دراسة حول التحكيم في المنازعات الإدارية غير التعاقدية في فرنسا ومصر والكويت

مقدمة

في مقدمته أشار الباحث أن المشرع المصري حسم الخلاف الذي ثار في القضاء والفقه بشأن مدى جواز اللجوء إلى التحكيم لحسم المنازعات الناشئة عن العقود الإدارية، بينما اختلف الوضع في فرنسا حيث حظر لجوء الدولة وغيرها من الأشخاص العامة إلى التحكيم إلا في الحالات التي يوجد فيها نص تشريعي يقضي بغير ذلك، بينما الوضع في الكويت يتأرجح بين الجواز والرفض.

أما المنازعات الإدارية في غير العقود فقد أشار الباحث إلى أنه بالرغم من عدم وجود نص صريح في الدول الثلاث يعتمد التحكيم كأداة لتسوية النزاعات في هذا الشأن إلا أنه يوجد هناك معيار عام يسري دون حاجة إلى نص قانوني، وبناءا على هذا المعيار فإن المنازعات التي يجوز اللجوء فيها للتحكيم هي تلك التي تتعلق بالحقوق المالية يجوز فيها الصلح والتصرف.

المبحث الأول: معيار المنازعات الإدارية التي تقبل التحكيم

أولا: مفهوم المنازعة الإدارية وصورها:

يقصد بالمنازعة الإدارية وفقا لما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا ” إجراءات الخصومة القضائية بين الفرد والإدارة، ويشترط لذلك: أولا: أن ترفع للمطالبة بحق من الحقوق المتعلقة بتسيير المرفق العام، ثانيا: أن يتضح فيها وجه السلطة العامة ومظهرها، ثالثا: أن يكون القانون العام هو الواجب التطبيق على المنازعة.

وتتخذ المنازعة الإدارية صورا متعددة يقسمها الفقه في فرنسا ومصر إلى نوعين أساسيين هما منازعات قضاء المشروعية، ومنازعات القضاء الشخصي.

ثانيا: معيار اللجوء للتحكيم على ضوء النصوص التشريعية:

يرى الباحث أنه باستقراء صور المنازعات التي تدخل في نطاق قضاء المشروعية وقضاء الحقوق فإن النوع الأول يستبعد من اللجوء للتحكيم، بينما يجوز في الحقوق الشخصية حيث يجوز فيها الصلح.

ثالثا: تطبيق معيار اللجوء للتحكيم على منازعات الأشخاص العامة:

يجوز التحكيم وفقا للضوابط الآتية:

1ـ أجاز قانون التحكيم في مصر والكويت للدولة وأشخاص القانون العام اللجوء للتحكيم، أما في القانون الفرنسي فما زال المبدأ هو الحظر عدا ما نص عليه صراحة.

2ـ أجاز المشرع المصري اللجوء للتحكيم في جميع المنازعات الناشئة عن علاقات قانونية ذات طابع اقتصادي، وهو ما يتفق مع نصوص القانون الكويتي.

3ـ ألا يتعارض ما ذكرناه من جواز اللجوء للتحكيم لحسم أية منازعة إدارية يكون موضوعها حقا ماليا قابلا للصلح والتصرف، وهو ما لا يتعارض مع نصوص القانون الكويتي.

نخلص من ذلك أن المنازعات التي يجوز التحكيم فيها من أمثلتها:

ـ المنازعات الخاصة بالتسويات المالية المتعلقة بمرتبات ومعاشات ومكافآت الموظفين العموميين

ـ التعويض عن الأضرار التي تصيب الأفراد نتيجة لنشاط الإدارة.

ـ منازعات الضرائب.

ـ أضاف القانون المصري منازعات العقود الإدارية.

المبحث الثاني: استبعاد المنازعات المتعلقة بالمشروعية من نطاق التحكيم

إن طبيعة قضاء المشروعية تتنافى مع إمكانية اللجوء إلى أسلوب التحكيم لحسم هذه المنازعات، وعلى رأس تلك المنازعات دعوى الإلغاء:

المطلب الأول: الطبيعة العينية لدعوى الإلغاء وخصائصها

هي دعوى تتعلق بالطعن على قرارات الإدارة وفقا للدستور المصري الذي لا يجيز تحصن أي قرار إداري، وذلك وفقا لتحقيق الشرعية.

المطلب الثاني: تناقض الطبيعة الاتفاقية للتحكيم مع طبيعة دعوى الإلغاء

لا يتفق التحكيم كوسيلة لحسم النزاع مع دعوى الإلغاء، فالتحكيم أساسه اتفاقي وهو ما يتناقض مع هذه الدعوى وقضاء المشروعية، وهو ما يتفق مع القانون المصري والكويتي.

المبحث الثالث: صور المنازعات الإدارية غير العقدية القابلة التحكيم

أولا: قابلية منازعات التسوية المالية لحقوق الموظفين للتحكيم:

إذ أنها عمل مادي تقوم به جهة الإدارة تنفيذا لقاعدة تشريعية أو لائحية، وهي لا تعد قرارا إداريا، ومن ثم يجوز فيها التحكيم، ومن أثلة ذلك المنازعة في مقدار الراتب، المطالبة بالمكافآت التشجيعية…

ثانيا: قابلية منازعات التعويض عن الأضرار الناتجة عن نشاط الإدارة للتحكيم:

فهذه الطلبات تهدف إلى حماية حق شخصي ذاتي حيث يجوز لصاحبه التنازل عنه أو التصالح فيه.

ولم تسنح الفرصة للقضاء الفرنسي والمصري لكي يقرر مدى جواز اللجوء للتحكيم لحسم المنازعات المتعلقة بطلبات التعويض عن الضرر الذي يصيب الأفراد من جراء النشاط القانوني والمادي لجهة الإدارة.

أما القضاء الكويتي فقد اتيح له الفرصة لكي يحدد موقفه من هذا الموضوع حيث قررت محكمة التمييز عدم جواز اللجوء للتحكيم لحسم المنازعات المتعلقة بالتعويض عن الضرر الناتج عن أنشطة الإدارة.

ثالثا: التحكيم في منازعات الضرائب والرسوم

وفقا للمعيار العام للمنازعات الإدارية من حيث قابلية المنازعة للصلح والتنازل، وهو ما ينطبق على منازعات الضرائب، وقد نظم القانون المصري بعض صور للتحكيم الإجباري في منازعات الضرائب والرسوم الناشئة عن تطبيق قانون الجمارك وضريبة المبيعات.

إلا أن المحكمة الدستورية العليا حكمت بعدم دستورية التحكيم الإجباري في هاتين الصورتين لعدم اتفاقه مع الدستور.

رابعا: التحكيم في منازعات الاستثمار والقطاع العام وسوق المال التي يتوافر فيها وصف المنازعات الإدارية:

أ ـ التحكيم في منازعات الاستثمار:

أجاز المشرع المصري حسم المنازعات التي تثور بصدد تنفيذ أحكام القانون فيما يتعلق بالاستثمار.

ب ـ التحكيم في المنازعات بين شركات قطاع الأعمال العام والأشخاص العامة:

أجاز المشرع أيضا اللجوء للتحكيم لحسم المنازعات التي تثور بين شركات قطاع الأعمال.

جـ ـ التحكيم في منازعات سوق المال:

وهي صورة من صور التحكيم الإجباري التي تم الطعن عليها أمام الدستورية التي قضت بعدم دستوريتها.

إلا أنه ليس معنى ذلك زوال نظام التحكيم الإجباري في المنازعات الناشئة عن تطبيق قانون سوق المال رقم 95 لسنة 1992، بل يسري على كل منازعة إدارية طالما قبلت الصلح والتنازل.

نتائج البحث وتوصيات الباحث:

يرى الباحث أنه لا يوجد مانع من الناحية الدستورية ولا من الناحية التشريعية يمنع من اللجوء للتحكيم لحسم صور عديدة من المنازعات الإدارية غير التعاقدية.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت