حكم تمييز عمالي

حكم رقم 29/1995
صادر بتاريخ 8/1/1996
(الدائرة العمالية )

هيئة المحكمة: برئاسة السيد المستشار عبدالله على العيسى نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين جلال الدين أنسي، محمد عبد المنعم البنا، فتحي عبد القادر خليفة، محمد بكر غالي.
المكتب الفني

المصدر: مجلة القضاء والقانون
السنة: الرابعة والعشرون
العدد: 1
اصدار: 2/2000
القاعدة : 49
الصفحة: 163
1- وفاء / الوفاء بالعملة الأجنبية- أمر أميري* في الالتزام بدفع مبلغ من النقود يكون الوفاء بالعملة الكويتية. يجوز الاتفاق على أن يتم الوفاء بالعملات الأجنبية. الأمر الأميري الصادر في 3/8/1990 لا يتضمن الغاء ذلك الاتفاق.
2- اكراه / الاكراه المبطل للرضاء-عقد* الاكراه المبطل للرضاء. حالات تحققه.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافقة وبعد المداولة.
حيث أن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.

وحيث أن الوقائع، على ما يبيّن من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن المطعون ضده أقام على الطاعنة الدعوى رقم 275 لسنة 1992 عمالي بطلب تقدّم به إلى إدارة العمل قال فيه وفيما أجرى بشأنه من تحقيقات أنه كان يعمل في وظيفة محصل لدى الطاعنة وقد أنهت عقده دون أن تؤدي له ما يستحقه من بدل إجازات ومكافأة نهاية الخدمة ومن ثم فهو يطلب الزامها بادائهما إليه. تعذرت التسوية الودية فأحيل النزاع إلى المحكمة وأضاف المطعون ضده طلب الزام الطاعنة بأن تؤدي له أيضًا أجره عن المدّة من أول أغسطس حتى السابع من نوفمبر سنة 1990. ندبت المحكمة خبيرًا وبعد أن قدّم تقريره قضت بإلزام الطاعنة بأن تؤدي إلى المطعون ضدّه المبلغ 5951.333 دينارًا. استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 284 لسنة 1994 عمالي، وبتاريخ 20/3/1995 قضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق التمييز، وقدم المطعون ضده مذكرة طلب فيها رفض الطعن، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بتمييز الحكم المطعون فيه. عرض الطعن على غرفة المشورة فحددت جلسة لنظره، وفيها صممت الطاعنة على ما جاء بصحيفة الطعن والمطعون ضده على طلبه وإلتزمت النيابة رأيها.

ومن حيث أن الطعن أقيم على سببين تنعي بهما الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك تقول أنه على الرغم من سبق الوفاء للمطعون ضده بكامل مستحقاته فقد ألزمها بها الحكم على سند مما ذهب إليه من أن الوفاء- وقد كان بالعملة العراقية التي أحلّها المحتل محل العملة الكويتية خلال فترة الإحتلال العراقي للكويت – فإنه يكون باطلاً لمخالفته لماّ نصّ عليه الامر الأميري الصادر في 3/8/1990 من بطلان أي تشريع أو نظام او قرار يصدر من غير الحكومة الشرعيّة لدولة الكويت، في حين أن الأمر الأميري المشار إليه لم يجز التعامل بالعملة العراقية، كما أن المادة 174 من القانون المدني تجيز الوفاء بالعملة الأجنبية متى اتفق الطرفان على ذلك، وإذ كان الثابت من الأوراق أن مستحقات المطعون ضده احتسبت بالعملة الكويتية ثم صرفت له بالعملة العراقية على أساس أن الدينار الكويتي طبقاً لسعر الصرف يساوي عشرة دنانير عراقية وهو ما قبله المطعون ضده راضياً إذ لو كان مكرهاً لكان الدينار الكويتي قد أحتسب بدينار عراقي واحد وكان الوفاء على هذه الصورة لا يعد إحلالاً للعملة العراقية محل العملة الكويتية ومن ثم يكون صحيحاً ومبرءاً لها، وإذ خالف الحكم هذاالنظر فإنه يكون معيباً بما يستوجب تمييزه.

ومن حيث أن هذا النعي في محله، ذلك انه ولئن كان الأصل طبقاً للفقرة الأولى من المادة 174 من القانون المدني انه في الإلتزام بدفع مبلغ من النقود يكون الوفاء بالعملة الكويتية، إلاّ أن المشرع إستشعاراًَ منه لما يتمتع به النقد الكويتي من بالغ القوة بحيث لا يقلل من مكانته او يضعف الثقة فيه أن يتفق على أن يكون الوفاء بعملة أخرى قد نصّ في الفقرة الثانية من هذه المادة على أنه “… إذا اتفق على الوفاء بعملة أجنبية وجب الوفاء بها” وإذا كانت المادة الخامسة من الأمر الأميري الصادر في 3/8/1990 تنصّ على أنه “

يقع منعدما أي تشريع أو نظام أو إقرار أو إجراء يصدر من أية سلطة أو جهة تزعم أن لها ولاية على أرض الكويت أو ما يمس سيادتها أو استقلالها ولا يتبع في ذلك إلاّ ما يصدر عن الحكومة الشرعية لدولة الكويت. كما يعتبر باطلاً بطلاناً مطلقاً وغير قابل للتنفيذ أي تصرف أو عقد أو تعامل يتم بالإكراه المادي او المعنوي ودون الرضاء الكامل لأي شخص إعتباري أو طبيعي كويتي ويجوز إثبات ذلك بكافة طرق الإثبات ” وكان هذا النص لا يتضمن إلغاء لما هو مقرر بموجب الفقرة الثانية من المادة 147 من القانون المدني من جواز الإتفاق على الوفاء بعملة أجنبية، ولذلك فلم يكن ثمة ما يمنع خلال فترة الغزو العراقي للكويت من أن يتم الوفاء بالعملات الأجنبية ومنها العملة العراقية متى إتفق الطرفان على ذلك سواء تمّ الإتفاق عند إبرام العقد أو عند تنفيذه، لما كان ذلك، وكان البيّن من الأوراق ان الطاعنة قدّمت كشفاً مؤرخاً 22/10/1990 موقعاً من المطعون ضده يفيد أنه قد صرف له مبلغ 63640 دينار عراقياً وتمسكت بدلالة هذه المستندات على ان المطعون ضده قبل راضياً الوفاء له بمستحقاته بالدينار العراقي طبقاً لسعر الصرف، وكان الحكم قد إنتهى إلى بطلان هذا الوفاء على سند مما أورده من أن العقد المبرم بين الطرفين قد خلا من تحديد العملة التي يتم الوفاء بها كما خلت الأوراق مما يدل على إتفاق الطرفين على أن يتم الوفاء بعملة أجنبية مما يلزم معه ان يكون الوفاء بالعملة الكويتية، وأن المطعون ضده أكره على قبول الوفاء بالعملة العراقية التي فرضها المحتّل وإنه طبقاً للمادة الخامسة من الأمر الأميري الصادر في 3/8/1990 فإنه هذا الوفاء يكون عديم الأثر إذ لا تعد العمل العراقيّة أداة وفاء في نظر القانون الكويتي، وكان الحكم لم يبيّن ماهية الإكراه الذي تعرّض له المطعون ضده ولم يورد الدليل على حصوله كما لن يرد على ما تمسكّت الطاعنة بشأن دلالة المستندات المقدّمة منها على قبول المطعون ضده الوفاء له بالعملة العراقية بعد إحتساب مستحقاته بالعملة الكويتية على الرغم من جوهرية هذا الدفاع وما قد يكون له من أثر في النتيجة التي تنتهي إليها المحكمة، فإن الحكم فضلاً عما إنطوى عليه من خطأ في تطبيق القانون يكون قد شابه القصور في التسبيب مما يعيبه ويوجب تمييزه.

ومن حيث أنه عن موضوع الإستئناف فإن الثابت من تقرير الخبير الذي لم يطعن عليه المستأنف عليه إن مستحقات الأخير تقل عن المبلغ الذي أحتسبته له المستأنفة في الكشف المقدم منها ومقداره 6364.040 ديناراً كويتاً كما أنه لا خلاف على ان المستأنف عليه قد إستوفى ما يقابل هذا المبلغ بالعملة العراقيّة بواقع عشرة دنانير عراقيّة لكل دينار كويتي وقد وقّع مستندات الصرف بما يفيد قبوله الوفاء له بهذه العملة أماّ بخصوص ما قام عليه دفاعه من أنه قبل ذلك تحت تأثير إكراه تمثّل في حاجته إلى المال للإنفاق على عائلته وليتمكن من العودة إلى وطنه فإنه

2- من المقرر في قضاء هذه المحكمة ان الإكراه المبطل للرضا يتحقق بتهديد المتعاقد المكره بخطر محدق بنفسه أو بماله أو بإستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل له بإحتمالها أو التخلّص منها ويكون من نتيجة ذلك حصول رهبة تحملّه على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله إختياراً وينبغي أن تكون هذه الرهبة قد بعثت في نفس المتعاقد بفعل فاعل سواء كان هو المتعاقد الآخر أو شخص آخر ممن يمكن ان يعزى عملهم إليه فإن تولّدت الرهبة بغير تدخل من احد كما لو تولّدت بفعل الظروف المحيطة بالشخص فإن الإكراه لا يتحقق ومن ثم فإن ما يثيره المستأنف عليه بشأن ظروفه الشخصيّة وحاجته للنقود مما لا دخل للمستأنفة به لا يتحقق به الإكراه بالمعنى المقصود في القانون وبالتالي فإن قبوله الوفاء بالعملة العراقيّة يكون صحيحاً طبقاً للفقرة الثانية من المادة 174 من القانون المدني ويترتب عليه إبراء المستأنف من الحقوق المطالب بها وإذ خالف الحكم المستأنف هذا النظر فإنه يتعيّن إلغاؤه والقضاء برفض الدعوى.

وحيث أنه عن المصروفات فإن المحكمة تعفي المستأنف منها عملاً بالمادة 96 من قانون العمل.