المـصـادرة

المصادرة confiscation، عقوبة، موضوعها استيلاء الدولة على كل مال المحكوم عليه بهذه العقوبة أو بعضه ونقل ملكيته إلى الحكومة أو إلى شخص من أشخاص القانون العام، فإذا شملت المصادرة المال جميعه كانت عامة، وقد بطلت هذه العقوبة في معظم بلاد العالم ومنها سورية، حيث نصت المادة 12من الدستور السوري لعام 1973على أن المصادرة العامة في الأموال ممنوعة، ولا تفرض المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي، وتجوز المصادرة الخاصة بقانون لقاء تعويض عادل.

وهذه المصادرة كعقوبة تختلف عن المصادرة أو الاستيلاء requisition بمعنى وضع السلطة العسكرية يدها على مال ثابت أو منقول أو تسخيرها لبعض الناس بأعمال تعينها لهم، فإذا كانت الحرب قائمة كان عملها استيلاء حربياً، وأما إذا لم تكن الحرب قائمة فيكون الاستيلاء مدنياً صادراً عن موظفين صدرت إليهم بذلك أوامر خاصة، وقد نصت الفقرة (و) من المادة (4) من قانون حالة الطوارئ في سورية رقم 51 تاريخ 22/12/1961؛ على أن للحاكم العرفي أو نائبه الاستيلاء على أي منقول أو عقار وفرض الحراسة الموقتة على الشركات والمؤسسات وتأجيل الديون والالتزامات المستحقة والتي تستحق على ما يجري الاستيلاء عليه.

وقد تناول المشرّع في سورية موضوع المصادرة في قانون العقوبات العام وفي قوانين خاصة، ومن مجمل النصوص يتبين أن المصادرة تعني نقل ملكية مال أو أكثر مما يمتلكه المحكوم عليه إلى الدولة؛ وأن خصائص المصادرة تكمن في أنها عقوبة مالية وهي عقوبة عينية ترد على مال معين، وقد تتحول استثناءً إلى عقوبة نقدية عند عدم ضبط مال معين وتقديمه، وهي عقوبة إضافية جوازية، وهناك نوعان من المصادرة نصّ عليهما قانون العقوبات السوري، هما كتدبير احترازي وكتعويض، فالمادة 69 من قانون العقوبات العام تقضي بأنه:

1- يمكن ـ مع الاحتفاظ بحقوق الغير ذي النية الحسنة ـ مصادرة جميع الأشياء التي نتجت عن جناية أو جنحة مقصودة أو التي استعملت أو كانت معدة لاقترافها.

2- يمكن مصادرة هذه الأشياء في الجنحة غير المقصودة أو في المخالفة إذا انطوى القانون على نص صريح.

3- إذا لم يكن قد ضبط ما تجب مصادرته؛ منح المحكوم عليه مهلة لأجل تسليمه تحت طائلة أداء قيمته حسبما يقدرها القاضي.

4- يمكن للمحكمة عند الاقتضاء الاستعانة بخبير لتقدير القيمة الواجب أداؤها؛ وتحصل القيمة المقدرة بالطريقة المتبعة في تحصيل الغرامة.

فالمجال الرئيسي للمصادرات هو الجنايات والجنح المقصودة ولا يقضي بها في جنحة غير مقصودة أو في مخالفة الإنباء على نص صريح. والمصادرة نوعان عامة، محلها ذمة المحكوم عليه بأكملها، وخاصة محلها شيء أو أشياء معينة بذواتها.

أما المصادرة الخاصة فهي المصادرة كعقوبةً إلا أنها قد تكون تدبيراً احترازياً وفق ما نصت عليه المادة 98 من قانون العقوبات، وقد يكون تعويضاً وفق ما نصت عليه المادة 134 من القانون ذاته أيضاً، والفارق الملموس بين المصادرة كعقوبة والمصادرة كتدبير احترازي هو أن الأولى ترد أصلاً في الأشياء التي تكون حيازتها مشروعة، ولكن قامت بينها وبين الجريمة صلة، إلا أن الثانية ترد على أشياء حيازتها غير مشروعة، وتختلفان بعد ذلك في أغراضهما، فالمصادرة كعقوبة تهدف إلى إنزال إيلام بالمحكوم عليه يستحق من أجل جريمته، أما المصادرة كتدبير احترازي فتهدف إلى الحيلولة بين حائز الشيء وبين أن يستعمله مستقبلاً في ارتكاب جريمة، أي غرضها توقي خطورة المحكوم عليه، وقد ترد المصادرة كتدبير احترازي على شيء مملوك لغيره، إذا ثبتَ الخطورة الجرمية فيه، والمصادرة عقوبة جوازية إضافية، لكنها تكون وجوبية حين تكون تدبيراً احترازياً، يضاف إلى هذا أن المصادرة كعقوبة تخضع لأحكام العقوبات في حين تخضع المصادرة كتدبير لأحكام التدابير الاحترازية.

ولعقوبة المصادرة الخاصة شروط تستخلص من الطبيعة القانونية لهذه المصادرة باعتبارها عقوبة إضافية، ثم من الشروط التي يجب أن تتوافر في الشيء حتى تثبت علاقته بالجريمة على نحو تجوز فيه مصادرته.

ويذهب الفقهاء إلى أن طبيعة المصادرة كعقوبة إضافية، تجعل من غير الجائز الحكم بها إلى جانب عقوبة أصلية؛ فالقاعدة أن العقوبات الإضافية لايقضى بها استقلالاً، وتطبيقاً لذلك فإن كل سبب يحول دون الحكم بالعقوبة الأصلية يحول كذلك دون الحكم بالمصادرة.

ويتوجب على القاضي الحكم بالمصادرة العينية إذا توافرت شروطها لديه؛ وليست له السلطة في الإعفاء منها. ويتضح الطابع الوجوبي لهذه المصادرة من صياغة المادة 98 من قانون العقوبات التي تقول:

– يصادر من الأشياء ما كان صنعه أو اقتناؤه أو بيعه أو استعماله غير مشروع، وإن لم يكن ملكاً للمدعى عليه أو المحكوم عليه، أو لم تفض الملاحقة إلى حكم.

– إذا لم يكن ما تجب مصادرته قد ضبط، يمنح المحكوم عليه أو المدعى عليه مهلة لتقديمه تحت طائلة أداء ضعفي قيمته حسبما يحددها القاضي.

– يمكن للمحكمة عند الاقتضاء الاستعانة بخبير لتقدير القيمة الواجب أداؤها وتحصيل القيمة المقدرة بالطريقة المتبعة في تحصيل الغرامة.

والمصادرة في التشريعات الاقتصادية هي أيضاً عقوبة إضافية، كما الشأن في قانون العقوبات العام، ولها أهمية خاصة لملاءمتها لطبيعة الجرائم الاقتصادية، وقد أوصى بها المؤتمر الدولي السادس لقانون العقوبات المنعقد في روما عام 1953، شريطة أن تكون المصادرة خاصة؛ وألا تمس حقوق الغير، وقد نصت على المصادرة أكثر التشريعات الاقتصادية في سورية، فقانون التموين والتسعير وضع نصاً عاماً يتضمن أنه في جميع الأحوال تضبط المواد أو السلع موضوع الجريمة، ويحكم بمصادرتها (مادة 38 ف 2)، ونصت المادة 21 من قانون قمع الغش والتدليس على أن تصادر البضائع والحاصلات التي يعدّ بيعها أو استعمالها أو حيازتها جنحة إذا كانت لاتزال لبائعيها أو الحائزين عليها، وكذلك فإن المرسوم التشريعي رقم 208 لسنة 1952 المتعلق بانتقال الأموال والقيم بين سورية والخارج وتنظيم مكتب القطع قد نصّ في (المادة 19 ف 3) على أنه: «يحكم لمنفعة مكتب القطع بمصادرة أو إعادة القيم والمطاليب موضوع المخالفة وبمصادرة الأرباح التي جناها المخالف من المخالفة وبمصادرة وسائل النقل التي استخدمها المخالف في إثبات المخالفة إذا كانت ملكاً له»؛ وهذا يعني أن المصادرة وجوبية، وهذا هو الغالب في التشريعات الاقتصادية التي تختلف من بلد إلى آخر.

وقد نصّ قانون الحراج السوري رقم 66 لعام 1953 على منع اقتناء الماعز في القرى الواقعة ضمن الحراج، وجعل مثل هذا الاقتناء خاضعاً لمصادرتها عينياً طبقاً لما ورد في المادة 98 من قانون العقوبات العام.