حقوق المرأة في تشريعات العمل السورية.. مرجع أساسي ودراسة هامة
بسام القاضي

كراس صغير هام أعدته الباحثة المحامية حنان نجمة، وأصدرته الهيئة السورية لشؤون الأسرة، تضمن بحثاً مقارناً قوانين العمل السورية فيما يخص المرأة، متناولاً قانون العمل الموحد (الخاص بالقطاع الخاص) والقانون الأساسي للعاملين في الدولة، وقانون تنظيم العلاقات الزراعية وقانون التأمينات الاجتماعية.

وقد أشارت الباحثة حنان نجمة في مقدمتها للبحث إلى أن (وضع المرأة في العمل يتأثر بصورة مباشرة أو مداورة بأحكام التشريعات الأخرى الخاصة والعامة، بخاصة تشريعات الأسرة، كما يتأثر بكثير من الأمور الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها)، في تأكيد آخر على أن قضايا المرأة في سورية كما في غيرها من البلدان لا يمكن اختزالها إلى جانب واحد. فهي متشعبة العوامل وتحتاج إلى عمل في جميع هذه المجالات من أجل إنجاز تقدم في تحقيق (العدل والمساواة الحقيقية وتكافؤ الفرص).

ثم تشير الباحثة إلى أهمية أن تنال المرأة العاملة حقوقها الخاصة بها كامرأة تراعي خصائصها وتحمي طبيعتها الجسمية والصحية وتأخذ بالحسبان حقوقاً خاصة لحماية الأمومة. ومجمل هذه الحقوق ليست امتيازات، إنما هي لتحقيق تلك المساواة الحقيقية بين العامل والعاملة.

قانون العمل الموحد
في قانون العمل الموحد، القانون المطبق على العاملين والعاملات في القطاع الخاص، تقول المادة 130: مع عدم الإخلال بأحكام المواد التالية تسري على النساء العاملات جميع النصوص المنظمة لتشغيل العمال دون تمييز في العمل الواحد.

وهذا ما يكفل المساواة في القوانين بين المرأة والرجل في هذا القطاع من العمل. والقانون المذكور راعى خصائص المرأة في بعض مواده (131-132-139) التي منعت عمل النساء ليلاً إلا بقرار من وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، وكذلك عملها في الأعمال الضارة صحياً وأخلاقياً والأعمال الشاقة. وطلبت المادة 139 تأمين مقاعد لاستراحة العاملات في حال استدعت طبيعة العمل ذلك.

أما المواد 133-134-135-137 فمنحت العاملة إجازة أمومة بكامل الأجر (120 يوماً للطفل الأول، و90 يوماً للمولود الثاني، و75 يوماً للمولود الثالث). وأشارت المادة 135 إلى عدم جواز فصل العاملة لانقطاعها عن العمل أثناء إجازة الأمومة. أو لمرض متعلق بالحمل أو الولادة ومثبت بتقرير طبي.

كما أكدت المادة 139 أن على صاحب العمل أن يوفر داراً للحضانة إذا كان يستخدم مئة عاملة أو أكثر في مكان واحد.

وأشارت الباحثة إلى أن هناك قصوراً في أنظمة الرعاية الطبية والتأمين الصحي في هذا القانون. إذ يخضع العمال والعاملات للقانون الخاص لكل منشأة. مشيرة إلى أهمية أن يستدرك ذلك بقانون (الضمان الصحي) الذي يجب أن يشمل العاملين والعاملات جميعاً في جميع الأعمال. مؤكدة ضرورة أن تصادق الحكومة السورية على الاتفاقية 103 التي أقرتها منظمة العمل الدولية بشأن حماية الأمومة (الملحق 5).

كما أشارت إلى ضرورة أن تخفض ساعات العمل للمرأة الحامل، على الأقل بدءاً من الشهر السابع من الحمل، إلى ست ساعات عمل يومياً.

القانون الأساسي للعاملين في الدولة
أما في القانون الأساسي للعاملين في الدولة، فقالت الباحثة إنه (ساوى بين المرأة العاملة والرجل العامل في الحقوق والواجبات). كما أخذ بالحسبان إجازة الأمومة وساعة الرضاعة وغيرها مما يتعلق بحقوق خاصة للمرأة لحماية طبيعتها الصحية والجسمية ولحماية الأمومة.

قانون تنظيم العلاقات الزراعية
وفي قانون تنظيم العلاقات الزراعية، منع تشغيل النساء ليلاً إلا في الأعمال التي (تحدد بقرار من الوزير بعد استطلاع رأي اتحاد الفلاحين والاتحاد العام النسائي). بينما خفضت إجازة الأمومة إلى 75 يوماً بأجر كامل.

وأكدت المادة 22 حق الوالدة بساعة إرضاع لمدة 18 شهراً من تاريخ الولادة.
كما وضعت المادة 24 مسؤولية جزائية على أصحاب العمل ووكلائهم وممثليهم في حال خالفوا أحكام هذا القانون عند استخدام النساء.

إلا أن المادة 164، الفقرة ج، قد استثنت (الاستثمارات العائلية القائمة بين أفراد العائلة الواحدة وهي الاستثمارات الزراعية التي يعمل فيها صاحب العمل الزراعي وأفراد عائلته بصورة مشتركة وتشمل العائلة: الزوج والزوجة والأصول والفروع والإخوة والأخوات وأولادهم وأصهارهم).

وأشارت الباحثة إلى أن هذا الاستثناء يقصد به الأحداث والنساء الذين يعملون في هذه الاستثمارات.

قانون التأمينات الاجتماعية
وساوى قانون التأمينات الاجتماعية بين العامل والعاملة في جميع مواده. إضافة إلى المواد الخاصة بالعاملة.

إلا أنه ما يزال قاصراً من حيث التطبيق. كما أنه مازال بعيداً عن الاتفاقية الدولية الخاصة بالتأمين الإجباري ضد الشيخوخة للأشخاص المشتغلين في المشروعات الصناعية والتجارية والمهن الحرة والمشتغلين في منازلهم وخدم المنازل.

وكذلك الاتفاقية الخاصة بالتأمين الإجباري ضد العجز للأشخاص المشتغلين في المشروعات الزراعية. ولم تصدق سورية بعد على الاتفاقيتين.

خاتمة واقتراحات
تحت هذا العنوان أشار البحث إلى أن قوانين العمل السورية تعتمد أحكاماً متقدمة فيما يخص المرأة العاملة.

إلا أنها تتضمن بعض النواقص والثغرات التي تحتاج إلى مراجعة وتطوير. من ذلك تصديق الاتفاقية رقم 103 الخاصة بحماية الأمومة التي أقرتها منظمة العمل الدولية عام 1952. وإصدار قانون للضمان الصحي الكامل والشامل.

وتعديل نقاط النقص والقصور في قانون التأمينات الاجتماعية. والنص في تشريعات العمل على خفض ساعات العمل للعاملة الحامل بدءاً من الشهر السابع للحمل، بحيث لا تزيد على ست ساعات.

وتعديل قانون العمل (الخاص بالقطاع الخاص) ليشمل بأحكامه العاملين في مجال الخدمة المنزلية. وتضمين تشريعات العمل (الإجازة الوالدية) التي يمكن أن تأخذها الأم أو الأب من أجل رعاية الطفل في سنواته الأولى.

لقاء مع الباحثة
بهدف توضيح بعض النقاط المتعلقة بالدراسة، التقينا الأستاذة المحامية حنان نجمة وطرحنا بعض الأسئلة عليها.
* يبدو أن قوانين العمل السورية متقدمة في مجال المساواة بين الرجل والمرأة، ومراعاة خصائص المرأة خاصة لجهة الحمل والولادة، فهل هذه القوانين مطبقة في الواقع؟

** عموماً نعم. هي مطبقة من حيث التساوي بين الرجل والمرأة. وحين لا تكون مطبقة فهذا يشمل الرجل والمرأة أيضاً. وهذه القوانين هي فعلاً جيدة على وجه العموم، وساهمت مساهمة فعالة في تقدم وضع المرأة السورية، خاصة لجهة انخراطها في العمل.

* قانون تنظيم العلاقات الأسرية استثنى الاستثمارات العائلية، وهي الأكثر شيوعاً في سورية، فهل يمكن لهذا القانون أن يشمل هذه الاستثمارات؟

** في قوانين العالم صار العمل مقدراً اقتصادياً (مالياً) بغض النظر عن طبيعته. العمل المنزلي ذاته صار مقدراً.

ومن الطبيعي حين يعمل الرجل والمرأة في قطعة أرض تملكها العائلة أن يكون لها مثل ما له من حقوق وضمانات.

صحيح أن العادات والتقاليد عندنا ما زالت بعيدة عن مثل هذا المفهوم، لكن من الضروري الالتفات إليه قانونياً. فالكثير من النساء يعملن في استثمارات عائلية ولا يحصلن على شيء من مردود عملهن.

الأساس في الفكرة أن العمل هو ذاته سواء قامت به امرأة أو رجل أو تشاركا فيه. وبالتالي يجب أن تكون ثمراته أيضاً كذلك.

* أشرت إلى ضرورة أن يشمل قانون التأمينات الاجتماعية عمال الخدمة المنزلية، ألا تعتقدين أن هذا المجال المتسع باطراد في سورية يحتاج إلى قانون خاص به؟

** المقصود بالخدمة المنزلية ليس فقط الخدم، بل أيضاً السائقين وعمال البستنة وأيضاً الرعاة في بعض المناطق وغيرهم.. والمشكلة أن قانون العمل قد استثناهم من مواده، كما أن التأمينات الاجتماعية لم تشملهم أيضاً. فهم غير محسوبين على العمالة.

من الضروري إلغاء هذا الاستثناء في قانون العمل وأن يشملهم الضمان الاجتماعي من حيث عقود العمل والتثبيت وغيرها. فهذا القطاع من العمل يحتاج إلى حماية لعماله لا تتوفر حالياً في القوانين النافذة.