حقوق الانسان في معرفة سبب إلقاء القبض عليه

مقال للدكتور عبد الله الواكد ( رحمه الله )
مدرس القانون الدولي / جامعة الزرقاء الخاصه
المصدر : صحيفة الطليعه الالكترونيه
تاريخ النشر : 27/9/2003

إن من حق أي شخص يجري اعتقاله أو القبض عليه أن يبلغ بأسباب هذا الاعتقال أو القبض، ويعتبر هذا الحق من الحقوق البديهية في ظل دولة القانون التي تحترم مؤسساتها وأجهزتها الحرية الشخصية للإنسان، وتتسم بالديمقراطية في أسلوب تعاملها مع هذه الحريات·

إذ ليس من المعقول أن يعتقل أي شخص أو يقبض عليه ولا يعرف السبب الذي من أجله جرى اعتقاله أو القبض عليه، وعلى الرغم من ذلك فإن هذا الحق من حقوق الإنسان ينتهك وعلى نطاق واسع من قبل بعض الحكومات وأنظمة الحكم الدكتاتوري المتسلطة، التي يجري فيها اعتقال الأشخاص والقبض عليهم بسبب أو بغير سبب، ودون مراعاة للإجراءات المنصوص عليها في القوانين المختصة، غير آبهة في تصرفاتهم بأبسط حقوق الإنسان وحرياته وهو حق كل شخص بمعرفة أسباب اعتقاله أو القبض عليه·

هذا الحق حظي باهتمام واضح من قبل المواثيق الدولية المختلفة الخاصة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وبخاصة تلك التي تناولت مجموعة الحقوق المدنية والسياسية باعتبار أن هذا الحق من الحقوق الأساسية للإنسان في مجال إقامة العدل·الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لم يورد نصا صريحا يحمي هذا الحق، ولكن يمكن استخلاصه من نصوص مواد الإعلان التي نصت على بعض الضمانات القضائية ومنها ماورد في المادة الثامنة من الإعلان، من أن لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لإنصافه عن أعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحها القانون، كذلك فإن هذا الحق متفرع عن حق عدم جواز القبض على أي إنسان أو حجزه تعسفا، وهو ما نصت عليه المادة التاسعة من الإعلان، أما العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية فقد أفرد الفقرة الثانية من مادته التاسعة للنص على هذا الحق والتي نصت على أنه (يجب إبلاغ كل من يقبض عليه بأسباب ذلك عند حدوثه) كما يجب إبلاغه بأية تهمة توجه إليه·

الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان أوردت هذا الحق في الفقرة الثالثة من مادتها السادسة والتي أعطت لكل متهم الحق خاصة بما يلي·أ – أن يبلغ في أقصى مهلة وبلغة يفهمها وبالتفصيل بطبيعة التهمة الموجهة إليها وسببها·

من خلال استعراض النص السابق نلاحظ مدى حرص الاتفاقية على وجوب مراعاة هذا الحق، بل إنها لم تقصر واجب الإبلاغ على من يجري اعتقاله أو القبض عليه بل أوجبت الإبلاغ لكل شخص متهم وأن يكون هذا الإبلاغ على وجه السرعة·أيضا الاتفاقية تصدت لفرض أن الشخص المتهم لا يجيد لغة الدولة التي تتهمه فأوجبت إبلاغه بلغة يفهمها، فليس كل شخص يقيم في دولة ما يفهم لغتها، كذلك زيادة في الاحتياط ومن أجل التطبيق الكامل لهذا الحق أوجبت الاتفاقية إبلاغ المتهم بالتفصيل بطبيعة التهمة الموجهة إليه، أي ماهية هذه التهمة هل هي مخالفة أم جنحة أم جناية بما في ذلك سببها أي ما الفعل الذي قام به هذا الشخص والذي يشكل انتهاكا لقانون معين وبالتالي استوجب توجيه التهمة له·الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان أكدت على هذا الحق في مادتها السابعة والتي جاءت تحت عنوان حق الحرية الشخصية، والتي أوجبت في فقرتها الرابعة إبلاغ أي شخص يتم توقيفه بأسباب ذلك التوقيف، وأوجبت أيضا إخطاره فورا بالتهمة أو التهم الموجهة إليه·

الدول وفي إطار سعيها لأن تكون قوانينها الداخلية متوافقة مع المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية حرصت على أن تضمن هذه القوانين وبخاصة تلك التي تتعلق بأصول المحاكمات الجزائية نصوصا تقرر هذا الحق لكل شخص جرى اعتقاله أو قبض عليه، ولكن بالرغم من اعتبار أن النص على هذا الحق في القوانين الداخلية يعتبر نوعا من اعتراف الدولة بهذا الحق إلا أن الأمر الأكثر أهمية يكمن في تطبيق هذا الحق على أرض الواقع·