أثر العقوبة في اصلاح المجتمع

لا يختلف اثنان في صلاحية العقوبة الشرعية لتقليص حجم الإجرام بوجه عام إذا طبقت بمفهومها الشرعي السليم دون تأويل ولا تعطيل ولا تشديد•و قد شهد لها غير المسلمين من كبار العلماء المهتمين بالعلوم الجنائية بعد أن نقبوا في كتب الفقه الإسلامي وطالعوا أراء الفقهاء المسلمين, حيث توصل بعضهم. إلى الإيمان الصادق بأن الشريعة الإسلامية خالدة في مبادئها السمحاء إلى يوم الدين, سواء كان ذلك في تنظيم الحياة بين افراد المجتمع المسلم أو توجيه أفراده إلى الفكر السليم لتحليل الأمور بطرق رشيدة وسليمة.

والهدف المقصود من تطبيق الأحكام الشرعية, هو إقامة مجتمع إسلامي عزيز كريم ومطمئن بما يراه من صلاح أمور الناس واستتباب الأمن في كامل الوطن الخاضع للأحكام شريعة السمحاء التي طبقت وفق المنهاج الشرعي السليم, فإن المجتمع لا يقبل ولن يقبل الفساد والإجرام والفوضى والإنحراف الشاذ والمنكر مهما قل أو كثر, كل ذلك بقدر الإمكان, لكون الإسلام بمبادئه المعروفة منها الستر على المعصية الخفية الغير المعلنة والتجاوز عنها وعدم جواز التجسس على الغير بحجة كشف الجرائم بأي صورة كانت ومبدأ درء الحدود بالشبهات وغيرها ضمانا لسلامة المجتمع من كل إنحراف, يكمن في تطبيق الأحكام الشرعية.

كما أن المسلمين وغير المسلمين جربوا الحياة في ظل الأفكار الوضعية المستوردة والقوانين والأنظمة المعمول بها, فرأو بأم أعينهم فسادها للمجتمع أكثر من صلاحها, فالجريمة في تزايد مطرد والأحوال الأمنية تزداد تدهورا كل يوم حتى أصبح الناس غير آمنين على حياتهم وسلامة أجسامهم وأموالهم, وبذلك انكشف الإنخداع بالحضارة الحديثة بعد أن سقط الستار وعرف الكل خاصة في بلاد المسلمين الذين كانوا يوعدون بالجنان وخير الحياة الزاهرة بكل الألوان بعد ترك الأحكام الشرعية والأخذ بالحضارة الحديثة التقدمية والعلمية والعلمانية وغير ذلك من المصطلحات البراقة في شكلها الهدامة في مضمونها.

فقد وصل الأمر بالمجتمع إلى حال غير معهودة عليه عبر الأزمان مما جعل الناس ينقمون على هذه الأنظمة وعلى مروجيها والمسؤولين عن الوضع, فزرع الشك بين الحاكم والمحكوم, فأما الحاكم فيرى أن الناس شقوا عليه عصى الطاعة فوجب تأديبهم بأي طريق, المهم أن تكون غير نظامية ولا تخضع لأي قانون أو ضمير حتى تتحقق الغاية المرجوة وهي فرض سيطرة الدولة بأي وسيلة شرعية أو غير شرعية لا يهم.

بينما يرى الناس بأن حاكمهم الذي ولوه أمر شؤونهم الدينية والدنيوية, قد خان العهد ولم يقم العدل المطلوب حتى انتشر الفساد واهتزت القيم والفضائل والأخلاق اهتزازا عظيما لما وصل إليه المجتمع الإسلامي من فضائع وفضائح خلقية واقتصادية وسياسية وغيرها.

وبعد المخاض العسير اندفع المجتمع الإسلامي اندفاعا قويا نحو شريعة الرحمان لغرض الخلاص مما هو فيه من المهانة والمذلة والدناءة في وسط المجتمع الإنساني, حيث أصبح في آخر القافلة بسبب تركه لدينه وأصالة فكره ودلائل تاريخه, حتى ظل به الطريق فعلم أن الخلاص في تطبيق الشريعة الإسلامية في شتى أمور العبادات والمعاملات والجنايات والحدود وأحكام الفقه الإسلامي العام وغير ذلك من أمور الحياة لكنه اصطدم بواقع معقد بعد الفعلة التي فعلها الإحتلال الغربي لأوطانه وتعليم أغلب أبنائه علما راسخا في الأذهان بأن الدين لا يتعدى المسجد والعبادة وهو علاقة فردية بين العبد وربه سرا لا علانية ويمنع الجهر بها, وما ذلك إلا من تعاليم العلمانية المغروسة في أذهان بني جلدتنا يقاتلون من أجل فرضها عنوة وتحقيقها, مما اضطر كثيرا من العلماء إلى الدفاع بكتابات حول صلاحية تطبيق الشريعة في العصر الحديث وإمكانية العيش في ظلال تطبيقها أفضل من تطبيق النظريات الوضعية المستوردة وسنبين هذه الدعوات في المباحث الثلاثة من الفصل الثاني والأخير من هذه الرسالة.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت