اتجهت السلطة المالية في العراق إلى عدم جواز خصم الخسائر الرأسمالية، وكان أساس هذا الاتجاه هو عدم وجود نص يسمح بخصم الخسائر الرأسمالية، أي عدم وجود نص يعتبر الأرباح الرأسمالية مصدراً من مصادر الدخل الخاضعة للضريبة .فمن الناحية العملية يخرج من تقديرات السلطة المالية عند تقدير دخل المكلف وفرض الضريبة عليه ما يعتبر من الخسائر الرأسمالية التي يتعرض لها المكلف، فالتصرف في الأصول الثابتة المخصصة لإنتاج الدخل سواء كانت أصولاً مادية كما هو الحال في بيع المصانع أو المخازن أو كانت أصولاً معنوية كما في بيع الامتيازات أو براءات الاختراع، لا تكون الخسائر الناجمة عن هذا التصرف بهذه الأصول أو الأموال محلاً للخصم من وعاء الضريبة على الدخل(1). ويرى الباحث إن اتجاه السلطة المالية في عدم خصم الخسائر الرأسمالية على أساس إن المشرع لم ينص على اعتبار الأرباح الرأسمالية من بين مصادر الدخل الخاضعة للضريبة هو اتجاه غير سليم من ناحيتين:

الناحية الأولى: إن المشرع الضريبـي العراقي خصص لمعاملة ومعالجة الخسائر التي يتعرض لها المكلف نصاً خاصاً وصريحاً وذلك في المادة الحادية عشرة من قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982 المعدل(2). وعند الاطلاع على النص المذكور نلاحظ إن عبارة الخسائر الواجبة الخصم جاءت مطلقة وكما مر بنا بيان ذلك، فلم يحدد المشرع في النص نوع الخسارة الواجبة الخصم، وطالما كان المطلق يجري على إطلاقه ما لم يرد بالنص ما يقيده فتكون الخسائر الرأسمالية من بين الخسائر الواجبة الخصم، لذلك نرى ضرورة تغيير اتجاه السلطة المالية وخصم الخسائر الرأسمالية.

الناحية الثانية: عند الاطلاع على نص المادة الثانية من قانون ضريبة الدخل رقم (113) لسنة 1982 المعدل نجد فيها ما يسمح بفرض الضريبة على الأرباح الرأسمالية التي يحققها المكلف وبالتالي جواز خصم الخسائر الرأسمالية، وذلك ما تضمنته الفقرة السادسة من المادة الثانية المشار إليها حيث نصت على : (تفرض الضريبة على مصادر الدخل الآتية: … كل مصدر آخر غير معفي بقانون وغير خاضع لأية ضريبة في العراق…).

وعلى أساس ذلك نلاحظ إن الأرباح الرأسمالية لم يرد ما يؤكد إعفاؤها من الضريبة بنص القانون، ولا تخضع للضريبة في الوقت ذاته ، حيث لم يتم تحديدها كمصدر من مصادر الدخل الخاضعة للضريبة كما هو عليه الحال في بقية المصادر الأخرى، وبالتالي يمكن الاستناد لذلك في فرض الضريبة على الأرباح الرأسمالية ومن ثم خصم الخسائر الرأسمالية. وتجدر الملاحظة إلى أن هناك استثناءً واحداً فيما يتعلق بعدم جواز خصم الخسائر الرأسمالية وهو إن الخسائر المتولدة عن نقل ملكية العقار تكون محلاً للخصم من وعاء الضريبة، أي أن هذه الخسائر تكون قابلة للخصم من ضريبة الدخل. إن سبب هذا الاستثناء هو إن الأرباح الناجمة عن نقل ملكية العقار تكون خاضعة للضريبة وتعتبر مصدراً من مصادر الدخل التي تفرض عليها الضريبة بنص القانون حتى وإن كان التصرف لأول مرة، وهذا ما حددته المادة الثانية من قانون ضريبة الدخل(3). إضافة إلى ذلك فإن جواز خصم الخسائر الرأسمالية المتولدة عن نقل ملكية العقار نادرة من الناحية العملية، وإن ما يجري عليه العمل بأن يتم التأكد من تعرض المكلف إلى خسارة رأسمالية فعلاً، عند ذلك يكون المكلف مخيراً بين أمرين هما(4):

الأمر الأول: أن يتنازل المكلف عن هذه الخسارة ولا يطالب بتدويرها وأن يعطي تعهداً خطياً بذلك، ويكون هذا التنازل عادة لصالح الخزانة العامة .

الأمر الثاني: المطالبة بتدوير هذه الخسارة من قبل المكلف، فيجري تقديرها من جديد وذلك بإجراء كشف على العقار وفقاً لأحكام قانون تقدير قيمة العقار رقم (85) لسنة 1978.

__________________

1- د. صالح يوسف عجينة، مصدر سابق، ص406. كذلك صدر قرار من لجنة الاستئناف الأولى رقم (15) بتاريخ 12/1/1981 والذي يؤكد عدم جواز خصم الخسائر الرأسمالية وقد جاء في نص القرار: (أما بخصوص خسارة الشركة المستأنفة (س) فقد وجد إن المادة الثانية من قانون ضريبة الدخل رقم (95) لسنة 1959 المعدل قد عددت مصادر الدخل التي تفرض الضريبة عليه ولم يكن من ضمنها الأرباح الرأسمالية وعليه فإن الخسارة الرأسمالية لا تعتبر من الخسائر التي تتولد من دخل الشركة عند التقدير ويتحملها المساهمون وعليه تعيين رد الاستئناف الواقع حول هذه النقطة وتأييد تقدير السلطة المالية)، مشار إلى ذلك لدى : د. عوض فاضل إسماعيل ، موقف المشرع العراقي من الخسارة الضريبية، مصدر سابق، ص62. د. طاهر الجنابي، مصدر سابق، ص216. الكتاب السنوي ، وزارة المالية، الهيئة العامة للضرائب، القسم القانوني، الجزء الثاني، 1985 ، ص78. وتجدر الملاحظة إلى أن الخسائر المتولدة عن إعادة التقدير لا تكون خاضعة للخصم من وعاء الضريبة أيضاً طالما كانت الأرباح المتولدة عن إعادة التقدير غير خاضعة للضريبة وتظهر الأرباح والخسائر المتولدة عن إعادة التقدير عادة عند لجوء المنشأة إلى إعادة تقييم وتقدير أصولها خلال الفترة التي تقوم فيها بإعداد الميزانية وما يترتب على إعادة التقدير للأصول من ظهور هذه الأرباح والخسائر، مشار إلى ذلك لدى : مدحت عباس أمين، نظرية التكاليف ، مصدر سابق، ص550. أنظر أيضاً د. مدحت عباس أمين، دراسات وبحوث ضريبية، مصدر سابق، ص23.

2- راجع نص المادة (10) من قانون ضريبة الدخل رقم (85) لسنة 1956 الملغى. كذلك نص المادة (11) من قانون ضريبة الدخل رقم (95) لسنة 1959 الملغى.

3- نصت الفقرة الرابعة من المادة الثانية من قانون ضريبة الدخل العراقي رقم (113) لسنة 1982 المعدل على ما يلي: (تفرض الضريبة على مصادر الدخل الآتية : … الأرباح الناجمة عن نقل ملكية العقار أو نقل حق التصرف فيه ولو لمرة واحدة بأية وسيلة من وسائل نقل الملكية أو كسب حق التصرف أو نقله كالبيع والمقايضة والمصالحة والتنازل والهبة وإزالة الشيوع وتصفية الوقف والمساطحة…) . كذلك أنظر مدحت عباس أمين، دراسات وبحوث ضريبية، مصدر سابق، ص23-24.

4- للضرائب ، قسم أرباح نقل ملكية العقار.

المؤلف : حيدر نجيب احمد فائق سعيد المفتي
الكتاب أو المصدر : الخسائر الضريبية في قانون ضريبة الدخل العراقي
الجزء والصفحة : ص61-63

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .