تنفيذ الأحكام البلجيكية المتعلقة بالأحوال الشخصية في المغرب

جمال الخمار
أستاذ باحث بالكلية متعددة التخصصات بتازة

مقدمة

الأحكام الصادرة عن المحاكم الأوربية لا يكون لها نفس الأثر في المغرب، لأن ممارسة القضاء بالتراب الوطني مظهر من مظاهر السيادة المغربية، وأنه لا يجوز لأي شخص أو سلطة كيفما كانت أن تقوم بها إلا بتفويض الملك الذي له صيانة حقوق و حريات المواطنين و الهيئات و الجماعات، وله تعيين القضاة و باسمه تصدر الأحكام و تنفذ[1].

وإذا كانت مدونة الأحوال الشخصية الملغاة لم تكن تتضمن أي مقتضى يتعلق بمسألة تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية، فإن مدونة الأسرة سمحت بتذييل الحكم الأجنبي الصادر بالطلاق أو بالتطليق، أو بالخلع أو بالفسخ بالصيغة التنفيذية متى كانت الأسباب المعتمدة عليها لا تتعارض مع الأحكام الواردة في المدونة طبقا لمقتضيات المادة 128 من مدونة الأسرة.

فماهي قواعد تذييل الأحكامالبلجيكية بالصيغة التنفيذية في مجال الأحوال الشخصية في المغرب ؟ وكيف طبق القضاء المغربي مقتضيات المادة 128 من مدونة الأسرة؟ والى أي حد تعامل مع النظام العام المغربي ؟

للإحاطة بهذه الإشكاليات وغيرها ارتأينا تناول هذا الموضوع على الشكل التالي:

المطلب الأول : تذييل الأحكامالبلجيكية بالصيغة التنفيذية في مجال الأحوال الشخصية
المطلب الثاني: موقف القضاء المغربي من تنفيذ الأحكام البلجيكية المتعلقة بالأحوال الشخصية

المطلب الاول: تذييل الأحكام البلجيكية بالصيغة التنفيذية في مجال الأحوال الشخصية

من خلال المادة 128 من مدونة الأسرة، فإنه يمكن القول أن هذه الأخيرة حصرت مجال التنفيذ وجعلته مقصورا فقط على الحكم الذي يصدر في الطلاق أو التطليق أو الفسخ أو الخلع بحيث لم تسمح بتذييل الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية في جميع الأحوال وكيفما كان الموضوع الذي بتت فيه[2]، فالمدونة إذن قد حددت على سبيل الحصر طبيعة الأحكام التي يمكن إعطاء الأمر بتنفيذها و المتمثلة في تلك التي قضت بإنهاء الزوجية ، ولذلك ذهب البعض[3] إلى أن هذا الحصر يؤدي بالنتيجة إلى استبعاد تنفيذ الحكم البلجيكي الصادر في غير المسائل المذكورة كما لو إذا كان الحكم المطلوب بتنفيذه قد قضى في دعوى الزوجية أو دعوى إثبات النسب أو في دعوى النفقة أو الحضانة وغيرها من الدعاوى.

غير أنه في الحقيقة حصر تذييل الأحكام الأجنبية في تلك المتعلقة بإنهاء الرابطة الزوجية، لا يعني استبعاد الأحكام الأخرى المتعلقة بالنظام الأسري، حيث إنها هي الأخرى تكون قابلة للتذيل بالصيغة التنفيذية مادامت لا تخالف النظام العام، كما إذا كان الحكم الأجنبي يتعلق بالحضانة أو النفقة أو غيرها من القضايا الأسرية.

ومن هذا المنطق، يتضح بأن نظرة المشرع المغربي للحكم الأجنبي تميزت بنوع من التوفيق بين اعتبارين أساسيين: الاعتبار الأول كون المشرع لم يعترف بالحكم الأجنبي بصورة مطلقة ولم ينزله منزلة الأحكام الوطنية، نظرا لارتباطها بمفهوم السيادة، والاعتبار الثانييتجلى في كون لم ينكر على الحكم الأجنبي كل قيمته القانونية إذ اعتبره حجة رسمية للإثبات أمام القضاء المغربي حتى قبل صيرورته واجب التنفيذ.[4]

إلا أنه من خلال المادة 128 من مدونة الأسرة ، يتضح أن القضاء المغربي لم يعد في إمكانه رفض طلب تذييل حكم بلجيكي متعلق بإنهاء الرابطة الزوجية بالصيغة التنفيذية، كما كان مكرسا في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، إذ كان يتم اعتبار النظام العام وقواعد مدونة الأحوال الشخصية السابقة شيء واحد، وبالتالي فإن المساس بالأول يعني عدم تطبيق الثانية، ذلك أن هذه القواعد آمرة لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، باعتبار أن مصدرها هو الشريعة الإسلامية[5]،والتي تعتبر من صميم النظام العام[6] وفي نفس الإطار صدر حكم عن ابتدائية الحسيمة[7] بتاريخ 28/12/1999 تم بموجبه رفض إعطاء الصيغة التنفيذية لحكم بلجيكي، وقد أسندت المحكمة المذكورة في تعليل موقفها إلى حيثية جاء فيها ما يلي: “حيث إن المحكمة المذكورة قضت بالطلاق بين الزوجين على أساس الإهانة الفظيعة فماذا يقصد بها في الحكم المذكور، فإن كان الضرر وفق أحكام القانون المغربي الفصل 156 من مدونة الأحوال الشخصية، فإنه لابد من سلوك مسطرة الصلح وتكرار الشكوى للضرر، وأن يكون هذا الضرر مما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالها وهو الأمر الذي لم يتطرق إليه الحكم المذكور”.

ومن الشروط التي اشترطتها المادة 128 من مدونة الأسرة وهو أن يكون الحكم الأجنبي قد اعتمد على سبب لا يتعارض مع الأسباب المقررة في المدونة لإنهاء العلاقة الزوجية ، وحسنا فعلت المدونة لأن الأسباب التي قررتها لإنهاء الرابطة الزوجية وإن كانت واردة على سبيل الحصر فإن مجالاتها يصعب حصرها ، فعلى سبيل المثال “التطليق لثبوت الشقاق بين الزوجين”، فالشقاق هو سبب منصوص عليه لتبرير مطالبة الزوجة أو الزوج بالتطليق غير أن مجاله يبقى واسعا وأن أنواعه يستحيل تعدادها لأنها تبقى مرتبطة بالحياة البشرية في المكان و الزمان ونفس الشيء يقال على العيب فهو تصور يبقى واردا من حيث التكوين البيولوجي أو الفيزيولوجي ويعود أمر تعيينه إلى أهل الاختصاص أو إلى المعتمد في العرف أو العادة[8].

 

كما أن المادة 128 من مدونة الأسرة نصت على ضرورة تحقق الاختصاص القضائي للمحكمة الأجنبية، وهو نفس الشرط الذي نص عليه المشرع المغربي في الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية[9].

وبالتالي فإن المشرع المغربي لا يعتد إلا بالطلاق القضائي صادر عن محكمة مختصة، إذ جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى ما يلي: “إن العلاقة الزوجية بين الطرفين انفصم عراها بطلاق توافقي تم الإشهاد به بالمركز الإسلامي بميلانو، ولذلك فإن وثيقة الطلاق صادرة عن جهة غير مختصة ولا يقرها القانون المغربي”[10].

كذلك يجب مراعاة استيفاء الشروط[11] المنصوص عليها في المادتين 430 و 431 من قانون المسطرة المدنية مما يثير بعض الإشكاليات بالنسبة للمغاربة المقيمين في بلجيكا في حالة عدم التقيد بالشروط الواردة في المادتين 430 و 431 من قانون المسطرة المدنية.

كما هو الشأن بالنسبة لحكم صادر عن محكمة الاستئناف بوجدة، والذي رفض تذييل حكم قضى بالطلاق عن ابتدائية لييج ببلجيكا على أساس” عدم الاختصاص المكاني لابتدائية وجدة ذلك أن مقتضيات الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية يعطي الاختصاص لموطن أو محل إقامة المدعي، أو لمكان التنفيذ عند عدم وجوده”[12].

وبالرجوع إلى الفصل 431 من قانون المسطرة المدنية تشترط من ضمن المستندات الواجب إرفاقها بطلب الحصول على الصيغة التنفيذية شهادة من كتابة الضبط للمحكمة المختصة تشهد بعدم التعرض و الاستئناف و النقض، مما يثير إشكالا يتعلق بالطلاق الإتفاقي، على أساس أن بلجيكا ترفض منح هذه الشهادة وإنما يكتفى فقط بمنح شهادة تفيد تسجيل الحكم المذكور بسجلات الحالة المدنية، وهو الأمر الذي قد يتخذه القاضي المغربي كسبب لعدم قبول تذييل الحكم بالصيغة التنفيذية ، فقد جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية ببوعرفة[13] ما يلي:” وحيث بالرجوع إلى الطلب موضوع النظر بالمحكمة سبق لها أن أنذرت نائب المدعية بإدلاء شهادة تفيد عدم الطعن فلم يستجب للإنذار فأسند النظر مما يكون معه الطلب مخالف لمقتضيات الفصلين 32 و 431 من قانون المسطرة المدنية ويبقى مآله عدم القبول”.

وعلى خلاف ذلك فإن محكمة الاستئناف بالحسيمة، اعتدت بقرينة بسيطة مفادها أن تسجيل الحكم بسجلات الحالة المدنية قرينة كافية للقول بصيرورة الحكم الأجنبي نهائيا، إذ جاء في قرار للمحكمة ما يلي” حيث إن المستأنفة تعزيزا لطلبها أدلت بشهادة تفيد تسجيل الحكم المذكور بسجلات الحالة المدنية كافية للقبول بصيرورة الحكم الأجنبي نهائيا، وبالتالي فإن الحكم المطلوب تذييله بالصيغة التنفيذية ليس فيه ما يخالف النظام العام المغربي بل الذي فيه مخالفة أكثر للنظام العام المذكور هو اعتبار الزوجة مطلقة في الخارج و متزوجة في المغرب”[14].

و الرأي فيما نعتقد أن ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف في هذا القرار كان صائبا وذلك لرفع المشقة على الجالية المغربية المقيمة في الخارج عموما وفي بلجيكا على الخصوص، فكيف يعقل أن يرفض تذييل حكم أجنبي قضى بالطلاق الاتفاقي بعلة عدم الإدلاء شهادة تفيد عدم الطعن، والطلاق الاتفاقي كما هو معلوم طلاق تم بإرادة الطرفين ومن ثم فهو يكتسب الصبغة النهائية بمجرد المصادقة عليه من طرف القضاء.

ومما تجدر الإشارة إليه أن عدم الإدلاء بأصل التبليغ طبقا لمقتضيات الفصل 431 من قانون المسطرة المدنية سيؤدي إلى عدم تذييل الحكم الأجنبي، فقد رفضت محكمة الاستئناف بالحسيمة تذييل حكم صادر عن ابتدائية بر وكسيل على أساس” حيث إن المستأنف عليه لم يدل بما يفيد أصل التبليغ مما يكون معه طلبه مخالف لمقتضيات الفصل 431 قانون المسطرة المدنية “[15].
غير أنه في قرار آخر من نفس المحكمة سمح بتذييل حكم صادر عن القضاء البلجيكي جاء فيه “حيث إن المحكمة وبعد إطلاعها على أوراق الملف ابتدائيا واستئنافيا وبعد دراستها لها للحكم المستأنف وعلله يتبين لها أن ما نعاه المستأنف ضده مؤسس ذلك أن هذا الأخير أدلى بالحكم الأجنبي وشهادة عدم الطعن فيه وتم تسجيل الطلاق الشيء الذي يعد قرينة على تبليغه للمطلقة على خلاف ما ذهب إليه الحكم و الاستجابة للطلب”[16].

ما يمكن ملاحظته من خلال هذين القرارين، أن هناك تضارب في المواقف داخل نفس المحكمة مما سينعكس سلبا على أوضاع الجالية المغربية القاطنة في بلجيكا، ولذلك وجب توحيد الاجتهاد القضائي، لأنه لا يعقل أن يرفض تذييل حكم أجنبي على أساس عدم الإدلاء بأصل التبليغ فقط، لأن المشرع المغربي نص في الفصل 431 من قانون المسطرة المدنية ” 2- أصل التبليغ أو كل وثيقة أخرى تقوم مقامه”، ولذلك فإن المشرع المغربي لم يحصر الأمر فقط في أصل التبليغ بحيث أعطى للمحكمة السلطة التقديرية بالاعتداد بكل وثيقة تفيد التبليغ.

المطلب الثاني: موقف القضاء المغربي من تنفيذ الأحكام البلجيكية المتعلقة بالأحوال الشخصية

إذا كانت المادة 128 من مدونة الأسرة تتضمن مقتضيات واضحة، من أجل أن يتعامل القضاء المغربي بمرونة مع النظام العام في الحالة التي يطلب فيه منه تذييل حكم أجنبي بالصيغة التنفيذية يتعلق بانحلال الرابطة الزوجية للمغاربة المقيمين ببلجيكا، غير أنه بالنظر إلى بعض الأحكام الصادرة عن القضاء المغربي، نجده يتشدد في التعامل مع مقتضيات المادة 128 من مدونة الأسرة الأمر الذي يمكن معه التمييز في العمل القضائي المغربي بين اتجاهين أساسيين:

فالاتجاه الأول: يتوخى التعامل بمرونة مع تنفيذ الأحكام البلجيكية، وهو ما يتضح من خلال العديد من الأحكام القضائية الصادرة في موضوع إنهاء الرابطة الزوجية إذ جاء في حكم صادر عن قسم قضاء الأسرة بالحسيمة منح فيه الصيغة التنفيذية لحكم صادر في المحكمة الابتدائية ببر وكسيل ما يلي: “وحيث إن السبب الوارد بالحكم الأجنبي القــاضي بالطلاق وهو استحالة المعاشرة الزوجية لا يعارض في شيء النظام العام المغربي”[17].

كما قضى حكم آخر من نفس المحكمة بمنح الصيغة التنفيذية لحكم صادر عن محكمة دنبوس ببلجيكا مما جاء فيه: “وحيث إن السبب الوارد بالحكم الأجنبي القاضي هو الشقاق بين الزوجين لا يعارض في شيء النظام العام المغربي”[18].

و هناك حكم آخر صادر عن قسم قضاء الأسرة بالحسيمة أيضا والذي أعطى الصيغة التنفيذية لحكم وارد عن المحكمة الابتدائية بأنتروب البلجيكية مما جاء فيه: “وحيث إن السبب الوارد بالحكم الأجنبي القاضي بالطلاق و هو خيانة الزوجة لزوجها لا يعارض في شيء النظام العام المغربي”[19].

وفي حكم آخر صادر عن المحكمة الابتدائية ببوعرفة، قضى بمنح الصيغة التنفيذية لحكم صادر عن المحكمة الابتدائية ببر وكسيل جاء فيه “وحيث إن السبب الذي بنى عليه التطليق وفقا لما جاء في الحكم موضوع الطلب والذي هو خطأ الزوج يعتبر من بين الأسباب المبررة لإنهاء العلاقة الزوجية طبقا للمادة 99 وما بعدها من مدونة الأسرة ولا يتنافى تبعا لذلك مع النظام العام المغربي”[20].

كما قضت محكمة الاستئناف بالحسيمة بمنح الصيغة التنفيذية لحكم صادر عن المحكمة الابتدائية بمدينة فرفيي ببلجيكا جاء فيه: “وحيث إنه باستقراء وقائع وحيثيات الحكم المطلوب تذييله بالصيغة التنفيذية يتضح أنه قضى بالطلاق بسبب افتراق الزوجين لمدة تزيد عن السنتين وهذا النوع من الطلاق لا يقع إلا تحت التطليق للشقاق ولا يتعارض مع النظام العام المغربي وأحكام مدونة الأسرة وخاصة المادة 94 من مدونة الأسرة”[21].

فمن خلال هذه الأحكام يتضح أن القضاء المغربي قد استوعب أهمية التعديلات التي جاءت بها مدونة الأسرة والرامية إلى تبسيط المسطرة على الجالية المغربية ببلجيكا و التخفيف من حدة المشاكل التي كانت تعاني منها على مستوى روابطها الأسرية في حالة بقاء الأحكام الصادرة في حقها بالخارج بدون تنفيذ بالمغرب خصوصا تلك المتعلقة بإنهاء العلاقة الزوجية مع ما كان يعنيه ذلك من بقاء الزوجة مطلقة في دولة الإقامة و متزوجة بالمغرب بل يمكن متابعتها جنائيا بجريمة الخيانة الزوجية في حالة إبرامها عقد زواج ثاني .

غير أنه في قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط[22] منح فيه الصيغة التنفيذية لحكم صادر عن المحكمة الابتدائية ببر وكسيل، جاء فيه “وبصرف النظر عما إذا كان الحكم الذي قضى بالطلاق الصادر عن المحكمة الأجنبية مطابقا أو مخالفا للنظام العام، فإن العلاقة الزوجية بين الطرفين كانت باطلة ويكون تذييل الحكم الأجنبي المذكور بالصيغة التنفيذية مجرد تحصيل حاصل، ويكون بالتالي الاستجابة لطلب المستأنفة لا يتعلق به أي مساس بالنظام العام المغربي مما يكون معه الحكم المستأنف غير مؤسس وينبغي تبعا لذلك إلغاؤه وبعد التصدي في شكل الحكم بقبول الدعوى لاستيفائها جميع الشروط الشكلية، وفي موضوع التصريح بتذييل الحكم الأجنبي المشار إليه أعلاه بالصيغة التنفيذية”.

من خلال هذا القرار يتضح أن محكمة الاستئناف بالرباط، منحت الصيغة التنفيذية رغم أن الحكم الأجنبي مخالف للنظام العام لأن الأمر يتعلق بزواج مغربية مسلمة بغير مسلم[23] بدعوى أن تذييل الحكم الأجنبي المذكور مجرد تحصيل حاصل.

والرأي فيما أعتقد أن هذا القرار لم يكن على صواب، لأن هذا الحكم البلجيكي[24] مخالف لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية، التي تنص على أنه ” يجب على المحكمة التي يقدم إليها الطلب أن تتأكد من صحة الحكم واختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرته وأن تتحقق أيضا من عدم مساس أي محتوى من محتوياته بالنظام العام المغربي”.

ولذلك كان على المحكمة أن ترفض تذييل هذا الحكم الأجنبي لمخالفته الصريحة للنظام العام، لأن بتذييل هذا الحكم بالصيغة التنفيذية يفهم منه أن المحكمة تعترف بالعلاقة الزوجية الرابطة بين الطرفين الباطلة أصلا طبقا لمقتضيات المادة 57 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه “يكون الزواج باطلا: 2- إذا وجد بين الزوجين أحد موانع الزواج المنصوص عليها في المواد35 إلى 39 أعلاه”.

أما الاتجاه الثاني نجده يتمسك بفكرة النظام العام كذريعة لرفض تذييل الحكم البلجيكي بالصيغة التنفيذية ومن ذلك الحكم الصادر عن قسم قضاء الأسرة بطنجة[25]، حيث تم رفض تذييل حكم صادر عن ابتدائية بر وكسيل بالصيغة التنفيذية بدعوى أن الزواج المبرم بين المدعي و المدعى عليه غير مطابق للقانون المغربي ومخالف للنظام العام حيث جاء في هذا الحكم ما يلي: “…فوثيقة الزواج و إن كانت تنص على الإيجاب و القبول فإنها لا تنص على الصداق ولا على إشهاد عدلين، وعليه فالزواج غير مطابق للنظام العام المغربي مما يكون معه طلب المدعي غير مؤسس ويتعين التصريح برفضه”.

الرأي فيما أعتقد، أن عقد الزواج وإن لم ينص على الصداق، فإنه كان على المحكمة اعتباره زواجا صحيحا غير مخالف للنظام العام المغربي باعتباره زواج تفويض[26]، أما بالنسبة لإشهاد عدلين، فبالرجوع إلى مقتضيات المادة 14 من مدونة الأسرة والتي نصت فقط على حضور شاهدين مسلمين وليس شاهدين عدلين كما استندت عليه المحكمة[27].

وفي حكم صادر عن محكمة الاستئناف بالناظور[28] رفضت فيه تذييل حكم صادر عن القضاء البلجيكي، مما جاء فيه “حيث إن ما اعتمده الحكم الأجنبي كسبب لفسخ عقد الزواج الذي هو أن المستأنف لم يعقد الزواج بنية إنشاء أسرة بل كان هدفه الوحيد هو توفير شروط إقامته واستقراره ببلجيكا لم ينص عليه المشرع المغربي ضمن الأسباب المبررة للتطليق أو الفسخ أو الطلاق سواء في مدونة الأحوال الشخصية أو مدونة الأسرة وهو ما يخالف الفقرة الثانية من المادة 128 من مدونة الأسرة وبالتالي مخالفته للنظام العام المغربي فكان مآله الرفض و إلغاء الحكم الابتدائي”.

الرأي فيما نعتقد أن المحكمة لم تكن على صواب، حيث إن ما اشترطه المشرع المغربي في المادة 128 من مدونة الأسرة أن تكون الأسباب المعتمدة في الحكم الأجنبي ليست بالضرورة نفسها الأسباب الواردة في المدونة وإنما يكفي أن تكون غير متعارضة معها، والفسخ من أجل أن الزواج لم يعقد بنية إنشاء أسرة لا يخالف النظام العام في شيء، و إنما يجد ما يمثله في مدونة الأسرة وخاصة أن هذا الزواج اقترن بالإكراه والتدليس، لأن الزواج تم بغرض الحصول على شروط الإقامة والاستقرار ببلجيكا فيه نوع من التدليس والمادة 63 من مدونة الأسرة نصت على أنه” يمكن للمكره أو المدلس عليه من الزوجين بوقائع كان التدليس بها هو الدافع إلى قبول الزواج أو اشترطها صراحة في العقد، أن يطلب فسخ الزواج قبل البناء وبعده خلال أجل لا يتعدى شهرين من يوم زوال الإكراه، ومن تاريخ العلم بالتدليس مع حقه في طلب التعويض”.

خلاصة

نستشف من خلال هذه الأحكام مدى التشدد الذي يطبع موقف هذا التوجه القضائي في استعمال الدفع بالنظام العام ، حيث ذهب المجلس الأعلى في أحد قراراته[29] ” على أن السبب الذي اعتمده الحكم الأجنبي للحكم بالتطليق هو الافتكاك المزمن للأواصر الزوجية لا يدخل ضمن أحد الأسباب المبررة للتطليق في القانون المغربي وبالتالي يكون الحكم المذكور مخالفا للنظام العام المغربي كما أن رفع دعوى التطليق أمام القضاء الأجنبي موضوع الحكم وفق الطلب الصادر بقصد التهرب من تنفيذ الحكم الصادر عليها في المغرب وذلك مخالف للنظام العام المغربي الذي يعتبر حجية الشيء المحكوم به قاعدة أساسية تقوم عليها سيادة الدولة ويجب إعمالها”.

وعلى هذا الأساس نتساءل عن مصير هذه الزوجة المطلقة في الخارج والمتزوجة في المغرب، علما أن مدونة الأسرة جاءت لتجاوز المشاكل التي يعاني منها المغاربة المقيمين بالخارج بسبب عدم تنفيذ الأحكام الصادرة في حقهم بالخارج وليس لتكريسها؟!

الهوامش
-[1]الطيب برادة: التنفيذ الجبري في التشريع المغربي بين النظرية و التطبيق، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الدار البيضاء ، السنة الجامعية 1987 ( دون ذكر السنة الجامعية مزدوجة ) ، ص : 189.
-[2]فارسي يعيش: الآثار القانونية للزواج المختلط في موضوع القانون المغربي و المقارن، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة القاضي عياض كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية مراكش، السنة الجامعية 2003/2004، ص: 311 .
-[3]نجيب شوقي: الأحكام القانونية الجديدة المتعلقة بتنفيذ الحكم الأجنبي وفق قواعد مدونة الأسرة، أشغال الندوة الوطنية المنعقدة بكلية الحقوق بوجدة يومي 17و18 فبراير 2005، منشورات مجموعة البحث في القانون و الأسرة سلسلة الندوات العدد الأول ، ص: 260.
[4]- نجيب شوقي، م.س، ص 255.

[5] – تراجع الاجتهاد القضائي في إقامة التلازم المتجاوز فيه بين الإسلام والنظام العام، حيث جاء في إحدى قرارات محكمة الاستئناف بالرباط ” إن مقتضيات الفصول 430 وما يليها من قانون المسطرة المدنية متوفرة ، وأن المشرع قصد بتذييل الأحكام الأجنبية كل حكم صدر عن دولة أجنبية سواء كانت هذه الدولة مسلمة أو مسيحية أو يهودية الديانة ، وبطبيعة الحال فإن قضاة بلجيكا مبدئيا لا يشترط فيهم الإسلام لتولي القضاء ، وبالتالي فإن مناط قبول طلب تذييل الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية ليس لدين من أصدر الحكم ، وإنما لتوفر هذا الحكم على شروط قبوله وعدم مساسه بثوابت دين الدولة والإسلام وكذا بنظامها العام حسب قواعده المتعارف عليها”.
– قرار رقم 171 في الملف 165/2003/10 بتاريخ 19/10/2004 ، أورده جهاد أكرم : تنفيذ الأحكام الأجنبية المتعلقة بالأحوال الشخصية في القانون الدولي الخاص المغربي ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ، جامعة محمد الخامس ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط ، وحدة التكوين والبحث في القانون المدني المعمق ، السنة الجامعية 2005/2006، ص : 87.

-[6]حكم صادر عن ابتدائية الناظور، ملف رقم 1208/97 ، بتاريخ 6/4/1998 (دون ذكر رقم الحكم) ، أورده جمال الطاهري: النظام العام كقيد على فاعلية الأحكام القضائية الأجنبية بانحلال الزواج المختلط، المجلة المغربية للدراسات الدوليةـ، أعمال الندوة الدولية أيام 13 و14 ر15 مارس 2002 بعنوان الزواج المختلط في العلاقات الأورو- مغاربية، عدد خاص- أكتوبر 2003، ص: 94.

-عبد المجيد غميجة: موقف المجلس الأعلى من ثنائية القانون و الفقه في مسائل الأحوال الشخصية، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية الرباط ، السنة الجامعية 1999-2000، ص: 390.

[7] – حكم أورده ، موحى و الحسن ميموني: وضعية الأسرة المغربية في ضوء تطورات ضوابط الإسناد، مجلة الملف العدد 4/شتنبر 2004، ص: 116
– [8]نجيب شوقي: م.س، ص: 264.
-[9]تنص الفقرة الثانية من الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية على أنه ” يجب على المحكمة التي يقدم إليها الطلب أن تتأكد من صحة الحكم و اختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرته”.

[10] – قرار صادر عن المجلس الأعلى، عدد 459 المؤرخ في 12/10/2005 ملف شرعي عدد 633/2/1/2004 (غير منشور).
[11]- أستاذنا سفيان ادريوش: كيف نقرأ مقتضيات تنفيذ الأحكام الأجنبية على ضوء المادة 128 من مدونة الأسرة، أشغال الندوة الوطنية المنعقدة بكلية الحقوق بوجدة يومي 17-18 فبراير 2005، منشورات مجموعة البحث في القانون والاسرة، سلسلة الندوات العدد 1، ص 219.

[12]- قرار صادر عن محكمة الاستئناف بوجدة ، رقم 238 بتاريخ 28/12/2005 ملف رقم 23/06 (غير منشور).
[13] – حكم صادر عن ابتدائية بوعرفة ، رقم 2000 بتاريخ 12/ 5/ 2005 ملف رقم 101 /2005 ( غير منشور ).
[14] – قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالحسيمة، رقم 09 صدر بتاريخ 13/01/2006 ملف رقم 600-6/2005 (غير منشور).
[15] – قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالحسيمة، رقم 960 صدر بتاريخ 24/08/2005 ملف رقم 405-07/05 (غير منشور).
[16] – قرار رقم 226 صدر بتاريخ 9/6/2006 ملف 180/2006 (غير منشور).
[17] – حكم صادر عن قسم قضاء الأسرة بالحسيمة، عدد 158/2007، ملف عدد 841/2006، الصادر بتاريخ 01/03/2007 ، (غير منشور).

وفي نفس الإطار جاء في حكم صادر عن قسم قضاء الأسرة بوجدة منح فيه الصيغة التنفيذية لحكم صادر عن السلطات القضائية بأوسلووكارسهرس (النرويج) ما يلي: “وحيث اتضح للمحكمة بعد إطلاعها على ترجمة الحكم المراد تذييله بالصيغة التنفيذية أنه قضى بالطلاق بين طرفيه تأسيسا على استحالة المعاشرة الزوجية بينهما”.

– حكم رقم 2464 ملف رقم 902/07 بتاريخ 28/05/2007 (غير منشور).
-[18]حكم صادر عن قسم قضاء الأسرة بالحسيمة، رقم 115 ملف رقم 606/06 بتاريخ 25/02/2007( غير منشور).

كما صدرت أحكام أخرى من نفس المحكمة قضت بتذيل أحكام بلجيكية لعلة الشقاق بين الزوجين، حيث تم تذييل حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بأنتروب جاء فيه “وحيث إن الوارد بالحكم الأجنبي القاضي بالطلاق وهو الشقاق بين الزوجين لا يعارض في شيء النظام العام المغربي”.

– حكم عدد 21 ملف رقم 750/06 بتاريخ 182/01/2007 (غير منشور).
– [19]حكم عدد 216 ملف رقم 12/07 الصادر بتاريخ 22/03/2007 (غير منشور).
[20] – حكم رقم 61 ملف رقم 227/09 الصادر بتاريخ 05/04/2006 (غير منشور).

-[21]قرار رقم 722 ملف رقم 639-7/206 بتاريخ 26/12/2006 (غير منشور).
وفي نفس الإطار صدر حكم عن قسم قضاء الأسرة بالحسيمة قضى بتذييل حكم صادر عن المحكمة الابتدائية ببروكسيل مما جاء فيه “وحيث إن السبب الوارد بالحكم الأجنبي القاضي بالطلاق هو افتراق الزوجين لأكثر من سنتين لا يعارض في شيء النظام العام المغربي”.
– حكم عدد 162 ملف رقم 94/07 تاريخه 1/3/2007 (غير منشور).
[22] – قرار عدد 106 ملف عدد 30/200610 صادر بتاريخ 17/04/2006 ، مجلة قضاء الأسرة، العدد الثالث ، دجنبر 2006، ص: 128.
[23] – تنص المادة 39 من مدونة الأسرة على أنه من ” موانع الزواج المؤقتة هي : 4- زواج المسلمة بغير المسلم”.
[24]- جاء في حكم صادر عن قسم قضاء الأسرة بالحسيمة ما يلي: “وحيث تبين للمحكمة من خلال إطلاعها على وثائق الملف أن المدعية قد أبرمت عقد الزواج بأجنبي غير مسلم مما يعد ذلك من الموانع المؤقتة لعقد الزواج وبالتالي تجعل عقد الزواج المدني الرابط بين المدعية والسيد الذي لم يثبت كونه مسلما عقدا باطلا”.

– حكم عدد 156 ملف عدد 837/2006 بتاريخ 1/03/2007 (غير منشور).
[25] – حكم صادر عن قسم قضاء الأسرة بطنجة، رقم 61/03 بتاريخ 29/07/2004 في الملف رقم 04398 (غير منشور).
[26] – تنص الفقرة الأولى من المادة 27 من مدونة الأسرة على أنه ” يحدد الصداق وقت إبرام العقد، وفي حالة السكوت عن تحديده يعتبر العقد زواج تفويض”.

-[27]يجب التنويه بقرار صادر في محكمة الاستئناف بالحسيمة قضى بتذييل حكم صادر عن المحكمة الابتدائية ببروكسيل بحيث لم يستند على مقتضيات المادتين 14و15 من مدونة الأسرة لمراقبة تذييل أو عدم تذييل الحكم وإنما اكتفى بالشروط المنصوص عليها في مقتضيات الفصول 430-431-432 من قانون المسطرة المدنيةمما جاء فيه: “حيث يتضح من الإطلاع على الحكم الأجنبي المراد تذييله بالصيغة التنفيذية أنه قضى بالطلاق بين الطرفين ارتبطا بزواج أجنبي وقد وردت مقتضيات المادة 128/2 من مدونة الأسرة مسوغة لقابلية تنفيذ عقود إنهاء الزواج المبرمة بالخارج أمام الضباط و الموظفين العموميين المختصين بعد استيفاء الإجراءات القانونية المنصوص عليها في مقتضيات الفصول 430-431-432 من قانون المسطرة المدنيةونصت في الفقرة الأولى من نفس المادة على أن الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية بالطلاق أو بالتطليق أو بالخلع أو بالفسخ تكون قابلة للتنفيذ إذ أصدرت عن محكمة مختصة ولا تتنافى مع أحكام المدونة ، وحيث إن الحكم الأجنبي المشار إليه صدر عن محكمة مختصة و أسس على هجر الزوج لزوجته وهو سبب ليس فيه ما يخالف النظام العام المغربي، كما أنه على خلاف ما دفعت به الجهة المستأنفة فإن الشروط المنصوص عليها في المادتين 14و15 من مدونة الأسرة هي شروط صحة العقد أما وأن العلاقة الزوجية قد انفصمت بمقتضى الحكم الأجنبي فإنه لتنفيذ هذا العقد تراعي فقط مقتضيات قانون المسطرة المدنية المشار إليها سابقا ولا مجال للتمسك بالمادتين 14و15 من المدونة”.
-قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالحسيمة، رقم 868 صدر بتاريخ 08/11/2005 ملف رقم 414/07/2005 (غير منشور).
[28] – قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالناظور، عدد 339 ملف عدد 303/04 الصادر بتاريخ 7/6/2005( غير منشور).
-[29]قرار صادر عن المجلس الأعلى ،عدد 592 المؤرخ في 18/10/2006 ملف شرعي 157/2/1/2006 (غير منشور).