حكم ثرى جداً الطعن رقم 882 لسنة 52 ق

أحكام النقض – المكتب الفني – جنائي
الجزء الأول – السنة 33 صـ 441
جلسة 6 من إبريل سنة 1982
برياسة السيد المستشار/ محمد عبد العزيز الجندي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد أحمد حمدي وأحمد حمدي وأحمد محمود هيكل ومحمد عبد المنعم البنا ومحمد الصوفي عبد الجواد.
(90)

الطعن رقم 882 لسنة 52 القضائية
1 – حكم ” تسبيبه. تسبيب غير معيب “. إجراءات “إجراءات المحاكمة”. نقض ” أسباب الطعن. ما لا يقبل منها”.
تعيب الإجراءات السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم.
2 – دفوع. ” الدفع ببطلان القبض “. ” الدفع ببطلان الاعتراف “. مأمور الضبط القضائي ” اختصاصهم المكاني “. محكمة الموضوع ” سلطتها في تقدير الدليل”. نيابة عامة. تحقيق.

– الدفع ببطلان التفتيش والاستجواب لحصوله خارج دائرة الاختصاص المكاني لمأمور الضبط القضائي وبطلان الاعتراف. لا يقبل إثارته لأول مرة أمام النقض .

– امتداد اختصاص مأمور الضبط القضائي إلى جميع من اشتركوا في الدعوى التي بدأ تحقيقها أينما كانوا.
– قيام النيابة العامة بإجراء التحقيق لا يمنع مأموري الضبط من القيام بواجباتهم المنوط بهم القيام بها عملاً بالمادة 24 إجراءات.
2 – حكم ” تسبيبه. تسبيب غير معيب “. إجراءات المحاكمة”. مأمورو الضبط القضائي. استجواب.

حق مأمور الضبط القضائي في أن يسأل المتهم عن التهمة المسندة إليه دون أن يستجوبه. المادة 29 إجراءات.
4 – حكم ” تسبيبه. تسبيب غير معيب “. إجراءات “إجراءات المحاكمة “. مأمورو الضبط القضائي. استجواب.
الاستجواب المحظور. ماهيته؟
5 – محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل” “سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى”. إثبات “شهود”.
– حق محكمة الموضوع في استخلاص الصور الصحيحة لواقعة الدعوى وإطراح ما يخالفها.
– عدم التزامها بالأخذ بالإدانة المباشرة وحدها. حقها في استخلاص الصورة بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية.
6 – محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”. إثبات.
لا يلزم في الإدانة التي يعتمد عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى. علة ذلك ؟
7 – قصد جنائي. جريمة ” أركانها “. حكم ” تسبيبه. تسبيب غير معيب “. نقض ” أسباب الطعن. ما لا يقبل منها “. قتل عمد. سبق إصرار.

قصد القتل أمر خفي. إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره. استخلاصه. موضوعي.
8 – محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الدليل”. قتل عمد. سبق الإصرار.
سبق الإصرار. تقدير توفره موضوعي.

9 – سبق الإصرار. أسباب الإباحة “الدفاع الشرعي”. حكم ” تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
ثبوت سبق التدبير للجريمة أو التحليل لارتكابها ينتفي به حتماً موجب الدفاع الشرعي. علة ذلك؟
10 – إعدام. قتل عمد. محكمة النقض “سلطتها” حكم ” تسبيبه. تسبيب غير معيب “. نيابة عامة.
11 – اتصال محكمة النقض بالقضية المقضي فيها حضورياً بالإعدام متى عرضتها النيابة العامة عليها ولو تجاوزت في ذلك الميعاد المقرر بالمادة 24 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام النقض.

1 – وكان ما ينعاه الطاعن من سؤال الشاهد الأول بالتحقيقات في غيبته لا يعدوا أن يكون تعييباً للإجراءات السابقة على المحاكمة وهو ما لا يصح أن يكون سبباً للطعن في الحكم.

2 – وكان البين من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يثر شيئاً أمام محكمة الموضوع بخصوص ما يدعيه من بطلان القبض عليه واستجوابه وتكليفه بالإرشاد عن المسروقات لحصول هذه الإجراءات خارج دائرة الاختصاص المكاني للشاهد وبغير إذن من النيابة العامة التي كانت قد تولت التحقيق، كما لم يثير شيئاً بخصوص بطلان اعترافه في التحقيقات فإنه لا يقبل منه طرح ذلك لأول مرة على محكمة النقض نظراً لأنه يقتضي تحقيقاً تنأي عنه وظيفة هذه المحكمة هذا فضلاً عما هو مقرر من أنه إذا كان ما أجراه مأمور الضبط القضائي في الدعوى من وقائع ضبط خارج دائرة اختصاصه المكاني إنما كان في صدد الدعوى ذاتها التي بدأ تحقيقها على أساس حصول واقعتها في اختصاصه فإن اختصاصه يمتد إلى جميع من اشتركوا فيها واتصلوا بها أينما كانواً، كما أن قيام النيابة العامة بإجراء التحقيق بنفسها لا يقتضي قعود مأموري الضبط القضائي عن القيام إلى جانبها في الوقت ذاته بواجباتهم التي فرض الشارع عليها أداءها بمقتضى المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية وغاية ما في الأمر أن ترسل هذه المحاضر إلى النيابة لتكون عنصراً من عناصر الدعوى تحقق النيابة ما ترى وجوب تحقيقه منها.

3 – من المقرر أن لمأمور الضبط القضائي عملاً بالمادة 29 من قانون الإجراءات الجنائية أن يسأل المتهم عن التهمة المسندة إليه دون أن يستجوبه.

4 – الاستجواب المحظور هو الذي يواجه فيه المتهم بأدلة الاتهام التي تساق عليه دليلاً ليقول كلمته فيها تسليماً بها أو دحضاً لها.

5 – من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق وهي في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة أخرى للدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية.

6 – يلزم في الأدلة التي يعتمد عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصد منها الحكم ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه،

7 – قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية،

8 – من المقرر أن البحث في توافر ظروف سبق الإصرار من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج،

9 – من المقرر في صحيح القانون بأنه متى أثبت الحكم التدبير للجريمة سواء بتوافر سبق الإصرار عليها أو التحليل لارتكابها انتفى حتماً موجب الدفاع الشرعي الذي يفترض رداً حالاً دون الإعداد له وإعمال الخطة في إنفاذه.

10 – وحيث إن النيابة العامة – عملاً بالمادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 – عرضت القضية على هذه – المحكمة مشفوعة بمذكرة برأيها انتهت فيها إلى طلب إقرار الحكم الصادر بإعدام الطاعن، وذلك دون بيان تاريخ تقديم هذه المذكرة ليستدل منه على أن العرض قد روعي فيه ميعاد الأربعين يوماً المنصوص عليه في المادة 34 من القانون سالف الذكر، إلا أنه لما كان تجاوز هذا الميعاد لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة العامة بل أن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها لتفصل فيها وتستبين من تلقاء نفسها غير مقيدة بالرأي الذي تبديه النيابة العامة في مذكرتها – ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من عيوب، فإنه يتعين قبول عرض النيابة العامة للقضية.

الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه قتل….. عمداً مع سبق الإصرار بأن بيت النية على قتله وأعد لذلك سلاحاً قاتلاً “سكين” وانتهز فرصة وجود المجني عليه في السيارة قيادته وخلو الطريق من المارة فانهال عليه طعناً بالسكين قاصداً قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي أودت بحياته وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أنه في الزمان والمكان سالفي الذكر وفي الطريق الموصل إلى برمبال القديمة سرق النقود والمنقولات المبينة وصفاً وقيمة بالتحقيقات والمملوكة للمجني عليه سالف الذكر حالة كونه يحمل سلاحاً ظاهراً “سكين” وكان ذلك ليلاً وبإحدى وسائل النقل البرية الأمر المعاقب عليه بالمادة 315/ ثالثاً من قانون العقوبات، وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة جنايات لمعاقبته بالقيد والوصف الواردين بتقرير الاتهام. فقرر ذلك. ومحكمة جنايات المنصورة قررت بتاريخ 20 مايو سنة 1981 إحالة أوراق القضية إلى مفتي الجمهورية وحددت للنطق بالحكم جلسة 20 يونيه سنة 1981 وبالجلسة الأخيرة قضى حضورياً وبإجماع الآراء عملاً بالمادة 134/ 1، 2 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالإعدام شنقاً.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض. كما عرضت النيابة العامة القضية على هذه المحكمة مشفوعة بمذكرة برأيها.

المحكمة
وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار المقترن بجناية سرقة بإحدى وسائل النقل البرية في طريق عام ليلاً مع حمل سلاح قد شابه الفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد والقصور في التسبيب ذلك أن الحكم عول في قضائه بالإدانة على أقول المقدم…. مع أن أقواله في التحقيقات سمعت في غيبة الطاعن الذي كان محبوساً على ذمة القضية فضلاً عن أن الإجراءات التي اتخذها هذا الشاهد قبل الطاعن من قبض واستجواب وتكليف بالإرشاد عن المسروقات قد اعتورها البطلان لوقوعها خارج دائرة اختصاصه المكاني ودون إذن من النيابة العامة التي كانت قد تولت التحقيق في الدعوى قبل اتخاذ تلك الإجراءات، كما عول الحكم على اعتراف الطاعن في التحقيقات على حين أنه كان وليد تلك الإجراءات الباطلة،

وأورد الحكم في بيانه للواقعة أن الطاعن لاحظ وجود أمتعه ونقود مع المجني عليه فبيت النية على قتله والاستيلاء على ما معه وعرج على منزله حيث أحضر السكين المستعمل في الحادث وباغت المجني عليه الذي كان قد حل به التعب وانهال عليه طعناً بالسكين وهو إلى جواره داخل السيارة، في حين أنه لم يثبت من الأوراق أن المجني عليه كان يحمل نقوداً وبفرض أنه كان يحملها فإن الطاعن لم يشاهدها، كما خلت الأوراق من دليل على أن السكين المستعمل في الحادث كان مع الطاعن قبل اعتدائه على المجني عليه وأن الاعتداء كان مباغتاً، كما أن وقوع الحادث داخل السيارة ينفيه ما ثبت من عدم وجود دماء بداخلها بل في الطريق حيث وجدت الجثة، واستدل الحكم على وقوع الحادث وفقاً للتصوير الذي اعتنقه من كون الإصابات بالجانب الأيسر بجسم المجني عليه في حن أنه من الطبيعي أن تكون الإصابات كذلك إذا استعمل الجاني يده اليمني وهو في مواجهة المجني عليه، هذا إلى أن الحكم أتى بوصف للسكين المستعمل في الحادث مع أن المحكمة لم تقض الحرز المحتوى على هذا السكين كما تستطيع وصفه، وأخيراً فإن الحكم لم يدلل تدليلاً كافياً على توافر نية القتل وظرف سبق الإصرار، ورد بما لا يسوغ على ما أثاره الطاعن من أنه كان في حالة دفاع شرعي كل ذلك مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.

وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين الواقعة بما مجمله أن المجني عليه الذي كان يعمل بإحدى الدول العربية عاد إلى البلاد عن طريق ميناء السويس حيث استقل وزميل له السيارة الأجرة قيادة الطاعن لتوصيل كل منهما إلى بلدته، وإذ لاحظ الطاعن أن المجني عليه يحمل نقوداً وأمتعة فقد بيت النية على قتله والاستيلاء على ما معه، ولما وصلوا إلى القاهرة بادر الطاعن إلى التخلص من الراكب الآخر بأن استأجر له سيارة تقله إلى بلدته بينما توجه هو إلى منزله وأحضر منه سكيناً ثم أتجه بالسيارة قيادته يصحبه المجني عليه إلى بلدته وفي الطريق باغت المجني عليه وانهال عليه طعناً بالسكين حتى أجهز عليه ثم ألقى بجثته في الطريق واستولى على ما معه من نقود وأمتعة وقفل راجعها إلى القاهرة، وساق الحكم على الثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستندة من أقوال كل من المقدم…… و…… ومن اعتراف الطاعن في التحقيقات ومن تقرير الصفة التشريحية وحصل الحكم أقوال الشاهدين واعتراف الطاعن في وقوله “شهد المقدم…. بإدارة البحث الجنائي بالمنصورة أن تحرياته السرية دلت على أنه بتاريخ 31/ 1/ 1981 استقل المجني عليه هو والشاهد الثاني السيارة رقم 32457 أجرة القاهرة في نحو الساعة الخامسة مساء كي تقلهما من مدينة السويس إلى بلدة كل منهما وفي الطريق لاحظ المتهم وجود أوراق نقدية وأمتعه مع المجني عليه فبيت النية على قتله والاستيلاء على ما معه من أمتعة ونقود،

وتنفيذاً لهذا الغرض باعد بين المجني عليه وزميله بأن استأجر للأخير في القاهرة سيارة أجرى كي توصله إلى بلدته واصطحب هو المجني عليه إلى منزله حيث أخذ منه سكيناً….. واستقل السيارة مع المجني عليه وفي الطريق باغت المجني عليه بالاعتداء وانهال عليه طعناً بالسكين التي كان معه إلى أن أجهز عليه ثم ألقى بجثته في الطريق واستولى على متاعه ونقوده، ونقل راجعاً إلى القاهرة حيث أخفى الأمتعة بشقة شقيقته وما أن تم ضبطه ومواجهته بالتحريات حتى اعترف بارتكاب الحادث تفصيلاً وأرشد عن المسروقات وأما المبالغ النقدية قد تبين أنه قد تصرف فيها وهي تشمل بالإضافة إلى ما كان يخص المجني عليه، مبالغ أخرى تخص بعض أهالي المنطقة الذين كانوا قد أرسلوها مع المجني عليه لتوصيلها إلى ذويهم وذلك حسبما جاء ببعض الخطابات التي وردت من الخارج..، وشهد… أنه كان في ذات الرحلة على المركب التي كان يستقلها المجني عليه إلى أن حلت بهما في السويس وخرجاً سوياً من الجمرك حيث كان مع المجني عليه حقيبة مغلقة وكرتونتين وحصيرة فوق أحدهما فضلاً عن مروحة وحقيبة بلاستيك وعلم منه أنه عمل بالسعودية لمدة خمسة أشهر.

وأضاف أنه استقل مع المجني عليه المتهم لتوصيل كل منهما إلى بلدته، ولدى وصولهما القاهرة أخبره المتهم أنه متعب ثم أجر له سيارة أجرة أخرى أوصلته إلى بلدته…. مقرراً أنه إلخ على المتهم في الرجاء كي يقوم بتوصيله هو لكنه رفضه ذلك قائلاً أنه كان يحمل صرة قديمة بها غياره تلفزيون 14 بوصه فضلاً عن حقيبة في حين أن أمتعة المجني عليه كانت عبارة عن حقيبة حمراء ذات مظهر نظيف وكرتونتين وحقيبة بلاستيك ومروحة وأن الناظر إلى الحقيبة لا بد أن يدخل في اعتقاده أنها تحوى أشياء ذات قيمة قديمة عما باخل صرته،

وقد اعترف المتهم تفصيلاً في تحقيقات النيابة أن المجني عليه والشاهد الثاني استقلا السيارة…. قيادته من السويس لتوصيل كل منهما إلى بلدته ولدى وصولهم إلى القاهرة استأجر للشاهد الثاني سيارة أخرى لتوصيله وصحب هو المجني عليه إلى منزله حيث مكث به بعض الوقت ثم استقلاً سويا سيارة في الثامنة والنصف مساء…. متوجهين إلى بلدة المجني عليه وفي الطريق انهال عليه طعناً بالسكين المضبوطة…. ثم تركه ملقى في مكانه وقفل عائداً بسيارته وبها أمتعة المجني عليه حيث أخفاها في بيت شقيقته….. كما أقر…. أنه غسل سيارته في اليوم الرابع التالي لوقوع الحادث “لما كان ذلك، وكان ما ينعاه الطاعن من سؤال الشاهد الأول بالتحقيقات في غيبته لا يعدو أن يكون تعيياً للإجراءات السابقة على المحاكمة وهو ما لا يصح أن يكون سبباً للطعن في الحكم، وكان البين من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يثر شيئاً أمام محكمة الموضوع بخصوص ما يدعيه من بطلان القبض عليه واستجوابه وتكليفه بالإرشاد عن المسروقات لحصول هذه الإجراءات خارج دائرة الاختصاص المكاني للشاهد وبغير إذن من النيابة العامة التي كانت قد تولت التحقيق،

كما لم يثير شيئاً بخصوص بطلان اعترافه في التحقيقات فإنه لا يقبل منه طرح ذلك لأول مرة على محكمة النقض نظراً لأنه يقتضي تحقيقاً تنأي عنه وظيفة هذه المحكمة هذا فضلاً عما هو مقرر من أنه إذا كان ما أجراه مأمور الضبط القضائي في الدعوى من وقائع ضبط خارج دائرة اختصاصه المكاني إنما كان في صدد الدعوى ذاتها التي بدأ تحقيقها على أساس حصول واقعتها في اختصاصه فإن اختصاصه يمتد إلى جميع من اشتركوا فيها واتصلوا بها أينما كانوا، كما أن قيام النيابة العامة بإجراء التحقيق بنفسها لا يقتضي قعود مأموري الضبط القضائي عن القيام إلى جانبها في الوقت ذاته بواجباتهم التي فرض الشارع عليها أداءها بمقتضى المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية وغاية ما في الأمر أن ترسل هذه المحاضر إلى النيابة لتكون عنصراً من عناصر الدعوى تحقق النيابة العامة ما ترى وجوب ما ترى وجوب تحقيقه منها. لما كان ذلك، وكان المقرر أن لمأمور الضبط القضائي عملاً بالمادة 29 من قانون الإجراءات الجنائية أن يسأل المتهم عن التهمة المسندة إليه دون أن يستجوبه، وكان الاستجواب المحظور هو الذي يواجه فيه المتهم بأدلة الاتهام التي تساق عليه دليلاً ليقول كلمته فيها تسليماً بها أو دحضاً لها،

وكان البين من مطالعة الأوراق والمفردات المضمومة أن الحادث وقع في حدود الاختصاص المكاني المشاهد الأول الذي استمر في التحري عنه بعد أن تولت النيابة العامة التحقيق وإذ كشفت تحرياته عن أن مرتكب الحادث هو الطاعن الذي اعترف له بذلك وأرشده عن المسروقات فقد سجل ذلك في محضر عرضه على النيابة العامة فإن ما ينعاه الطعن في هذا الشأن يكون غير سديد.

لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق وهي في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة أخرى للدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية،

وأنه لا يلزم في الأدلة التي يعتمد عليها الحكم أن ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى لأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصد منها الحكم ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه وإذ كان الحكم المطعون فيه قد اطمأن إلى حصول الواقعة طبقاً للتصوير الذي أورده، وكانت الأدلة التي استند إليها في ذلك سائغة ومقبولة في العقل والمنطق ولا يجادل الطاعن في أنها لها معينها الصحيح من الأوراق فإن ما يثيره الطاعن بشأن النقود التي أورد الحكم أن المجني عليه كان يحملها وإمكان رؤيته هو لهذه النقود وكذلك ما يثيره بشأن مصدر السكين المستخدم في الحادث والوضع الذي كان عليه المجني عليه عند قتله والمكان الذي قتل فيه، وما إذا كان داخل السيارة أن خارجها لا يعدو أن يكون محاولة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأدياً من ذلك إلى مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان المحكمة بالدليل الصحيح وهو ما لا يقبل أثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك،

وكان البين من مطالعة محضر الجلسة المحاكمة والمفردات المضمومة أن الطاعن لم يطلب من المحكمة فض الحرز المحتوى على السكين المستعمل في الحادث وأن ما أورده الحكم من وصف لهذا السكين يتفق مع الوصف الوارد بمعاينة النيابة العامة وبتقرير الصفة التشريحية فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن يكون على غير أساس. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل وظرف سبق الإصرار ودلل على توافرهما في حق الطاعن في قوله “وحيث إنه عن نية القتل فهي ثابتة بيقين في الأوراق من تعدد الإصابات وتوجيهها إلى مقاتل من الجسم واستعمال آلة حادة (سكين) تحدث القتل، وأن المتهم لم يترك فريسته إلا بعد أن صارت جثة هامدة”،

وفي قوله “وحيث إنه عن ظرف الإصرار فهو متوافر….. إزاء ما هو ثابت في الأوراق من توافر الباعث لدى المتهم على ارتكاب جريمة القتل وهو الاستيلاء على أمتعة المجني عليه وما معه من نقود، وهو ما دفعه إلى التصميم على جريمة القتل ورتب لذلك خطوات جريمته فسلك بالمجني عليه وزميله طريقه إلى القاهرة وهناك زعم للشاهد الثاني أنه متعب ومكدود ثم أصر على استئجار سيارة أجرة أخرى لتوصيله رغم توسلات الأخير إليه أن يوصله….. وبذلك تمكن المتهم من المباعدة بين المجني عليه وزميله بعد أن لاح له من مظهر أمتعة المجني عليه أنها تحوى أشياء ذات قيمة عن تلك التي كان يجملها زميله ثم صحب المتهم المجني عليه إلى منزلة وهناك مكث المتهم بعض الوقت حيث أبدل ملابسه وتناول إفطاره في المطبخ على حد ما قرره في التحقيقات

وهو ما هيأ له أخذ سكين معه هي تلك التي استعملها في الإجهاز على المجني عليه….. وقد انتظر المتهم حتى حل التعب بالمجني عليه فباغته بالاعتداء عليه إلى أن أجهز عليه ثم قفل عائداً بأمتعة المجني عليه بعد أن استولى على كل ما معه من مبالغ نقدية…… وهو ما يقطع بأن المتهم خطط لجريمته في روية وهدوء وأقدم على تنفيذها خطوةً خطوة حتى أنفذ مقصده… بما يؤكد توافر ظرف سبق الإصرار”.

ولما كان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأيتها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكان من المقرر أن البحث في توافر ظرف سبق الإصرار من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج، وكان ما أورده الحكم من قيام الباعث على القتل لدى الطاعن متمثلاً في رغبته في الاستيلاء على ما كان يحمله المجني عليه من أمتعه ونقود وتخطيطه للجريمة في روية وهدوء ثم تنفيذه لهذه الخطة على مراحل بدأت بالعمل على الانفراد بالمجني عليه عن طريق المباعدة بينه وبين رفيقه في السفر الذي استأجر له الطاعن سيارة أخرى تنقله إلى بلدته ثم ذهاب الطاعن بعد ذلك إلى منزله ومكوثه به فترة قام خلالها بإعداد السكين الذي اختاره أداة للقتل، ثم مباغتته المجني عليه بالاعتداء عليه بالسكين عندما تهيأت الفرصة لذلك أثناء الطريق، وتوجيه الضربات إلى مقاتل من جسم المجني عليه وموالاة الاعتداء عليه إلى أن فارق الحياة،

ما يكفى في استظهار نية القتل ويتحقق به ظرف سبق الإصرار حسبما هو معرف به في القانون فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان من المقرر في صحيح القانون أنه متى أثبت الحكم التدبير للجريمة سواء بتوافر سبق الإصرار عليها أو التحيل لارتكابها انتفى حتماً موجب الدفاع الشرعي الذي يفترض رداً حالاً لعدوان حال دون الإعداد له وأعمال الخطة في إنقاذه، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على توافر سبق الإصرار في حق الطاعن فإنه لا يكون هناك محل لما يثيره بشأن الدفاع الشرعي. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس فيتعين رفضه موضوعاً .

وحيث إن النيابة العامة – عملاً بالمادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 – عرضت القضية على هذه – المحكمة مشفوعة بمذكرة برأيها انتهت فيها إلى طلب إقرار الحكم الصادر بإعدام الطاعن، وذلك دون بيان تاريخ تقديم هذه المذكرة ليستدل منه على أن العرض قد روعي فيه ميعاد الأربعين يوماً المنصوص عليه في المادة 34 من القانون سالف الذكر، إلا أنه لما كان تجاوز هذا الميعاد لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة العامة بل أن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها لتفصل فيها وتستبين من تلقاء نفسها غير مقيدة بالرأي الذي تبديه النيابة العامة في مذكرتها – ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من عيوب، فإنه يتعين قبول عرض النيابة العامة للقضية.

لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار المقترن بجناية سرقة بإحدى وسائل النقل البرية في طريق عام ليلاً مع حمل سلاح التي دين بها المحكوم عله بالإعدام، كما خلا الحكم من قالة مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو في تأويله، وصدر بإجماع الآراء من محكم مشكلة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى بعد استطلاع رأي المفتي ولم يصدر بعد قانون يسري على واقعة الدعوى بما يغير ما انتهت إليه محكمة الموضوع فإنه يتعين قرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه.