دراسة قانونية موجزة حول الحماية الجنائية للحقوق والحريات

مقال حول: دراسة قانونية موجزة حول الحماية الجنائية للحقوق والحريات

الحماية الجنائية للحقوق والحريات

الدكتور نوفل علي عبد الله الصفو، أستاذ القانون الجنائي المساعد

كلية الحقوق/ جامعة الموصل/ العراق.

مقدمة
أي قيد يوضع على حرية شخص يعتبر عملاً غير مشروع، ما لم يبرره سبب قانوني. ويُعد هذا الحكم واحدًا من المبادئ الأساسية في القانون العام. ولكن، يعترف القانون ببعض القيود المفروضة على الحرية. والعلاقة بين القانون والحرية وثيقة جدا، ذلك أن من الممكن استخدام القانون كأداة للطغيان كما حدث في العديد من اﻟﻤﺠتمعات والعهود، أو كأداة لتحقيق تلك الحريات الأساسية التي تعتبر في اﻟﻤﺠتمع.

ولحماية حقوق الإنسان مصادرها، ومن اهمها المصدر الديني والمصدر الدولي والمصدر الوطني. وتقسم حقوق الإنسان إلى عدة تقسيمات اهمها تقسيمها إلى حقوق سياسية ومدنية واجتماعية واقتصادية وثقافية، وقسمها البعض إلى حقوق الإنسان التي له بوصفه إنسانا (بسبب إنسانيته) واغلب الحقوق المدنية والسياسية من هذا النوع (وهي في الشريعة الإسلامية تتمثل بالضرورات الخمس وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال)،وحقوق الإنسان باعتباره عضوا في المجتمع، واغلب الحقوق الثقافية والاقتصادية والاجتماعية من هذا النوع (وهي في الشريعة الإسلامية تتمثل بالحاجيات والتحسينات).وان كافة الحقوق التي تتمتع بالحماية الدستورية تعتبر حقوقا اساسية من الناحية الدستورية، وتعتبر جميع الحريات العامة من الحقوق الاساسية، في حين لاتعد بالضرورة كل الحقوق الاساسية من الحريات العامة.

وتقوم الدولة القانونية على النظام الديمقراطي الذي يتطلب احترام الحقوق والحريات التي يتمتع بها الإنسان بصفته الإنسانية على اساس ان هذه الحقوق تعبر عن احتياجات المجتمع الديمقراطي، ويتمتع الافراد في الدولة القانونية بالحقوق والحريات بناء على ارادة المشرع الدستوري لا بناء على افكار القانون الطبيعي وحدها.

وان الدولة القانونية بحكم وظيفتها عليها ان تحمي جميع المصالح القانونية وهي ليست قاصرة على الدولة وحدها بل انها تشمل ايضا حقوق الفرد وحرياته ولايجوز اهدارها بدعوى المحافظة على مصلحة المجتمع بل يتعين التوفيق بين المصلحتين في إطار العلاقات الاجتماعية التي تحكم المجتمع، فالتشريع الجنائي يتحمل مسؤولية تحقيق التوازن الذي يوقف الصراع بين مختلف الحقوق والحريات من جهة وبينها وبين المصلحة العامة من جهة أخرى ويكفل حماية كل من الحقوق والحريات والمصلحة العامة بقدر متناسب.

وإن الدستور يجسد عبقرية الشعب الخاصة، ومرآته الصافية التي تعكس تطلعاته وثمرة إصراره ونتائج التحولات الاجتماعية العميقة التي أحدثها، والدستور هو القانون الأساسي الذي يحمل في طياته تحديد القيم الأساسية للمجتمع، والحقوق والحريات مما يوجب على القانون الجنائي أن يكفل من خلال الأدوات التي ينظمها (العقوبات والإجراءات الجنائية) حماية هذه القيم وضمان حماية الحقوق والحريات على نحو يتفق مع المبادئ التي يكفلها الدستور، ويلتزم المشرع في سبيل كفالة هذه الحماية باحترام المبادئ التي ينص عليها الدستور، اذ أن حماية النظام الديمقراطي المعرض للخطر تعد قيمة أولى بالرعاية‏، ‏وأن حقوق الإنسان وحرياته لا يجوز التضحية بها في غير ضرورة تمليها مصلحة اجتماعية لها اعتبارها‏، فإن كان التشريع متجاوزا للحدود على نحو يجعله غير ضروري غدا مخالفا للدستور، فلا يجوز مواجهة الجريمة بجريمة ترتكب بمخالفة القانون والمبادئ الدستورية والخروج عليها، فلا يجوز أن تكون مواجهة الاعتداء على القانون إلا بالقانون ذاته.

ولا تعرف النظم الدكتاتورية هذه النظرة فقد اعطت الاولوية لتحقيق مصلحة الدولة فأصبح القانون اداة للسلطة وليس اداة لتحقيق العدالة، ويكون القانون هنا وعاء لرغبة الحاكم لا معبرا عن الحق والعدالة، والتاريخ شاهد على انه كلما طغت السلطة الحاكمة قيدت الحريات والحقوق ويكون القضاء الات مسخرة بيديها تفتك بها كيف تشاء، فالقضاء يملك القوة القضائية وتلك القوة يمكن استعمالها في العدل والظلم على السواء، فالقضاء بيد الحكومات الجائرة أفظع الة للانتقام والجور، وفي يد الحكومة العادلة وسيلة لإقامة العدل والحق.

وهكذا يتضح أن النظام الجنائي بأسره (الموضوعيوالإجرائي)على الرغم من انه يوفر أكثر صور الحماية فعالية للحقوق والحريات إلا انه يعرض بطبيعته الحريات للخطر، وهو اشد القوانين خطرا على الحقوق والحريات، سواء عندما تباشر الدولة سلطتها في التجريم والعقاب أو عند مباشرة الخصومة الجنائية والتنفيذ العقابي، وخشية التحكم في مباشرة هذه السلطات وتجاوزها القدر الضروري للدفاع عن المجتمع، يتعين توفير الضمانات للفرد لحماية حريته من خطر التحكم وتجاوز السلطة، وهذا هو ما يجب أن يتكفل به النظام القانوني من خلال علاقة التناسب التي يحدثها داخل القاعدة القانونية أو بين مختلف القواعد القانونية في النظام القانوني الواحد، ويتوقف هذا التناسب على مدى ما يتمتع به الفرد من حرية، ففي نظر الفكر التسلطي الذي يعطى للدولة جميع الحقوق والسلطات ويتجاهل قيمة الفرد في المجتمع لا مجال للحديث عن حرية الفرد، هذا بخلاف الفكر الحر الذي يعطى الفرد مكانته في المجتمع ويوجب احترام جوهر حريته.

والواقع من الأمر أن الدولة القانونية بحكم وظيفتها عليها أن تحمي جميع المصالح القانونية،وهي ليست قاصرة على الدولة وحدها بل إنها تشمل أيضا حقوق الفرد وحرياته، فالحقوق والحريات يجب أن يحميها القانون، ولا يجوز إهدارها بدعوى المحافظة على مصلحة المجتمع، بل يتعين التوفيق بين المصلحتين في إطار العلاقات الاجتماعية التي تحكم المجتمع، على أن النظم الديكتاتورية لم تعرف هذه النظرة، فقد أعطت الأولوية لتحقيق مصلحة الدولة وفقاً لنظام ثابت ومستقر، وقد تطلب ذلك التسليم بمبدأ تفوق الدولة عوضا عن مبدأ التناسب بين هذه المصلحة وحقوق الافراد وحرياتهم، وهو ما لا يمكن إقراره إلا باستعمال القوة أو العنف، ولهذا اهتمت هذه الدولة بإعادة ترتيب نظامها الجنائي الإجرائي من أجل تقوية سلطة الدولة في المحاكمات الجنائية وتجريد الفرد من ضمانات حريته، فأصبح قانون الإجراءات الجنائية في هذه النظم أداة للسلطة وليس أداة لتحقيق محاكمة عادلة يتم فيها ضمان الحقوق والحريات ويتجلى ذلك في بعض نماذج هذه النظم البائدة وهى النظام الفاشي، والنظام النازي، والنظام الشيوعي، والنظام العنصري.

وتعتبر هذه الحقوق إطارا عالميا لدولة القانون لا يجوز لها أن تتجاوزه أو تتخطاه في تشريعاتها‏، حتى اصبحت هذه الحقوق قيما إنسانية عالمية‏،‏ وتتمثل في العديد من المبادئ الدستورية اهمها مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات‏،ومبدأ المساواة، وقضائية العقوبة، وعدم رجعية قانون العقوبات‏، وعدم جواز القياس في التجريم والعقاب‏، والأصل في المتهم البراءة ومبدأ الضرورة والتناسب في التجريم والعقاب‏، ومبدأ شخصية المسؤولية الجنائية‏، ومبدأ شخصية العقوبة‏، ومبدأ حق الالتجاء إلى القضاء والحق في محاكمة عادلة بما في ذلك احترام حقوق الدفاع‏، وعدم جواز القبض أو الحبس الاحتياطي التعسفي‏.‏

وتمثل السياسة الجنائية جوهر الحماية لحقوق الإنسان ان صلحت هذه السياسة تحققت الحماية المنشودة لحقوق الإنسان وان فسدت أصبح كل من التجريم والعقاب وسيلة للبغي والطغيان، ويمكن تعريف السياسة الجنائية بانها علم التشريع الجنائي لأنها تقوم على دراسة هذا التشريع وذلك بفحصه وتحليله بقصد معرفة مدى مطابقته لأغراض الجماعة في الحد من الجريمة بتحديد الافعال المجرمة وترتيب العقوبة الملائمة لها.

ويهدف القانون الجنائي بفرعيه (القانون الموضوعي والقانون الاجرائي) إلى حماية المصالح الاجتماعية سواء كانت من المصالح العامة التي تمس كيان الدولة أو المجتمع، أو من الحقوق والحريات والمصالح الخاصة التي تتعلقبالأفراد، اذان قانون العقوبات يتسع مجاله للحياة الاجتماعية باسرها فيعالج كل النواحي الاساسية التي يلزم مراعاتها لحسن سير الحياة الاجتماعية، بينما تهتم سائر القوانين بتنظيم مجالات معينة من هذه الحياة كالعلاقات المدنية التي يتكفل بها القانون المدني والعلاقات التجارية وغيرها.

والحماية الجنائية هي احد انواع الحماية القانونية، بل واهمها قاطبة واخطرها اثرا على كيان الإنسان وحرياته ووسيلتها القانون الجنائي الذي قد تنفرد قواعده ونصوصه تارة بتحقيق هذه الحماية وقد يشترك معها في ذلك فرع اخر من فروع القانون تارة اخرى، فقانون العقوبات هو بمثابة رجل الشرطة بالنسبة لفروع القانون الاخرى، فالقانون الجنائي لا ينشغل إلا بالقيم الجوهرية للجماعة والمصالح الاساسية للفرد فيحميها من كل عدوان يضر بها أو يهددها بخطر الاضرار، ويوازن القانون الجنائي بين المصلحة الخاصة للفرد والمصلحة العامة فيقر من المصلحتين ما يهم المجتمع ويضمن سيره وفاعليته ويتوقف تقدير ذلك على النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة .

وان دور القانون الجنائي يتمثل في إحداث التوازن بين الحقوق والحريات، والمصلحة العامة، اذيهدف القانون الجنائي بفرعيه إلى إحداث التوازن بين حماية المصلحة العامة التي تمس كيان الدولة أو المجتمع، وبين حماية الحقوق والحريات والمصالح الخاصة بالأفراد، ويتميز هذا القانون بأن قواعده تتسم بقوة التأثير على السلوك الاجتماعي، ويبدو ذلك واضحا في قانون العقوبات الذي يفرض أنماطا من السلوك ويرتب عقوبات على مخالفتها، كما يتجلى هذا المعنى أيضا في قانون الإجراءات الجنائية بما ينظمه من قواعد إجرائية تمس حقوق وحريات المواطنين في سبيل كشف الحقيقة وإقرار حق الدولة في العقاب،ومن خلال التوازن الذي يقيمه القانون الجنائي بفرعيه بين المصلحة العامة والحقوق والحريات، فإن المشرع الجنائي لا يتوانى عن حماية هذه الحقوق والحريات بثلاثة أساليب: –

الأول: -الحماية الجنائية للحقوق والحريات، من خلال تجريم أفعال المساس بها والمعاقبة عليها، مثل المساس بالحق في الحياة،أو الحق في سلامة الجسم، أو الحق في الحرية الشخصية والخصوية، أو الحق في الثقة والاعتبار، وتنطوي هذه الحماية الجنائية في ذات الوقت على حماية النظام العام الذي يتأذى من المساس به، ومن المساس بالحقوق والحريات.

الثاني: -أن تتم الحماية الجنائية للحقوق والحريات من خلال التوازن فيما بينها من ناحية، وبين المصلحة العامة من ناحية اخرى، فلا يجوز أن تكون حماية المصلحة العامة أو حماية حقوق الغير وسيلة للعصف بالحقوق والحريات، مثل حرية التعبير، وحق نشر الاخبار، وحرية البحث العلمي، وحق النقد، وحق مخاطبة السلطات العامة، وحق الدفاع، فالتوازن بين الحقوق والحريات المحمية يحدد سلطة المشرع الجنائي في التجريم والعقاب، مثال ذلك ان تجريم المساس بالحق في الثقة والاعتبار لا يجوز أن يمس حرية التعبير، كما أن تجريم المساس بالحق في سلامة الجسم لا يجوز أن يمس الحق في العلاج، وتجريم المساس بالحق في الحياة لا يجوز أن يتم بالتضحية بالحق في حياة شخص آخر أولى بالاعتبار (مما يخوله القانون حق الدفاع الشرعي)، وكذلك الشأن في التوازن بين العقوبة وجسامة الجريمة، كما تكون هذه الحماية في إطار التوازن مع المصلحة العامة المتمثلة في النظام العام بجميع جوانبه حين تطلب تنظيم ممارسة هذه الحقوق والحريات داخل حدود معينة مراعاة للصالح العام وتجريم الخروج عن هذه الحدود، وهو ما يمثل الضرورة الاجتماعية التي تتطلب التجريم والعقاب وبالقدر المتناسب مع الفعل الصادر الذييتطلب.

الثالث:-ضمان التمتع ببعض الحقوق والحريات، كقيد على الإجراءات الجنائية التي تتخذ لاقتضاء حق الدولة في العقاب تحقيقا للمصلحة العامة، فإذا تطلب الأمر من سلطة التحقيق القبض على المتهم أو تفتيشه، فلا يجوز أن يتم ذلك بالتضحية على نحو مطلق بحقه في الحرية، أو حقه في سلامة المسكن، كما أن محاكمة المتهم لا يجوز ان تحرمه من حقوق الدفاع، ومن التمتع بحقوقه الاخرى متوازنة مع سلطة الاتهام، وفي هذا الصدد فإن الصراع دائم بين مقتضيات المصلحة العامة ومتطلبات تمتع الفرد بحقوقه وحرياته.

والاعتداء الذي يتصور وقوعه على الحقوق والحريات يمكن ان يقع من المشرع ذاته كما يقع عادة من السلطة العامة، فهو يقع من المشرع إذا ما انحرف بتشريعه أو توسع في استخدم الحيل والقرائن والافتراض في التجريم والعقاب، أو تعارض مع المبادئ الدستورية المقررة لحقوق الإنسان، كما يقع من السلطة العامة وهو الاصل الشائع والمصدر الرئيسي لانتهاك حقوق الإنسان.

وقد يكون منع التجريم هو الوسيلة القانونية لحماية حق من الحقوق مثال ذلك منع تجريم الاضراب كحق من حقوق الإنسان، وقد يكون التجريم هو الوسيلة الواجبة للحماية لان عدم التجريم يؤدي إلى انتهاك حق للإنسان بسبب عدوان السلطة العامة عليه، مثال ذلك ضرورة تجريم التعذيب الواقع على الإنسان، أو بسبب تقاعس المشرع نفسه عن تجريم السلوك مثال ذلك ضرورة تجريم استيراد المواد الغذائية الملوثة اشعاعيا أو الفاسدة.

وان الضرورة في التجريم التزام يتعين على المشرع احترامه، كما ان التناسب في العقاب ايضا التزام ينبغي الالتزام به، لان الغلو في العقاب والتضخم العقابي بما لا يتناسب مع الجرم المرتكب يمثل انتهاكا لحق من حقوق الافراد، فيمنع افراط المشرع في تجريم الافعال التي لاتحمي مصالح ضرورية في المجتمع فيحد منها، ومنع تجريم الافعال التي يؤدي تجريمها إلى انتهاك حق من حقوق الإنسان أو مساسا بإحدى حرياته الأساسية، فالشرعية الجنائية بشقيها الموضوعي والاجرائي هي صمام الامان القانوني الذي يجب ان يراعيه المشرع الجنائي عند حمايته لحقوق الإنسان وحرياته.

وتتوقف الحماية الدستورية للحقوق والحريات على التوازن بين كل من القيم الدستورية للحقوق والحريات، والقيم الدستورية للمصلحة العامة، على نحو يضمن عدم التفريط في أي من هذه القيم المختلفة، وعلى المشرع مسؤولية تنظيم ممارسة الضمانات الدستورية من خلال شكل التوازن الذي يجريه بين مختلف الحقوق والحريات وبين المصلحة العامة، وذلك تحت رقابة القضاء الدستوري، ويعد التشريع الجنائي من أهم المجالات التي يبدو فيها بعض الاختلاف بين مختلف الحقوق والحريات من جهة وبينها وبين المصلحة العامة من جهة أخرى، فهذا التشريع يتحمل مسؤولية تحقيق التوازن الذي يوقف هذا الصراع ويكفل حماية كل من الحقوق والحريات والمصلحة العامة بقدر متناسب، ويلتزم المشرع في سبيل كفالة هذه الحماية باحترام الضمانات التي ينص عليها الدستور.

فقانون العقوبات من خلال التجريم والعقاب يحمي كلا من حقوق المجني عليه والمصلحة العامة بحكم الضرورة الاجتماعية التي تتطلب هذه الحماية، ويفرض الجزاء الجنائي المناسب الذي يتسم بالمعقولية، ولا ينافي الحدود المنطقية التي ينبغي أن تكون إطارا له، وكل ذلك يتم من خلال معايير ينص عليها الدستور تتمثل في ضمانات يتعين على المشرع العقابي الالتزام بها.

وقانون الإجراءات الجنائية بما يضعه من قواعد تهدف إلى تحديد الإجراءات التي يتم بواسطتها استعمال حق الدولة في العقاب يحمي حقوق كل من المتهم والمجني عليه ويكفل حماية المصلحة العامة، ونظراً إلى أن الإجراءات الجنائية من شأنها أن تمس بعض الحقوق والحريات فإنه يتعين كفالتها بحكم أن الأصل في المتهم البراءة، وبناء على أن القاضي هو الحارس الطبيعي للحريات، وذلك في إطار محاكمة منصفة، وكل ذلك يتم من خلال معايير ينص عليها الدستور تتمثل في ضمانات يتعين على المشرع الإجراءات الجنائي الالتزام بها.

وفي هذا الإطار يجب إلا يكون كل من قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية أداة للقهر أو للتحكم، وإنما أداة لحماية الحقوق والحريات بالإضافة إلى تحقيق المصلحة العامة وبهذا الارتباط يتأكد الوضع المهم الذي يحتله القانون الجنائي في النظام القانوني وفى نظرية القانون، ومن ناحية أخرى، فإن الدستور، إذ يحمي الحقوق والحريات، يأتي المشرع بعده ليوفر الضمانات الكافية لهذه الحماية، ويرسم للقاضي دوره لتأمين هذه الحماية والمحافظة عليها.

ويتميز هذا القانون بأن قواعد تتسم بقوة التأثير على السلوك الاجتماعي، ويبدو ذلك واضحا في قانون العقوبات الذي يفرض أنماطا من السلوك ويرتب عقوبات على مخالفتها، كما يتجلى هذا المعنى أيضا في قانون الإجراءات الجنائية بما ينظمه من قواعد إجرائية تمس حقوق وحريات المواطنين في سبيل كشف الحقيقة وإقرار حق الدولة في العقاب، على أن قوة التأثير التي تتسم بها قواعد القانون الجنائي على السلوك الاجتماعي لا تخفي طابعه الحقيقي، وهو حماية المصلحة الاجتماعية، وتتجلى هذه المصلحة في قانون العقوبات بما يفرضه من انماطا السلوك المختلفة لحماية المصالح والقيم الاجتماعية وحماية الحقوق والحريات، بما يفرضه من جزاء قانونيا لضمان احترام هذه الأنماط.

وتتوقف فعالية قانون العقوبات في أداء هذه الوظيفة على معيارين،هما: مدى حسن تعبيره عن المصالح والقيم الحالية للمجتمع، ومدى تنظيمه للجزاء الجنائي. أما عن المعيار الأول، فإن قانون العقوبات يمر حاليا بأزمة التكيف مع متطلبات المجتمع، فالجريمة تتطور وتتكيف باستمرار، فهو يواجه صدمة التغيرات السريعة التي تمس مصالح المجتمع وقيمه، الامر الذييقتضي أن يواجه القانون بصفة دائمة هذه التغييرات وأن يداوم على التعايش مع تطور المجتمع الذي يحيا فيه. وبالنسبة إلى المعيار الثاني، فإن الجزاء يجب أن يخضع لسياسة جنائية تكفل بوضوح خدمة هذا الهدف الاجتماعي من قواعد التجريم حتى يكفل احترام المصالح والقيم الاجتماعية التي تعبر عنها هذه القواعد وحماية الحقوق والحريات التي تنظمها، وبالنسبة إلى قانون الإجراءات الجنائية، فإنه يهدف بوجه عام إلى حماية المصلحة الاجتماعية من خلال ما ينظمه من إجراءات لكشف الحقيقة وإقرار حق الدولة في العقاب، من خلال الضمانات التي يقررها حماية الحقوق وحريات المتهم التي تتعرض للخطر من جراء هذه الإجراءات.

ويؤدي القانون الجنائي وظيفته في الدولة القانونية في إطار الشرعية الدستورية، فقانون العقوبات يحمي الحقوق التي قررها الدستور ويلتزم بالمبادئ التي يقررها في مجالات التجريم والعقاب والإباحة والمسؤولية، كما يلتزم ايضا قانون الإجراءات الجنائية بالمبادئ الدستورية في الحقوق والحريات العامة، وفى إطار هذا الالتزام يتحدد دور كل من المشرع الجنائي، والقاضي الجنائي، فالمشرع يقيم التوازن بين الحقوق والحريات والمصلحة العامة المتمثلة في النظام العام الجنائي، والقاضي هو الحارس للحقوق والحريات، ويجب ان يكفل حمايتها في مواجهة مقتضيات المحاكمة.

وإذا كانت الحماية الجنائية للحقوق والحريات، وحماية النظام العام تتم من خلال التجريم والعقاب وكانت الإجراءات الجنائية تتخذ لتمكين الدولة من اقتضاء حقها في العقاب، فإن ذلك لا يعني التضحية بحقوق وحريات الأفراد الذين يتم تجريم أفعالهم والعقاب عليها واتخاذ الإجراءات الجنائية في مواجهتهم، ومن ناحية أخرى، إذا كانت الحماية الجنائية للمصلحة العامة تتقرر حسب الأصل بقانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية، فإن حماية الحقوق والحريات تتقرر بحسب الاصل بالدستور، ومن هنا كانت الشرعية الدستورية هي الضمان الأعلى لهذه العقوبات وفي ضوء الشرعية الدستورية يجب أن يحدث التوازن بين الهدف الأول من وراء التجريم والعقاب ومباشرة الإجراءات الجنائية والمتمثل في حماية المصلحة لعامة، وهذا الهدف الثاني المتمثل في ضمان الحقوق والحريات، وبغير هذا التوازن، يفقد التجريم والعقاب والإجراءات الجنائية المصداقية والفاعلية في الدولة القانونية، ولهذا يجب ان يتجاوب التجريم والعقاب وكذا مباشرة الإجراءات الجنائية مع مقتضيات حماية الحقوق والحريات في جميع صورها واشكالها، وبدون هذه الحماية يكون التجريم والعقاب والإجراءات الجنائية أداة بطش وتحكم، فتفقد الحقوق والحريات معناها وجدواها.

وتتجلى أهمية ضمان الحقوق والحريات في أن النظام العام يقتضي تقييد حرية الفرد من خلال التجريم والعقاب، فالتجريم يمس حرية الفرد في مباشرة أنواع معينة من السلوك لأنه يخضعه لضوابط اجتماعية معينة، هذا بالإضافة إلى العقاب، فإنه يمس الحرية الشخصية للفرد. وفى هذا الصدد قد يتعرض الفرد لمخاطر التجريم إذا ما تعرض للنوايا أو امتد إلى الحالة النفسية للنشاط الإنساني، أو ظهرت نصوصه غامضة أو غير دقيقة، أو امتد التجريم بأثر رجعي إلى وقائع سابقة على نصوص التجريم، أو تقررت مسؤولية الشخص عن جريمة لم يسهم في ارتكابها، أو إذا قضي عليه بعقوبة عن فعل لم يقارفه، أو جاءت العقوبة قاسية أو مهينة، أو غير متناسبة مع جرمه، ولا يقتصر المساس بالحرية على مخاطر التجريم والعقاب، ولكنه يمتد أيضا إلى النظام الإجرائي الجنائي، وذلك من خلال إجراءات الخصومة الجنائية التي تباشرها الدولة بعد وقوع الجريمة من أجل كشف الحقيقة وإقرار حقها في العقاب، وإجراءات التنفيذ العقابي بعد إقرار حق الدولة في العقاب.

وتجدر الإشارة إلى ان الاتفاقات والاعلانات الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان والقانون الجنائي هي: –

1-الإعلان العالمي والعهدين الدوليين.

2-اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية المؤرخة في 9 ديسمبر 1948.

3-اعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع اشكال التمييز العنصري المؤرخة في 21 ديسمبر 1965.

4-اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة المؤرخة في 18 ديسمبر 1979.

5-الإعلان العالمي لمناهضة العنف ضد النساء الصادر عن الأمم المتحدة في ديسمبر 1993.

6-اتفاقية حقوق الطفل المؤرخة في 1990.

7-الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وافراد اسرهم المؤرخة في 18 ديسمبر 1990.

8-الإعلان المتعلق بحقوق الإنسان للأفراد الذين ليسوا مواطنين بالبلد الذي يعيشون فيه المؤرخ في 18 ديسمبر 1985.

9-ضمانات تكفل حقوق الأشخاص الذين يواجهون الإعدام المؤرخة 1984.

10-مبادى توجيهية بشأن دور النيابة العامة 1990.

11-اعلان حماية جميع الأشخاص ضد الاختفاء القسري 1992.

12-مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من اشكال الاحتجاز أو السجن 198.

13-اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية 2000.

14-اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد 2003.

15-الاتفاقية الدولية لمنع تمويل الإرهاب 2000.

16-اتفاقية مناهضة التعذيب 1984.

17-البروتوكول الاختياري الثاني الداعي إلى الغاء عقوبة الإعدام الملحق بالعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية 1989.

وقد انضم العراق وصادق على العديد من الاتفاقيات والمعاهدات المتعلقة بحقوق الإنسان وحرياته، والتي نذكر منها ما يأتي: –

-قانون رقم(35) لسنة 2007 انضمام العراق إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2004.
-قانون رقم (23) لسنة 2007 انضمام العراق للبرتوكولين الاختياريين الملحقين باتفاقية الطفل، القانون رقم(3) لسنة 2000 لتعديل الاتفاقية.
-قانون رقم (20) لسنة 2007 انضمام العراق إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود.
-قانون رقم(10) لسنة2001 تصديق اتفاقية العمل الدولية.
-قانون رقم (35) لسنة 2002 انضمام العراق إلى تعديل الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
6.قانون رقم(85) لسنة 2001 انضمام العراق إلى البرتوكول الأول الإضافي لاتفاقية جنيف لعام 1949.

-قانون1992 لسنة 1992 تصديق العراق على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966.
8.قانون تصديق العراق في 1992على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1962.

-قانون انضمام العراق إلى اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1992.
-قانون 1992 الانضمام إلى اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1946.
11.قانون رقم (66) لسنة 1968 تصديق اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979، النافذة عام 1981.

-قانون انضمام العراق لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب لعام 1984، والنافذة عام 1987. بموجب القانون رقم (30) لسنة 2008 المنشور في جريدة الوقائع العراقية العدد (4129) بتاريخ 13/ 7/2009
-قانون انضمام العراق للعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966.

14.قانون انضمام العراق لاتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 النافذة عام 1990.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.