بحث قانوني و دراسة عن الحدود القانونية لحقوق الملكية

أ/ علاء باسم

المـــقدمـــة

الحمد لله خالق كل شيء ومليكه , والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين منذ القدم والاهتمام بحق الملكية يزداد يوما بعد يوم على اختلاف الشرائع والمجتمعات الإنسانية, إلى أن أصبح حق الملكية من الإشكاليات الهامة التي تعالجها القوانين المدنية في جميع الأنظمة القانونية المعاصرة . ومع التطور الهائل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ومدى الترابط العميق فيما بينها , وتطور النظم القانونية المعالجة لها والتي تعمل على المزج فيما بينها ووضع الحدود والضوابط عليها , ظهرت الحاجة الماسة لدراسة حق الملكية والتعمق فيه لما له علاقة فيها .وقد تناولنا في التقرير السابق ( حق الملكية بذاته ) وتناولنا فيه تعريفه وخصائصه , وهنا نكمل عن نطاق حق الملكية ومداه , فكما نعلم أن الملكية لا تكون على إطلاقهاوإنما يوجد حدود لها تقيدها بحيث تجعلها محدده ولا يختلط بها من قبل الغير , وسوف نتناول موضوع نطاق الملكية فيما يتعلق بالمنقول وغير المنقول .ومن الإشكاليات التي تبرز عند معالجة نطاق حق الملكية في المنقول وغير المنقول هي كيفية وضع الحدود وتقييدها ,أيضا مدى هذه الحدود فلا يتصور أن تكون حدود الملكية مطلقة لتعارضها مع التشريعات والتوجهات الحديثة في تقييد الملكية للمصلحة العامة والخاصة .وعلية أن موضوع الدراسة بهذا التقرير , تسليط الضوء على نطاق حق الملكية وحدودها بقسميه معالجا كلا منهما على حدا ويتناول أيضا نطاق حق الملكية , من خلال تقسيمه الي مطلبين الأول عن نطاق حق الملكية والذي يتفرع عنه فرعين الأول تعيين حدود الشيء , والثاني صور تعيين حدود حق الملكية والمطلب الثاني نطاق ملكية الأرض ومداه , والذي يتفرع عنه فرعين الأول العلو والعمق في نطاق ملكية الأرض والثاني جوهر حق الملكية وملحقاته .

المطلب الأول نطاق حق الملكية

تمهيد :

.يقصد بنطاق حق الملكية :- تحديد الوعاء الذي تمارس في إطاره السلطات أو المكنات الممنوحة للمالك , وتحديد هذا الوعاء بالشيء الذي يرد عليه حق الملكية سواء أكان منقولا أو غير منقول [1].وطبعا من المسلمات أيضا في ظل جميع التشريعات العربية أن مالك الشيء يتملكه أصلا وفرعا ومن خلال ما سبق نستنج التالي “-أولا :- أن المالك للشيء يملكه بذاته ويملك أيضا ما هو مدمج معه ولصيق به بحيث يستحيل فصلة عنه دون إتلافه أو هلاكه مثلما ملكية الأرض من سطح وعلو وعمق فلا يمكن تخيلها بدون كل ذلك فهي من جوهر الحق ذاته .ثانيا :- إن الملكية على الشيء لا تكون فقط على جوهر الشيء وإنما أيضا تشمل ما يتفرع عنه من ثمار ومنتجات وتوابع ومرافق .

الفرع الأول تعيين حدود الشيء

نلاحظ أن مجلة الإحكام العدلية نصت على الحدود في نص المادة (137) بالإشارة للحدود ( هو العقار الذي يمكن تعيين حدوده ونطاقه ).كما نلاحظ أن حق الملكية يكون على شيء مادي معين بحدوده تحديدا دقيقا , فلا يكون حق ملكية على شيء بدون تحديد , مثل ملكية السماء على إطلاقها دون تحديد , بل أن الملكية تكون معينه ومحدده بحدود واضحة وبها تكون الملكية على الشيء بكامل أجزائه ومحتوياته وجوهرة أيضا , وعليه يجب أن تكون الملكية محدده بحيث لا يتم الخلط فيها مع غيرها من الملكيات[2].وفي علم القانون :- المقصود بتحديد حدود الشيء المملوك هو ثبات الحدود المادية لهذا الشيء فضلا عن تباين إمكانية وكيفية فصله عما عداه من الأشياء وتميزه باعتباره شيئا معينا بالذات .وطبعا يتحدد بطبيعة ومكونات هذا الشيء المملوك الذي ترد وتنصب عليه سلطات المالك [3].ومن هنا وكما نعلم أن تحديد المنقول هو من الأمور اليسيرة , حيث أن كيانه ينتقل من شخص لأخر بحيث يمكن فصلة عن غيره من المنقولات بكامل أجزائه , ولكن الصعوبة تكمن في موضوع الغير منقول والذي من الأهمية تحديده وتحديد حدوده لمنع الاعتداء عليه , ومنع الاعتداء منه على أملاك الغير حيث أن الأرض ملاصقة للأراضي الملاصقة لها ويستحل فصلها كما في المنقول عن غيرها , فهي ثابتة في مكانها , وإنما فقط الأشخاص المالكين لها هم من يداولوها فيما بينهم ومن هنا يجب تحديدها تحديدا دقيقا يمنع الخلط بها من الغير ولذا فان ثمة صعوبة جمة تتبدى في واقع الممارسة العملية عندما يدور الحديث حول تحديد نطاق حق الملكية بالنسبة للعقارات من الأراضي التي تتصل ببعضها اتصلا وثيقا مما قد يثير المنازعات بين الملاك المجاورين عند مباشرة المالك سلطاته على الأرض .[4]

الفرع الثاني صور تعيين حدود حق الملكية

يمكن تعيين حدود حق الملكية على صورتين ,الأولى قانونية , والأخرى مادية , وهي كالتالي :-الصورة القانونية :- تتم من خلال اتفاق الأطراف مثلا على القسمة الرضائية فيما بينهم أمام المحكمة أو باختلافهم والنزاع فيما بينهم والمحكمة هنا هي من تفصل وتعيين الحدود .الصورة المادية :- وتتجلى بوضع علامات مادية للملاك أنفسهم على أملاكهم سواء أكانت بوضع حجارة أو قطع إسمنتيةأو غيرها من الأشياء المادية ليحدد كل منهم حدوده ويمنع الاعتداء عليها [5].

المطلب الثاني نطاق ملكية الأرض ومداه

كما اشرنا سابقا إلى الفرق الواضح في مجال نطاق الملكية بين العقار والمنقول حيث أن المنقول يمكن نقله عن غيره وتمييزه , أما العقار غير المنقول فهو ملاصق للعقارات المجاورة له , بحيث من الأهمية تحديده تحديدا دقيقا من حيث حدوده ومن حيث العلو والعمق وجوهره أيضا , وسوف نتناول ذلك بإيجاز وفق ما يلي :-

الفرع الأول العلو والعمق في نطاق ملكية الأرض

فكما نعلم أن الملكية على الأرض تشتمل ملكية العلو والعمق أيضا كما جاء في نص المادة (803) من القانون المدني المصري الذي نص ( ملكية الأرض تشمل ما فوقها وتحتها ) وهو ما ذهبت به التشريعات العربية على اختلافها , فحق الملكية يخول لصحابها التصرف بملكة بجميعأجزائه , حيث يستطيع مثلا بيع السطح أو العمق أو العلو بحيث ينقل ملكيته لشخص أخر مثلا , والشخص المالك يستطيع التصرف في حدود ما نقل إليه تصرفا مطلقا من حيث بيعه أوإعطاء حقا عليه , ووفقا للنظرية القديمة للملكية بان للمالك حق مطلقا على التصرف كما كان سابقا , لم تعد في التشريعات الحديثة على أطلاقها , حيث تقيد الملكية سواء لمصلحه عامة وأيضا للمصلحة الخاصة في حالات أخرى يقتضيها الحال, فلم تعد الملكية مطلقه على أطلاقها بل قيدت .[6]تحديد العمق والعلو :-وحتى لا يكون تعسف في التصرف في سلطات الملكية للمالك بخصوص العلو والعمق , فقد نص القانون في كل التشريعات على اختلافها على أن الاستفادة إلى الحد المفيد في التمتع بحيث لا يكون من المنطق والمعقول والقانون أن يمنع شخصا مثلا طائرة من المرور فوق أرضة بحجة ملكة للعلو , فكل من العلو أو العمق له حدود حسب الحاجة .حيث أن الاستفادة منها تكون محدودة بحدود المصلحة العام أو الخاصة في بعض الحالات التي تحد من التعسف بالتصرف بها .فالعمق مثلا أو العلو يكون بمسافات خاصة للاستفادة منها وعلى الرغم من ذلك هناك استثناء على هذه المسافة فيما يتعلق بالمناجم والمعادن الثمينة حيث بها مصلحة عامة وهي تعود بهذه الحالة للدولة لتحقيق المصلحة العامة .

الفرع الثاني جوهر حق الملكية وملحقاته

حيث أن الملكية تمتد للعلو والعمق والسطح فهي أيضا ومن المسلم به تمتد أيضا للشيء الجوهري في هذه الأرض والمتعلق بها وهذا ما نصت به المادة (803) من القانون المدني المصري بقولها ( مالك الشيء يملك كل ما يعد من عناصر جوهرية له بحيث لا يمكن فصلها دون أن تتسبب في هلاكه أو تلفه وكما أن الملكية هي تصرف بالشيء فهي أيضا تصرف بالأجزاء التي لا يمكن فصها أوإلغائها عنه وهي كذلك لا تقتصر فقط على الأجزاء الجوهرية منه وإنما تمتد أيضا لملحقاته , والملحقات هي كل ما اعد بصفة دائمة لاستعمال الشيء أو التمتع به علي أي وجه وفقا لماهية وطبيعة الشيء ذاته موضوع التصرف والحق وتتجلى الأهمية فيه عند البيع مثلا . وذلك نصت المادة (432) من القانون المدني المصري ( يشمل التسليم ملحقات الشيء المبيع وكل ما اعد بصفة دائمة لاستعمال هذا الشيء ذلك طبقا لما تقتضي به طبيعة الأشياء وعرف الجهة المتعاقدة .المراجع [1]د.رمضان ابو سعود ، الوجيز في الحقوق العينية ، الطبعة الأولى ، دار المطبوعات الجامعية ، القاهرة .1997 .ص 37 .2 محمد وحيد الدين سوار ، حق الملكية في ذاته ، الطبعة الاولى ، دار الثقافة : عمان ،ص 23 .3-منير محمد احمد الصلوي , الحقوق العينية الاصلية في القانون اليمني ,الجزء الاول , حق الملكية في ذاته , طبعة اولى ص 64 .4- د حسن كيرة – الحقوق العينية الاصلية طبعة اوله مطبعة معهد دون بوسكو بالاسكندرية 1965 ص 188

[1] د. رمضان ابو سعود ، الوجيز في الحقوق العينية ، الطبعة الأولى ، دار المطبوعات الجامعية ، القاهرة .1997 .ص 37 .
[2] محمد وحيد الدين سوار ، حق الملكية في ذاته ، الطبعة الاولى ، دار الثقافة : عمان ،ص 23 .
[3] منير محمد احمد الصلوي , الحقوق العينية الاصلية في القانون اليمني ,الجزء الاول , حق الملكية في ذاته , طبعة اولى ص 64
[4] – د حسن كيرة – الحقوق العينية الاصلية طبعة اوله مطبعة معهد دون بوسكوبالاسكندرية 1965 ص 188
[5] منير احمد صلوي مرجع سابق ص66
[6] د حسن كيرة – الحقوق العينية الاصلية طبعة اوله مطبعة معهد دون بوسكوبالاسكندرية 1965 ص 188