الوظيفة العامة

ظهر اتجاهان أساسيان في تعريف الوظيفة العامة ، فهناك اتجاه عضوي يعرّف الوظيفة العامة تبعاً للأعضاء الذين يشغلون الوظائف العامة، وهم الموظفون العموميون لذلك عرفوا الوظيفة العامة على انها مجموعة من القواعد القانونية المنظمة للحياة الوظيفية للموظف العام منذ دخوله الخدمة حتى خروجه منها .

اما الاتجاه الثاني فهو الاتجاه الموضوعي يعرّف الوظيفة العامة بأنها مجموعة من المهمات والاختصاصات يناط القيام بها لشخص معيّن إذا توافرت فيه بعض الشروط الضرورية لتولي أعباء هذه الوظيفة، وبذلك تختلف الوظائف من حيث واجباتها ومسؤولياتها، وكذلك من حيث الحقوق التي تخولها لشاغلها بحسب موقع الوظيفة في البناء التنظيمي للجهاز الإداري، وغالباً ما يتم الجمع بين الاتجاهين عند تعريف الوظيفة العامة،

فتعرف بأنها : مجموعة الأوضاع والأنظمة القانونية والفنية الخاصة بالموظفين العموميين، سواء تلك التي تتعلق بمستقبلهم الوظيفي وعلاقتهم بالإدارة أم التي تتصل بأدائهم لمهمات الإدارة العامة بأمانة وفعالية .

وغالبا ما تتأثر الوظيفة العامة باعتبارها من الدعائم الأساسية لكل مجتمع بالبيئة الأساسية والاقتصادية والاجتماعية المحيطة بها ووفقاً للتطور والتغيير الذي يلحق بهذه العوامل المختلفة. فقديماً كان يتم شغل الوظيفة العامة في بعض المجتمعات على أساس المركز الاجتماعي لمن يرشح لها، بل كانت بعض الوظائف تنتقل من الموظف إلى أحد ورثته، كما كانت بعض الوظائف بمنزلة السلعة التي يمكن بيعها وشراؤها ، أما في الأنظمة المعاصرة فينظر أحياناً إلى الوظيفة العامة بعدّها مغنما سياسياً لمن يصل إلى سدة الحكم في الدولة، ومن ثم يتم شغلهاـ ولاسيما الوظائف العليا منها ـ على أساس الولاء السياسي، وليس وفقاً لمعايير الجدارة والكفاءة الإدارية.
ويمكن التمييز بين نظامين رئيسين للوظيفة العامة في العالم اليوم، أحدهما يقوم على تمييز الوظيفة العامة من غيرها من المهن والأعمال الأخرى، وهو الاتجاه السائد في معظم الدول الأوربية وفي الدول العربية، في حين يتجه النظام الآخر إلى التعامل مع الوظيفة العامة بحسبانها مهنة ليس هناك ما يميزها من المهن الأخرى في المجتمع، وهو اتجاه يسود في بعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية.

وقد استعملت عدة مصطلحات للدلالة على الوظيفة العامة في الأنظمة المختلفة، ففي حين يستخدم المشرع الفرنسي اصطلاح الوظيفة العامة فإن المشرع الإنكليزي يستخدم اصطلاح “الخدمة المدنية وبالمثل فان الدول العربية تستخدم كذلك عدة مصطلحات منها الوظيفة العامة كما في مصر وسورية ولبنان والجزائر، وهي دول تستقي نظمها القانونية من النظام الفرنسي أساساً، اما الاخرون فهم يحذون حذو النظام الانكلو امريكي فيستخدمون مصطلح الخدمة المدنية كالعراق والاردن والسودان .

وتتنوع الشروط العامة التي يحرص المشرع على وضعها لشغل الوظائف العامة في الدول المختلفة، وفي هذا الصدد يتعين على المشرع أن يلتزم بضمان تزويد الجهاز الإداري في الدولة بأفضل العناصر وأكثرها كفاءة وتحقيقاً للمصلحة العامة ، وعموما فان التشريعات المقارنة تكاد تلتقي في الشروط العامة لشغل الوظيفة الا من حيث التطبيق فيكون حسب ظروف كل دولة ومن هذه الشروط هي :

الصلاحية العلمية والعملية اذ ينبغي ان يكون الموظف العام حائزاً على المؤهلات العلمية والعملية التي تؤهله لشغل الوظيف الشاغرة التي سيعيّن فيها، فضلا عن الصلاحية الاخلاقية التي تعد من الشروط الأساسية للتعيين لأن الموظف العام يمثل الدولة، ويمارس السلطة باسمها ويطلع بحكم عمله على أسرار الناس، وقد يتحكم في مصائرهم، ومن ثم فإنه لا يجوز أن يتولى الوظيفة العامة إلا من كان على قدر كبير من الأخلاق ،

وهناك شرط اخر يعتبر من الشروط الاساسية في بعض الدول وهو الانتماء والولاء للدولة حيث يتم التأكد منه باشتراط تمتع المرشح لشغل الوظيفة بالجنسية الوطنية، وذلك حتى لا تتعرض الدولة نتيجة تولي الأجانب لبعض وظائفها العامة للخطر، سواء من حيث أمنها والمحافظة على أسرارها، أم حتى لمجرد عدم حرمان أبناء الوطن من الاستفادة من فرص التوظيف القائمة في بلدهم، وهناك شروط اخرى تضعها بعض التشريعات لشغل الوظيفة العامة مثل شرط السن والصلاحية الجسمية واللياقة الطبية والجنس، مع ضرورة عدم الإخلال بمبدأ المساواة بين الجنسين في هذا النطاق .

وتتعدد طرق اختيار الموظفين لشغل الوظائف في مختلف الدول إذ يتجه بعضها إلى الأخذ بالأسلوب المركزي في التعيين بأن توكل هذه المهمة إلى جهاز مركزي متخصص، وذلك حرصاً على تحقيق مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين واستبعاد شبهة تدخل الأهواء الشخصية ، بينما يتجه جانب آخر من الدول إلى أن تتولى الأجهزة الإدارية على اختلاف أنواعها ودرجاتها وبأسلوب لا مركزي مهمة توفير حاجتها من الموظفين العموميين، استناداً إلى أنها الأقدر على تحديد متطلبات العمل لديها ومواصفات شاغلي الوظائف بها من أيّ جهة إدارية خارجية عنها.
والغالب أن تأخذ كل دولة بمزيج من النظامين، سواء كل على حدة بحسب نوعية الوظائف المراد شغلها وطبيعتها، أم بالجمع بينهما بحيث تتولى جهة إدارية مركزية البدء في عملية الاختيار والتعيين، على أن تستوفي كل جهة إدارية معنية – بعد ذلك – أوجه النقص في العاملين لديها وفقاً لحاجتها الفعلية إليهم.
وعموما ، فان اكثر الاساليب شيوعا هي اما اسلوب الاختيار الحر وهذا الاسلوب لا يعتمد على معيار محدد ،إذ يتمتع الرؤساء الإداريون بالحرية الكاملة في اختيار من يشغلون الوظائف الشاغرة اعتماداً على تقديرهم الشخصي للمرشحين، وقد يقوم هذا التقدير الشخصي على معايير موضوعية سليمة أو معايير شخصية محضة أو مزيج بينهما. او اسلوب المسابقة حيث يتم اختيار الموظفين استناداً إلى معايير تقوم على العلانية المسبّقة والمنافسة المتساوية بين المرشحين، حيث يتقدم هؤلاء لأداء امتحان ذي شقين كتابي وشفهي وأحياناً عملي، وبناءً عليه يتم انتقاء من تتوافر لديه الأهلية والجدارة والكفاءة اللازمة لشغل ما لدى الإدارة من وظائف شاغرة،

وسيان أن يتقدم للمسابقة العاملون من داخل الإدارة أو من خارجها، وتعدّ المسابقة أسلوباً ديمقراطياً لضم أفضل العناصر وأكفئها إلى الجهاز الإداري ، واحيانا تكون طريقة الاختيار بناء على الاعداد الفني المسبق حيث يقوم هذا الأسلوب على تدريب المرشحين لشغل الوظائف العامة وإعدادهم إعداداً سابقاً لتعيينهم، وذلك عن طريق تدريبهم على أعمال الوظيفة التي سيتولونها تدريباً نظرياً وعملياً كافياً خلال مدة معيّنة، بحيث يجب على الإدارة عندئذ إذا ما ثبتت صلاحية المرشح للعمل أن تصدر قرارها المتعلق بالتعيين في الوظيفة التي أعد لها، مع استبعاد كل من يثبت عدم الصلاحية لذلك .

وعلى كل حال، فإنه يشترط عند التعيين في الوظائف العامة تحقيق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، بحيث لا يجوز تفضيل طبقة أو فئة معيّنة على غيرها في شغل الوظائف العامة، والمساواة في هذه الحالة مساواة قانونية بمعنى أنه يلزم أن تتوافر فيمن يتقدم لشغل الوظيفة العامة كل ما يتطلبه القانون من شروط ومؤهلات علمية وخبرات عملية، وهذه الشروط يجب أن تكون عامة ومجردة، بحيث تتيح للمواطنين جميعاً فرصاً متكافئة في التقدم لشغل الوظائف.

المحامية: ورود فخري