حكم تمييز (حيازة مادة مخدرة (هيروين) وكان ذلك بقصد الاتجار

محكمة التمييز
الدائرة الجزائية
جلسة 25/ 10/ 2005
برئاسة السيد المستشار/ كاظم محمد المزيدي – رئيس الجلسة، وعضوية السادة المستشارين/ محمود دياب ومجدي أبو العلا وجاب الله محمد جاب الله وعلي الصادق عثمان.
(19)
الطعن رقم 142/ 2005 جزائي
1 – إثبات (شهود) – مواد مخدرة – قصد جنائي – محكمة الموضوع (سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي) – تمييز (أسباب الطعن – سبب قائم على جدل موضوعي).
– إحراز وحيازة المخدر بقصد الاتجار – واقعة مادية – تقديرها موضوعي – ما دام سائغًا.
– وزن أقوال الشاهد والتعويل عليها – موضوعي – مصادرة المحكمة في عقيدتها أو المجادلة في تقديرها لأقوال الشاهد – غير جائز أمام التمييز – مثال.
2 – إثبات (اعتراف) – محكمة الموضوع (سلطتها في تقدير الاعتراف) – دفاع (الإخلال بحق الدفاع – ما لا يوفره) – إكراه – دفع (الدفع ببطلان الاعتراف للإكراه) – شرطه – حكم (تسبيب غير معيب).
– الاعتراف في المسائل الجزائية من عناصر الاستدلال – تقدير صحته وقيمته في الإثبات – لمحكمة الموضوع – لها الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق متى اطمأنت إليه وإن عدل عنه بعد ذلك.
– الدفع ببطلان الاعتراف – جوهري – وجوب أن تعرض له المحكمة إيرادًا وردًا – متى عولت عليه في الإدانة – علة ذلك.
– مجرد الخشية من رجال الشرطة – لا يعد قرين الإكراه المبطل للاعتراف – مثال لتسبيب سائغ لإطراح الدفع ببطلان الاعتراف للإكراه.
3 – إجراءات المحاكمة – إجراءات التحقيق – تمييز (ما لا يصلح سببًا للطعن).
– الاستعانة بمترجم يكون في إجراءات المحاكمة دون إجراءات التحقيق السابقة عليها.
– تعييب إجراء جرى في مرحلة سابقة على المحاكمة – لا يصح أن يكون سببًا للطعن على الحكم – مثال.
4 – استئناف – محكمة الاستئناف – إجراءات المحاكمة – تمييز (سبب غير مقبول) – إثبات (إجراءاته).
– محكمة الاستئناف تفصل في الدعوى على مقتضى الأوراق – عدم التزامها بإجراء تحقيق فيها – لها سماع الشهود واستجواب المتهم متى رأت لزومًا لذلك – التفاتها عن طلبات التحقيق وضم دفتر الأحوال ومناقشة أفراد القوة المبداة أمامها لأول مرة – لا عيب – النعي في هذا الشأن – غير مقبول.
5 – اتفاقيات ومعاهدات – قانون (القانون الأصلح) – محكمة دستورية – تمييز (التمييز الجزئي) – تهريب جمركي – محكمة التمييز (سلطتها).
– القضاء بعدم دستورية نص البند (12) من المادة (143) من القانون 10/ 2003 بشأن قانون الجمارك الموحد لدول مجلس التعاون الخليجي فيما تضمنه من أن نقل أو حيازة البضائع الممنوعة أو المقيدة دون تقديم الناقل أو الحائز لها إثباتات تؤيد استيرادها بصورة نظامية يعتبر في حكم التهريب – مقتضاه – زوال صفة التأثيم عن تلك الأفعال – مما يعد قانونًا أصلح للمتهم ما دامت الدعوى قائمة لم يفصل فيها بحكم بات – أثر ذلك: تمييز الحكم جزئيًا وبراءة الطاعن من تهمة التهريب الجمركي.
1 – من المقرر أن إحراز وحيازة المخدر بقصد الاتجار واقعة مادية يستقل قاضي الموضوع بالفصل فيها، ما دام استخلاصه سائغًا تؤدي إليه ظروف الواقعة وأدلتها وقرائن الأحوال فيها، وأن وزن أقوال الشاهد وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات مرجعه إلى القاضي ذاته ينزله المنزلة التي يراها ويقدره التقدير الذي يطمئن إليه بغير معقب، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى ثبوت الاتهام في حق الطاعن: (من واقع ما قرره ضابط المباحث من أن تحرياته أفادت باتجار المتهم في المواد المخدرة وبعد حصوله على إذن النيابة، شاهد واقعة بيع المتهم للمخدر لمصدره السري، وعثوره على نقود المباحث مع المتهم، والمخدر المباع مع المصدر، وعثوره على باقي المضبوطات بمسكن المتهم واعترافه بحيازتها للاتجار, وقد تأيد الدليل المستند من أقواله باعتراف المتهم بالتحقيقات بحيازته لمخدر الهيروين وقيامه بتجزئته إلى كميات وتوزيعها وفق ما يقرره له قريب له بالسجن هاتفيًا، وذلك لقاء راتب شهري، كما تعزز الدليل أيضًا بما تبين من تقرير التحليل من أن المضبوطات لمخدر الهيروين) ثم استطرد الحكم إلى أنه (قد ثبت قصد الاتجار لدى المتهم مما ورد بالتحريات وأقوال ضابط الواقعة واعتراف المتهم له ثم اعترافاته التفصيلية بالتحقيقات). وإذ كان هذا الذي ساقته المحكمة وبررت به اقتناعها بتوافر قصد الاتجار لدى الطاعن سائغًا، وفيه الرد الضمني على دفاعه بنفيه، فلا يجوز مصادرتها في عقيدتها، ولا المجادلة في تقديرها لأقوال الشاهد أمام محكمة التمييز.
2 – من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجزائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها أن تأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة والواقع وإن عدل عنه بعد ذلك, وكان الدفع ببطلان الاعتراف لصدوره تحت تأثير الإكراه, ولئن كان – بحسب الأصل – من أوجه الدفاع الجوهرية مما يجب على المحكمة مناقشته والرد عليه متى كانت قد عولت على هذا الاعتراف في حكمها بالإدانة، إلا أنه لما كان يشترط في الدفاع الجوهري كيما تلتزم المحكمة بالتعرض له والرد عليه أن يكون مع جوهريته جديًا يشهد له الواقع ويسانده، فإذا كان عاريًا عن دليله وكان الواقع يدحضه, فإن المحكمة تكون في حل من الالتفات إليه، دون أن يعتبر سكوتها عن تناوله بالرد إخلال بحق الدفاع ولا قصور في حكمها، وإذ كان البين من الأوراق أن الطاعن لم يدفع ببطلان اعترافه – لصدوره وليد إكراه – أمام محكمة أول درجة، ثم اقتصرت مرافعة محاميه الشفوية – في محضر جلسة المرافعة التي حجزت فيها محكمة الاستئناف الدعوى للحكم – على تعييب ذلك الاعتراف بأنه كان (متذبذبًا)، فإن ما أثاره في مذكرة دفاعه المعدة سلفًا والمقدمة بالجلسة ذاتها، في عبارة عامة مرسلة بغير دليل ما يساندها، من أن هذا الاعتراف يغلب أن يكون قد صدر من المتهم وهو تحت وطأة الإكراه من رجال المباحث إضافة إلى خشيته منهم، يعد – فضلاً عن عدم جديته – عاريًا عن دليله – في شقه الأول، وغير صحيح في شقه الثاني، لما هو مقرر من أن مجرد الخشية من رجال الشرطة لا تعد قرين الإكراه المبطل للاعتراف، ومن ثم فلا على الحكم المطعون فيه إذ التفت عن الدفاع المتقدم، ولم يتناوله بالرد.
3 – مؤدى ما نصت عليه المادة 170/ 2 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية أن الاستعانة بمترجم – عند عدم إلمام المتهم أو الشاهد باللغة العربية – إنما يكون في نطاق إجراءات المحاكمة, دون إجراءات التحقيق السابقة عليها، وكان الحكم المطعون فيه قد أطرح دفع الطاعن ببطلان استجوابه – لاستعانة النيابة العامة بمترجم يجهل اللغة الإنجليزية – بقوله: (إن الثابت من أقوال المتهم بالتحقيقات وإجاباته التفصيلية على الأسئلة الموجهة إليه أنه كان يستوعب ما يوجه إليه وهو ما ينأى بمحاضر التحقيق عن شبهة البطلان) وهو ما يسوغ به الرد على الدفع، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص، فضلاً عن أنه غير قويم، لا يعدو تعييبًا لإجراء جرى في مرحلة سابقة على المحاكمة، لا يصح أن يكون سببًا للطعن على الحكم.
4 – من المقرر أن المحكمة الاستئنافية إنما تفصل في الدعوى على مقتضى الأوراق ولا تلتزم – بحسب الأصل – بإجراء تحقيق فيها، وقد ترك المشرع أمر سماع الشهود واستجواب المتهم جوازيًا لها، حسبما تتكشفه من الأوراق وما ترى هي من جانبها لزومًا له، وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن لم يتمسك أمام محكمة أول درجة بطلبات التحقيق – المبينة في وجه النعي -، كما وأنه بعد إثباته طلبي ضم دفتر الأحوال ومناقشة أفراد القوة, في محضر جلسة حجز الاستئناف للحكم، فوض الأمر في شأنهما للمحكمة, فإنه لا عليها إذ التفت عن تلك الطلبات والتي أبداها الطاعن لأول مرة أمامها، ويكون نعيه على الحكم في هذا الخصوص غير مقبول.
5 – إذ كانت المحكمة الدستورية قد قضت في حكمها الصادر بتاريخ 22/ 6/ 2005 في الطعن رقم 2 لسنة 2005 دستوري والمنشور بتاريخ 3/ 7/ 2005 بعدم دستورية نص البند (12) من المادة (143) من قانون الجمارك الموحد لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الصادرة بالقانون رقم (10) لسنة 2003 فيما تضمنه من أن نقل أو حيازة البضائع الممنوعة أو المقيدة دون تقديم الناقل أو الحائز لها إثباتات تؤيد استيرادها بصورة نظامية يعتبر في حكم التهريب، وكان من المقرر وفقًا لنص الفقرة الأخيرة من المادة (173) من الدستور الكويتي والمادة السادسة من القانون رقم (14) لسنة 1973 بإنشاء المحكمة الدستورية أنه إذا قضى بعدم دستورية قانون أو لائحة فإنه يعتبر كأن لم يكن، ومن ثم فإنه بصدور الحكم المار بيانه يكون قد زالت عن الأفعال المذكورة في النص المشار إليه – المقضي بعدم دستوريته – صفة التأثيم. لما كان ذلك، وكانت النيابة العامة قد نسبت للطاعن في التهمة الثانية قيامه بالتهريب الجمركي الحكمي بأن حاز مخدر الهيروين – موضوع التهمة الأولى – دون أن يقدم ما يثبت استيراده بصورة نظامية، استنادًا إلى نص البند (12) من المادة (143) سالفة الذكر, وقد دانه الحكم المطعون فيه عن هذه الجريمة على هذا الأساس، وبصدور حكم المحكمة الدستورية المنوه عنه سلفًا بتاريخ 22/ 6/ 2005 وزوال صفة التأثيم عن هذا الفعل بعد صدور الحكم المطعون فيه بتاريخ 19/ 2/ 2005، وقبل أن يفصل في الطعن بالتمييز المرفوع منه، يتحقق به معنى النص الأصلح للطاعن واجب التطبيق عملاً بالفقرة الأولى من المادة (15) من قانون الجزاء، ومن ثم فإن هذه المحكمة – محكمة التمييز – وإعمالاً لحكم الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة من القانون رقم (40) لسنة 1972 بشأن حالات الطعن بالتمييز وإجراءاته تقضي بتمييز الحكم المطعون فيه تمييزًا جزئيًا وتصحيحه بإلغاء ما قضي به من إدانة الطاعن عن تهمة التهريب الجمركي الحكمي وببراءته منها.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن لأنه في يوم 29/ 7/ 2004 بدائرة مخفر شرطة المباحث الجنائية – محافظة العاصمة: 1 – حاز مادة مخدرة (هيروين) وكان ذلك بقصد الاتجار في غير الأحوال المرخص بها قانونا. 2 – هرب حكمًا البضاعة الممنوعة سالفة البيان بأن حازها دون أن يقدم ما يثبت استيرادها بصورة نظامية. وطلبت عقابه بالمواد (1)، (2)، (10)، (31 مكرر (د))، (32/ 1 ( أ ))، (32 مكرر/ 1) من القانون رقم (74) لسنة 1983 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والتجار فيها المعدل بالقانون رقم (13) لسنة 1995 والبند رقم (43) من الجدل رقم (1) المحلق بالقانون الأول، والمواد (1)، (2/ 26 – 27)، (4)، (16)، (80/ 5، 7)، 134/ 12، 144/ 4، (145/ 4 – 5)، (150) من القانون رقم (10) لسنة 2003 بإصدار قانون الجمارك الموحد لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية, حكمت محكمة الجنايات – حضوريًا – بحبس المتهم حبسًا مؤبدًا وتغريمه عشرة آلاف دينار كويتي وبمصادرة المضبوطات – الأدوات والمواد المخدرة – وإبعاده عن البلاد بعد تنفيذ مدة العقوبة. استأنفت المتهم، ومحكمة الاستئناف قضت بتاريخ 19/ 2/ 2005 بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف باستبعاد عقوبة الغرامة المقضى بها وبتأييده فيما عدا ذلك. طعن المحكوم عليه في الحكم المتقدم بطريق التمييز.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي حيازة مخدر الهيروين بقصد الاتجار وتهريبه جمركيًا قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وانطوى على البطلان في الإجراءات والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه لم يستظهر قصد الاتجار, وعول في هذا الخصوص على أقوال ضابط المباحث، مع أنها جاءت مرسلة غير صحيحة, ودون أن يعرض الحكم لدفع الطاعن بانتفاء ذلك القصد – لما ساقه من شواهد -، وأغفل الحكم الرد على دفعه ببطلان اعترافه، لعدم صحته، وصدوره وليد إكراه, ورغم تعويله عليه في الإدانة, ورد بما لا يصلح ردًا على دفع الطاعن ببطلان ما أجرته النيابة العامة من استجواب له، إذ استعانت بمترجم للغة الباكستانية لكنه يجهل اللغة الإنجليزية, ولم تستجب محكمة الاستئناف لطلبات الطاعن إعادة استجوابه بمعرفة مترجم مختص، واستدعاء ومناقشة أفراد القوة الخاصة المرافقة لضابط الواقعة, وضم دفتر أحوال مخفر النقرة يوم 29/ 7/ 2004، وهو ما يعيب الحكم ويستوجب تمييزه.
ومن حيث إن الحكم الابتدائي المأخوذ بأسبابه والمكمل والمعدل بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن إحراز وحيازة المخدر بقصد الاتجار واقعة مادية يستقل قاضي الموضوع بالفصل فيها، ما دام استخلاصه سائغًا تؤدي إليه ظروف الواقعة وأدلتها وقرائن الأحوال فيها، وأن وزن أقوال الشاهد وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات مرجعه إلى القاضي ذاته ينزله المنزلة التي يراها ويقدره التقدير الذي يطمئن إليه بغير معقب، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى ثبوت الاتهام في حق الطاعن: (من واقع ما قرره ضابط المباحث من أن تحرياته أفادت باتجار المتهم في المواد المخدرة وبعد حصوله على إذن النيابة، شاهد واقعة بيع المتهم للمخدر لمصدره السري، وعثوره على نقود المباحث مع المتهم، والمخدر المباع مع المصدر، وعثوره على باقي المضبوطات بمسكن المتهم واعترافه بحيازتها للاتجار, وقد تأيد الدليل المستند من أقواله باعتراف المتهم بالتحقيقات بحيازته لمخدر الهيروين وقيامه بتجزئته إلى كميات وتوزيعها وفق ما يقرره له قريب له بالسجن هاتفيًا، وذلك لقاء راتب شهري، كما تعزز الدليل أيضًا بما تبين من تقرير التحليل من أن المضبوطات لمخدر الهيروين) ثم استطرد الحكم إلى أنه (قد ثبت قصد الاتجار لدى المتهم مما ورد بالتحريات وأقوال ضابط الواقعة واعتراف المتهم له ثم اعترافاته التفصيلية بالتحقيقات). وإذ كان هذا الذي ساقته المحكمة وبررت به اقتناعها بتوافر قصد الاتجار لدى الطاعن سائغًا، وفيه الرد الضمني على دفاعه بنفيه، فلا يجوز مصادرتها في عقيدتها، ولا المجادلة في تقديرها لأقوال الشاهد، أمام محكمة التمييز. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجزائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها أن تأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق متى اطمأنت إلى صدقه ومطابقته للحقيقة والواقع وإن عدل عنه بعد ذلك, وكان الدفع ببطلان الاعتراف لصدوره تحت تأثير الإكراه, ولئن كان – بحسب الأصل – من أوجه الدفاع الجوهرية مما يجب على المحكمة مناقشته والرد عليه متى كانت قد عولت على هذا الاعتراف في حكمها بالإدانة، إلا أنه لما كان يشترط في الدفاع الجوهري كيما تلتزم المحكمة بالتعرض له والرد عليه أن يكون مع جوهريته جديًا يشهد له الواقع ويسانده، فإذا كان عاريًا عن دليله وكان الواقع يدحضه, فإن المحكمة تكون في حل من الالتفات إليه، دون أن يعتبر سكوتها عن تناوله بالرد إخلال بحق الدفاع ولا قصور في حكمها، وإذ كان البين من الأوراق أن الطاعن لم يدفع ببطلان اعترافه – لصدوره وليد إكراه – أمام محكمة أول درجة، ثم اقتصرت مرافعة محاميه الشفوية – في محضر جلسة المرافعة التي حجزت فيها محكمة الاستئناف الدعوى للحكم – على تعييب ذلك الاعتراف بأنه كان (متذبذبًا)، فإن ما أثاره في مذكرة دفاعه المعدة سلفًا والمقدمة بالجلسة ذاتها، في عبارة عامة مرسلة بغير دليل ما يساندها، من أن هذا الاعتراف يغلب أن يكون قد صدر من المتهم وهو تحت وطأة الإكراه من رجال المباحث إضافة إلى خشيته منهم، يعد – فضلاً عن عدم جديته – عاريًا عن دليله – في شقه الأول، وغير صحيح في شقه الثاني، لما هو مقرر من أن مجرد الخشية من رجال الشرطة لا تعد قرين الإكراه المبطل للاعتراف، ومن ثم فلا على الحكم المطعون فيه إذ التفت عن الدفاع المتقدم، ولم يتناوله بالرد. لما كان ذلك، وكان مؤدى ما نصت عليه المادة 170/ 2 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية أن الاستعانة بمترجم – عند عدم إلمام المتهم أو الشاهد باللغة العربية – إنما يكون في نطاق إجراءات المحاكمة, دون إجراءات التحقيق السابقة عليها، وكان الحكم المطعون فيه قد أطرح دفع الطاعن ببطلان استجوابه – لاستعانة النيابة العامة بمترجم يجهل اللغة الإنجليزية – بقوله: (إن الثابت من أقوال المتهم بالتحقيقات وإجاباته التفصيلية على الأسئلة الموجهة إليه أنه كان يستوعب ما يوجه إليه وهو ما ينأى بمحاضر التحقيق عن شبهة البطلان) وهو ما يسوغ به الرد على الدفع، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص، فضلاً عن أنه غير قويم، لا يعدو تعييبًا لإجراء جرى في مرحلة سابقة على المحاكمة، لا يصح أن يكون سببًا للطعن على الحكم. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة الاستئنافية إنما تفصل في الدعوى على مقتضى الأوراق ولا تلتزم – بحسب الأصل – بإجراء تحقيق فيها، وقد ترك المشرع أمر سماع الشهود واستجواب المتهم جوازيًا لها، حسبما تتكشفه من الأوراق وما ترى هي من جانبها لزومًا له، وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن لم يتمسك أمام محكمة أول درجة بطلبات التحقيق – المبينة في وجه النعي -، كما وأنه بعد إثباته طلبي ضم دفتر الأحوال ومناقشة أفراد القوة, في محضر جلسة حجز الاستئناف للحكم، فوض الأمر في شأنهما للمحكمة, فإنه لا عليها إذ التفت عن تلك الطلبات والتي أبداها الطاعن لأول مرة أمامها، ويكون نعيه على الحكم في هذا الخصوص غير مقبول.
ولما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس.
لما كان ذلك، وكانت المحكمة الدستورية قد قضت في حكمها الصادر بتاريخ 22/ 6/ 2005 في الطعن رقم (2) لسنة 2005 دستوري والمنشور بتاريخ 3/ 7/ 2005 بعدم دستورية نص البند (12) من المادة (143) من قانون الجمارك الموحد لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الصادرة بالقانون رقم (10) لسنة 2003 فيما تضمنه من أن نقل أو حيازة البضائع الممنوعة أو المقيدة دون تقديم الناقل أو الحائز لها إثباتات تؤيد استيرادها بصورة نظامية يعتبر في حكم التهريب، وكان من المقرر وفقًا لنص الفقرة الأخيرة من المادة (173) من الدستور الكويتي والمادة السادسة من القانون رقم (14) لسنة 1973 بإنشاء المحكمة الدستورية أنه إذا قضى بعدم دستورية قانون أو لائحة فإنه يعتبر كأن لم يكن، ومن ثم فإنه بصدور الحكم المار بيانه يكون قد زالت عن الأفعال المذكورة في النص المشار إليه – المقضي بعدم دستوريته – صفة التأثيم. لما كان ذلك، وكانت النيابة العامة قد نسبت للطاعن في التهمة الثانية قيامه بالتهريب الجمركي الحكمي بأن حاز مخدر الهيروين – موضوع التهمة الأولى – دون أن يقدم ما يثبت استيراده بصورة نظامية، استنادًا إلى نص البند (12) من المادة (143) سالفة الذكر, وقد دانه الحكم المطعون فيه عن هذه الجريمة على هذا الأساس، وبصدور حكم المحكمة الدستورية المنوه عنه سلفًا بتاريخ 22/ 6/ 2005 وزوال صفة التأثيم عن هذا الفعل بعد صدور الحكم المطعون فيه بتاريخ 19/ 2/ 2005، وقبل أن يفصل في الطعن بالتمييز المرفوع منه، يتحقق به معنى النص الأصلح للطاعن واجب التطبيق عملاً بالفقرة الأولى من المادة (15) من قانون الجزاء، ومن ثم فإن هذه المحكمة – محكمة التمييز – وإعمالاً لحكم الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة من القانون رقم (40) لسنة 1972 بشأن حالات الطعن بالتمييز وإجراءاته تقضي بتمييز الحكم المطعون فيه تمييزًا جزئيًا وتصحيحه بإلغاء ما قضي به من إدانة الطاعن عن تهمة التهريب الجمركي الحكمي وببراءته منها، ورفض الطعن فيما عدا ذلك.