ظاهرة الفساد والحلول المطروحة
القاضي ناصر عمران
تعرف المادة (4/19) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لســنة 1969 المعدل (الفعل) بانه :كل تصرف جرمه القانون سواء أكان ايجابياً ام سلبياً كالترك والامتناع ما لم يرد نص على خلاف ذلك وهو ما لا يختلف كثيراً عن تعريف الجريمة الذي ابتعدت عنه معظم القوانين العقابية تاركة التعريف للفقهاء كونه يدخل ضمن اختصاص الفقهاء وليس المشرع باستثناء الانظمة الانكلو سكسونية حيث تعرف الجريمة بأنّها أيّ انحراف عن مسار المقاييس الجمعيّة، التي تتميّز بدرجةٍ عاليةٍ من النوعيّة والجبريّة والكليّة؛ ومعناه أنه لا يُمكن للجريمة أنْ تكون إلّا في حالة وجود قيمة تحترمها الجماعة فيها، كما أنّها توجّه عدواني من قِبل الأشخاص الذين يحترمون القيمة الجمعيّة، تجاه الأشخاص الذين لا يحترمونها.

ويمكن تعريف الفساد على أنّه أعمال غير نزيهة يقوم بها الأشخاص الذين يشغلون مناصب في السلطة، مثل ( المدراء والمدراء العامون ، والمسؤولون الحكوميون) وغيرهم، وذلك لتحقيق مكاسب خاصة، ومن الأمثلة على ظواهر الفساد إعطاء وقبول الرشى واستلام العطايا والهدايا والمعاملات السياسية غير القانونية، والغش أو الخداع، والتلاعب في نتائج الانتخابات، وتحويل الأموال، والاحتيال، وغسيل الأموال وغيرها.

لذا عرفت منظمة الشفافية الدولية (الفساد) بانه :- (اساءة استعمال السلطة الموكلة لتحقيق مكاسب خاصة ) اما الفساد الاداري فيعرف : – بأنه سلوك منحرف للإنسان مستغلاً السلطة أو الصلاحيات أو القدرات التي لديه منفرداً أو مع الآخرين لتحقيق مصالح خاصة به أو بهم أو اخرى مادية أو معنوية خروجاً عن القواعد والمعايير القانونية والإدارية والأخلاقية المتفق عليها وطنياً وعالمياً، اما في القوانين العراقية فقد جاء التعريف مطابقاً لما نص عليه القانون النظامي الملحق بالأمر 55 لسنة 2004 وبالرغم من ان قانون هيئة النزاهة رقم 30 لسنة 2011 المعدل للأمر 55 الصادر من سلطة الائتلاف قد نص في المادة(١٦) تصدر الهيئة لائحة تنظيمية تنشر في الجريدة الرسمية لتنظيم احكام ومبادئ الالتزام بتقديم تقارير الكشف عن الذمم المالية من المكلفين بتقديمها طبقاً لأحكام هذا القانون.

وقد بينت المواد الاخرى الفئات المشمولة بتقديم تقارير كشف الذمم المالية والاجراءات المتخذة في ظهور حالة كسب غير مشروع والعقوبة المترتبة عليها الا ان التطبيق العملي لهذا الفصل لم يكن بالمستوى المطلوب ، فلم يتضمن القانون نصاً عقابياً على من يمتنع عن كشف ذمته المالية او يتأخر في الكشف عن ذمته المالية المحددة بتاريخ معين، الامر الذي دفع الهيئة ومن باب صلاحياتها واستجابة لمتطلَّبات اتفاقية الأمم الُمتَّحدة لمكافحة الفساد التي وقَّع عليها العراق بموجب القانون رقم 35 لسنة 2007 والتي نصَّت في المادَّة 20 منها على ” تنظرُ كلُّ دولةٍ طرفٍ رهناً بدستورها والمبادئ الأساسيَّة لنظامها القانونيّ في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعيَّةٍ وتدابير أخرى لتجريم تعمُّد مُوظَّفٍ عموميٍّ إثراء غير مشروعٍ أي زيادة موجوداته زيادة كبيرة لا يستطيع تعليلها بصورةٍ معقولةٍ قياساً إلى دخله المشروع . فقد اقترحت الهيئة مشروع قانون للكسب غير المشروع الذي يتجه مجلس النواب لادراجه تعديلاً لقانون هيئة النزاهة وانصب هذا المشروع لبيان المخالفات والأفعال الجرميَّة المرتبطة بإقرار الذمَّة الماليَّة للمُكلَّفين بهذا الواجب الذي حدَّده قانون الهيئة النافذ رقم 30 لسنة 2011.

وهو ما أشارت أسبابه الموجبة والتي نصت : ” من أجل حماية المال العامّ وإخضاع الذين يستغلون مناصبهم الوظيفيَّة في الإثراء غير المشروع إلى المساءلة القانونيَّة“. وقد نص المشروع في المادَّة ( 8 ) على نص عقابي حيث نصت المادة على ما يلي ” يُعاقَبُ بالحبس مدَّة لا تقلُّ عن سنةٍ واحدةٍ كلُّ مُكلَّفٍ تعمَّد إخفاء معلوماتٍ مطلوبةٍ في الاستمارة وقدَّم معلوماتٍ كاذبة ثبت أنَّها لها علاقة كسبٍ غير مشروعٍ“. فيما نصَّت المادة 11 / أولا على أن ” تُحرَّك دعوى جزائية من قبل الهيئة ضدَّ كلّ مُتَّهمٍ بارتكاب أحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون“.
ان تحديد الموارد المالية للمسؤول الحكومي الكبير عبر الاطلاع عليها هي خطوة باتجاه تحجيم الموارد المالية للمسؤولين الحكوميين ورصدها عبر اعتماد انظمة مصرفية قادرة على ذلك وبالمقابل كثر الحديث عن مصطلح قضية فساد والحقيقة لا يوجد في التشريعات العراقية مصطلح (قضية) وما ورد في قانون المرافعات العراقي رقم 83 لسنة 1969 هو مصطلح (دعوى) والدعوى – طلب شخص حقه من آخر امام القضاء وما جاء عن استخدام المشرع لمصطلح ( قضية) في قانون هيئة النزاهة جاء من مبدأ العرف السائد .

حيث اعتبر المشرع ان قضايا الفساد في الرشوة والاختلاس وتجاوز الموظفين حدود وظائفهم وهوة ما منصوص عليه في المواد (307 – 342) من قانون العقوبات العراقي اضافة الى المواد المتفرقة ، وقد شكل الفساد على امتداد التشكيل الحكومي المتعاقب للدولة العراقية تحدياً كبيراً بعد ان استعصى على كل المضادات الحيوية للقضاء عليه فصار يتمتع بمقدرة عالية في التشرنق حول نفسه وتحاشي فعل المضادات الحيوية لينطلق بعد زوال تأثيرها ليكون اكثر فاعلية من ذي قبل ، وهو الامر المشخص عالميا خلال التقييم السنوي لمؤسسة الشفافية الدولية والتي يتصدر فيها العراق المراتب المتقدمة في استشراء الفساد المالي والاداري وبعد تشكيل الحكومة الجديدة حاولت جاهدة منح مشكلة الفساد الذي تخطى الفعل المنفرد الى الظاهرة اهمية كبيرة فشكل مجلس اعلى للفساد يضم المؤسسات الرقابية وبضمنها الرقابة المالية وهيئة النزاهة ضمن ستراتيجية لتفعيل الدور الرقابي والحد من ظاهرة الفساد وبالرغم من تشكيله واجتماعاته المستمرة الا ان المواطن لم يلمس تغييراً باتجاه تحجيم الظاهرة للقضاء عليها مع تماهى مجلس النواب العراقي مع اجراءات السلطة التنفيذية فعقد جلسته الاولى عند البدء بفصل جديد من عمله البرلماني وخصصت جلسته الاولى لمناقشة ووضع الحلول اللازمة للحد من ظاهرة الفساد وباجتماع رئاسات الدولة الثلاث وبالرغم من الاحاديث التي قيلت فان المواطن العراقي لم يلمس شيئاً جديداً لمعالجة الظاهرة سوى التصويت من حيث المبدأ على الغاء مكاتب المفتشين العموميين لمصلحة تفعيل دور الادعاء العام وهو ما وجد مجلس النواب ضالته فيه فقانون الادعاء العام الجديد بحاجة الى تفعيل ومنه دور المدعي العام في حماية المال العام وهو الهدف الاساس لعمل الادعاء العام وعلى ضوئه يكون اجتماع الرئاسات في مجلس النواب قد وجد الطريق لمكافحة ظاهرة الفساد عبر تفعيل الدو القضائي التحقيقي والرقابي، الامر الذي سيقضي على المحاصصة الادارية في تولي المناصب و يكون من يتولى منصباً قضائياً خاضعاً لسيطرة الجهة التي ينتمي اليها، فالادعاء العام جهاز مستقل لا يخضع للتأثيرات السياسية واليومية.

اضافة الى ان عمل الادعاء العام سيكون امام جهات رقابية قادرة على التوجيه والارشاد وربما الشكوى وسيحقق الثنائية المطلوبة وهي ممارسة الدور الرقابي في المحافظة على المال العام اضافة الى الدور القضائي مع التركيز على وجوب تشكيل منظومة اعلامية ترافق العمل اليومي لجهاز الادعاء العام عبر منتسبيه القضائيين يبدأ من ايجاد مركز اعلامي يقدم تقارير يومياً عن العمل و الاجراءات الخاصة بملفات الفساد التي احالها رئيس الوزراء على النزاهة مع عمل اجتماعي مشترك لمنظمات المجتمع المدني وكذلك توحيد الخطاب الديني لمعالجة ذلك مع تشريع قوانين اجتماعية تستهدف الطبقة الفقيرة وتشريعات اقتصادية قادرة على دفع عجلة الاقتصاد العراقي الى الامام ، ان التشخيص الدقيق لظاهرة الفساد صار ثقافة شعبية يتداولها الرأي العام وايجاد الحلول لها عبر الجهاز القضائي والرقابي مع تفعيل دور هيئة النزاهة والرقابة المالية بالتأكيد سيعطي نتائج ملموسة في الحد على الاقل من الظاهرة اولاً ثم معالجتها والامر مرهون بالنية الحقيقية لمكافحة الفساد .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت