حكم تمييز ( تزوير – سرقة )

محكمة التمييز
الدائرة الجزائية
جلسة 14/ 6/ 2005
برئاسة السيد المستشار/ كاظم محمد المزيدي – رئيس الجلسة، وعضوية السادة المستشارين/ محمود دياب ومجدي أبو العلا وجاب الله محمد جاب الله وعلي الصادق عثمان.
(19)
(الطعن رقم 650/ 2004 جزائي)
1 – إثبات “إقناعية الأدلة” و”إجراءاته”. شرطة. تحريات. تزوير. تمييز “أسباب الطعن: الجدل الموضوعي”. محكمة الموضوع “سلطتها في تكوين عقيدتها” و”في تقدير الدليل” و”في الأخذ بتحريات الشرطة”. تمييز “سبب قائم على جدل موضوعي”.
– الأصل في المحاكمات الجزائية. اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه. له تكوين عقيدته من أي دليل أو قرينة يطمئن إليها ما لم يقيده القانون بدليل معين.

– القانون لم ينص على طريق خاص لإثبات جرائم التزوير.
– تعويل المحكمة على تحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من الأدلة التي وثقت في جديتها وصحتها. جائز.
– اطمئنان المحكمة لأدلة الثبوت. مفاده.
– منازعة الطاعن في الأدلة التي اطمأنت إليها المحكمة ومدى كفايتها وصلاحيتها لإثبات إدانته. جدل موضوعي في سلطتها في تقدير الأدلة. إثارته أمام التمييز غير جائزة.

2 – إثبات “بوجه عام”. حكم “تسبيب غير معيب – لا تناقض”. محكمة الموضوع “سلطتها في تقدير الأدلة بالنسبة لكل متهم”.
– تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم. موضوعي. مؤداه: حرية المحكمة في تكوين عقيدتها واطمئنانها للأدلة بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها لذات الأدلة بالنسبة لمتهم آخر. مثال.
– ما لا يعد تناقضًا في الحكم.

3 – تزوير. نصب. فاعل أصلي. جريمة “القصد الجنائي”. حكم “تسبيب غير معيب”. محكمة الموضوع “سلطتها في استخلاص توافر قصد التزوير”. تمييز “سبب قائم على جدل موضوعي”.
– الجريمة التي تتكون من عدة أفعال. يعد فاعلاً فيها كل من تدخل في تنفيذها ولو لم تتم بفعله وحده بل تمت بفعل واحد أو أكثر ممن تدخلوا معه فيها. شرط ذلك. أن يتوافر لديه نية التدخل فيها.

– القصد الجنائي في جريمة التزوير. مناط تحققه. تقدير توافره من عدمه. من سلطة محكمة الموضوع.
– تحدث حكم الإدانة صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركان جريمة التزوير. غير لازم ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليها. مثال لتسبيب سائغ لاعتبار الطاعن فاعلاً مع غيره في جرائم تزوير أوراق البنوك والنصب.
– الجدل الموضوعي غير جائز أمام التمييز.
4 – ارتباط. عقوبة “عقوبة الجريمة الأشد”. تمييز “أسباب الطعن: سبب غير منتج”.

– اعتبار الحكم الجرائم المسندة إلى الطاعن مرتبطة وأوقع عليه عقوبة واحدة عنها هي المقررة لجريمة التزوير في ورقة من أوراق البنوك ذات العقوبة الأشد. النعي على الجريمة الأخرى وهي الاشتراك في السرقة. غير مجد.
1 – من المقرر أن الأصل في المحاكمات الجزائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، ولما كان قانون الجزاء لم يجعل لإثبات جرائم التزوير طريقًا خاصًا، بل تثبت بكافة طرق الإثبات المقررة في القانون، ولا تثريب على المحكمة إن هي عوّلت في تكوين عقيدتها على تحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دام أنها وثقت في جديتها وصحتها، وكانت محكمة الموضوع – بدرجتيها – قد اطمأنت لأدلة الإثبات آنفة الذكر التي أوردتها في حكمها إلى أن الطاعن ارتكب مع غيره الجرائم التي دانته بها، وكان في اطمئنان المحكمة إليها ما يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم التعويل عليها، وإذ كانت تلك الأدلة سائغة وكافية – ولها معينها الصحيح من الأوراق – ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، فإن منازعة الطاعن في هذه الأدلة ومدى كفايتها وصلاحيتها لإثبات إدانته على النحو الذي يثيره بأسباب طعنه ينحل جدلاً موضوعيًا في سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى لا تقبل إثارته أمام محكمة التمييز.

2 – من المقرر أن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها وأنها حرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرها واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها إلى الأدلة ذاتها بالنسبة لمتهم آخر ما دام تقدير الدليل موكولاً إلى اقتناعها وحدها، ومن ثم فلا تثريب على الحكم المطعون فيه إن عوّل على أدلة الإثبات المار بيانها في حق الطاعن والمتهمين من الثاني حتى الرابع ودانهم بموجبها، ولم يعوّل على الأدلة ذاتها بالنسبة لباقي المتهمين الذين قضى ببراءتهم مما أسند إليهم للأسباب التي أوردها، ودون أن يعد ذلك تناقضًا في الحكم، ويكون منعى الطاعن في ذلك كله غير سديد.

3 – المادة 47 من قانون الجزاء إذ نصت في فقرتها الأولى على أن يعد فاعلاً للجريمة من يرتكب وحده أو مع غيره الفعل المكون للجريمة أو يأتي فعلاً من الأفعال المكونة لها، فقد دلت على أن الجريمة إذا تكونت من عدة أفعال سواء بحسب طبيعتها أو طبقًا لخطة تنفيذها فإن كل من تدخل في هذا التنفيذ بقدر ما يعد فاعلاً مع غيره ولو أن الجريمة لم تتم بفعله وحده بل تمت بفعل واحد أو أكثر ممن تدخلوا معه فيها متى وجدت لدى الجاني نية التدخل تحقيقًا لغرض مشترك هو الغاية النهائية من الجريمة بحيث يكون كل منهم قد قصد قصد الفاعل معه في إيقاع تلك الجريمة المعنية وأسهم فعلاً بدور في تنفيذها، وكان من المقرر أيضًا أن القصد الجنائي في جريمة التزوير في أوراق البنوك إنما يتحقق بتعمد الجاني تغيير الحقيقة في ورقة من أوراق البنوك بطريق الغش بالوسائل التي نص عليها القانون بما قد يرتب ضررًا للغير وبنية استعمال المحرر فيما غيرت من أجله الحقيقة، وأن تقدير قيام هذا القصد أو عدم قيامه – من ظروف الدعوى – يعد مسألة متعلقة بالوقائع تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب.

ولا يلزم لصحة الحكم بالإدانة في هذه الجريمة أن يتحدث الحكم صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركانها ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليها. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم الابتدائي المؤيد والمكمل بالحكم المطعون فيه في بيان واقعة الدعوى وما عوّل عليه من أدلة الإثبات وفي مقام رده على دفاع الطاعن بانتفاء علمه بأن البطاقات الائتمانية التي استعملها المتهمون الآخرون ليست لهم أو غير مفوضين من أصحابها في استعمالها، كافيًا للتدليل على أن الطاعن وباقي المتهمين من الثاني إلى الرابع قد اتفقت كلمتهم على الاستيلاء على أموال المجني عليهم أصحاب البطاقات المسروقة والتي يعلم الطاعن بهذه الحقيقة – وذلك عن طريق الشراء بموجبها على أن يتم دفع القيمة عن طريق الخصم من أموالهم المودعة في البنوك واقتسام حصيلة ما يستولون عليه من أموال،

وأن كل متهم أسهم تحقيقًا لذلك بالدور الذي أُعِدَ له في خطة تنفيذ تلك الجريمة حيث ساهم الطاعن بتمكين باقي المهتمين من دخول الكويت وإقامتهم فيها واصطحابهم إلى المحال التجارية التي يعرف أصحابها أو العاملين فيها حتى يتمكن شركاؤه من الشراء منها بموجب البطاقات المسروقة دون أن يطالبوا بإثبات صفاتهم – على النحو الذي بينه الحكم – فإن ما انتهى إليه الحكم من اعتبار الطاعن فاعلاً مع غيره من المتهمين للجرائم التي دانه بها وتوافر أركانها القانونية في حقه وقيام القصد الجنائي لديه يكون قد اقترن بالصواب بما يضحى معه منعى الطاعن عليه في هذا الخصوص غير سديد، كما أن ما يثيره الطاعن من نفي للاتهام وقول باعتقاده في سلامة البطاقات الائتمانية وأن باقي المتهمين مفوضون من أصحابها في الشراء بموجبها، وأن ما قام به لا يجاوز عمل من أعمال السمسرة المشروعة، لا يعدو أن يكون من قبيل الجدل الموضوعي فيما استقر في عقيدة المحكمة عن حقيقة الواقعة للأسباب السائغة التي أوردتها مما لا يقبل معه معاودة التصدي له أمام محكمة التمييز.

4 – إذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى اعتبار الجرائم المسندة إلى الطاعن مرتبطة ببعضها ارتباطًا لا يقبل التجزئة وأوقع عليه عقوبة واحدة عنها هي المقررة لجريمة التزوير في ورقة من أوراق البنوك – موضوع التهمة الأولى – بحسبانها الجريمة ذات العقوبة الأشد إعمالاً لحكم المادة 84 من قانون الجزاء وسلم من العوار الذي نعاه الطاعن عليه بشأنها، فإنه لا جدوى مما يثيره في شأن جريمة الاشتراك في السرقة بعد وقوعها موضوع التهمة السادسة والتي لم يؤاخذه الحكم عنها بعقوبة مستقلة ويضحى نعيه بخصوصها غير منتج.

الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلاً من: 1 – ……. (طاعن) 2 – …… 3 – …… 4 – …… 5 – ……. 6 – ……. 7 – ……. بأنهم خلال شهر مارس 2003 بدائرة المباحث الجنائية – بدولة الكويت.

1 – المتهمون من الأول – الطاعن – وحتى الرابع: ارتكبوا تزويرًا في ورقة من أوراق البنوك بقصد استعمالها على نحو يوهم بأنها مطابقة للحقيقة هي كشوف العمليات الخاصة ببنك الكويت الوطني بأن قاموا باستخدام بطاقات ماستر كارد الخاصة بالمجني عليهم “……، ……، …….، …….، …….” وذلك بتمريرها بالجهاز المعد لذلك بمحل المتهم السادس وتوصلوا إلى سحب المبلغ موضوع التهمة الرابعة قيمة شراء لعمليتي بيع بذات المحل خصمًا من حساب المجني عليهما (…..)، (…..) “لدى البنوك خارج البلاد وبغير تفويض منهما في ذلك وقيدت العمليات في كشوف بنك الكويت الوطني على خلاف الحقيقة التي أعدت هذه الكشوف لإثباتها وهي حصول السحب من الحساب بواسطة العميل أو من يمثله، وكانت المحررات بعد تغيير الحقيقة فيها صالحة لأن تستعمل على هذا النحو.

2 – المتهمون من الأول – الطاعن – وحتى الرابع أيضًا: ارتكبوا تزويرًا في ورقة من أوراق البنوك بقصد استعمالها على نحو يوهم بأنها مطابقة للحقيقة هي كشف العمليات لدى بنك الخليج بأن قاموا باستخدام بطاقة ماستر كارد الخاصة بالمجني عليه……. وذلك بتمريرها بالجهاز المعد لذلك بمحل المهتم السابع وتوصلوا إلى سحب المبلغ موضوع التهمة الخامسة قيمة شراء عملية بيع ذات المحل من حساب المجني عليه لدى البنك خارج البلاد وبغير تفويض منه في ذلك وقيدت العملية في كشوف العمليات لدى بنك الخليج على خلاف الحقيقة التي أعدت هذه الكشوف لإثباتها وهي حصول السحب بواسطة صاحب الحساب أو من يمثله وكان المحرر بعد تغيير الحقيقة فيه صالحًا لأن يستعمل على هذا النحو.

3 – المتهمون من الخامس وحتى السابع:……

4 – المتهمون من الأول – الطاعن – وحتى السادس: توصلوا بطريق التدليس إلى الاستيلاء على مبلغ ثمانية آلاف دينار كويتي من حساب المجني عليهما……، ……. لدى البنوك خارج البلاد بأن انتحل المتهمون من الأول وحتى الخامس صفة غير صحيحة هي أنهم صاحبي الحق في السحب من حساب المجني عليهما وبموافقة المتهم السادس من إتمام عمليتي الشراء من محله مما حمل البنوك المسحوب عليها من خصم قيمة الشراء من حساب كل من المجني عليهما وعلى الوجه المبين بالتحقيقات.

5 – المتهمون من الأول – الطاعن – وحتى الخامس والمتهم السابع: توصلوا بطريق التدليس إلى الاستيلاء على مبلغ ألفان ومائتان وخمسون دينار كويتي من حساب المجني عليه…… لدى البنك خارج البلاد بأن انتحل المتهمون من الأول وحتى الخامس صفة غير صحيحة هي أنهم صاحبي الحق في السحب من الحساب وبموافقة المتهم السابع من إتمام عملية الشراء بمحله مما حمل البنك المسحوب عليه على خصم قيمة الشراء من حساب المجني عليه على الوجه المبين بالتحقيقات.

6 – المتهمون من الأول – الطاعن – وحتى الخامس: سرقوا بطاقات ماستر كارد الخاصة بالمجني عليهم المبينة أسمائهم في الأوراق وعلى النحو المبين في التحقيقات. وطلبت معاقبتهم بالمواد 48/ ثانيًا، ثالثًا، 52/ 1، 219، 231، 232، 257، 259/ 1 من قانون الجزاء. وبتاريخ 15/ 2/ 2004 قضت محكمة الجنايات – غيابيًا – للطاعن والمتهم الثاني – وحضوريًا – لباقي المتهمين: أولاً: بحبس كل من الطاعن والمتهمين الثاني والثالث والرابع ثلاث سنوات مع الشغل والنفاذ عما أسند إليهم، وأمرت بإبعاد المتهمين من الثاني وحتى الرابع عن البلاد بعد تنفيذ العقوبة. ثانيًا: ببراءة كل من المتهمين الخامس والسادس والسابع مما أسند إليهم. فعارض الطاعن في هذا الحكم. وبتاريخ 5/ 9/ 2004 قضت المحكمة المذكورة برفض المعارضة وبتأييد الحكم المعارض فيه. استأنف الطاعن، وبتاريخ 8/ 12/ 2004 – وبعد أن عدلت محكمة الاستئناف قيد ووصف التهمة السادسة بالنسبة للطاعن بجعلها الاشتراك مع المتهمين الثاني والثالث والرابع في سرقة بطاقات الماستر كارد بعد وقوعها والمؤثمة بالمواد 49/ ثانيًا وثالثًا، 55/ 1، 219 من قانون الجزاء – قضت المحكمة المذكورة برفض الاستئناف وبتأييد الحكم المستأنف. فطعن الطاعن في هذا القضاء بطريق التمييز.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه انه إذ دانه بجرائم التزوير في أوراق البنوك والنصب والاشتراك في السرقة قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والتناقض والخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الأدلة التي عوّل عليها غير يقينية ولا تكفي أو تصلح لإدانته بهذه الجرائم، وكذلك الحال بالنسبة لتحريات الشرطة التي استند إليها الحكم، وهو ما أفصحت عنه المحكمة عندما أطرحت هذه الأدلة بالنسبة لمتهمين آخرين في الدعوى وقضت ببراءتهم.

هذا إلى أن جريمة التزوير في أوراق البنوك غير قائمة في الأوراق، لعدم توافر أركانها في حقه، فهو لم يرتكب أي فعل مادي من الأفعال المكونة لها، أو يساهم فيه، وإنما ارتكبها من استخدموا البطاقات الائتمانية في الشراء كما أن القصد الجنائي اللازم لقيام تلك الجريمة غير متوافر بدوره في حقه لانتفاء علمه بأن تلك البطاقات غير خاصة بالمتهمين الثاني والثالث والرابع أو أنهم غير مفوضين من أصحابها في استخدامها، ولا يكفي لتوافر أركان الجريمة وقيام القصد الجنائي لديه مجرد مصاحبته لهؤلاء الأجانب أو تواجده معهم في بعض المحال التجارية إذ أن ذلك كان بحكم كفالته وضيافته لهم فضلاً عن صلته بأصحاب هذه المحال وتقاضيه منهم عمولة تجارية مقابل ما يجلبه لمحالهم من عملاء، وهي من أعمال السمسرة المعروفة في الأعمال التجارية وغير مؤثمة أو محظورة وأخيرًا فإن المحكمة الاستئنافية عدلت وصف جريمة السرقة موضوع التهمة السادسة المسندة إليه من فاعل أصلي إلى الاشتراك فيها وبعد وقوعها دون أن تلفت نظره أو تنبهه إلى هذا التعديل، ورغم انتفاء أركان هذه الجريمة وفقًا لأي من الوصفين المذكورين في حقه. وذلك كله يعيب الحكم ويستوجب تمييزه.

وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن الطاعن قد اتفق مع المتهمين الأجانب الثاني والثالث والرابع على الحضور إلى دولة الكويت ومعهم بطاقات الائتمان (الماستر كارد) التي سُرقت من أصحابها في الخارج ليتمكنوا من استخدامها في الاستيلاء على أموالهم عن طريق الشراء بموجبها من المحال التجارية بالكويت واقتسام حصيلة ما يستولون عليه فيما بينهم ، وتنفيذًا لهذا الاتفاق استقدم الطاعن هؤلاء المتهمين إلى الكويت بعد أن استخرج لهم سمات دخول بكفالته وأقاموا معه بمسكنه خلال فترة تواجدهم بالبلاد ، ثم صحبهم إلى بعض المحال التجارية حيث قدمهم إلى أصحابها المعروفين لديه ، وقام المتهمون بشراء أشياء ثمينة وبضائع قيمتها عشرة آلاف ومائتين وخمسون دينار كويتي بموجب بعض البطاقات المشار إليها خصمًا من حساب أصحابها المجني عليهم لدى البنوك الأجنبية بغير علمهم أو تفويض منهم بواسطة الأجهزة الآلية الموجودة بتلك المحال والمعدة لهذا الغرض وتحويلها إلى حساب الجهة البائعة ،

وتم قيد عمليات السحب والإيداع تلك بالكشوف الخاصة بذلك ببنك الكويت الوطني وبنك الخليج على خلاف الحقيقة التي أعدت هذه الكشوف لإثباتها وهي حصول السحب من الحساب بواسطة العميل صاحب الحساب نفسه أو من يفوضه في ذلك ، وباتت تلك الكشوف بعد ما تم من تغيير للحقيقة فيها صالحة لأن تستعمل على هذا النحو، وبتفتيش مسكن الطاعن بمعرفة ضابط الواقعة تم ضبطه ومعه المتهمين المشار إليهم وبحوزتهم سبع عشرة بطاقة ائتمانية ماستر كارد بأسماء مختلفة من بينها تلك التي استعملت بالفعل في عمليات الشراء المار ذكرها.

وقد ساق الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعن على هذه الصورة أدلة استمدها من شهادة كل من ضابط الواقعة…… وتحرياته…… الموظف ببنك الكويت الوطني…… الموظف ببنك الخليج و…….. وما أسفر عنه تفتيش مسكن الطاعن من العثور على البطاقات الائتمانية. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأصل في المحاكمات الجزائية هو اقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه فله أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة يرتاح إليها إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، ولما كان قانون الجزاء لم يجعل لإثبات جرائم التزوير طريقًا خاصًا، بل تثبت بكافة طرق الإثبات المقررة في القانون، ولا تثريب على المحكمة إن هي عوّلت في تكوين عقيدتها على تحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دام أنها وثقت في جديتها وصحتها، وكانت محكمة الموضوع – بدرجتيها – قد اطمأنت لأدلة الإثبات آنفة الذكر التي أوردتها في حكمها إلى أن الطاعن ارتكب مع غيره الجرائم التي دانته بها، وكان في اطمئنان المحكمة إليها ما يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم التعويل عليها، وإذ كانت تلك الأدلة سائغة وكافية – ولها معينها الصحيح من الأوراق – ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، فإن منازعة الطاعن في هذه الأدلة ومدى كفايتها وصلاحيتها لإثبات إدانته على النحو الذي يثيره بأسباب طعنه ينحل جدلاً موضوعيًا في سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى لا تقبل إثارته أمام محكمة التمييز.

لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها وأنها حرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرها واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها إلى الأدلة ذاتها بالنسبة لمتهم آخر ما دام تقدير الدليل موكولاً إلى اقتناعها وحدها، ومن ثم فلا تثريب على الحكم المطعون فيه إن عوّل على أدلة الإثبات المار بيانها في حق الطاعن والمتهمين من الثاني حتى الرابع ودانهم بموجبها، ولم يعوّل على الأدلة ذاتها بالنسبة لباقي المتهمين الذين قضى ببراءتهم مما أسند إليهم للأسباب التي أوردها، ودون أن يعد ذلك تناقضًا في الحكم، ويكون منعى الطاعن في ذلك كله غير سديد. لما كان ذلك، وكانت المادة 47 من قانون الجزاء إذ نصت في فقرتها الأولى على أن يعد فاعلاً للجريمة من يرتكب وحده أو مع غيره الفعل المكون للجريمة أو يأتي فعلاً من الأفعال المكونة لها،

فقد دلت على أن الجريمة إذا تكونت من عدة أفعال سواء بحسب طبيعتها أو طبقًا لخطة تنفيذها فإن كل من تدخل في هذا التنفيذ بقدر ما يعد فاعلاً مع غيره ولو أن الجريمة لم تتم بفعله وحده بل تمت بفعل واحد أو أكثر ممن تدخلوا معه فيها متى وجدت لدى الجاني نية التدخل تحقيقًا لغرض مشترك هو الغاية النهائية من الجريمة بحيث يكون كل منهم قد قصد قصد الفاعل معه في إيقاع تلك الجريمة المعنية وأسهم فعلاً بدور في تنفيذها، وكان من المقرر أيضًا أن القصد الجنائي في جريمة التزوير في أوراق البنوك إنما يتحقق بتعمد الجاني تغيير الحقيقة في ورقة من أوراق البنوك بطريق الغش بالوسائل التي نص عليها القانون بما قد يرتب ضررًا للغير وبنية استعمال المحرر فيما غيرت من أجله الحقيقة، وأن تقدير قيام هذا القصد أو عدم قيامه – من ظروف الدعوى – يعد مسألة متعلقة بالوقائع تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب. ولا يلزم لصحة الحكم بالإدانة في هذه الجريمة أن يتحدث الحكم صراحة واستقلالاً عن كل ركن من أركانها ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليها. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم الابتدائي المؤيد والمكمل بالحكم المطعون فيه في بيان واقعة الدعوى وما عوّل عليه من أدلة الإثبات وفي مقام رده على دفاع الطاعن بانتفاء علمه بأن البطاقات الائتمانية التي استعملها المتهمون الآخرون ليست لهم أو غير مفوضين من أصحابها في استعمالها، كافيًا للتدليل على أن الطاعن وباقي المتهمين من الثاني إلى الرابع قد اتفقت كلمتهم على الاستيلاء على أموال المجني عليهم أصحاب البطاقات المسروقة والتي يعلم الطاعن بهذه الحقيقة – وذلك عن طريق الشراء بموجبها على أن يتم دفع القيمة عن طريق الخصم من أموالهم المودعة في البنوك واقتسام حصيلة ما يستولون عليه من أموال، وأن كل متهم أسهم تحقيقًا لذلك بالدور الذي أُعِِدَ له في خطة تنفيذ تلك الجريمة حيث ساهم الطاعن بتمكين باقي المهتمين من دخول الكويت وإقامتهم فيها واصطحابهم إلى المحال التجارية التي يعرف أصحابها أو العاملين فيها حتى يتمكن شركاؤه من الشراء منها بموجب البطاقات المسروقة دون أن يطالبوا بإثبات صفاتهم –

على النحو الذي بينه الحكم – فإن ما انتهى إليه الحكم من اعتبار الطاعن فاعلاً مع غيره من المتهمين للجرائم التي دانه بها وتوافر أركانها القانونية في حقه وقيام القصد الجنائي لديه يكون قد اقترن بالصواب بما يضحى معه منعى الطاعن عليه في هذا الخصوص غير سديد، كما أن ما يثيره الطاعن من نفي للاتهام وقول باعتقاده في سلامة البطاقات الائتمانية وأن باقي المتهمين مفوضون من أصحابها في الشراء بموجبها، وأن ما قام به لا يجاوز عمل من أعمال السمسرة المشروعة، لا يعدو أن يكون من قبيل الجدل الموضوعي فيما استقر في عقيدة المحكمة عن حقيقة الواقعة للأسباب السائغة التي أوردتها مما لا يقبل معه معاودة التصدي له أمام محكمة التمييز. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى اعتبار الجرائم المسندة إلى الطاعن مرتبطة ببعضها ارتباطًا لا يقبل التجزئة وأوقع عليه عقوبة واحدة عنها هي المقررة لجريمة التزوير في ورقة من أوراق البنوك – موضوع التهمة الأولى – بحسبانها الجريمة ذات العقوبة الأشد إعمالاً لحكم المادة 84 من قانون الجزاء وسلم من العوار الذي نعاه الطاعن عليه بشأنها، فإنه لا جدوى مما يثيره في شأن جريمة الاشتراك في السرقة بعد وقوعها موضوع التهمة السادسة والتي لم يؤاخذه الحكم عنها بعقوبة مستقلة ويضحى نعيه بخصوصها غير منتج.
لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا.