يمكن استخلاص شروط الحبس من دراسة نصوص قانون التنفيذ حيث أن المشرع الفلسطيني لم يضع شروطا محددة في مادة معينة وهي :

الفرع الأول : الامتناع عن سداد الدين الحال الأداء :

بين المشرع الفلسطيني ذلك بنص م 155 ف 2 تنفيذ أنه: ” في الجلسة المعينة لذلك يباشر قاضي التنفيذ وبحضور المحكوم له تحقيقًا مع المدين للتأكد من مقدرته على دفع المبالغ المحكوم بها و معرفة أمواله واكتشاف تصرفاته التي قام أو التي ينوي القيام بها بغرض تهريبها من وجه الدائن للحيلولة دون تمكنه من استيفاء الدين أو بشأن عزمه على الفرار”. كما تنص م 22 ف أ تنفيذ أردني على أنه: “…… فإذا لم يوافق المحكوم له على هذه التسوية فللرئيس أن يأمر بدعوة الطرفين لسماع أقوالهما ويقوم بالتحقيق مع المدين حول اقتداره على دفع المبلغ”. ويتوافق المشرعان في ذلك مع الهدف الذي وضع الحبس من أجله إذ أن الهدف الحقيقي هو الضغط والإكراه البدني على شخص المدين وذلك وهو مبدأ مأخوذ من الشريعة الإسلامية الغراء كمصدر للتشريعات وكأساس لها وهذا يظهر من آراء فقهاء الفقه الإسلامي وأئمته فالمذاهب الإسلامية جميعًا منعت حبس المدين الفقير المعدم فالحبس ليس غاية في ذاته وإنما وسيلة لإكراه المدين المماطل على دفع الدين وبالتالي فلا فائدة من إكراه المدين الفقير ، فلجأ الفقهاء امتثالا إلى أمر الله تعالى بعدم حبس المدين المعدوم الحال حيث قال جل وعلا: “وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ” صدق الله العظيم (1) والعسرة هي “ضيق الحال من جهة المال” (2) ولا أعدل مما أخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ” من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة ثم قال: من أنظر معسرا فله بكل يوم مثلاه صدقة فقيل يا رسول الله قلت: من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة وقلت من أنظر معسرا فله في كل يوم مثلاه صدقة فقال صلى الله عليه وسلم له بكل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدين فإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثلاه صدقة”(3). وقال عليه الصلاة والسلام للغرماء الذين اشتكوا إليه من كثرة دين مدينهم ” خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك” (4)، وفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ” كان رجل يداين . الناس فإذا أعسر المعسر قال لفتاه تجاوز عنه لعل الله تعالى يتجاوز عنا فلقي الله فتجاوز عنه” (5) فالفقه الإسلامي لعدله كان سباقًا في النظر إلى حال المدين فنظر الفقهاء إلى الحبس من ثلاث وجوه وفقًا لحال المدين ذاته حيث تم تقسيم أنواع الحبس لدى فقهاء المسلمين إلى”:

1- حبس تلوم واختبار في حق المدين المجهول الحال.

2- حبس تنكيل وتضييق في حق المدين القادر على الأداء والذي يدعي العدم ثم يتبين أنه كاذب.

3- حبس تعزير وتأديب في حق المدين المماطل المتهم بإخفاء ماله، إذ يحبس حتى يقوم بالوفاء . أو يثبت فقره وعدم قدرته على الوفاء” (6). وليس أبلغ من أن الله تعالى نظر إلى حال المسلمين جميعا فكيف لا وهو العدل بعينه وليس غريبا اذ نرى أن آية الدين أخذت أطول حيز في حجم آيات القر”.وهذا لبناء الكثير من قضايا المجتمع الاقتصادية على الدين وذلك عند من لا يجد موردا ماليا يسيّر به حركة حياته. ودائما يتميز التشريع الإسلامي عن غير فلم يضع الآية وضعا تقنينيا جامدا جافا ” وإنما . وضعها وضعا وجدانيا مزج به بين جمود القانون وروح الإسلام” (7)

الفرع الثاني : ثبوت الدين في ذمة المدين

فالدين المختلف عليه لا يجوز الحبس فيه ما لم يثبت وإنما يجب الذهاب إلى المحكمة المختصة لإثبات الدين أولا وهذا ما يتضح من نص م 32 من قانون التنفيذ الفلسطيني حيث تنص على أنه: ” 1- إذا اعترض المدين في الميعاد المحدد وأنكر الدين أو بعضه أو أنكر استمرار قيامه في ذمته، كلف الدائن بمراجعة المحكمة المختصة لإثبات ما وقع الإنكار عليه وتقام الدعوى بالإجراءات المختصرة وفقًا لأحكام قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية”.

الفرع الثالث : ثبوت قدرة المدين على الوفاء

يظهر ذلك من أن القانون أوجب على قاضي التنفيذ إذا لم يقم المدين بمراجعة دائرة لتنفيذ خلال المدة المحددة ولم يعرض تسوية لسداد الدين أن يأمر بدعوة الطرفين لجلسة يستوضح فيها قدرة المدين على الوفاء ، ولذا فقد دأب الاجتهاد القضائي على أن قدرة المدين لا تقوم إذا ما قامت ملاءته كلية على أموال لا يجوز الحجز عليها ورغم أنه لا يوجد نص خاص بذلك في قانون التنفيذ الفلسطيني ولا حتى بالقانون الأردني إلا أن هذا هو المعمول به حقيقة وقد نص المشرع الإماراتي على ذلك في م 324 ف 1 من قانون الإجراءات المدنية على أنه : ” لقاضي التنفيذ أن يصدر أمرًا بناءً على طلب يقدم من المحكوم له بحبس المدين إذا امتنع عن تنفيذ حكم نهائي أو أمر أداء نهائي رغم ثبوت قدرته على الوفاء أو خشية هربه من البلاد ولا يعتبر المدين مقتدرًا على الوفاء إذا قامت ملاءته كلية على أموال لا يجوز الحجز عليها أو . بيعها” (8) وقد أخذ فقهاء الشريعة الإسلامية بذلك إذ أن الإعسار في نظرهم هو ” أن لا يجد في . ملكه ما يؤديه بعينه، ولا يكون له ما لو باعه لأمكنه أداء الدين من ثمنه” (9) ووفقًا للقواعد العامة في القانون المقارن فإن الالتزامات التي يجوز حبس المدين بها تتمثل في الالتزام بالوفاء بمبلغ من النقود أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل بشرط ألا يكون الالتزام المطلوب من المدين الوفاء به يتعلق بحريته الشخصية ” فإذا كان لشخصية المدين اعتبار في تنفيذ الالتزام فإنه لا ينبغي حبسه لإكراهه على هذا الوفاء” (10) فعلى سبيل المثال إذا كان الالتزام المترتب في ذمة المدين تأليف قصيدة شعرية مثالا أو حتى مقطعًا موسيقيًا فلا يجوز حبس المدين به لإجباره على الوفاء.

الفرع الرابع :أن يكون أمر الحبس نهائيًا

يعتبر هذا الشرط أمر طبيعي إذ لا يجوز استئناف أمر الحبس وإنما قرار الحبس وفقًا لنص م 5 تنفيذ فلسطيني ف 1 (ه،و) حيث نصت على أن ” 1- تستأنف الأحكام الصادرة من قاضي التنفيذ إلى محكمة الاستئناف التي تقع في نطاقها دائرة التنفيذ إذا تعلق بالأمور التالية: ه- تأجيل تنفيذ الحكم لسبب ما، و – ما إذا كان يجوز أو لا يجوز حبس من يتخلف عن دفع المبلغ المحكوم به.

الفرع الخامس : مطل الدين

مطل الدين هو : تأخير قضائه إذ أن الحبس مترتب على المطل فالظلم الواقع على الدائن المذكور في حديث الرسول صلى الله عليه ،والة وسلم “مطل الغني ظلم (11)يقصد به أن امتناع الموسر عن أداء ما عليه من دين يعتبر ظلما ويصبح المماطل ظالما ويكون للقاضي ولاية رفع هذا الظلم بأية وسيلة من الوسائل الممكنة كحبس المدين المماطل” (12) .وإن ما يظهر في نص م 156 تنفيذ فلسطيني ف “ب” والتي تنص على أن يحبس المدين إذا “… وهب أو نقل أو سلم للغير شيئًا من أمواله تأمينًا لدين أو أخفاه مما أدى إلى منع الدائن من استيفاء ما حكم به كليًا أو جزئيا”، لهو دليل على أن المشرع أخذ بحبس المدين في حال المماطلة، ولم يظهر ذلك الشرط في نص قانون التنفيذ الأردني.

الفرع السادس : عدم وجود مانع من موانع الحبس

اذ يجب لحبس المدين ألا يتوافر فيه مانع من موانع الحبس المنصوص عليها في القانون فبوجود المانع لا يجوز الحبس ويعتبر قرار الحبس باطلا لمخالفته نصوص القانون ويجوز للمحكوم عليه هنا أن يعترض على قرار الحبس بالبطلان لوقوعه مخالفا للقانون وهذه الموانع سوف يكون لها تفصيل خاص بها في سياق البحث. وأخيرا فان بعض التشريعات تشترط لحبس المدين أن لا يكون له مال ظاهر يمكن استيفاء الدين منه ، وهذا مبدأ متوافق مع نظرة الفقه الاسلامي إلى المدين الموسر المماطل اذ يلجأ الحاكم “إلى حبسه تعزيزا له كي يظهر أمواله ويدفع لدائنه ما يستحقه من أموال” (13) خلاصة القول أن حبس المدين ليس من النظام العام بمعنى أن القانون فرض على المحكمة أن تحكم به إذا ثبت بناءً على طلب من الدائن وقد نصت م 156 تنفيذ فلسطيني على أنه: ” يجوز لقاضي التنفيذ بناءً على طلب المحكوم له أن يأمر بالقبض على المحكوم عليه وحبسه في الأحوال التالية….. “

وقد حدد القانون هذه الأحوال ونص على ذلك المشرع الأردني في قانون التنفيذ م 22 ف أ بقوله: أ. ” يجوز للدائن أن يطلب حبس مدينه إذا لم يسدد الدين أو يعرض تسوية….” وأخذت بذلك الكثير من التشريعات التي أخذت بمبدأ حبس المدين كوسيلة للإكراه البدني حيث نص قانون الإجراءات المدنية الإماراتي في م 324 ف 1 على أنه: ” لقاضي الت نفيذ أن يصدر أمرًا بناء على طلب يقدم من المحكوم له، بحبس المدين إذا امتنع عن……. ” كما نص المشرع الكويتي على ذلك بقانون المرافعات المدنية والتجارية م 292 على أنه: ” يصدر مدير إدارة التنفيذ أو من تنتدبه الجمعية العامة للمحكمة الكلية من الوكلاء بالمحكمة أمرًا بناءً على عريضة تقدم من المحكوم له بحبس المدين مدة لا تزيد على…. ” (14) وهذا المبدأ ثابت من الشريعة الإسلامية أيضًا إذ لا يحبس القاضي المدين من تلقاء نفسه بدون طلب من الدائن لأن الدين حق له والحبس وسيلة إلى حقه ” وحق المرء إنما يطلب بطلبه . فلا بد من الطلب للحبس” (15). إن ما ظهر من سياق دراسة الشروط السابقة الذكر أنه وبتوافرها وجب حبس المدين بناءً على طلب الدائن من القاضي المختص، بموجب هذا الحبس يكره المدين على الكشف عن أمواله التي كان قد أخفاها وذلك للوفاء بدينه وأداء ما هو مطلوب منه وثابت في ذمته، ولوقوع الحبس إجراءات معينة إذ ليس من المعقول أن يقرر القاضي حبس مدين معين ولو كان بناء على طلب الدائن دون المرور بإجراءات معينة تحكمها وتقيدها نصوص القانون_.

_____________

1- سورة البقرة الآية 280

2- الشوكاني، محمد بن علي. فتح القدير الجامع في الرواية والدراية في علم التفسير. الجزء الأول. بيروت: دار إحياء

. التراث العربي. ص 297

3- ابن كثير، الحافظ أبي الفداء عماد الدين إسماعيل: تفسير القران العظيم. الجزء الأول. الطبعة الثانية.بيروت:دار

. المعرفة. 1987 . ص 339

4- أبي داوود، لإمام الحافظ المصنف أبي داوود سليمان بن الأشعث السجستاني الازدي: سنن أبي داوود. الجزء الثالث.

. بيروت: دار الجليل. القاهرة: الدار المصرية اللبنانية. 1988 . ص 349

5- البيهقي، ابي بكر محمد بن الحسن بن علي: السنن الكبرى. تحقيق محمد عبد القادر عطا. الجزء الخامس.الطبعة

. الاولى. بيروت: دار الكتب العلمية. 1994 . ص 584 . صحيح البخاري. البيوع. رقم 1936

6- المليجي،احمد : التنفيذ على شخص المدين بحبسه . مجلة الشريعة والقانون .العدد الثاني /

.1988 . ص 217

7- الشعراوي، محمد متولي. تفسير الشعراوي. المجلد الثاني. أخبار اليوم. إدارة الكتب والمكتبات. قطاع الثقافة. 1991

8- ابي داوود، لإمام الحافظ المصنف أبي داوود سليمان بن الأشعث السجستاني الازدي: سنن أبي داوود . كتاب البيوع .حديث رقم 2903

9- تمييز دبي. جلسة 29 يناير 1989 . طعن رقم 41 لسنة 1988 . مجلة القضاء والتشريع العدد الاول 1992 ص 249

. مشار اليه في: االحديدي، علي. التنفيذ الجبري. الطبعة الثانية. دبي: مطابع البيان. 2002. ص 12

10- قانون الإجراءات المدنية الإماراتي رقم 11 لسنة 1992

11- الشافعي، الامام فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي التميمي البكري الرازي. التفسير الكبير مفاتيح

. الغيب. تحقيق عماد زكي البارودي. المجلد الرابع. مصر: المكتبة التوفيقية. 2003 . ص 102

12- المليجي ، أحمد : التنفيذ على شخص المدين بحبسه . مرجع سابق، ص. 204

13- الموسوعة الفقهية . الجزء 39 . دون بيانات . ما يتعلق بالملاءة من أحكام . أثر الملاءة في الدين . منشور على

2008/8/16 الساعة 11:30 صباحا . . www.islam.gov.ku/books/mosoaa/039.dos : الصفحة الالكترونية

14- قانون المرافعات المدنية والتجارية الكويتي رقم 38 لسنة 1980

15- الموسوعة الفقهية . الجزء 39 . مرجع سابق . ما يتعلق بالملاءة من أحكام . أثر الملاءة في الدين . منشور على

2008/8/16 الساعة 11:30 صباحا . . www.islam.gov.ku/books/mosoaa/039.dos : الصفحة الالكترونية

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .