من المسائل المسلم بها في المقام أن المنحى التقليدي، كان يشدد على ضرورة مكافحة ظاهرة تعدد الجنسيات، مبينا الآثار السلبية التي يمكن أن تنجم عنها، إلا أن ما أنفرد به مسلك المشرع العراقي بعد عام 2003 ، هو الاتجاه الواضح نحو ألأخذ بمبدأ تعدد الجنسيات. فقد وضع قانون أدارة الدولة العراقية للمرحلة ألانتقالية حجر الأساس في هذا الميدان، عندما قررت الفقرة (ج) من المادة العاشرة منه مايلي : ((يحق للعراقي أن يحمل أكثر من جنسية واحدة….)). وجاء الدستور العراقي الجديد، النافذ لسنة 2005 ، بارا لمنهج قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية في نهجه المتقدم، إذ نصت المادة الثامنة عشر منه وبفقرتها الرابعة على أنه: – ((يجوز تعدد الجنسية للعراقي، وعلى من يتولى منصبا سياديا أو أمنيا رفيعا ، التخلي عن أية جنسية أخرى مكتسبة، وينظم ذلك بقانون)).والملاحظ على نص هذه الفقرة، إنها أشارت وبصراحة إلى مبدأ التعدد، وأكدت على ضرورة التخلي عن أية جنسية أخرى مكتسبة عند تولي المنصب السيادي أو الأمني الرفيع، ولكن لم نجد تطبيقا لهذا الاشتراط ((بالتخلي)) على أرض الواقع؟! ولم يشذ قانون الجنسية العراقية النافذ لسنة 2006 عن المسار المتقدم ، إذ نصت المادة العاشرة منه وبفقرتها الأولى على أنه: –

(( يحتفظ العراقي الذي يكتسب جنسية أجنبية بجنسيته العراقية مالم يعلن تحريريا عن تخليه عن الجنسية العراقية )) . وأشارت الفقرة الرابعة من المادة التاسعة، من نفس القانون، إلى أنه:-

(( لا يجوز للعراقي الذي يحمل جنسية أخرى مكتسبة أن يتولى منصبا سياديا أو امنيا رفيع ا إلا إذا تخلى عن تلك الجنسية)).والملاحظ على هذا الاتجاه التشريعي الجديد ما يلي: –

1- أن نص الفقرة الأولى من المادة العاشرة، من قانون الجنسية النافذ لسنة 2006 ، الى نصها بالفقرة أولا من المادة العاشرة من مشروع قانون الجنسية العراقية، المُعد من قبل مجلس شورى الدولة العراقي، والمقدم إلى سكرتارية مجلس الحكم الانتقالي بالعدد 77/ وبتاريخ 2/10/2003

2- أن المشرع العراقي أطلق هذا الأخذ(( بمبدأ التعدد))، ليشمل العراقية المتزوجة من غير العراقي، حيث أجاز لها، وعلى الرغم من أكتسابها لجنسية زوجها غير العراقي، أن تحتفظ بجنسيتها، مالم تعلن صراحة وبشكل تحريري تخليها عن الجنسية العراقية.

3- أن هذا المبدأ الذي قرره القانون العراقي، ليس بجديد في كل أبعاده وعلى المستويين الداخلي والدولي، ووفقا للإيضاح ألأتي: –

أ- أما على المستوى الداخلي: فيمكن القول أن قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل، قد أشارت ، إلى هذا المبدأ على صعيد التعامل مع أحكام قانون منح الجنسية للعرب رقم (5) لسنة 1975 والدليل على ذلك القرار الصادر عن المجلس المنحل والمرقم 890 لسنة 1985 . وكذلك ما أشار إليه قانون التعديل الثالث لقانون الجنسية الملغي لسنة 1963 (1) .

ب- أما على المستوى الدولي: فيمكن القول بأن أقرب الشواهد تشير إلى اعتماد المشرع المصري منهجا مساوقا لما ذكره المشرع العراقي من الأخذ بمبدأ تعدد الجنسيات (2) .

4- إننا لم نألف هكذا صياغة(صريحة) في القوانين العراقية السابقة، ولا حتى في اغلب القوانين المقارنة والمرجح أن هذا الموقف الجديد جاء لتحقيق مصلحة خاصة بالذين شرعوه، ويبقى أن نقول إننا نشاطر الاتجاه الداعي إلى معارضة هكذا مسلك ، اوعلى الأقل تقييده بأدنى حد((كإجازته ولفترة محددة في ميدان استرداد الجنسية العراقية عن الذين اسقطت عنهم هذه الجنسية لأسباب سياسية او طائفية واكتسبوا جنسية أجنبية او أكثر بعد هذا الإسقاط)) تلافيا للآثار السلبية الكثيرة المترتبة عليه(3)

5- كان حريا بالمشرع العراقي ان يكون دقيقا في معالجاته لموضوع تعدد الجنسيات، فلو أنه أخذ بالازدواج دون التعدد لكان أجدى مثلا في معالجته لمشكلة المواطن العراقي الذي عانى كثيرا من موضوع اسقاط الجنسية، ولكان بالإمكان أيضا الدفاع عنه ومساندته في مواجهة من يرى بأنه خرق المبادئ المثالية المستقرة دوليا في هذا المقام . ويمكن في ظل استمرار المشرع العراقي في إجازته لمبدأ التعدد أن نفترض ضرورة اشتراط أن يكون الطالب للجنسية العراقية مسلما، أو مضى على اعتناقه الإسلام مدة خمس سنوات، وهو ليس ببدع من الشروط، فقد نصت المادة 11 من قانون الجنسية الكويتي على انه :-

(…ضرورة ان يكون المتجنس مسلما بالميلاد اصلا او يكون قد مضى على اعتناقه الاسلام خمس سنوات على الاقل ).وكذلك ما اورده المشرع المغربي في قانون الجنسية النافذ لسنة 2007 وفي اطار الفصل التاسع اولا منه بالنص على: (…اذا كان هذا الأب ينتسب الى بلد تتألف اكثرية سكانه من جماعة لغتها العربية او دينها الاسلام وكان ينتمي الى تلك الجماعة).

6- أما بخصوص قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل ومنها قانون منح الجنسية العراقية للعرب رقم 5 لسنة 1975 : فلكل مُنصف أن يتساءل أيحق الالتزام بمثل هذا القانون المجحف بحق الشعب العراقي وكرامته؟ الم يحن الوقت بعد لإنهاء مهزلة قانون منح الجنسية رقم 5 لسنة 1975 وذلك من خلال معالجة الاثار التي مازال يُولدها؟ ألا يحق لنا التساؤل عن حكمة الحزب القائد؟!!! من وراء هذا القانون وفي نفس الوقت نلاحظ السيل الهادر من قرارات إسقاط الجنسية العراقية عن ابناء العراق وتحت ذرائع أبسطها انتماؤهم لأصول غير عربية أو عدم ولائهم للأهداف القومية(القمعية) العليا لثورة تموز في العراق لسنة 1968؟! من هنا كان من الاجدر بالمشرع العراقي أن يكون جديا في التعاطي مع أثار هذا القانون وكل قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل والمتعلقة بمنح الجنسية من أجل إنهاء هذه الصفحة المظلمة من تاريخ العراق، وليس أن يعمد المشرع العراقي في قانون 2006 إلى إعادة النص عليها ضمن الاسباب الموجبة لجنسية التأسيس العراقية!. ألم يكتف المشرع العراقي بمآسي السياسة العثمانية البغيضة في التعاطي مع أبناء الشعب العراقي واضطهادهم من خلال الاحكام التي وردت في قانون الجنسية الملغي لسنة 1924 والتي تعتبر العراقي من كان (عثمانيا )! فكيف نؤسس لمفهوم وطني أصيل ونحن نتبنى الاصل الاجنبي عنصرا مؤسسا للمفهوم الوطني!.وياليت الامر كان متساويا في اعتبار كل من كان موجودا في العراق عند تشريع قانون الجنسية الملغي لسنة 1924عراقيا دون الاقتصار على العثماني وان نفتح الباب لاحتضان أبناء العراق الذين مزقتهم السياسة العثمانية والتي جعلتهم وقودا لحروبها، أنأتي في نهاية المطاف لنتبنى المنهج العثماني التمييزي ونقول بأن من كان عثمانيا فهو عراقي، وكأننا استلمنا الامانة بإخلاص وساهمنا في ديمومتها كل ، هذه السنين لنحصد بأنفسنا ما زرعناه في قانون 1924 من ظلم وإجحاف، في قانون 1963 والكارثة في القانون النافذ لسنة 2006 . ثم ألا نعيش حالة التناقض عندما نعتبر قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل، ومنها قانون منح الجنسية العراقية للعرب، مصدرا لجنسية التأسيس ثم نعود لنُقرر إلغاء هذا القانون بأثر رجعي إلا إذا أدى إلى انعدام الجنسية م 21/2من قانون 2006 ونُقرر كذلك إعادة النظر في جميع قرارات منح الجنسية العراقية التي أصدرها النظام السابق لتحقيق أغراضه(م 6/4) ونؤكد على عدم منح الجنسية العراقية لأغراض سياسة التوطين السكاني المُخل بالتركيبة السُكانية في العراق(م 6/3) اليست كل قرارات المنح والاسقاط للجنسية العراقية التي عمَدَ إليها النظام السابق مبنية على الاخلال بالتركيبة السكانية للمجتمع العراقي؟!من هنا بات من الضروري والملح جدا ، ووفقا لما نراه، إلغاء كل القوانين الخاصة بمنح الجنسية العراقية (ومنها قانون رقم 5 لسنة 1975 وتعديله)، والصادرة عن مجلس قيادة الثورة المنحل، لأنها كانت مبنية على أسس سياسية مقيتة وظالمة، والعمل على تخيير كل من يتمتع بالجنسية العراقية وجنسية دولة أخرى إستنادا إلى تلك القرارات أما باختيار الجنسية العراقية والتخلي عن أية جنسية أخرى أو الالتزام بالعكس، ضمانا من بروز واستمرار حالة التعدد أولا ، ولأجل أعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي، ولأن ما بُني على الباطل باطل ويجب ألا يستمر. ولايمكن التقيد في هذه الحالة بمسألة التخلي التحريري والاختياري عن الجنسية العراقية الواردة في إطار القانون النافذ لسنة 2006 ، وذلك لأنها مسائل متعلقة بالعراقي بأصله أو من يتجنس بالطرق الطبيعية التي جاء بها القانون العراقي، في حين إن من تجنس إستنادا الى قرارات المجلس المنحل جاء بشكل استثنائي وغير طبيعي لتحقيق غايات تتعارض والمصلحة العُليا لدولة العراق.

7- لم يسمح المشرع العراقي بالتعدد في حالة واحدة ألا وهي الحالة المنصوص عليها في المادة التاسعة بفقرتها الرابعة، والمصرحة ب:- ( لا يجوز للعراقي الذي يحمل جنسية اخرى مكتسبة أن يتولى منصبا سياديا أو أمنيا رفيعا الا اذا تخلى عن تلك الجنسية) ، والمشكلة هي في تحديد معنى المنصب السيادي والامني، وليس هذا فقط بل إن المنصب السيادي وألأمني يجب أن يكون رفيعا لا عاديا ، فالمشرع لم يبين المقصود بالمنصب السيادي والامني العادي فضلا عن الرفيع؟! وهل هناك منصب سيادي وأمني غير رفيع؟! وإن كان هناك فبأي معيار يتم التمييز بينهما؟! كل ذلك لم نجد له جوابا شافيا !! علما ان التخلي يكون قبل ان يتسنم المنصب . مع التأكيد في هذا المجال على أن لجنة التعديلات الدستورية في مجلس النواب العراقي أعدت مسودة لتعديل هذا النص ووفقا للصيغة آلاتية: المادة 46،5/أ (المقترحة): ((يجوز تعدد الجنسية للعراقي، وعلى من يتولى منصبا سياديا أو أمنيا قياديا ، التخلي عن أية جنسية أجنبية أخرى.

ت- يعد منصبا سياديا وامنيا قياديا كل مما يأتي: ((رئيس الجمهورية ونوابه رئيس مجلس الوزراء وأعضاء المجلس رئيس مجلس النواب ،ورئيس مجلس الاتحاد ونوابهم من هو بدرجة وزير رئيس مجلس القضاء الأعلى رئيس المحكمة الدستورية ألاتحادية السفراء – رؤساء الهيئات المستقلة((مسؤولوا الأجهزة الأمنية)).فهنا أورد النص المقترح تعدادا لما يُمكن – أن ينضوي تحت عنوان المنصب السيادي وألأمني الرفيع والذي تحول الى قيادي بدلا من الرفيع، وهذا بطبيعة الحال عيب جديد في الصياغة الدستورية فكان يُفترض بالنص المقترح أن يُورد القاعدة في هذا المجال ويترك التفصيل لقوانين مفصلة ومُبينة للمُراد في المقام.

________________

1- لقد صدر القانون رقم 60 لسنة 1970 بتاريخ 314،3،1970 ، وهو قانون التعديل الثالث لقانون الجنسية الملغي لسنة 1963 ، حيث نص على أن:، تضاف العبارة التالية إلى أخر الفقرة (1) من المادة 11 :، ((ويجوز لوزير الداخلية استثناء بعض الأشخاص من الحكم المذكور بعد موافقة وزير الخارجية )).

2- الجداوي، د. احمد قسمت، القانون الدولي الخاص، الجنسية ومركز الأجانب، ج 1،1979 . بند 17 ، ص 24.

* رياض فؤاد عبد المنعم الوسيط في القانون الدولي الخاص، ج 1، ط 7، دار النهضة العربية، القاهرة 1999، ص 50

* ابو طالب صوفي، الوجيز في القانون الدولي الخاص في القانونين المصري واللبناني، ج 4

بيروت، 1979 ، ص 86 وما يليها .

* عبد العال عكاشة محمد، الاتجاهات الحديثة في مشكلة تنازع الجنسيات، الدار الجامعية، بيروت، 1979 ، ص 86 وما يليها،

* ولاحظ في ذلك نص المادة 10 من قانون الجنسية المصري رقم 162 لسنة 1975 ، وكذلك الإحكام التي ضمنها المشرع المصري في القانون رقم 111 لسنة 1983 والخاص بالهجرة ورعاية المصريين في الخارج.

3- ومن الأمثلة الحديثة والمعاصرة للإشكاليات التي يثيرها التعدد، تصريح المتحدث البريطاني في 9/4/2004 إن بريطانيا لا يمكنها تسليم رئيس المحكمة العراقية الخاصة(السابق) إلى السلطات العراقية القضائية لأنه من حملة الجنسية البريطانية (مواطن بريطاني)، حيث اصدر احد قضاة التحقيق في العراق أمرا بالقبض عليه لاتهامه بجريمة قتل احد موظفي وزارة المالية، رغم أنه يتمتع بالجنسية العراقية أيضا على ضوء القانون النافذ لسنة 2006 ، ولا ننسى إن فكرة الولاء للوطن مطلوبة في المحاكم البريطانية والقانون الأمريكي اللذان يعتمدان على الولاء المبني على فكرة الإقامة المحلية للأجنبي.

www.alarabNews.com

المؤلف : اياد مطشر صيهود
الكتاب أو المصدر : مجلة رسالة الحقوق السنة السادسة العدد الثالث 2014، جامعة ذي قار كلية القانون
الجزء والصفحة : ص238-241

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .