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في شيء ، فقال للمدعي : ‘ ألك بينة ‘ ؟ قال : لا ، فقال : ‘ لك يمينه ليس لك غير.) ذلك ‘ فنبدأ بمعرفة المدعي والمدعى عليه، إذ هو الأصل في البحث ونبني عليه عامة مسائله.

ـ ممن ترفع دعوى المسئولية:-

الأصل أن ترفع دعوى المسئولية من المضرور, إلا إذا لم تكن له أهلية التقاضي فترفع من نائبه كالولي أو الوصي أو القيم. وإذا كان المضرور مدينا فلدائنه طلب التعويض باسمه, عن طريق الدعوى غير المباشرة بشرط أن يكون الضرر الذي أصاب المدين ماديا, فإذا كان الضرر الذي أصابه معنويا امتنع على الدائن استعمال الدعوى غير المباشرة, إلا إذا كان هذا الضرر جسمانيا وترتب عليه عجز المدين كليا أو جزئيا عن العمل. وإذا توفى المضرور وكان الضرر الذي أصابه ماديا انتقل الحق في التعويض عنه إلى الورثة كل بقدر نصيبه من الميراث. أما إذا كان الضرر الذي أصابه معنويا فلا ينتقل إلا إذا تحدد بمقتضى اتفاق بين المضرور والمسئول, أو طالب به المضرور أمام القضاء حيث نصت المادة 222 من القانون المدني على ” يشمل التعويض الضرر الأدبي أيضا ، ولكن لا يجوز في هذه الحالة أن ينتقل إلى الغير إلا إذا تحدد بمقتضى اتفاق ، أو طالب الدائن به أمام القضاء. ومع ذلك لا يجوز الحكم بتعويض إلا للأزواج والأقارب إلى الدرجة الثانية عما يصيبهم من ألم من جراء موت المصاب.”كما ينتقل الحق في التعويض بالوفاة, كذلك قد ينتقل حال الحياة بالاتفاق بين المضرور والمحال له ولكن إذا كان الضرر الذي أصاب المضرور معنويا فيتعين لجواز انتقاله بالحوالة أن يكون المضرور قد طالب به أمام القضاء, أو اتفق في شأنه مع المسئول. وقد يكون المضرور جماعة, وهنا يجب التفرقة بين ماذا كان لهذه الجماعة شخصية معنوية أم لا. فإذا كان لها شخصية معنوية كان لها رفع دعوى التعويض عن الضرر الذي أصابها. أما الضرر الذي يصيب فردا من أفرادها فيكون طلب التعويض عنه من شأن هذا الفرد وحده, غير أنه فيما يتعلق بالنقابات استقر الفقه على أن لها أن ترجع بالتعويض على أي شخص اعتدى على المصلحة العامة للمهنة التي تمثلها, ولو لم يكن لها في ذلك مصلحة شخصية, فعدم مراعاة صاحب عمل لقوانين العمل بالنسبة إلى العمال الذين يستخدمهم يخول نقابة العمال الحق في الرجوع عليه بالتعويض. أما إذا لم يكن للجماعة شخصية, فلا يجوز لها بوصفها جماعة الرجوع على المسئول بالتعويض. ولكن لأي فرد ينتمي لهذه الجماعة الرجوع بدعوى المسئولية, إذا ثبت أنه قد لحق ضرر شخصي من الاعتداء على مصلحة الجماعة.

ـ غير المضرور ليس له الحق في التعويض:-

بديهي أن غير المضرور لا يستطيع أن يطالب بتعويض عن ضرر لم يصبه, ولكن يقع كثيرا وبخاصة في الأضرار الأدبية أن يعلن المضرور عن رغبته في النزول عما يحكم له به من تعويض لجهة خيرية أو لمؤسسة تعمل للمصلح العامة. والمحظور أن يطلب المضرور من المحكمة القضاء مباشرة بالتعويض لهذه الجهة. ولا تستطيع المحكمة في هذه الحالة أن تجيبه إلى هذا الطلب, لأن الجهة الخيرية التي عينها المضرور لم يصبها أي ضرر فلا يجوز الحكم لها مباشرة بتعويض. أما إذا طلب المضرور الحكم بالتعويض نفسه, وأعلن في الوقت ذاته عن رغبته في النزول عن هذا التعويض لجهة خيرية فلا شيء يمنع من ذلك. ويجوز أن يشير الحكم إلى هذا الأمر, ولا يكون في هذه الإشارة مخالفة للقانون تستوجب نقض الحكم.(2)

ـ على من ترفع دعوى المسئولية:-

ترفع الدعوى على المسئول, سواء كان مسئولا عن فعله الشخصي أم عن فعل الغير, وإذا توفى المسئول رفعت الدعوى على ورثته. غير أنه لما كانت القاعدة في الشريعة الإسلامية ألا تركة إلا بعد سداد الديون, فالتركة تكون هنا المسئولة بعد وفاة المسئول, ويمثلها أي وارث في دعوى المسئولية, هذا بالنسبة إلى الخلف العام للمسئول, أما بالنسبة إلى الخلف الخاص فالأصل أنه لا يجوز الرجوع عليه بالتعويض بسبب خطأ السلف, إلا إذا تجمعت من جانبه مكن جديد أركان المسئولية بسبب المال الذي تلقاه من السلف. وإذا تعدد المسئولون عن الضرر الواحد كانوا جميعا مسئولين على وجه التضامن بتعويض المضرور, ونصت على ذلك المادة 169 من القانون المدني ” إذا تعدد المسئولون عن عمل ضار كانوا متضامنين في التزامهم بتعويض الضرر ، وتكون المسئولية فيما بينهم بالتساوي ، إلا إذا عين القاضي نصيب كل منهم في التعويض.”
بمعنى أن لذلك المضرور الرجوع على أيهم شاء بتعويض كل الضرر الذي لحقه, وعلى من دفع كامل التعويض الرجوع على الباقين كل بقدر نصيبه, سواء قسم القاضي التعويض بينهم بالتساوي أم بحسب جسامة خطأ كل منهم. وكما قد يكون المدعي في دعوى المسئولية شخصا معنويا كذلك قد يكون المدعي عليه في هذه الدعوى شخصا اعتباريا, ولا يعترض على ذلك بأن الخطأ وهو أساس المسئولية المدنية لا يتصور وقوعه من الشخص المعنوي, لأن هذا الخطأ قد يقع من أحد أعضاء الشخص المعنوي أثناء مباشرته عمله فتتحقق بذلك مسئولية الشخص المعنوي.)

أما بالنسبة للدعوى في الشريعة الإسلامية:

الشرائط المصححة للدعوى فأنواع منها عقل المدعي والمدعى عليه فلا تصح دعوى المجنون والصبي الذي لا يعقل وكذا لا تصح الدعوى عليهما حتى لا يلزم الجواب ولا تسمع البينة لأنهما مبنيان على الدعوى الصحيحة ومنها أن يكون المدعى معلوما لتعذر الشهادة والقضاء بالمجهول والعلم بالمدعى إنما يحصل بأحد أمرين إما الإشارة وإما التسمية وجملة الكلام فيه أن المدعى لا يخلو إما أن يكون عينا وإما أن يكون دينا فإن كان عينا فلا يخلو إما إن كان محتملا للنقل أو لم يكن محتملا للنقل فإن كان محتملا للنقل فلا بد من إحضاره لتمكن الإشارة إليه عند الدعوى والشهادة فيصير معلوما بها إلا إذا تعذر نقله كحجر الرحى ونحوه فإن شاء القاضي استحضره وإن شاء بعث إليه أمينا وإن لم يكن محتملا للنقل وهو العقار فلا بد من بيان حده ليكون معلوما لأن العقار لا يصير معلوما إلا بالتحديد. ثم لا خلاف في أنه لا يكتفي فيه بذكر حد واحد وكذا بذكر حدين عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف وهل تقع الكفاية بذكر ثلاثة حدود قال علماؤنا الثلاثة رضي الله عنهم نعم وقال زفر رضي الله عنه لا وهي مسألة كتاب الشروط وكذا لا بد من بيان موضع المحدود وبلده ليصير معلوما هذا إذا كان المدعى عينا فإن كان دينا فلا بد من بيان جنسه ونوعه وقدره وصفته لأن الدين لا يصير معلوما إلا ببيان هذه الأشياء ومنها أن يذكر المدعي في دعوى العقار أنه في يد المدعى عليه لأن الدعوى لا بد وأن تكون على خصم والمدعى عليه إنما يصير خصما إذا كان بيده فلا بد وأن يذكر أنه في يده ليصير خصما فإذا ذكر وأنكر المدعى عليه ولا بينة للمدعي فإنه يحلف من غير الحاجة إلى إقامة البينة من المدعي على أنه في يد المدعى عليه ولو كان له بينة لا تسمع حتى يقيم البينة على أنه في يد هذا المدعى عليه ووجه الفرق أن من الجائز أن يكون صاحب اليد غيره واصطلحا على ذلك فلو سمع القاضي بينته لكان قضاء على الغائب وهذا المعنى هنا متعذر لأنه لا قضاء هنا أصلا لأن المدعى عليه لا يخلو إما أن يحلف وإما أن ينكل فإن حلف فالأمر فيه ظاهر وإن نكل فكذا لأن القاضي لا يقضي بشيء وإنما يأمره بأن يخرج من الدار ويخلي بينها وبين المدعي ومنها أن يذكر أنه يطالبه به لأن حق الإنسان إنما يجب إيفاؤه بطلبه ومنها أن يكون بلسانه عينا إذا لم يكن به عذر إلا إذا رضي المدعى عليه بلسان غيره عند أبي حنيفة وعندهما ليس بشرط حتى لو وكل المدعي بالخصومة من غير عذر ولم يرض به المدعى عليه لا تصح دعواه عنده حتى لا يلزم الجواب ولا تسمع منه البينة وعندهما تصح حتى يلزم وتسمع لما علم في كتاب الوكالة. ومنها مجلس الحكم فلا تسمع الدعوى إلا بين يدي القاضي كما لا تسمع الشهادة إلا بين يديه ومنها حضرة الخصم فلا تسمع الدعوى والبينة إلا على خصم حاضر إلا إذا التمس المدعي بذلك كتابا حكميا للقضاء به. وعند الشافعي رحمه الله حضرة المدعى عليه ليست بشرط لسماع الدعوى والبينة والقضاء فيجوز القضاء على الغائب عنده وعندنا لا يجوز وجه قول الشافعي رحمه الله أنه ظهر صدق المدعي في دعواه على الغائب بالبينة فيجوز القضاء ببينته قياسا على الحاضر ودلالة الوصف أن دعوى المدعي وإن كان خبرا يحتمل الصدق والكذب لكن يرجح جانب صدقه على جانب الكذب في خبره بالبينة فيظهر صدقه في دعواه كما إذا كان المدعى عليه حاضرا يحققه أن المدعى عليه لا يخلو إما أن يكون مقرا وإما أن يكون منكرا فإن كان مقرا فكان المدعي صادقا في دعواه فلا حاجة إلى القضاء وإن كان منكرا فظهر صدقه بالبينة فكان القضاء بالبينة قضاء بحجة مظهرة للحق فجاز(1)

وبذلك فان للدعوى نوعان: دعوى صحيحة، ودعوى فاسدة.

فالصحيحة ما يتعلق بها أحكامها وهي إحضار الخصم والمطالبة بالجواب واليمين إذا أنكر ، وفي مثل هذه الدعوى يمكن إثبات المدعى بالبينة أو بالنكول ، والدعوى الفاسدة ما لا يتعلق بها هذه الأحكام ، وفساد الدعوى بأحد معنيين : إما أن لا يكون ملزما للخصم شيئا وإن ثبتت على ما قلنا من أن يدعي على غيره أنه وكيله. والثاني أن يكون مجهولا في نفسه والمجهول لا يمكن إثباته بالبينة فلا يتمكن القاضي من القضاء بالمجهول لا بالبينة ولا بالنكول انتهى . أقول : في تحريره نوع اختلال واضطراب .

فإن قوله وأما شرط صحتها على الخصوص إلى قوله وأن يتعلق به حكم على المطلوب يدل على أن لصحتها شروطا أربعة: وهي مجلس القضاء، وحضور الخصم، وكون المدعى به شيئا معلوما وأن يتعلق به حكم على المطلوب. ويقتضي هذا أن يكون فسادها بأحد أمور أربعة وهي : انتفاءات هذه الشروط الأربعة ، وأن قوله لما أن الفاسدة من الدعوى هي أن لا يكون الخصم حاضرا إلى قوله لأنه يمكنه عزله في الحال يشعر بأن فسادها إنما هو بأمور ثلاثة ، وهي عدم حضور الخصم ، وأن يكون المدعى به مجهولا ، وأن لا يلزم على المطلوب شيء بالدعوى بناء على أن المعرف فاللام الجنس إذا جعل مبتدأ كما في قوله إن الفاسدة من الدعوى فهو مقصور على الخبر نحو الكرم التقوى . والإمام من قريش .( )

المطلب الثاني : الطلبات والدفوع ” سبب الدعوى وتقادمها “

1ـ طلبات المدعي ” سبب الدعوى “:-

الأصل أن سبب الدعوى هو الحق الذي اعتدى عليه, أو هو فيما يتعلق بدعوى المسئولية الضرر الذي أصاب المضرور, والسبب على هذا النحو لا يختلف باختلاف الوسيلة, ووسيلة المدعي في الحصول على حقه في التعويض عن الضرر الذي لحقه هي الادعاء بخطأ اقترفه المدعي عليه. والخطأ قد يكون عقديا أو تقصيريا, والخطأ التقصيري قد يكون واجب الإثبات أو مفترض, والخطأ المفترض قد يقبل إثبات العكس وقد لا يقبل ذلك. وكافة هذه الأنواع للخطأ تعتبر من قبيل الوسيلة, ولذا يكون للمدعي إذا استند إلى وسيلة منها أن يعدل عنها إلى وسيلة أخرى, ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف دون أن يعتبر ذلك طلبا جديدا. كذلك يجوز للقاضي وان استند المدعي في دعواه إلى نوع معين من الخطأ أن يبني حكمه على نوع أخر دون أن يعتبر بذلك قد قضى بشيء لم يطلبه الخصوم.

وأخيرا إذا رفع المدعي دعوى المسئولية بالاستناد إلى خطأ معين ورفضت الدعوى فلا يجوز رفعها من جديد بالاستناد إلى خطأ آخر. لأن سبب الدعوى في الحالتين واحد, أو بعبارة أخرى أن للحكم الصادر في الدعوى قوة الشيء المقضي. هذا هو الرأي الراجح في تحديد سبب دعوى المسئولية, إلا أن القضاء الفرنسي لا يأخذ به, بل يذهب إلى أن السبب في دعوى المسئولية هو النص القانوني الذي يستند إليه المدعي. وعلى ذلك يعتبر سبب دعوى المسئولية العقدية مختلفا عن سبب دعوى المسئولية التقصيرية, يختلف السبب باختلاف نوع الخطأ المدعى به, بأن كان ثابتا أم مفترضا. وينبني على الأخذ بهذا الرأي عكس النتائج التي رتبناها على الرأي الأول, فلا يجوز للمدعي التمسك بنوع من الخطأ لأول مرة أمام محكمة الاستئناف, لأن ذلك يعتبر طلبا جديدا. ولا يجوز للقاضي أن يحكم بالتعويض بناء على نوع من الخطأ لم يتمسك به المدعي.

وأخيرا إذا رفعت الدعوى على أسباب نوع معين من الخطأ ورفضت, فلا يجوز الحكم بقوة الشيء المقضي بالنسبة إلى باقي أنواع الخطأ, أي يجوز رفع الدعوى من جديد على أساس نوع آخر من الخطأ.

وفي مصر يتفق قضاء محكمة النقض في دائرتها الجنائية مع قضاء المحاكم الفرنسية, أما قضاء الدائرة المدنية فيأخذ بالرأي الأول وهو الراجح.

2ـ دفوع المدعي عليه ” تقادم دعوى المسئولية ” :-

يدفع المدعي عليه دعوى المسئولية بأخذ أمرين, إما أن ينكر قيام المسئولية ذاتها, فيدعي أن ركنا من أركانها لم يتوافر من خطأ أو ضرر أو سببية, وإما أن يعترف بأن المسئولية قامت, ولكن يرى أن الالتزام المترتب عليها قد انقضى بالوفاء أو المقاصة أو الإبراء أو بالتقادم أو بغير ذلك من أسباب انقضاء الالتزام.(1)

وعلى ذلك من الدفوع التي يلجأ إليها المدعي عليه للتخلص من التزامه بالتعويض الدفع بتقادم دعوى المسئولية. وقد استحدث المشرع في التقنين المدني الحالي حكما هاما في هذا الموضوع, إذ بعد أن كانت هذه الدعوى في القانون المدني السابق من حيث مدة التقادم للمبدأ العام في تقادم الدعوى والحقوق وهو خمسة عشر سنة, أصبحت تتقادم أيضا بثلاث سنوات, وفي ذلك نصت المادة 172 على ” تسقط بالتقادم دعوى التعويض الناشئة ع العمل غير المشروع بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه . وتسقط هذه الدعوى في كل حال ، بانقضاء خمس عشرة سنه من يوم وقع العمل غير المشروع. على أنه إذا كانت هذه الدعوى ناشئة عن جريمة، وكانت الدعوى الجنائية لم تسقط بعد انقضاء المواعيد المذكورة في الفقرة السابقة، فان دعوى التعويض لا تسقط إلا بسقوط الدعوى الجنائية.()

وظاهر من هذا النص أنه يجب التفرقة فيما يتعلق بتقادم دعوى المسئولية وبين ما إذا كان العمل غير المشروع يعتبر خطأ مدني أم خطأ جنائي.()

فإذا كان العمل غير المشروع يعتبر خطأ مدنيا فقط, فان دعوى المسئولية تتقادم بأقصر المدتين, ثلاث سنوات أو خمسة عشر سنة. فهي تتقادم بمضي ثلاث سنوات لا من يوم وقوع الضرر بل من يوم علم المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه, وتتقادم بمضي خمسة عشر سنة إذا لم يعلم بهذين الأمرين معا, من يوم وقوع الضرر وقد يحدث وهذا فرض نادر الحصول, أن تكون مدة الخمس عشر سنة أقصر من مدة ثلاث سنوات, كما لو لم يعلم المضرور بوقوع الضرر وبالشخص المسئول إلا بعد انقضاء ثلاثة عشر سنة من وقت وقوع العمل غير المشروع, إذ تكون مدة الخمسة عشر سنة وهي تسري من يوم وقوع الضرر أقصر من مدة ثلاث سنوات التي تسري من يوم علم المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه.

وإذا كان العمل غير المشروع يعتبر خطأ جنائي, كجريمة قتل مثلا فانه ينشأ بجانب الدعوى المدنية دعوى جنائية. وإذا كانت الدعوى الأولى تتقادم بأقصر المدتين, ثلاث سنوات أو خمسة عشر سنة فان الدعوى الثانية لا تتقادم إلا بعد عشرة سنوات, حيث تنص المادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية على ” تنقضي الدعوى الجنائية في المواد الجنايات بمضي عشر سنين من يوم وقوع الجريمة وفى المواد الجنح بمضي ثلاث سنين ، وفى مواد المخالفات بمضي سنة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. أما في الجرائم المنصـوص عليها في المواد 117، 126، 127، 282، 309 مكرراً، 309 مكرراً ( أ ) والجرائم المنصوص عليها في القسم الأول من الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات والتي تقع بعد تاريخ العمل بهذا القانون فلا تنقضي الدعوى الجنائية الناشئة عنها بمضي المدة. ومع عدم الإخلال بأحكام الفقرتين السابقتين لا تبدأ المدة المسقطة للدعوى الجنائية في الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات والتي تقع من موظف عام إلا من تاريخ انتهاء الخدمة أو زوال الصفة ما لم يبدأ التحقيق فيها قبل ذلك.”(1) ولما كان في احتمال تقادم الدعوى المدنية قبل تقادم الدعوى الجنائية ما يؤدي توقيع العقوبة على الجاني على استحالة مطالبته بتعويض الضرر, وهو وضع شاذ لأن التعويض أقل خطرا من العقوبة الجنائية فقد قرر المشرع في المادة 172 على ” تسقط بالتقادم دعوى التعويض الناشئة ع العمل غير المشروع بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه . وتسقط هذه الدعوى في كل حال ، بانقضاء خمس عشرة سنه من يوم وقع العمل غير المشروع. على أنه إذا كانت هذه الدعوى ناشئة عن جريمة، وكانت الدعوى الجنائية لم تسقط بعد انقضاء المواعيد المذكورة في الفقرة السابقة، فان دعوى التعويض لا تسقط إلا بسقوط الدعوى الجنائية.”

أما العكس وهو بقاء الدعوى المدنية بعد انقضاء الدعوى الجنائية فهو أمر مستساغ لأن التعويض أقل خطرا من العقوبة الجنائية. ويحدث هذا الفرض مثلا إذا لم يعلم المجني عليه بالجاني إلا بعد انقضاء عشرة سنوات, فتكون الدعوى الجنائية قد سقطت على حين أن الدعوى المدنية لا تزال قائمة, لأنها لا تسقط إلا بمضي ثلاث سنوات من تاريخ العلم بالضرر وبالشخص المسئول عنه أو بمضر خمسة عشر سنة من يوم وقوع العمل غير المشروع.

المطلب الثالث : الإثبات

يقع على المدعي عبء إثبات جميع أركان المسئولية, من ضرر وخطأ علاقة السببية بين الخطأ والضرر. ويحصل هذا الإثبات بجميع الطرق, بما فيها القرائن والشهادة. ولا يعفى المدعي من هذا الإثبات إلا إذا كان القانون قد افترض وجود أحد هذه الأركان, سواء أكان هذا الافتراض قابلا لإثبات العكس أو غير قابل لذلك. إن المخبر إن أخبر بما على نفسه فهو مُقر وإن أخبر بما على غيره لنفسه فهو مُدع وإن أخبر بما على غيره لغيره فإن كان مؤتمناً عليه فهو مخبر وإلا فهو شاهد فالقاضي والوكيل والمكاتب والوصي والمأذون له كل هؤلاء ما أدوه مؤتمنون فيه فأخبارهم بعد العزل ليس إقراراً وإنّما هو خبر محض وإذا كان الإنسان ببلد سلطان أو قطاع طريق ونحوهم من الظلمة فخاف أن يؤخذ ماله أو المال الذي يتركه لورثته أو المال الذي بيده للناس إمّا بحجة أنه ميت لا وارث له أو بحجة أنه مال غائب أو بلا حجة أصلاً فيجوز له الإقرار بما يدفع هذا الظلم ويحفظ هذا المال لصاحبه مثل أن يقر لحاضر أنه ابنه أو يقر أن له عليه كذا وكذا أو يقر أن المال الذي بيده لفلان ويتأول في إقراره بأن يعني بقوله ابني كونه صغيراً أو بقوله: أخي إخوة الإسلام وأن المال الذي بيده له: أي له لأنه قبضه لكوني قد وكلته في إيصاله أيضاً إلى مستحقه لكن يشترط أن يكون المقر له أميناً والاحتياط أن يشهد على المقر له أيضاً أن هذا الإقرار تلجئة تفسيره كذا وكذا وإن أقر من شك في بلوغه وذكر أنه لم يبلغ فالقول قوله بلا يمين قطع به في “المغني” و “المحرر” لعدم تكليفه ويتوجه أن يجب عليه اليمين لأنه إن كان لم يبلغ لم يضره وإن كان قد بلغ حجزته فأقر بالحق.(1)

{1} افتراض الضرر:ـ

أ ـ القانون قد يفترض وجود الضرر افتراضا لا يقبل الإثبات العكسي. مثال ذلك ما نصت عليه المادة 228 مدني على أنه ” لا يشترط لاستحقاق فوائد التأخير قانونية كانت أو اتفاقية أن يثبت الدائن ضرر لحقه من هذا التأخير”.(2) فإذا فرضنا أن المضرور ومرتكب العمل غير المشروع قد اتفقا على مقدار التعويض الذي يدفعه الثاني للأول, فان فوائد التأخير تستحق دون حاجة لإثبات الضرر, وليس للمدين أن يثبت عدم وجود ضرر.

ب ـ قد يكون افتراض الضرر قابلا لإثبات العكس, من ذلك ما نصت عليه المادة 224 مدني على أنه ” لا يكون التعويض الاتفاقي مستحقا إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر. ويجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغا فيه إلى درجة كبيرة ، أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه. ويقع باطلا كل اتفاق يخالف أحكام الفقرتين السابقتين.”(2) مثال ذلك أن يتفق المضرور ومرتكب الفعل الضار على إعادة الشيء إلى أصله, ويضعا لذلك شرطا جزائيا, ومعلوم أن اشتراط شرط جزائي هو تعويض اتفاقي عن ضرر يصيب الدائن, قدر المتعاقدين مداه وقيمته,هنا يستحق الدائن التعويض دون أن يكون عليه إثبات الضرر, فثمة قرينة قانونية يعفيه ذلك من إثبات الضرر. ولكنها قرينة يجوز إثبات عكسها, فللمدين أن يثبت عدم وجود الضرر.(3)

{2} عبء إثبات الخطأ: ـ

الأصل أن عبء إثبات الخطأ يقع على المدعي. والخطأ كما قدمنا هو انحراف الشخص عن السلوك المألوف عن الشخص العادي وهذا الانحراف واقعة مادية, فالمدعي يبدأ بإثبات واقعة تكون قرينة قضائية على وقوع الخطأ. فينتقل عبء الإثبات إلى المدعي عليه, فيثبت واقعة أخرى تكون هي أيضا قرينة قضائية على انتفاء الخطأ من جانبه. فيعود عبء الإثبات إلى المدعي, وهكذا إلى أن يعجز أحد الطرفين عن إثبات ما يزحزح عنه القرينة القضائية التي ألقاها عليه خصمه, فيكون هو العاجز عن الإثبات. فان كان المدعي هو الذي عجز, فقد اعتبر غير قادر على إثبات دعواه وخسرها, وان كان الذي عجز هو المدعي عليه, فان المدعي يكون قد تمكن من إثبات الخطأ.

هذا هو الأصل, ولكن ترد استثناءات كثيرة يعفى فيها المدعي من إثبات الخطأ بفضل قرينة قانونية, تكون قابلة لإثبات العكس وإما غير قابلة لذلك.(1)

أ ـ قد يفترض القانون الخطأ في جانب الشخص افتراضا يقبل إثبات العكس, وبذلك يعفى المضرور من إثبات الخطأ. مثال ذلك ما نص عليه القانون من أن الشخص مسئول على من تجب عليه رقابتهم. فإذا ارتكب الشخص الخاضع للرقابة عملا ضارا, يفترض القانون أن المكلف بالرقابة قد قصر في القيام بواجب الرقابة تقصيرا يوجب المسئولية ويترتب على هذا الافتراض أن يكون على المضرور أن يقيم الدليل على هذا التقصير, ولكن هذا الافتراض يقبل إثبات العكس, إذ يجوز للمكلف بالرقابة أن يخلص من المسئولية إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة.(2)

ب ـ وقد يكون افتراض الخطأ غير قابل لإثبات العكس, كما في مسئولية حارس الحيوان, حيث تنص المادة 176 من القانون المدني على ” حارس الحيوان ، ولو لم يكن مالكا له ، مسئول عما يحدثه الحيوان من ضرر ، ولو ضل الحيوان أو تسرب ، ما لم يثبت الحارس أن وقوع الحادث كان بسبب أجنبي لا يد له فيه”.(3)

وكما في مسئولية حارس البناء تنص المادة 177 من القانون المدني على ” حارس البناء ، ولو لم يكن مالكا له ، مسئول عما يحدثه انهدام البناء من ضرر ، ولو كان انهداما جزئيا ، ما لم يثبت أن الحادث لا يرجع سببه إلى إهمال في الصيانة أو قدم في البناء أو عيب فيه. ويجوز لمن كان مهددا بضرر يصيبه من البناء أن يطالب المالك باتخاذ ما يلزم من التدابير الضرورية لدرء الخطر ، فان لم يقم المالك بذلك جاز الحصول على إذن من المحكمة في اتخاذ هذه التدابير على حسابه.”(3) وكما في مسئولية حارس الأشياء التي تتطلب حراستها عناية خاصة, أو في حراسة الآلات الميكانيكية, حيث تنص المادة 178 من القانون المدني على ” كل من تولي حراسة أشياء تتطلب حراستها عناية خاصة أو حراسة آلات ميكانيكية يكون مسئولا عما تحدثه هذه الأشياء من ضرر ، ما لم يثبت أن وقع الضرر كان بسبب أجنبي لا يد له فيه ، هذا مع عدم الإخلال بما يرد في ذلك من أحكام خاصة.”

فالقانون هنا يفترض الخطأ افتراضا لا يقبل الإثبات العكسي. ولا يعفى المدين من المسئولية إلا أن يثبت انعدام السببية بين الضرر والخطأ.(1)

{3} عبء إثبات السببية: ـ

الأصل هنا أيضا أن عبء إثبات السببية يقع على المدعي, فهو الذي يثبت ليس فحسب الضرر الذي وقع عليه, والخطأ الذي وقع من غريمه بل أيضا علاقة السببية بين الخطأ والضرر. ولكن هذه القاعدة محدودة الأهمية, فهي تارة يرد عليها استثناءات يقرها القانون, وتارة يضيق مجال تطبيقها العملي حتى تصبح القاعدة هي الاستثناء.(2)

حيث قد يفترض القانون علاقة السببية بين الضرر والخطأ, وتكون هذه القرينة دائما قابلة لإثبات العكس, ويلاحظ أنه حيث يفترض القانون وقوع الخطأ يفترض في نفس الوقت علاقة السببية مع هذا الفرق, وهو أن قرينة الخطأ قد تكون غير قابلة لإثبات العكس, أما قرينة السببية فتكون دائما قابلة لإثبات العكس. فالمكلف بالرقابة تقوم ضده قرينة الخطأ وقرينة السببية, والقرينتان قابلتان لإثبات العكس.

ويدل على ذلك نص المادة 173 من القانون المدني ” كل من يجب عليه قانونا أو اتفاقا رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة، بسبب قصره أو بسبب حالته العقلية أو الجسمية يكون ملزما بتعويض الضرر الذي يحدثه ذلك الشخص للغير بعمله غير المشروع. ويترتب هذا الالتزام ولو كان من وقع منه العمل الضار غير مميز. ويعتبر القاصر في حاجة إلى الرقابة إذا لم يبلغ خمس عشر سنة، أو بلغها وكان في كنف القائم على تربيته. وتنتقل الرقابة على القاصر إلى معمله في المدرسة أو المشرف على الحرفة، مادام القاصر تحت إشراف المعلم أو المشرف. وتنتقل الرقابة على الزوجة القاصر إلى زوجها أو إلى من يتولى الرقابة على الزوج. ويستطيع المكلف بالرقابة أن تخلص من المسئولية إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة ، أو أثبت أن الضرر كان لابد واقعا ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية.”

وهذا نفي الخطأ أو ثبت أن الضرر كان لابد أن يقع, ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية, وهذا نفي لعلاقة السببية. وحارس الحيوان وحارس الآلات الميكانيكية والأشياء التي تتطلب حراستها عنايتها الخاصة وحارس البناء. فكل واحد من هؤلاء تقوم ضده قرينة الخطأ وقرينة المسئولية إلا أن قرينة الخطأ هنا قاطعة لا يجوز إثبات عكسها, أما قرينة المسئولية فيجوز إثبات عكسها.(1)

ـ وسائل الإثبات:ـ

الإثبات بجميع الطرق

لما كانت الأركان الثلاثة الخطأ والضرر وعلاقة السببية التي يجب إثباتها لتحقق المسئولية هي كلها وقائع مادية, فان إثبات أية واقعة منها يجوز بجميع الطرق, وبخاصة البينة والقرائن. وفي أكثر الأحوال يثبت الضرر والسببية بالمعاينة المادية أو بشهادة طبية أو بتقدير الخبراء, أما الخطأ فأكثر ما يثبت بشهادة من عاينوا الحادث وبالتحقيق الجنائي وبالانتقال إلى محل الواقعة ومعاينته بالقرائن القضائية والقانونية.(2)

ارتباط القاضي المدني بالحكم الجنائي

من أهم القرائن القانونية التي تسيطر على وسائل الإثبات في دعوى المسئولية حجية الحكم الجنائي. ذلك أن دعوى المسئولية يغلب أن يقوم على جريمة جنائية, فتخضع لاختصاص القضاء الجنائي واختصاص القضاء المدني. فإذا صدر حكم نهائي في الجريمة من محكمة جنائية فالي أي حد يصبح هذا الحكم حجة في الدعوى المدنية, وهل يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي؟ تجيب على ذلك المادة 102 من قانون الإثبات حيث تنص على ” لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضرورياً.”(3) وتأصيل هذه القاعدة لا يرجع إلى أن الحكم الجنائي يربط القضاء المدني بمقتضى قوة الأمر المقضي, فان قوة الأمر المقضي تقتضي وحدة في الخصوم والموضوع والسبب, ولا يمكن أن يتحقق هذا إلا في قضاء مدني يقيد قضاء جنائي, أو في قضاء جنائي يقيد قضاء مدني. فلن تكون هذه الوحدة في الخصوم في الدعوى وفيهم النيابة العامة وغيرهم في الدعوى المدنية, ولا لوحدة في الموضوع فموضوع الدعوى الجنائية العقوبة وموضوع الدعوى المدنية التعويض. ولا لوحدة في السبب, فسبب العقوبة خطأ جنائي وسبب التعويض خطأ مدني, فكيف يقوم التقييد على هذا الأساس, وقوة الشيء المقضي تقضي الوحدة في هؤلاء جميعا. إنما يرجع تقييد القضاء الجنائي والقضاء المدني إلى اعتبارين, أحدهما قانوني والآخر عملي. أما الاعتبار القانوني فهو أن الحكم الجنائي له حجية مطلقة, فهو حجة على الناس كافة ومنهم الخصوم في الدعوى المدنية, وهؤلاء لا يجوز لهم أن يناقشوا حجية الحكم الجنائي. والاعتبار العملي هو أنه من غير المستساغ والمسائل الجنائية من النظام العام, أن يقول القاضي الجنائي شيئا فينقضه القاضي المدني, فإذا صدر حكم جنائي بإدانة متهم أو ببراءته كان مؤذيا للشعور العام, وقد أمنت الناس على أثر الحكم الجنائي بأن المتهم مجرم أو بريء, أن يأتي القاضي المدني فيقول أن المتهم بريء فلا يحكم عليه بالتعويض في الوقت الذي قال فيه القاضي الجنائي أنه مجرم, أو يقول أن المتهم مجرم فيحكم عليه بالتعويض بعد أن قال القاضي الجنائي أنه بريء وبذلك فان القاعدة هي أن القاضي المدني يرتبط بالحكم الجنائي. وبذلك فان شروط تطبيق القاعدة هي: ـ(1)

1- أن يكون المطلوب تقييده هو القضاء المدني

2- أن يكون الحكم الذي يتقيد به القاضي المدني هو حكم جنائي

3- أن يكون ما يتقيد به القاضي هو الوقائع التي فصل فيها الحكم الجنائي وكان فصله فيها ضروريا.

المطلب الرابع : الحكم الصادر في دعوى المسئولية وطرق الطعن فيه

{1} طرق الطعن في الحكم الصادر في دعوى المسئولية: ـ

ـ طرق الطعن بوجه عام:

لا يختلف الحكم الصادر في دعوى المسئولية عن سائر الأحكام من حيث الطعن فيه, فهو إذا صدر غيابيا يقبل الطعن فيه بطريق المعارضة وإذا صدر من محكمة الدرجة الأولى يقبل الطعن فيه بطريق الاستئناف. أما طرق الطعن غير العادية فهي النقض والتماس إعادة النظر ومعارضة الشخص الذي يتعدى إليه الحكم.(1)

ـ الطعن بطريق النقض:

ما هو الواقع الذي لا يجوز لمحكمة النقض أن تعقب عليه؟ وما هو القانون الذي يخضع لرقابتها في شأن أركان المسئولية الثلاثة: الخطأ والضرر والسببية؟

أ ـ الخطأ:

لا يخضع لرقابة محكمة النقض ما تسجله محكمة الموضوع من الوقائع المادية التي يقدمها المدعي لإثبات ركن الخطأ, وما صح منها وقوعه وما لم يصح. أما التكييف القانوني لما يصح وقوعه عند محكمة الموضوع وهل هذه الوقائع يصح أن توصف بأنها خطأ, وهل هذا الخطأ تقصيري أو عقدي؟ وإذا كان تقصيريا هل هو عمد أو جسيم أو يسير؟ وهل يكفي أن يكون مفترضا أو يجب إثباته؟ وهل إذا كان مفترضا يجوز إثبات العكس أو لا يجوز؟ كل هذه مسائل قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض. كذلك تعتبر مسائل قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض ما إذا كان الركن المعنوي متوافرا في الخطأ, وهل انعدام التمييز من شأنه ألا يجعل الخطأ قائما, وهل قامت أسباب من شأنها أن تعدم الخطأ كالدفاع الشرعي؟ ومتى يكون الشخص المعنوي مسئولا عن الخطأ؟ وفي أي الأحوال يوجد التعسف في استعمال الحق. يمكن القول بوجه عام أن جميع مسائل الخطأ تخضع لرقابة محكمة النقض, إلا ما تسجله محكمة الموضوع من الوقائع المادية في هذا الشأن.

ب ـ الضرر:

لا رقابة لمحكمة النقض فيما تقرره محكمة الموضوع من وقائع مادية في شأن الضرر. أما التكييف القانوني وهل تكفي لتكوين ركن الضرر, وهل هذا الضرر محقق أو محتمل وهل هو ضرر مباشر أو غير مباشر؟ وما هو الضرر الأدبي؟ وهل يجب التعويض؟. كل هذه من مسائل القانون, وتقدير الضرر وتحديد المبلغ اللازم للتعويض إذا كان التعويض نقدا, كل هذه من مسائل الواقع لا تعقيب عليها من محكمة النقض ولكن تقسيم التعويض بالنسبة التي يوجبها القانون على المسئول والمضرور والغير مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض.

جـ ـ السببية:

لا معقب على محكمة الموضوع فيما تسجله من الوقائع التي يستفاد منها قيام علاقة السببية بين الخطأ والضرر. أما تكييف هذه الوقائع من الناحية القانونية وهل هي كافية لإيجاد علاقة السببية؟ وما هو السبب الأجنبي الذي تنتفي معه هذه العلاقة؟ وما هي الشروط الواجب توافرها في القوة القاهرة والحادث الفجائي؟ وهل هناك فرق بين السببين؟ وما الأثر الذي يترتب على فعل المضرور وفعل الغير في تحديد مسئولية المدعي عليه؟ وما الحكم إذا تعددت الأسباب؟ وماذا يترتب على تعاقب الأضرار؟ كل هذه مسائل قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض.(1)

{2} الآثار التي تترتب على الحكم الصادر في دعوى المسئولية: ـ

تذهب النظرية التقليدية إلى أن الالتزام بتعويض الضرر ينشأ مباشرة من العمل غير المشروع, ويكتمل وجوده بمجرد اكتمال عناصر المسئولية من خطأ وضرر وعلاقة السببية بينهما. فإذا رفع الأمر إلى القضاء وصدر حكم من القاضي بإلزام المسئول بالتعويض, فان هذا الحكم لا ينشئ الحق في التعويض ولكنه يكشف عنه فقط فهو كاشف غير منشئ.(2)

ويترتب على اعتبار أن الالتزام بالتعويض قد نشأ من وقت اكتمال عناصر المسئولية, أن حق المضرور يوجد من هذا الوقت. وبالتالي فان دعواه تبدأ بالتقادم من هذا التاريخ, وكذلك يجوز له أن يتصرف في حقه بحوالته إلى الغير منذ وقوع الضرر ويجوز له أيضا أن يتخذ التحفظية للمحافظة على حقه قبل صدور الحكم. وهو يستحق كذلك فوائد تأخير قانونية عن مبلغ التعويض منذ وقوع الضرر, وليس فقط منذ صدور الحكم. وجدير بالذكر أن القضاء الفرنسي في اتجاهه السائد يذهب إلى أن الحكم الصادر بالتعويض ينشئ التزاما جديدا يحل محل الالتزام السابق الذي نشأ عن العمل غير المشروع. والحكم يجري بهذا نوعا من التجديد القضائي, يؤدي إلى نشأة التزام جديد يحل محل الالتزام القديم, ويختلف عنه في مصدره وفي محله. فمصدر الالتزام القديم هو العمل غير المشروع بينما مصدر الالتزام الجديد هو الحكم الصادر بالتعويض, ومحل الالتزام القديم هو القيام بعمل وهو تعويض المضرور عن الضرر الذي أصابه. أما محل الالتزام الجديد فهو دفع مبلغ من النقود هو مبلغ التعويض. والفقه الفرنسي وان كان لا يشاطر في مجموعه اتجاه القضاء السابق ذكره, إلا أنه ينكر المعنى الحقيقي لهذا الاتجاه وهو أن حكم القاضي في دعوى المسئولية التقصيرية هو حكم منشئ لالتزام جديد. وفي تقديرنا أن اتجاه القضاء الفرنسي غير واجب التأييد, إذ لا يوجد في الواقع إلا التزام واحد وهو الالتزام بالتعويض. وهو ناشئ عن العمل عير المشروع, أما الحكم الصادر في الدعوى فهو فقط التعبير الكامل عن عنصر الجزاء في هذا الالتزام.(1)

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .