ان التشريعات الضريبية المعاصرة ، تتباين في تحديد القضاء المختص بنظر الطعون الضريبية – بوجه عام – فمنها من يعهد بهذه المهمة الى القضاء العادي ومنها من ينيطها بالقضاء الاداري ومنها من اختط طريقاً وسطاً ليقسم بين القضائين العادي والاداري مهمة النظر في الطعون الضريبية وقد نهجت تشريعات اخرى مسلكاً خاصاً عندما انشات محاكم ضريبية متخصصة تضطلع بهذه المهمة. وبصورة مختصرة سوف ندرس هذه الجهات القضائية على وفق ما يلي :

اولاً : القضاء العادي :

يعرف القضاء العادي بأنه الجهة القضائية المختصة بنظر المنازعات التي تنشأ بين الافراد انفسهم او بين الافراد والادارة عندما تتعامل معهم كشخص من اشخاص القانون الخاص (1).ففي بعض الدول نجد ان مهمة النظر في المنازعات الضريبية قد انيطت بالقضاء العادي ومن ذلك مثلاً بريطانيا فقد اجاز المشرع الانكليزي لكل من مفتش الضرائب على الدخل والمكلف اذا لم يقتنع أي منهما بقرار فرض الضريبة ان يطعن به امام المحاكم العليا التي تختص فقط بنظر المسائل القانونية دون الوقائع . وللخصوم استئناف الحكم الصادر من هذه المحكمة امام محكمة الاستئناف التي يجوز الطعن في حكمها امام اعلى هيئة قضائية في انكلترا وهي مجلس اللوردات (2).وقد كان المشرع العراقي قد سمح في ظل قوانين ضريبة الدخل الملغاة لمحكمة التمييز النظر في المسائل القانونية التي يتضمنها قرار لجنة التدقيق بناءً على الطعن المقدم من السلطة المالية او المكلف (3). وقد دافع بعض الفقهاء عن القضاء العادي ورأوا ان يعقد له اختصاص النظر في المنازعات الضريبية لانه القضاء المختص بتطبيق القانون المدني الذي يعد الشريعة العامة الواجبة التطبيق في كل ما لم يرد بشأنه نص خاص اضافة الى ما يحققه هذا القضاء من ضمانات للمكلف يعجز عن تحقيقها القضاء الاداري الذي غالباً ما يدافع عن حقوق الخزينة العامة فلا يجد المكلف عندئذ حماية كافية الا في ظل القانون المدني الذي تطبقه المحاكم العادية (4). الا ان هذا الرأي يتجاهل ومن دون مسوغ ذاتية القانون الضريبي واستقلاله عن باقي القوانين ومنها القانون المدني حيث وضعت نصوص القانون الضريبي لتنظم العلاقة غير المتكافئة ما بين المكلف والسلطة المالية على خلاف العلاقة التي ينظمها القانون المدني التي غالباً ما تكون متكافئة . فضلاً عن ذلك فان القضاء الضريبي اياً كان ليس ملزماً بالرجوع الى القانون المدني لايجاد الحلول في المسائل الضريبية التي اغفل المشرع عن تنظيمها اذ له ان يطبق قواعد أي قانون – خاص او عام – تتلاءم مع طبيعة العلاقة القائمة ما بين المكلف والسلطة المالية.

ثانياً : القضاء الاداري :

هو الجهة القضائية المختصة بنظر المنازعات الضريبية والتي تنشأ في الغالب مابين الاشخاص العادية والادارة عندما تتعامل بوصفها سلطة عامة تستخدم اساليب القانون العام (5). وفي تسويغ اضطلاع القضاء الاداري بممارسة هذه الرقابة فقد قيل ان المنازعات الضريبية تعد من قبيل المنازعات الادارية بطبيعتها وتتضمن طعناً في قرارات ادارية تدخل في اختصاص القضاء الاداري اضافة الى ان تطبيق التشريعات الضريبية يثير قضايا على جانب كبير من الدقة لا يتسع وقت المحاكم العادية وزخم عملها لحلها وتدقيقها (6).

ثالثاً : اشتراك القضائين العادي والاداري في نظر المنازعات الضريبية :

اناطت بعض الدول للقضائين العادي والاداري مهمة فحص المنازعات الضريبية والبت فيها ففي فرنسا مثلاً نجد ان القضاء العادي ينظر في الدعاوى المتعلقة بالضرائب غير المباشرة اما الضرائب المباشرة فان المنازعات الناشئة عنها تدخل في اختصاص القضاء الاداري (7). غير ان ازدواج الاختصاص القضائي في نظر المنازعات الضريبية في فرنسا له جذور تاريخية تعود الى بدايات الثورة الفرنسية التي علقت في اذهان ثوارها الذكريات السيئة للضرائب غير المباشرة لما كانت تتصف به من ظلم وقسوة ابان الحكم الملكي المطلق . وهذا ما دفع الثوار الى الغائها فور تسلمهم للسلطة غير ان ما فاق الشعور النفسي السيء هذا ، الحاجة الماسة الى الايرادات المالية مما اضطرهم الى اعادة فرضها محاولين في الوقت نفسه طمأنة المكلفين من خلال تمكينهم من الطعن في قرارات فرضها امام المحاكم العادية التي كانت تمثل انذاك الحارس الحقيقي لحقوق الافراد(8). وقد راى بعض فقهاء القانون الضريبي على هذا المنحى مآخذ كثيرة لعل اهمها(9) . :

أ-عدم ارتكاز توزيع الاختصاص بين القضائين على مبررات قانونية او منطقية معقولة بل على اعتبارات تاريخية فقدت اهميتها في الوقت الحاضر.

ب-قد تتضارب الحلول التي يعرضها كل من القضائين في القضايا المعروضة عليها وهذا ما قد يلحق الضرر بالمكلف .

ج-عدم اختلاف المركز القانوني للمكلف في كل من الضرائب المباشرة وغير المباشرة اذ قد يشغل ازاء كل منهما مركزاً قانونياً تنظيمياً تحكمه القوانين والانظمة الضريبية .

رابعاً : القضاء المتخصص :

ويراد به المحاكم الضريبية المتخصصة والمستقلة عن القضائين العادي والاداري والتي تنحصر مهمتها بالفصل في المنازعات الضريبية المرفوعة اليها . وقد وجد القضاء المتخصص في تشريعات كثيرة لعل من اهمها قانون ضريبة الدخل رقم 57 لسنة 1985 الاردني النافذ اذ نصت المادة 34 منه على ان ” تختص محكمة استئناف قضايا ضريبة الدخل بالنظر في الاستئنافات المقدمة للطعن في قرارات التقدير واعادة النظر في التقدير … وهي محكمة خاصة مركزها عمان تكون ضمن ملاك وزارة العدل وتعقد برئاسة قاضي لا تقل درجته عن الثانية وعضوية قاضيين لا تقل درجة كل منهما عن الرابعة(10). ومما جاء في تسويغ القضاء المختص انه يتلاءم مع استقلال القانون الضريبي وتخصصه بذاتية مستقلة ومتميزة عن بقية فروع القانون الاخرى وعلى وجه الخصوص كل من القانونين المدني والاداري حيث ان وجود مثل هذا القضاء المختص قد يحول من دون اصدار حكم في الخصومات الضريبية تحت تاثير قواعد القانونين المدني والاداري – اضافة الى ما يحققه هذا القضاء من توحيد للاحكام الضريبية (11). اما الحجج التي ساقها المعارضون لفكرة القضاء الضريبي المتخصص فتتلخص في ان وجود هذه المحاكم يؤدي الى تعدد الجهات القضائية داخل الدولة الواحدة وتعقدها مما قد يصعب معه توزيع الاختصاص بينها كما ان هذه المحاكم المتخصصة قد تقف الى جانب الخزينة العامة فتفقد بذلك حيادها (12).

________________________

1- مع ملاحظة ان هذا القضاء قد ينظر في منازعات الادارة بصورة عامة وعلى وجه الخصوص في الدول ذات النظام القضائي الموحد كانكلترا .

2- د. زكريا محمد بيومي – الطعون القضائية في ربط الضرائب على الدخل مع دراسة تحليلية في التشريعين الضريبين الفرنسي والمصري – دار الاتحاد العربي للنشر – بيروت – 1973 – ص4 .

3- انظر على سبيل المثال المادة 41 من قانون ضريبة الدخل رقم 36 لسنة 1939 الملغي التي نصت على ان ” تبت محكمة التمييز في المسائل القانونية المرفوعة اليها ويكون قرارها نهائياً ” لمزيد من التفصيل انظر حسن محمد علي – قانون ضريبة الدخل وتطبيقاته في العراق – مطبعة المعارف – بغداد – 1946 – ص253 .

4- زكريا محمد بيومي – المصدر السابق – ص8 .

5- وقد اناطت دول كثيرة مهمة ممارسة الرقابة القضائية في المنازعات الادارية للقضاء الاداري فقد اتاح المشرع السويدي للمكلف فرصة الطعن في قرار اللجنة العامة للطعن برفض التظلم المقدم اليها في قرار فرض الضريبة على الدخل امام محكمة المراجعة ويجوز الطعن في الحكم الصادر من هذه المحكمة امام اعلى درجات المحاكم وهي المحكمة العليا الادارية . لمزيد من التفصيل انظر د. زكريا محمد بيومي – المصدر السابق – ص14 .

6- د. زكريا محمد بيومي – المصدر السابق – ص8 . د. محمد فؤاد ابراهيم – الضريبة على ايراد القيم المنتقولة – بلا مكان للنشر – 1955 – ص359 .

7- وما تجدر الاشارة اليه هو ان هذا التوزيع انما وقع بمقتضى القانون فبمقتضى قانون ( 22 ) فريمر من السنة السابعة للثورة اختصت المحاكم العادية بنظر قضايا ضرائب التسجيل وهي ضرائب غير مباشرة وامتد حكم هذا القانون ليشمل جميع الضرائب غير المباشرة . اما محاكم الاقاليم – وهي محاكم ادارية – فقد اختصت بنظر قضايا الضرائب المباشرة بمقتضى قانون ( 28 ) بليفيور من السنة الثامنة للثورة – لمزيد من التفصيل انظر د. حسين خلاف – مدى اختصاص القضاء الاداري بنظر منازعات الضرائب والرسوم في فرنسا ومصر – بحث منشور في مجلة مجلس الدولة – السنة الثانية – 1951 – ص 336 .

8- د. حسين خلاف – المصدر السابق – ص334 .

9- د. حسين خلاف – المصدر السابق – ص335 .

10- كما اخذ التشريع الالماني بهذا النظام من خلال ايجاد محكمة في كل اقليم تختص في النظر بالمنازعات الضريبية اضافة الى وجود محكمة فدرالية ضريبية تختص بالفصل في كل ما يرفع اليها من طعون في احكام المحاكم الضريبية في الاقاليم – لمزيد من التفصيل انظر د. زكريا محمد بيومي – المصدر السابق – ص15.

11- د. قدوري نقولا عطية – ذاتية القانون الضريبي – مصدر سابق – ص154 – 155 .

12- لمزيد من التفصيل انظر بان صلاح عبد القادر – المصدر السابق – ص103 .

المؤلف : قيصر يحيى جعفر الربيعي
الكتاب أو المصدر : السلطة التقديرية للإدارة في فرض ضريبة الدخل القانون العراقي

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .