جريمة الرّشوة الانتخابية بين التّشريع الانتخابي و التطبيق القضائي

دراسة مقارنة (الجزائر، تونس، المغرب) نموذجا

 

د. يعيش تمام شوقيأستاذ محاضر صنف ” أ” د. شبري عزيزةأستاذة محاضرة صنف ” ب”
كلية الحقوق، جامعة بسكرة / الجزائر.
الملخص:
يتطرق موضوع المقال إلى جريمة الرشوة الانتخابية باعتبارها واحدة من أبرز الجرائم التي تؤثر سلبا على نزاهة وشفافية تنظيم العملية الانتخابية ، ومؤدى ذلك أنها تطال إرادة الناخبين فتنتقص من مبدأ حرية التصويت. أو تؤدي حتى إلى إلغائه والشاهد أن التشريعات المغاربية ( الجزائر، تونس ، المغرب) تصدّت كقاعدة عامة لجريمة الرشوة الانتخابية بالتنصيص عليها ضمن قوانينها الانتخابية حيث يستخلص منها صراحة أو ضمنا الأركان التي تقوم عليها، كما أحالت القوانين الانتخابية للدول المغاربية في بعض الجزئيات كما هو الحال بخصوص العقوبات المقررة لها إلى الأحكام العامة الواردة ضمن قوانينها العقابية والتي تفاوتت فيما بينها من حيث شدتها. والجدير بالملاحظة أن القضاء الانتخابي في المغرب وعلى خلاف نظيريه الجزائري والتونسي كان له مواقف ثرية وحاسمة بخصوص العناصر المكونة لجريمة الرشوة الانتخابية وكذا العقوبات المقررة لها

مقدمة:

يتأثر جمهور الناخبين مع اقتراب الفعل الانتخابي وفي مناسبات انتخابية رئاسية ، أو نيابية ، بضغوط متواصلة تمارسها الجهات المتدخلة في العملية الانتخابية من أحزاب سياسية ، مترشحين وجماعات مساندة، بحيث تنصب تلك الضغوط على إرادة الناخب بغرض توجيهه الوجهة التي تريدها تلك الجهات، أو بالأحرى التأثير على حرية الناخب وحمله على التّصويت لصالح مرشح أو أحزاب ، وهو ما يتسنى لها من خلال استعمال أساليب ومناورات يتم خلالها توظيف المال الانتخابي بمفهومه الواسع وذلك كنوع من الرشوة بهدف شراء أصواتهم، بشكل فردي أو جماعي.

ومن أجل كفالة مبدأ حرية التصويت عنت التّشريعات الانتخابية المغاربية على غرار التشريعات الانتخابية الأخرى بتجريم الأفعال التي من شأنها أن تؤثر حرية إرادة الناخبين في التصويت مما ينجم عنه وصول أشخاص إلى السلطة باستعمال مطية الرشوة الانتخابية وهو ما يتسنى للبعض من المتنافسين بسبب مركزهم المالي أو النفوذ الذي يملكونه دون متنافسين آخرين، وعلى هذا الأساس كان لابد من تحديد سياسة جنائية واضحة المعالم يتم من خلالها إضفاء حماية خاصة لمبدأ حرية التصويت وضمان عدم التلاعب به ، هذا ما يطرح موضوع البحث في الأركان التي تقوم عليها جريمة الرشوة الانتخابية في الأنظمة المغاربية ولأجل معالجة هذا الموضوع نطرح إشكالية مفادها: هل وفقت التشريعات الانتخابية لدول المغرب بالعربي في رسم معالم سياسة جنائية لمكافحة لجريمة الرشوة الانتخابية بما يوسع من نطاق الحماية الجزائية لمبدأ حرية التصويت؟ ، وما هو موقف القضاء الانتخابي المغاربي من ذلك؟، وهل استطاع مسايرة موقف المشرع في هذا الصدد؟.

حتى نقف بشكل جلي على هذه الجريمة، كان لابد علينا من تناولها من خلال أركانها الثلاث (المبحث الأول)، ومن ثم العقوبات المقررة لها (المبحث الثاني)

المبحث الأول : أركان جريمة الرشوة الانتخابية

تتمثل الرشوة الانتخابية في الفائدة أو العطية أو الهبة أو الوعد الذي يكون الغرض منها الإخلال بحرية التصويت، من حيث التأثير على إرادة الناخب لحمله على انتخاب مرشح معين أو الامتناع عن التصويت، بما يشكل إخلالا بالعملية الانتخابية( ) وتعد هذه الجريمة من أشد الجرائم الانتخابية خطورة وأكثرها شيوعا في الواقع العملي، وذلك لسهولة اقترافها من قبل بعض المرشحين من أصحاب المال، سواء تم ذلك بصورة مباشرة بواسطة المرشحين أم بصورة غير مباشرة عبر مندوبيهم وأنصارهم، وحتى تنهض هذه الجريمة لا بد من توافر ثلاثة أركان هي الركن المفترض(المطلب الأول)، الركن المادي (المطلب الثاني)، الركن المعنوي (المطلب الثالث).

الفرع الأول: الركن المفترض

تقتضي جريمة الرشوة وجود شخصين: الأول يقبل ما يعرض عليه من فائدة أو وعد بها أو يطلب شيئا من ذلك، مقابل قيامه بعمل أو امتناعه عن عمل، فذلك هو الموظف في جريمة الرشوة في مجال الوظيفة العامة، والناخب في جريمة الرشوة الانتخابية، والشخص الثاني يتقدم بالعطية أو الوعد بها ليؤدي له العمل أو الامتناع عنه، فذلك هو المواطن صاحب الحاجة أو المصلحة في جريمة الرشوة العادية ، والمرشح أو غيره في جريمة الرشوة الانتخابية ( )

وعلى هذا الأساس نجد أن جريمة الرشوة تتكون من جريمتين أحدهما ايجابية، والثانية سلبية ، هما جريمة الراشي وجريمة المرتشي، فجريمة الراشي أو صاحب الحاجة يصطلح عليها الفقهاء تسمية الجريمة الايجابية، وجريمة المرتشي الذي يأخذ المقابل أو يقبله أو يطلبه يصطلح عليها تسمية الجريمة السلبية .

وجريمة الرشوة الانتخابية لا تتطلب صفة خاصة تتعلق بشخص الراشي بأن يكون أحد المرشحين فيستوي أن يكون أحد المرشحين أو أن يكون غيره ممن تتوافر بشأنهم هذه الصفة ، وذلك لعموم صياغة النصوص القانونية حيث لم يشترط المشرع الانتخابي الجزائري والمغربي، والتونسي أية صفة معينة للراشي ( )

حيث عبر المشرع الجزائري صراحة عن ذلك بـــــ ” …كل من قدم هبات نقدا أو عينا أو وعد بتقديمها ، وكذلك كل من وعد بوظائف عمومية أو خاصة أو مزايا أخرى خاصة … ، وكل من حصل أو حاول الحصول على أصواتهم سواء مباشرة أو بواسطة الغير ، وكل من حمل أو من حاول أن يحمل ناخبا ….” ( )

كما عبر المشرع المغربي صراحة بـــــ” ..كل من استعمل هدايا أو تبرعات نقدية أو عنية أو ووعد بها أو وظائف عامة أو خاصة أو منافع أخرى..أو استعمل نفس الوسائل لحمل أو محاولة حمل مصوت أو عدة مصوتين على الإمساك عن التصويت. “( )

وعبر كذلك بــــ ” …كل شخص قام خلا الحملة الانتخابية بتقديم هدايا أو تبرعات أو وعود بها أو هبات إدارية إما لجماعة ترابية أو لمجموعة من المواطنين ، سواء كان قصد التأثير في تصويت النّاخبين أو بعض منهم “( )

كما عبر المشرع التونسي صراحة بـــــ”… كل شخص تم ضبطه بصدد تقديم تبرعات نقدية أو عينية قصد التأثير على الناخب أو استعمل نفس الوسائل لحمل الناخب على الإمساك عن التصويت …”( )

أما بالنسبة لصفة المرتشي فيقتضي أن يكون ناخبا، وهو الشخص الذي يأخذ أو يطلب أو يقبل العطية أو الوعد بها ، ويشترط أن تتوافر بشأنه صفة الناخب أي أحد أعضاء هيئة الناخبين وقت ارتكاب السلوك الإجرامي دون توقف على استمرار تمتعه بهذه الصفة بعد تمام السلوك الإجرامي ، كما لا يشترط صحة قيده في جداول الانتخاب، ومن ثم فإن صفة الناخب تعد ” شرطا مفترضا ” في جريمة الرشوة الانتخابية ولا اكتمال لنموذجها القانوني بغير تحقق هذه الصفة “( )

وان كان كل من المشرعين الجزائري والمغربي طبقا لأحكام المواد المذكورة أعلاه لم يشترطا صراحة في المرتشي أن يكون ناخبا عند النص على جريمة قبول أو طلب الهبات أو الوعود ، حيث جاءت العبارة على إطلاقها أين عبر المشرع الجزائري عنها في المادة 224 فقرة 2 من القانون العضوي للانتخابات رقم 12/01 بـــــ” …وتطبق نفس العقوبات على كل من قبل أو طلب نفس الهبات أو الوعود …” وعند المشرع المغربي جاءت عبارة ” … يحكم بالعقوبات المشار إليها أعلاه على الأشخاص الذين قبلوا أو التمسوا الهدايا أو التبرعات أو الوعود ….” ( )

وهو الأمر الذي يفهم منه أن القبول أو الطلب قد يرد من شخص الناخب أو غير الناخب، وهناك من ذهب في تفسير الغرض من ذلك بأنه يتمثل في مواجهة المرتشي إذا كان شخصا اعتباريا وليس شخصا طبيعيا ( )

أما بالنسبة للمشرع التونسي ومن خلال الفصل 161 مطة 1 المذكور أعلاه نلاحظ بأنه اقتصر على تجريم فعل الراشي بتقديم التبرعات النقدية أو العينية قصد التأثير على الناخب، أو استعمال نفس الوسائل لحمل الناخب على الإمساك عن التصويت دون أن ينصّ على تجريم فعل المرتشي أي القبول أو الطلب بنفس الوسائل.

أما بخصوص الوسيط وهو الراشي في جريمة الرشوة الانتخابية، فلا يشترط فيه أي صفة خاصة، فقد يكون أحد أعضاء هيئة الناخبين أو غيره، فالوسيط في الرشوة الانتخابية مثله مثل الوسيط في جريمة الرشوة الوظيفية، وهو الشخص الذي يتوسط لصاحب المصلحة لدى الموظّف العام للقيام بعمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه.وفي مجال الرشوة الانتخابية هو ذلك الشخص الذي يمثل حلقة الوصل بين المرشح والناخب وذلك عن طريق التدخل لدى الراشي أو المرتشي بنشاط يصدر من جانبه يكون من شأنه العمل على الإيجاب الصادر من الراشي مع القبول الصادر من المرتشي أو العكس( )

وبالنظر إلى ما جاء به المشرع الجزائري في نص المادة 211 من القانون العضوي 16/10 والتي تنص “… كل من قدم هبات نقدا أو عينا أو وعد بتقديمها ، وكذلك من حصل أو حاول الحصول … وكل من حمل أو حاول أن يحمل ناخبا أو عدة ناخبين ، …. وتطبق نفس العقوبات على كل من قبل أو طلب …”، وبالنظر كذلك إلى ما جاء به المشرع التونسي في الفصل 161 مطة 1 التي تنص ” كل شخص تم ضبطه بصدد تقديم .. أو استعمل نفس الوسائل لحمل الناخب …” نجد أنهما لم يشيرا بشكل واضح وصريح لمسألة الوساطة في جريمة الرشوة الانتخابية، ونجد أن العبارة جاءت مطلقة ، ودليل إطلاقها لفظ ” كل من ” ومن ثم نستشف بأن الوسيط هو الآخر مخاطب بالتجريم، طالما أنه ارتكب فعل منح الفائدة أو على الأقل عرضها على الناخب لحمله على إبداء رأيه على وجه معين ( )

وهذا بخلاف المشرع المغربي الذي نص صراحة على جنحة الوساطة في جريمة الرشوة الانتخابية على وجه الخصوص، وأفرد لها فترة قانونية ، وذلك بعد أن كشفت التجربة أن مجموعة من سماسرة الانتخابات والوسطاء يفتلون من العقاب خاصة وأن القواعد العامة للاشتراك الجنائي لا تكفي لاستيعاب كل حالات الانحراف الانتخابي في هذا الصدد( )، لذا تدخل المشرع وأضاف فقرة جديدة تتعلق بفعل التجريم من جانب الراشين والمرتشين وهم الوسطاء حيث جاء في العبارة “وكذا الأشخاص الذين توسطوا في تقديمها ….”( )

وقد أكد القضاء الجنائي في المغرب من قبل على هذه المسألة في إحدى قراراته قبل أن يتدخل المشرع الانتخابي لينص عليه ، والتي جاء فيها” …. وحيث أنه كون المتهم ليس ناخبا ولا مرشحا، فإن ما قام به يشكل جنحة التوسط في تقديم وعود نقدية قصد الحصول على أصوات الناخبين لأحد المرشحين لانتخاب تجديد ثلث أعضاء مجلس المستشارين.” ( )

وكان هذا القرار قد بني على حكم سابق لنفس المحكمة بتاريخ 30/11/2006 والذي جاء فيه “أن ثبوت جنحة الوساطة في الرشوة الانتخابية في حق أحد المتهمين يكون كافيا للقول بإدانة المتهم المرشح من أجل جنحة الحصول أو محاولة الحصول على أصوات الناخبين بفضل تقديم الأموال والهدايا والتبرعات…. لأنّ هذه الجنحة – إلى حد هذا الحكم – تتحقق سواء قام بها الفاعل مباشرة أو بواسطة الغير.”

لذلك نهيب بكل من المشرعين الجزائري والتونسي أن يحذو حذو المشرع المغربي بخصوص النص صراحة على تجريم الوساطة في الرشوة الانتخابية بصفة منفردة، مع تحديد فترة زمنية يعتد بها لقيام مسؤولية الوسيط حتى لا يترك الأمر على إطلاقه، ويؤدي إلى إفلات الكثيرين من العقاب رغم تسهيلهم ارتكاب هذه الجريمة.

الفرع الثاني :الركن المادّي

إن الركن المادي في جريمة الرشوة الانتخابية يتكون من ثلاثة عناصر هي:

السّلوك الإجرامي، النتيجة الإجرامية، والعلاقة السببية بين السلوك والنتيجة الإجرامية ، والسلوك الإجرامي يتحقق بوسائل عديدة غير مشروعة، حيث مما يلاحظ بخصوصها توسع كل من المشرعين الجزائري والمغربي في دائرة وسائل الإغراء التي قد يلجا إليها الجاني لاستمالة الناخبين وإضفاء عدم المشروعية على استعمال تلك الوسائل، حيث استخدم المشرعين الجزائري والمغربي ألفاظا فضفاضة ينذر بإدخال ما لا يعد ولا يحصى من الأفعال في دائرة التجريم ( )

حيث عدد المشرع الجزائري في نص المادة 211 من القانون العضوي 16/10 تلك الوسائل والتي تتوزع كما يلي:

– الهبات سواء كانت نقدية أو عينية أو وعد بتقديمها

– الوعد بالوظائف عمومية أو خاصة

– وختم المشرع سلسلة الوسائل بوسيلة ” مزايا أخرى خاصة ” دون تحديد هذه المزايا ، ولكن المشرع الجزائري نص على مصطلح المزية في جريمة رشوة الموظفين العموميين في المادة 25 من قانون رقم 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته في عبارة ” بمزية غير مستحقة”، وتعني المزية المقابل أو الفائدة أو المنفعة التي يحصل عليها المرتشي أين كان اسمها أو نوعها، سواء كانت هذه الفائدة أو المنفعة مادية أو غير مادية صريحة أو مستترة مشروعه أو غير مشروعه.

وحسنا فعل المشرع الجزائري عندما استخدم عبارة المزايا لأن هذه الأخيرة أوسع وأشمل وتحول دون خروج بعض الصور وإفلاتها من العقاب تحت مسميات مختلفة. وبهذا قد تكون المزية ذات طبيعة مادية أي مالية كالنقود، المجوهرات الهدايا، الهبات، العطايا، لأن جميعها يمكن أن تقويمه بالمال، كما قد تكون المزية ذات طبيعة معنوية كحصول الموظف على ترقية أحد أقاربه أو السعي للإفراج عن سجين ( )

ولم يكد يختلف المشرع المغربي عن نضيره الجزائري في هذا الشأن حيث ذكر مجموعة من الوسائل في المواد المشار إليها أعلاه وهي على النحو الآتي:

– الهدايا أو الهبات كيفما كان شكلها، سواء كانت هدية مادية، كتوزيع مبالغ مالية أو تقديم ألبسة أو تجهيزات منزلية،أو كانت هدية معنوية كتنظيم تكريم لمجموعة من الشباب أو المسنين في فترة انتخابية.

– التبرعات ، سواء كانت نقدية كتقديم مبالغ مالية أو فتح حسابات بنكية للغير أو تسليم شيكات أو كانت عينية كتوزيع مواد غذائية او تقديم محلات للسكن( ).

– الوعد بالهدايا أو التبرعات أو تقديم وعود بشأن توفير وظائف عامة أو خاصة،أو أي مناصب شغل في قطاع الدّولة أو في قطاع خاص ، وفي هذا الصدد اعتبرت محكمة الاستئناف بطنجة من خلال إحدى قراراتها” أن الوعود التي يقدمها المرشح لناخبيه يجب أن تبقى مقتصرة على تلك التي لها طابع عام والتي تدخل في مهام المنصب النيابي الذي يقع التنافس بشأنه، وأن تنأى عن الوعود الشخصية التي قد يحصل عليها الناخب قبل الإدلاء بصوته أو على إثر الإدلاء به.”( )

ويتفق موقف المحكمة هنا مع من يرى أن مجرد الوعد بتوفير وظائف عامة أو خاصة يبقى أمرا مشروعا، ذلك لأن برامج الأحزاب والمرشحين لا تخلو من الوعد بذلك ( )

– الوعد بمنافع أخرى دون أن يحدد تفصيل لهذه المنافع والتي يقصد بها كل ما يشبع حاجة فردية سواء ترتب عليه فائدة مالية أو شخصية فلا ينصرف الاصطلاح إلى الأشياء وحسب، بل يشمل كافة المساعدات والتخفيضات والتسهيلات في الدفع ، كالتعيين لوظيفة أو النقل من وظيفة إلى أخرى( )

أما بخصوص الوسائل المستخدمة في جريمة الرشوة الانتخابية حسب توجه المشرع المغربي خلال الحملة الانتخابية وطبقا للنصوص القانونية المشار إليها سلفا، فتتمثل في الهدايا والتبرعات أو وعود بها هبات إدارية إما لجماعة ترابية وإما لمجموعة من المواطنين، وعبارة الهبات الإدارية تقابلها في القانون الفرنسي في المادة 108 منه عبارة “faveurs administratives “

وبخلاف المشرعين الجزائري والمغربي، فإن المشرع التونسي اقتصر عند ذكر وسائل الإغراء في الفصل 161 مطة 1 السابق ذكره على تقديم التبرعات النقدية أو العينية من أجل التأثير على الناخب أو حمله على الإمساك على التصويت، بعكس المشرعين الجزائري والمغربي كما رأينا واللذين استخدما عبارات مفتوحةـ فالمشرع الجزائري استخدم عبرة مزايا أخرى ، والمشرع المغربي استخدم عبارة منافع أخرى ” .ولا شك أن استخدام مثل هذه العبارات يلقي بالمسؤولية الكبيرة على القاضي الذي يجب أن يستعمل أقصى سلطته التقديرية لتحديد الوسائل الإغرائية التي تنهض كدليل يؤثر تأثيرا حقيقيا وسلبيا على حرية تصويت الناخبين وتلك التي لا تعتبر كذلك.

والجدير بالإشارة أن الوسائل الإغرائية في جريمة الرشوة الانتخابية لا يشترط فيها أن تكون مشروعة، لأنها قد تأتي كذلك في صورة غير مشروعة كالمواد المخدرة أو الأشياء المتحصّلة من سرقة( )

فضلا على كل ما سبق ذكره نجد أن كل من المشرعين الجزائري والمغربي نصا على تجريم وسائل عرض الرشوة بتوجيهها الى جماعة من الناخبين، وليس فقط إلى ناخب بعينه بعبارة ” …ناخب أو عدة ناخبين .. ، وهو نفس التوجه الذي أخذ به المشرع الفرنسي كذلك في المادة 108 من قانون الانتخابات ، في حين اكتفى المشرع التونسي في المادة 161 فقرة 1 مطة 1 السالف ذكرها بتجريم تقديم تبرعات نقدية أو عينية إلى الناخب دون ذكر عبارة جموع الناخبين.

واللافت أنه اتفق كل من المشرعين الجزائري والمغربي دون المشرع التونسي على المسؤولية الجنائية عن سلوك الغير من خلال استمالة أصوات الناخبين باستعمال الوسائل الإغرائية، سواء تم ذلك بطريقة مباشرة من الفاعل نفسه أو بواسطة الغير، أي بمعنى تتقرر في حقهم مسؤولية المرشحين عن فعل غيرهم في الحصول أو محاولة الحصول على أصوات الناخبين

أما بخصوص وسائل الركن المادي لجريمة الرشوة الانتخابية ، فقد تتم بواسطة العرض أو الوعد أو تقديمها من قبل المرشح أو من له مصلحة في ذلك أو في حالة قبول أو طلب أو اخذ الناخب أو الوسيط الوسائل الإغرائية. والمقصود بالطلب هنا الرغبة والتعبير عن إرادة وينطوي على حث الراشي لتقديم الرشوة أو الوعد بها، وإذا كان الطلب عملا أوليا في فعل الرشوة إلا أنه كاف لتتم به الجريمة ( )

وعليه تتم الجريمة بمجرد الطلب دون اشتراط استجابة صاحب الحاجة لذلك الطلب، والأصل في الطلب أن يكون شفويا، ولكن ليس هناك ما يمنع حصوله كتابة إذا ما صيغ بعبارات تؤدي إلى ذلك ،كما يستوي أن يكون الطلب في صورة إشارة( )

أمّا القبول فيختلف عن الطلب كونه يفترض سلوكا من جانب الراشي سواء كان في صورة عطية أو عرضا أو وعد به. ويتطلب لتحقق هذه الصورة تلاقي إرادة الراشي وإرادة المرتشي دون أن يتوقف على تنفيذ الوعد أو العرض، ولا يشترط في القبول صورة معينة، فقد يصدر صراحة أو ضمنا، كتابة، أو شفاهة، وإذا كان الغالب فيه أن يصدر شفاهة وصراحة وضمنا إلا أنه نادرا ما يقع كتابة لتفادي إثبات الإدانة( )

وقبول الناخب للهدايا أو الهبات أو التّبرعات الانتخابية وغيرها، يفترض أن يكون هناك عرضا أي إيجابا من جانب المرشح أو الغير، ويجب أن يكون الناخب عالما بأن الغرض أو الهبة هو تصويته لفائدة مقدمها، أما إذا كان جاهلا للغرض الذي قدمت من أجله، فلا تتحقق الجريمة كأن يتسلم” مبلغا ماليا ” اعتقادا منه أن الأمر يتعلق بعمل خير محض ( )

ونفس الأمر بالنّسبة للأفعال التي تكون بإعطاء أو العرض أو المنح أو الوعد والالتزام به، والتي تصدر من شخص غير الناخب سواء كان “مرشحا” أو وكيلا ” انتخابيا “أو وسيطا، وذلك بغرض حمل الناخب على التصويت أو تغيير مجرى اتجاه إرادة النّاخب في التصويت ( )

وفي كل الأحوال يمكن ملاحظة أن المشرع الانتخابي في دول المغرب العربي استهدف من خلال تجريم الرشوة الانتخابية تجريم كل فعل يعمد إليه المرشح أو غيره بإفساد الناخبين أو النيل من حريتها تحت وطأة الإغراء المالي أو المعنوي أو تقديمه، وقد يتم ذلك بأداء الناخب عملا ” ايجابيا ” متمثلا في التصويت لصالح مرشح بعينه دون غيره ، وقد يكون مقابل امتناع أو عملا “سلبيا” متمثلا في عدم التصويت لصالح مرشح آخر بعينه سواء كان هذا الراشي هو المرشح أو غيره ، وهذا هو الغرض من الرشوة الانتخابية ( )

قد لخصت المحكمة الابتدائية بالرشيدية بالمغرب العناصر والأساليب السابق تفصيلها والتي تقوم على أساسها المسؤولية الجنائية عن جريمة الرشوة بالقول أن ” الإدانة من أجل جريمة انتخابية تتعلق بالحصول على أصوات الناخبين عن طريق تقديم المنافع قصد التأثير على تصويتهم تقتضي توفر العناصر التكوينية التالية:

ثبوت صفة الفاعل باعتباره مرشحا
حصول تقديم المنفعة إما مباشرة أو بواسطة الغير
الحصول على صوت من قدمت له المنفعة
صفة الطرف المدني المتضرر تثبت لكل مواطن ناخب تم التلاعب بإرادته واختياره الانتخابي.( )
والجدير بالذكر أن القوانين الانتخابية المغاربية تباينت من حيث التوقيت الزمني لارتكاب جريمة الرشوة الانتخابية، حيث حددها المشرع الجزائري بالنطاق الزمني لمرحلة التصويت وهو ما يستشف بوضوح من خلال عبارة ” بقصد التأثير على ناخب أو عدة ناخبين عند قيامهم بالتصويت …” في حين أن المشرع المغربي ترك المجال الزمني دون تحديده أو تقييده بمدة أو مرحلة معينة، فقد تقع قبل أو أثناء أو بعد التصويت، غير أنه لم يعتمد نفس الصياغة بخصوص نفس الجريمة خلال الحملة الانتخابية التي سبقت الإشارة إليها، حيث تفترض مثل هذه الصياغة أن نفس الأعمال والمتمثلة في تقديم هدايا أو تبرعات أو وعود بها هبات إدارية إما لجماعة إدارية وإما لمجموعة من المواطنين لا يمكن أن تطالها المتابعة الجزائية، وبالتالي العقاب عليها إذا اقترفت خارج الحملة الانتخابية ، مع العلم أن مثل هذه الأفعال غالبا ما يتم اللجوء إليها من طرف المرشحين باستمالة أصوات الناخبين سواء قبل انطلاق الحملة أو بعد تصويته كمكافئة لاحقة لهم.

وأمام هذه الوضعية يتوجب على المشرع المغربي حذف عبارة ” خلال الحملة الانتخابية” أو اعتماد الصياغة التي وردت في المادة 62 من القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب ، والمادة 62 من القانون التنظيمي رقم 28.11 المتعلق بمجلس المستشارين، والمادة 65 من القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، وقد سبقت الإشارة إليه ( )

أما بخصوص المشرع التونسي فقد حدد النطاق الزمني لجريمة الرشوة الانتخابية في الفصل 161 فقرة 1 مطة 1 قبل الاقتراع أي قبل إدلاء الناخب بصوته،أو أثناء الاقتراع أو بعده.

وفي كل الأحوال يشترط لتمام الركن المادي لجريمة الرشوة الانتخابية أن يتم تقديم العطية أو الفائدة أو المنفعة أو الوعد بها أو الطّلب أو القبول مقابل التأثير على رأي الناخبين أو مجموعة منهم في الانتخاب عن طريق إبداء الرأي على نحو معين أو الامتناع عن الإدلاء بما يتفق ومصلحة الراشي، وهذا ما يسمى بعنصر النتيجة الإجرامية بوصفها عنصرا من عناصر الركن المادي للجريمة، مع ضرورة وجود العلاقة السببية بين السلوك والنتيجة، بحيث لولا هذا السلوك لما وقعت النتيجة الإجرامية.

ومع ذلك ، فإن مسألة الشروع في جريمة الرشوة الانتخابية تبقى أمرا واردا ولازما للوقوع، مما يجعلها تختلف بالضرورة عن مفهوم المحاولة أو الشّروع المنصوص عليه في قانون العقوبات بحسب مسلك القضاء في المغرب، حيث ذهبت في هذا الصدد محكمة الاستئناف بالقنيطرة إلى اعتبار ” أن طلب المرشح المتهم من بعض الأعضاء الالتحاق بمنزله لبحث موضوع الزيادة المطالب بها من طرفهم يشكل شروعا في تنفيذ الركن المادي لجريمة محاولة الحصول على أصوات ناخبين مقابل مبالغ مالية، والتي لم تتحقق لسبب خارج عن إرادته تمثل في عدم حضور من ذكر من الأعضاء إلى منزله “( )

وفي قرار آخر ذهبت محكمة الاستئناف ببني ملال إلى القول بأن ” وجود مبالغ مالية بحوزة الأضناء الثلاثة هي شروع في تنفيذ محاولة الحصول على أصوات عدة الناخبين لا لبس فيها على أساس أن تلك المبالغ تعتبر تبرعات القصد منها التأثير في تصويت هيئة من الناخبين” ( )

كما قضت محكمة الاستئناف بفاس ” أن جنحة محاولة الحصول على أصوات ناخبين مقابل مبالغ مالية أو الوعد بها تتحقق بمجرد الوعد بمبالغ مالية قصد الحصول على أصوات الناخبين، ولا مجال لإعمال الفصل 114 المتعلق بالمحاولة، لأن الأمر هنا لا يتعلق بمفهوم المحاولة الكلاسيكي من بدء في التّنفيذ، وانعدام العدول الإرادي ، وإنما بجنحة منصوص عيها في المادتين 100،102 من مدونة الانتخابات، والتي تتحقق وتكتمل أركانها بمجرد الوعد بمبالغ مالية”.( )

الفرع الثالث: الركن المعنوي

تعتبر جريمة الرشوة الانتخابية حسب توجه التشريعات الانتخابية المغاربية من الجرائم العمدية، والتي يتحقق ركنها المعنوي بتوافر القصد الجنائي العام الذي يتطلب توافر عنصري العلم والإرادة، بأن ما يقوم به المرشح أو غيره من الوعد بتقديم مزايا وإغراءات مادية أو معنوية، وفي المقابل ما يقبله الناخب أو من يقوم مقامه من نصيب فيها يعتبر عملا مجرما قانونا ومعاقب عليه

إلا أنه تجب الإشارة أنه والى جانب هذا القصد العام اشترط المشرع الانتخابي في دول المغرب العربي قصدا جنائيا خاصا، والمتمثل في نية التأثير على الناخب من خلال التصويت لصالح مرشح معين أو الامتناع عن التصويت، وهذا ما عبرت عنه القوانين الانتخابية لدول المغرب العربي السّابق ذكرها بعبارة ” … قصد التأثير على الناخب …”. على الرغم من الصعوبة قد تثار بخصوص إثبات نية التأثير على الناخب ،كونها مسألة داخلية ونفسية يصعب الكشف عنها وإثباتها.

ناهيك على أن جريمة الرشوة الانتخابية وبحسب رأينا تنهض معنويا بتوافر القصد الجنائي العام على نحو ما أشرنا إليه دون الحاجة إلى القصد الخاص، ذلك أن التأثير على موقف الناخب ومثلما يمكن أن يحصل بطرق مشروعة تؤدي إلى توجيه اختياراته بحسب قوة وتأثير برنامج المرشّح في الناخب خلال الحملة الانتخابية عن طريق تسويقه خلال التجمعات، والبرامج الإذاعية والتلفزية، يمكن أن تحصل من باب أولى بطريق غير مشروع يتمثل في الرّشوة الانتخابية عن طريق شراء أصوات الناخبين.

وعلى هذا الأساس، فإننا نرى ضرورة أن يكتفي المشرع الانتخابي بالقصد الجنائي العام في تقرير المسؤولية الجنائية في هذه الحالة، بما يضمن توسيع نطاق الحماية الجنائية لإرادة النّاخبين من جهة، وضمان عدم إفلات الجناة المتلاعبين بهذه الإرادة من جهة أخرى.

المطلب الثالث: العقوبات المقررة لجريمة الرشوة الانتخابية

لم يكن موقف التّشريعات الانتخابية المغاربية موحد بخصوص العقوبات المقررة لجريمة الرشوة الانتخابية، وهذا الاختلاف يرتبط بنوعية العقوبات من حيث كونها أصلية أو تكميلية، كما يرتبط من ناحية أخرى بشدة هذه العقوبات ومدى تناسبها مع طبيعة وخطورة الرشوة الانتخابية، وبين هذا وذاك تظهر صراحة المشرع أحيانا، وعدم وضوحه أحيانا أخرى، وعلى هذا الأساس سوف نتناول بشكل مستقل هذه المسألة في كل من الجزائر(الفرع الأول)، المغرب(الفرع الثاني)، تونس(الفرع الثالث).

الفرع الأول: وضع المسألة في الجزائر

لقد تشدد المشرع خلال المادة 211 من القانون العضوي رقم 16/10 المتعلق بنظام الانتخابات في عقوبة جريمة الرشوة الانتخابية واعتبرها جنحة معاقبة بالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة من 200.000 دج إلى 1.000.000 وقبل ذلك كان المشرع الانتخابي يحيل إلى قانون الوقاية من الفساد ومكافحته في تحديد عقوبة جريمة الرشوة ، والتي جاءت متطابقة بين القانونين ( )

ويبدو للوهلة الأولى أن المشرع الجزائري تعامل مع جريمة الرشوة الانتخابية على أساس مساواتها بالرشوة العادية التي يرتكبها الموظف العام ، على الرغم من اختلاف هدف وأطراف كل منهما، فإذا كانت الرشوة العادية تؤدي إلى فساد الوظيفة العامة في الدولة، فإن الرشوة الانتخابية تؤدي بحسب رأينا إلى فساد العملية الانتخابية وبالتالي فساد الديمقراطية التي هي أساس الاستقرار لأي وظيفة داخل الدولة، مما يقتضي بنظرنا أن يختلفا بالتبعية في نوعية وطبيعة العقوبات المقررة لكل واحدة منهما.

واللّافت للانتباه أنّ المشرع الجزائري أقرّ إلى جانب العقوبات الأصلية المشار إليها عقوبات أخرى تكميلية ووجوبية، ولكن ليس من خلال قانون الانتخاب ،أو قانون الوقاية من الفساد بل من خلال المادة 106 من قانون العقوبات الذي جاء فيه ” أن كل مواطن يشتري أو يبيع بأي ثمن كان بمناسبة الانتخابات يعاقب بالحرمان من حقوق المواطن ، ومن كل وظيفة أو مهمة لمدة سنة على الأقل وخمس سنوات على الأكثر

ومن خلال هذا النص يتبين لنا أن المشرّع الجزائري استخدم مصطلح مواطن بدل مصطلح موظف أو شخص، ورغم أهمية هذا مصطلح؛ لأنه يستوعب كل من يتلاعب بالأصوات الانتخابية سواء كان ناخبا أو مرشحا أو وسيطا أو غير ذلك ، إلا أنه لا يستوعب الشخص الاعتباري الذي يتاجر بالأصوات الانتخابية، لهذا يكون من الأفضل لو يستخدم المشرع مصطلح “شخص” بدل مصطلح ” مواطن “

وبناء عليه أصبح العقاب على جريمة الرشوة الانتخابية يتجاوز الإحالة المباشرة والصريحة من القانون العضوي للانتخاب إلى قانون الوقاية من الفساد ومكافحته كما كان عليه الحال قبل صدور القانون العضوي 16/01 المتعلق بنظام الانتخابات ليطال قانون العقوبات، مما يدفع حتما إلى القول أن منطق الإحالة التي اعتمدها المشرع الانتخابي تبقى غير سليمة ودون جدوى خاصة وأننا بصدد نصوص جنائية لا يحتمل فيها التأويل أو التفسير، مادام أن قانون الوقاية من الفساد ومكافحته فلت من نطاقه تحديد العقوبات التّكميلية لجريمة الرشوة.

والجدير بالذكر بعد ما سبق أنه أضافت المادة 211 في فقرتيها الأخيرتين من القانون العضوي 12/01 عذر قانوني يعفي من العقوبة لكل من قبل هبات نقدا أو عينا، وأخطر السلطات المعنية بالوقائع ، كما يتعين تخفيض العقوبة إلى النصف متى تم تبليغ السلطات بعد مباشرة الإجراءات( )

ويبقى لنا أن نشير في الأخير أن المشرع الجزائري ومن خلال القانون العضوي للانتخاب أقر صراحة أنه في حالة النطق بالعقوبات المقررة في المادة 211 من قانون الانتخابات، فإن ذلك يكون سببا كافيا لإلغاء نتائج الانتخاب وإعادته من جديد( )، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على خطورة، وتأثير جريمة الرشوة الانتخابية على مسار العملية الانتخابية ككل، وليس أدل على ذلك من تشديد المشرع في عقوباتها.

الفرع الثاني: وضع المسألة في المغرب

رغم أن المشرع الانتخابي المغربي قرر الجمع الإلزامي بين عقوبة الحبس وعقوبة الغرامة على غرار نظيره الجزائري، إلا انه لم يتشدد في العقوبة بنفس درجة تشدد المشرع الجزائري، حيث قرر عقوبة الحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 50.000دج إلى مئة ألف درهم لكل من حصل أو حاول الحصول على صوت ناخب أو أصوات عدة ناخبين بفضل هدايا أو تبرعات نقدية أو عينية أو وعد بها أو بوظائف عامة أو خاصة أو منافع أخرى، أو استعمل نفس الوسائل لحمل أو محاولة حمل ناخب أو عدة ناخبين على الإمساك على التّصويت. ويحكم بنفس العقوبات المشار إليها أعلاه على الأشخاص الذين قبلوا أو التمسوا الهدايا التبرعات أو الوعود . كما نصّ المشرع المغربي على الحكم بنفس هذه العقوبات على الأشخاص الذين توسطوا في تقديمها أو شاركوا في ذلك ( )

كما يعاقب بالعقوبات نفسها كل شخص قام خلال الحملة الانتخابية بتقديم هدايا أو تبرعات أو وعود بها أو هبات إدارية إما لجماعة ترابية، وإما لمجموعة من المواطنين سواء كانت بقصد التأثير على عدد كبير من الناخبين أو بعض منهم ( )

ويبقى للقاضي في المغرب أن يحكم بهذه العقوبات من خلال مراعاة وضع وظروف المتهم المدان مثلما ذهبت إلى ذلك محكمة الاستئناف ببني ملّال من خلال قرارها المشار إليه من قبل والذي جاء فيه” …..وحيث أن تفريد العقاب في نازلة الحال بالنسبة للأضناء الذين اقتنعت هذه الغرفة بإدانتهم من أجل الأفعال التي ناقشتها بالنسبة لكل مدان يقتضي تدرج العقوبة بحسب أهمية كل مدان، مع تمتيعهم فرادى بمقتضيات المادة 55 من القانون الجنائي بخصوص العقوبة الحبسية بعد خفضها اعتبارا إلى عدم ثبوت أية متابعة ضدهم ، وباعتبارهم أرباب أسر، واعتبارا إلى فكرة الردع المنوط من العقوبة لهم.

ومما يحسب للمشرّع الانتخابي المغربي دون المشرعين الجزائري والتونسي أنه قرر مضاعفة العقوبات المشار إليها سابقا إذا كان مرتكب جريمة الرشوة الانتخابية موظفا عموميا ومأمورا من مأموري الإدارة أو جماعة ترابية ( )

وهكذا جعل المشرع المغربي من صفة الموظف العام ظرفا مشددا لعقوبتي الحبس والغرامة معا، والحكمة من التشديد في هذه الحالة تكمن في صيانة الوظيفة العامة حتى لا يتم استغلال الوظيفة العام لاقتراف هذه الجريمة، لأنّ صفة الوظيفة تسهل للجاني اقتراف الجريمة( ).

كذلك رتب المشرع الانتخابي المغربي على جريمة الرشوة الانتخابية وبقوة القانون العقوبات الإضافية، وهي الحرمان من التصويت لمدة سنتين ومن حقّ التّرشح للانتخابات لفترتين نيابيتين متتاليتين( )،وهي تشكل عقوبات تبعية يتعين تطبيقها بحكم القانون، ولو لم يحكم بها القاضي المغربي، فهي عقوبة حتمية تتبع حتما العقوبة الأصلية، ورغم أن هذه العقوبات جاءت عامة تشمل المرشح وغير المرشح، إلا أن محكمة الاستئناف بالجديدة اتجهت من خلال إحدى قراراتها إلى تضييق نطاق تطبيق هذه العقوبة وذلك بقولها ” إن الحرمان من حق التّرشيح إنما ينطبق على المرشّح عملا بنقيض قصده، ولا تطبق على الناخب أو المشارك أو الوسيط( )”

الفرع الثالث: وضع المسألة في تونس

بالتركيز على موقف المشرّع الانتخابي التونسي من هذه المسألة يمكن أن نلاحظ أنه جاء في موقف وسط بين كل من المشرعين الجزائري والمغربي ، حيث قرر بخصوص جريمة الرشوة الانتخابية عقوبة السجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبخطية مالية من ألف إلى ثلاثة آلاف دينار لكل شخص تم ضبطه بصدد تقديم تبرّعات نقدية أو عينية قصد التّأثير على النّاخب أو استعمل نفس الوسائل لحمل الناخب على الإمساك عن التصويت سواء كان ذلك قبل الاقتراع أو أثناءه، أو بعده( )، ويعاقب بنفس العقوبة المقرّرة لنفس الفاعل الأصلي كل من الشريك أو الوسيط أو المحرض ( ).

وبالإضافة إلى العقوبات الأصلية المشار إليها، أقرّ المشرع الانتخابي التّونسي بتسليط عقوبة تكميلية تقضي بالحرمان من الحق في الاقتراع لمدة لا تقل عن سنتين ولا تتعدى ستة سنوات على مرتكب جريمة الرشوة الانتخابية إذا ما سلط القاضي الجنائي على الجاني عقوبة بالسجن لمدة سنة أو أكثر( )

ومعنى ذلك أن القاضي إذا ما حكم بعقوبة السجن لأقل من سنة، فإن الجاني لا يطبق في حقه هذه العقوبة التكميلية، خاصة وأن القاضي له السلطة التقديرية بين الحد الأدنى وهو ستة أشهر والحد الأقصى المقدر بثلاث سنوات.ولو أننا نرى بخلاف ذلك أن مثل هذا الاشتراط ليس له ما يبرره من الناحية القانونية خاصة وأن العقوبات التكميلية تكون ضرورية في مادة الرشوة الانتخابية لردع المتهم سواء كان ناخبا، أم مرشحا أو غيره إلى جانب العقوبات الأصلية، وذلك كله بصرف النظر عن نوعية ودرجة أو شدة هذه الأخيرة.

وعليه يكون من المفيد لو يطلق المشرّع التونسي مبدأ تطبيق العقوبات التّكميلية في هذه الحالة كما فعل المشرّعين الجزائري والتونسي دون ربطها بالعقوبات الأصلية، خاصة وأننا بصدد جريمة انتخابية واحدة، وسلوك إجرامي واحد.

خاتمة

في ختام هذه الدراسة نخلص إلى جملة من النتائج على النحو التالي:

– لم يشترط المشرع الانتخابي في دول المغرب العربي بخصوص جريمة الرشوة الانتخابية أي صفة خاصة للراشي، بل جاء النص التّجريمي في هذا الصدد عاما. وعليه يستوي في هذا الراشي أن يكون أحد المرشحين في الانتخابات أو أن يكون غيره.

– اتفقا كل من المشرعين الجزائري والتونسي في عدم النص بشكل صريح وقاطع من خلال النصّ القانوني المتعلق بالرشوة الانتخابية على تجريم فعل الوساطة في هذه الجريمة ،ولكن هذا لا يمنع من شمول المسؤولية الجزائية للوسيط كذلك بالنظر إلى كون أن النص جاء عاما ومطلقا لاستخدامه عبارة ” كل من”، وهذا خلافا لما أقرّه المشرع الانتخابي المغربي الذي نص بشكل صريح قاطع على جنحة الوساطة في جريمة الرشوة الانتخابية.

– ساوى المشرع الانتخابي الجزائري بين جريمتي الرشوة العادية والرشوة الانتخابية بخصوص العقوبات الأصلية المقررة لكليهما من خلال النص عليها في صلب قانون الانتخابات ، والتي تتطابق مع عقوبة جريمة رشوة الموظف العام المنصوص عليها في قانون الوقاية من الفساد ومكافحته، على الرغم من اختلاف هدف وأطراف كل منهما.

– أحسن ما فعل المشرع الانتخابي المغربي دون المشرعين الجزائري والتونسي عندما أقر بمضاعفة العقوبات متى كان مرتكب جريمة الرّشوة الانتخابية موظفا عموميا أو مأمورا من مأموري الإدارة المحلية، كل ذلك بما يحفظ ويصون نزاهة الوظيفة العامة داخل الدولة.

قائمة المصادر والمراجع

قائمة المصادر
أولا: النصوص القانونية

– النصوص القانونية للجمهورية الجزائرية

1) القانون العضوي رقم 16/10 المؤرخ في 25/08/2016 المتعلق بنظام الانتخابات، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، عدد 50 بتاريخ 28/08/2016.

2) القانون رقم 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، المؤرخ في 20 فبراير 2006، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، عدد 14، بتاريخ 8 مارس 2006.

– النصوص القانونية الخاصة بالمملكة المغربية

1) القانون التنظيمي رقم 11/27 المتعلق بمجلس النواب، الجريدة الرسمية للمملكة المغربية، عدد 5987، بتاريخ 17/10/2011.

2) القانون التنظيمي رقم 11/28 المتعلق بمجلس المستشارين، الجريدة الرسمية للمملكة المغربية، عدد 5997 بتاريخ 22/11/2011.

3) القانون التنظيمي رقم 11/59 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، الجريدة الرسمية للمملكة المغربية ، عدد 5997 مكرر، بتاريخ 22/11/2011.

4) القانون رقم 11/57 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة وعمليات الاستفتاء واستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية خلال الحملات الانتخابية والاستفتائية ، الجريدة الرسمية للمملكة المغربية ، عدد

– النصوص القانونية الخاصة بالجمهورية التونسية

1) القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 مؤرخ في 26/05/2014 يتعلق بالانتخابات والاستفتاء، الرائد الرسمي للجمهورية التونسية، عدد 42 بتاريخ 27/05/2014.

ثانيا: القرارات القضائية الخاصة بالقضاء المغربي

1) قرار محكمة الاستئناف بتازة عدد 174-07، في الملف الجنحي العادي عدد 1516-06 الصادر بتاريخ 07/02/2007

2) قرار محكمة الاستئناف بطنجة ، في الملف الجنحي عدد 4441-06/16 الصادر بتاريخ 14/01/2007

3) قرار رقم 329/2003 الصادر عن الغرفة الجنحية بتاريخ 23/09/2003

4) قرار استئنافي عدد 8154/06 في الملف الجنحي عدد 8380/06 الصادر بتاريخ 29/12/2006

5) قرار استئنافي عدد 546 في الملف الجنحي عدد 5196/06 الصادر بتاريخ 07/02/2007

6) قرار الصادر في الملف الجنحي عدد 4107/06/1 بتاريخ 02/02/2007.

قائمة المراجع

أولا: الكتب

1) عدنان الفيل ، جريمة الرشوة الانتخابية،(دراسة مقارنة)، دار الجامعة الجديدة: الإسكندرية، 2012.

2) ماهر عبد الشويش ، شرح قانون العقوبات القسم الخاص، المكتبة القانونية: بغداد، ط 2 ، بدون سنة نشر

3) محمد صبحي نجم ، قانون العقوبات، القسم الخاص، دار الثقافة للنشر والتوزيع: عمان، ط 1، 2006

4) نضال ياسين الحاج حمو وآخرون ، التنظيم القانوني للجرائم الانتخابية في التشريع البحريني، سلسلة الدراسات، المعهد البحريني للتنمية السياسية: البحرين، 2015،

5) يوسف وهابي، الجرائم الانتخابية في التشريع المغربي، دراسة مقارنة بأنظمة انتخابية جنائية غربية (فرنسا، إسبانيا وإنجلترا)، وعربية (الجزائر، تونس، مصر، الأردن، اليمن، والكويت)، بدون دار نشر: بدون بلد نشر، ط1، 2007

ثانيا: الأطروحات

1) محمد علي عبد الرضا عفلوك ، الجرائم الماسة بنزاهة الانتخابات، دراسة مقارنة، أطروحة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في فلسفة القانون، كلية القانون، جامعة بغداد، 2007.

2) حاحة عبد العالي، الآليات القانونية لمكافحة الفساد الإداري في الجزائر، أطروحة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه علوم الحقوق، تخصص قانون عام ، كلية الحقوق والعلوم السياسية ، جامعة محمد خيضر، بسكرة ، 2012/2013.

ثالثا: المقالات

1) علوي جعفر، (السياسة الجنائية في مواجهة الجرائم المرتبطة بالانتخابات بالمغرب)، أشغال ندوة حول موضوع أي نظام انتخابي للجماعات المحلية في ظل العهد الجديد؟، مطبعة انفو برانت: الليدو، فاس، ط1، 2001.

2) فهد عبد العظيم صالح، (الرشوة الانتخابية كأحد جرائم التأثير على إرادة الناخبين)، مقال منشور على الموقع الالكتروني http//www.nazah.iq/body.asp .