حدود سلطة المستخدم في تعديل عقد العمل

إذا كان المستخدم يملك سلطة تقديرية في إدارة وتنظيم مؤسسته،واتخاذ ما يراه مناسبا ،إلا أن سلطته في إجراء التعديل تحدها بعض القيود العامة ، فتصبح مقيدة إذا تعلق الأمر بمخالفة النظام العام أو التعسف في استعمال الحق أو تعريض صحة وحياة العامل للخطر ،وعلى ذلك فإن سلطة المستخدم في التعديل إما أن تكون سلطة تقديرية أو سلطة مقيدة وهذا ما سنتناوله في مطلبين .

المطلب الأول: السلطة التقديرية في تعديل عقد العمل

تنقسم السلطة التقديرية للمستخدم في تعديل عقد العمل إلى قسمين ،سلطة تقديرية في اختيار موضوع التعديل ، وسلطة تقديرية في إصدار أوامر أو تعليمات لتنفيذ العمل سواء أخذت هذه التعليمات صور قرارات عامة او قرارات فردية (1)

الفرع الأول: السلطة التقديرية للمستخدم في اختيار موضوع التعديل
يتمتع المستخدم بسلطة تقديرية في إدراة مشروعه، فله اتخاذ ما يراه من الوسائل الكفيلة لحسن سير مؤسسته على الوجه الذي يراه كفيلا بتحقيق مصلحته ولا وجه للحد من سلطته طالما كانت ممارسته لها مبرأة عن قصد الإساءة للعامل (2).

1- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق – ص24.
2- سعيد أحمد شعلة: المرجع السابق – ص50 كما نصت على هذا المبدأ المادة 49 الملغاة من القانون 78/12 المؤرخ في 5/08/1978 المتعلق بالقانون الأساسي العام للعامل.

فالأزمات الاقتصادية و المالية التى تمر بها المؤسسة قد تدفع المستخدم إلى تعديل عقد العمل لمواجهة هذه الظروف الصعبة، فيلتجأ إلى تضييق دائرة نشاطه،مما يجعل له الحرية تبعا لذلك فى اتخاذ مايراه كفيلا بتوقي الخطر الذي يهدده ،و المحافظة على مصالحه المشروعة ،كأن يقوم بتخفيض أجور العمال أو إنقاص ساعات العمل أو إنهاء عقود بعض العمال وإسناد أعمالهم إلى العمال الذين أبقى عليهم، مما يؤدي إلى زيادة حجم العمل بالنسبة لهم ، ولا معقب على تقديره لتمتعه بسلطة تقديرية لا تحدها رقابة القضاء ، ولا يجوز لقاضي الموضوع أن يحل محل المستخدم، وإنما تقتصر رقابته على التحقق من جدية المبررات التى دعت إلى ذلك (1)
ويعود تمتع المستخدم بالحرية المطلقة في تقدير موضوع التعديل إلى كون التنظيم الداخلي للمشروع مسألة اقتصادية بحتة، ليس للقضاء أن يعقب على تقدير المستخدم لها طالما أن الهدف من اختيار موضوع التعديل هو تحقيق مصلحة العمل وحماية المؤسسة من الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها (2)
أما المشرع الجزائري فلم يعط هذه السلطة التقديرية للمستخدم في تعديل عقد العمل، ويبدو أنه متمسك بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين إلى حد بعيد، إلا أنه نص على إمكانية التعديل الاقتصادي استنادا إلى المرسوم رقم 94/09 المؤرخ في 26/05/1994 السابق ذكره وتحليله، كما نص على إمكانية تعديل منصب العمل لأسباب صحية أي بعد تدهور صحة العامل، وهذا بموجب القانون رقم 88/07 السابق ذكره (3)
أما التشريع الفرنسي فقد أعطى الحق للمستخدم في تعديل عناصر عقد العمل بما يتماشى مع التطورات التكنولوجية، فإذا دعت الضرورة الاقتصادية إلى إنهاء عقود بعض العمال إنهاءا اقتصاديا،أو نقل العمال إلى مناصب أخرى تتلاءم مع كفاءتهم بعد إلغاء وظائفهم فلا إلزام على المستخدم بأن يعيد إدماج هؤلاء العمال في وظائف أخرى ،وإنما يرجع ذلك إلى سلطته التقديرية ، إلا أن محكمة النقض الفرنسية قلصت نوعا ما من سلطة المستخدم في اختيار موضوع التعديل بموجب حكمها الصادر بتاريخ 25/02/1992 حيث جاء في هذا الحكم أنه في حالة إعادة تنظيم المؤسسـة وما يستتبع ذلك مـن

1- سعيد أحمد شعلة – المرحع السابق – ص 49 ، أنظر كذلك عصمت الهوا ري – المرجع السابق – ص 281
2- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق – ص 25 وما يليها
3- NASRI HAFNAOUI : op. ; Cit. ; p 25

قيام المستخدم بإلغاء وظيفة العامل، فإنه ملزم بإعادة تأهيل العامل في أي من الوظائف الجديدة التى تتلائم مع كفاءته المهنية ،فإذا خالف المستخدم هذا المبدأ وقام بإنهاء عقد العمل عقب إلغاء وظيفته فإن هذا الإنهاء يعتبر غير مشروع لعدم وجود ما يبرره (1)

الفرع الثاني : السلطة التقديرية للمستخدم في إصدار أوامر تنفيذ العمل
تمتد سلطة المستخدم التقديرية في تعديل عقد العمل إلى إصدار قرارات تنظيمية أو قرارات فردية .
أولا إصدار قرارات تنظيمية: وهي قرارات تتصف بالعمومية ، لكونها تخاطب مجموعة من العمال وليس عاملا محدد بذاته، وتتعلق هذه القرارات بإعادة ترتيب الوظائف أو تغيير طرق العمل قصد زيادة الإنتاج أو فتح فروع جديدة للمؤسسة،وتكون ذات طابع فني أو اقتصادي (2)

ثانيا :إصدار قرارات فردية : وهي لا تتعلق بمجموعة من العمال وإنما تتعلق بعامل معين ،ويتطلب إصدار هذه القرارات تعديل في شروط وظروف تنفيذ العمل، ويكون للمستخدم الحرية المطلقة في اختيار القرارات أو الأوامر التي يتخذها بما يحقق مصلحة العمل، ويتم هذا التعديل عن طريق المنشورات أو التعليمات الداخلية ،مثل القرارات المتعلقة بساعات العمل وتنظيم وقت العمل اليومي،حيث لا يمكن لأحد أن يعترض على ذلك ،وقد تم تكريس هذا المبدأ بموجب حكم محكمة النقض المصرية الصادر بتاريخ 05/05/1974 حيث جاء فيه مايلي ( لرب العمل بمقتضي سلطته في الإدارة و الإشراف وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض أن ينظم وقت العمل اليومي طبقا لحاجة العمل وظروف الإنتاج ويلتزم العامل بأداء عمله وفقا للتنظيم الذي وضعه رب العمل متى كان هذا التنظيم لا يتعارض مع القانون) (3)فإذا كان العمل قد جرى في المنشأة على تشغيل العمال ساعات أقل من المدة المحددة في القانون ورأى صاحب المنشأة لصالح العمل أن يعدل في التنظيم الذي أتبعه من قبل وإن يزيد ساعات العمل اليومي إلى الحد الأقصى المقرر في القانون ولم يمنعه من ذلك نص في عقد العمل ،فلا يجوز إلزامه بالعودة إلى النظام السابق (4) .

1- JEAN pelissier et Alain supiot ; op. ; Cit. p 514
2- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق – ص 29
3- أنظر القرار المرفق رقم 3
4- سعيد أحمد شعلة – المرجع السابق – ص 53

ويكون إصدار أوامر تنفيذ العمل شفوية أو كتابية، وتمتد إلى كل ما يتصل بتنفيذ العمل بحيث يحدد المستخدم لكل عامل العمل الخاص به ،وكيفية أدائه ومكان ممارسته وتستمد هذه التعديلات شرعيتها من الاتفاق الصريح وقت إبرام العقد أو من الاتفاقيات أو اللوائح الداخلية ،وعليه فإن العامل الذي يوافق على نقله إلى أي فرع من فروع المؤسسة، ثم يقوم المستخدم بذلك فإن القرار الذي يصدره المستخدم لا يعتبر تعديلا لعقد العمل وإنما يعد من القرارات المتعلقة بتنفيذ عقد العمل (1)
وفي حالة رفض العامل تنفيذ أوامر العمل فإن المستخدم فإمكانه ممارسة سلطته التأديبية وتوقيع الجزاءات التأديبية عليه لارتكابه خطأ جسيما استنادا إلى المادة 73/3 من قانون العمل 90/11

المطلب الثاني: القيود العامة التي تحد من سلطة المستخدم في التعديل
إذا كان المستخدم حرا في اختيار موضوع التعديل بما يحقق مصلحة العمل، فإن هناك بعض القيود العامة التي يجب أن يلتزم بها عند قيامه بالتعديل، سواء كان التعديل جوهري أو غير جوهري، وهذه القيود سنبينها فيما يلي:

الفرع الأول: عدم الإخلال بالنظام العام
من المعروف أن لمصطلح النظام العام معنيين هما النظام العام المتعلق بالمصلحة العامة والنظام العام الحمائي.
أولا: عدم الإخلال بالنظام العام المتعلق بالمصلحة العامة: يقصد به مجموعة القواعد القانونية التي تنظم المصالح التي تهم المجتمع أكثر مما تهم الأفراد، سواء كانت هذه المصالح سياسية أو اجتماعية أو أخلاقية (2)
ومادام قانون العمل آمر متعلق بالنظام العام فإن المستخدم ملزم بمراعاة هذا النظام عند إبرام عقد العمل أو تنفيذه، إذا أنه لا يجوز للمستخدم أن يتفق مع العامل على القيام بعمل يخالف النظام العام و الآداب، كأن يكون العمل مشكلا لجريمة، أو منافيا للآداب المخالفة للعقائد الدينية أو القيم الأساسية

1- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق – ص 31.
2- د/ عبد العزيز المرسى حمود – المرجع السابق – ص 93

للمجتمع، كما يلتزم المستخدم بمراعاة النظام العام أثناء تنفيذ العقد، ومنه يمنع عليه إجراء أي تعديل في العقد من شأنه أن يخل بالنظام العام أو القيم الأساسية للمجتمع، أو يهدد أمنه واستقراره، ولا يجوز للمستخدم أن يكلف عاملا بعمل يخرج عن اختصاصه كتكليف عامل إداري بالإشراف على تنفيذ ومراقبة أعمال البناء، وما يترتب عن هذه الأعمال من أخطار تضر بسلامة البناء وتجعله عرضه للتهديم وتعرض حياة المواطنين للخطر، كما لا يجوز تكليف عامل الرقابة بمهمة تفتيش العاملات عند الخروج من العمل، لأن تفتيش الإناث لا يتم إلا من طرف أنثى (1)
كما لا يجوز للمستخدم تكليف عامل بالتجسس على العمال والتصنت على الأحاديث التي تدور بينهم أو تسجيلها أو نقلها دون إذن صاحبها لما يشكله هذا الفعل من اعتداء على الحياة الخاصة، ومنه لا يجوز للمستخدم عند تعديله لعقد العمل مخالفة قواعد النظام العام.
ثانيا: عدم الإخلال بالنظام العام المتعلق بمصلحة العمال: يقصد بالنظام العام الحمائي مجموعة القواعد و المبادئ الأساسية لقانون العمل والتي تستهدف حماية العمال داخل المجتمع المهني و الحرفي، وقد أقر قانون العمل الطبيعة الحمائية للعامل لكون أن هذا الأخير هو الطرف الضعيف في علاقات العمل، ومنه لا يجوز الاتفاق مع العامل على مخالفة هذه القواعد بما ينقص من حقوقه ،أما إذا كان الاتفاق المخالف يملي قواعد أكثر نفعا للعامل فإنه يعد ملزما للمستخدم (2)
وفي هذا الصدد نصت المادة 62 من قانون علاقات العمل الجزائري على أنه <يعدل عقد العمل إذا كان القانون أو التنظيم أو الاتفاقات الجماعية تملي قواعد أكثر نفعا للعامل من تلك التي نص عليها عقد العمل >
كما يلتزم المستخدم بقواعد النظام الحمائي عند إبرام العقد فيجب عليه الالتزام بالحد الأدنى للأجور و الحد الأقصى لساعات العمل، وبالقواعد الخاصة بتشغيل النساء و الأحداث، ومنه فلا يجوز للمستخدم أن يتفق مع العامل على أجر يقل عن الحد الأدنى للأجور أو على تشغيله أكثر من الحد الأقصى المنصوص عليه قانونا، أو يتفق معه على عدم أحقيته في العطلة السنوية أو يرغمه على التنازل عليها (3)

1- د/ عبد العزيز المرسى حمود – المرجع السابق – ص 94
2- د/ السيد عيد نايل – المرجع السابق – ص 20
3- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق – ص 39

وفي هذا الإطار نصت المادة 39 من قانون علاقات العمل الجزائري على أن (… كل تنازل من العامل على كل عطلته أو عن بعضها يعد باطلا وعديم الأثر) ولعل القواعد الخاصة بالحد الأدنى للأجور و القواعد الخاصة بالحد الأقصى لساعات العمل هي أبرز القواعد المتعلقة بالنظام العام الحمائي مما يتطلب من المستخدم احترام هذه القواعد عند القيام بتعديلها،فقد منعت المادة 37 من قانون العمل المصري من نقل عامل بالأجر الشهري إلى فئة عمال المناوبة أو العمال المعنيين بالأجر الأسبوعي أو بالقطعة أو بالساعة إلا بموافقة العامل كتابة (1)
وحفاظا على صحة العامل نصت المادة 133 من قانون العمل المصري على أنه (لا يجوز تشغيل العامل تشغيلا فعليا أكثر من ثمان ساعات في اليوم الواحد أو 48 ساعة في الأسبوع لا تدخل فيها الفترات المخصصة لتناول الطعام و الراحة) في حين حدد المشرع الجزائري سقف العمل اليومي بـ12 ساعة بموجب المادة 07 من قانون 97/03 المؤرخ في 11 جانفي 1997 وحدد المدة القانونية الأسبوعية بـ 40 ساعة بموجب المادة 02 من نفس القانون،كما ألزم المستخدم بتخصيص وقت للاستراحة لا يتجاوز ساعة واحدة إذا كانت ساعات العمل المؤداة حسب نظام الدوام المستمر ،وتعتبر نصف ساعة منها كوقت عمل لتحديد مدة العمل الفعلي .
أما المشرع الفرنسي فقد حدد ساعات العمل اليومي ب 08 ساعات في حين حدد المدة القانونية الأسبوعية للعمل بـ 39 ساعة،وبعد صدور القانون رقم 98/461 المؤرخ في 13 جوان 1998 والمسمى بقانون أوبري aubru أصبحت المدة القانونية الأسبوعية للعمل تقدر بـ 35 ساعة تسري ابتداءا من 01 جانفي 2000 (2)
ويترتب على مخالفة القواعد الحمائية الآمرة البطلان إذا أدى تعديل عقد العمل إلى حرمان العامل من الحقوق التي يقررها القانون.

الفرع الثاني: عدم التعسف في استعمال الحق في التعديل
إذا كان من حق المستخدم إجراء تعديل جوهري أو غير جوهري على عقد العمل وفقا للضوابط المنظمة لهذا التعديل، إلا أن المستخدم مقيد بعدم التعسف في استعمال الحق

1- عبد العزيز المرسى حمود – المرجع السابق – ص 96
2- Corinne pizzio – de la porte. ; Op. ; Cit. ; p79

لكن ما القصود بالتعسف في استعمال الحق ،وكيف يتعسف المستخدم في استعمال حقه في التعديل ؟
” إن المقصود بالتعسف بوجه عام استعمال الحق لتحقيق مصلحة غير مقصودة شرعاً للإضرار بالغير مما يفوت مقصود الشارع من شرع الحق .(1)
ويعرف أيضاً بأنه الانحراف عن السلوك المألوف للشخص العادي , غير أن هذا الانحراف لا يثبت ولا يعتد به إلا إذا تجسد في صوره الثلاثة والمنصوص عليها في المادة 124 مكرر من القانون المدني الجزائري المضافة بالقانون رقم 05/10 المؤرخ في 20 جوان 2005 المعدل والمتمم للقانون المدني وهذه الحالات الثلاثة كانت منصوص عليها في المادة 41 من القانون المدني الملغاة بنفس القانون المذكور .
كما أن هذه الحالات منصوص عليها في المادة 05 من القانون المدني المصري, وهي أن يكون بقصد الإضرار بالغير , انعدام التناسب بين مصلحة صاحب الحق و بين الضرر الذي يلحقه بالغير , ويهدف إلى تحقيق مصلحة غير مشروعة (2) .
وإذا كانت هذه الصور تعد معايير للتعسف في استعمال الحق, إلا أنها لم ترد على سبيل الحصر بل وردت على سبيل المثال مما يتيح المجال أمام معايير أخرى للتعسف, وعند الحديث عن سلطة المستخدم في تعديل عقد العمل , قد يأخذ التعسف إحدى الصور المنصوص عليها في المواد المذكورة آنفاً , وقد تأخذ صوراً أخرى ترجع إلى طبيعة الرابطة العقدية لعقد العمل (3) .

أولاً : المعايير العامة للتعسف في استعمال الحق عند التعديل : يكون استعمال الحق غير مشروع في الحالات المنصوص عليها في القانون المدني وهي :
1- إذا لم يقصد سوى الإضرار بالغير ( العامل ) : لا يكفي أن يقصد صاحب الحق ( المستخدم ) من تعديل عقد العمل الإضرار بالعامل , بل يجب فوق ذلك أن يكون استعماله لحقه في التعديل فيه انحراف عن السلوك المألوف للشخص العادي , فقد يقصد المستخدم من وراء التعديل تحقيق مصلحة مشروعة لنفسه ترجح رجحاناً كبيراً عن الضرر الذي يلحق بالعامل , ففي هذه الحالة لا يعتبر متعسفاً , أما إذا كان قصد إحداث الضرر هو السبب الغالب وكان الغرض منه إلحاق الضرر بالعامل اعتبر هذا تعسفاً , ولو كان القصد مصحوباً بجلب المنفعة كعمل ثانوي .

1) محمد أحمد سراج : نظرية العقد والتعسف في استعمال الحق من وجهة الفقه الإسلامي – دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية 1998, ص 274 .
2)رمضان أبو السعود : شرح مقدمة القانون المدني , النظرية العامة للحق – ديوان المطبوعات الجامعية , الإسكندرية 1999 ص 510 ومايليها .
3) د/ محمد عبد الغفار البسيوني المرجع السابق – ص 47 .

و من ثم يكون التعديل تعسفياً إذا قصد المستخدم الإضرار بالعامل دون أن يقترن بنية تحقيق مصلحة العمل , ولو تحققت هذه المصلحة بطريقة عرضية (1) وهذا ما عبر عنه القرار رقم 80461 المؤرخ في 13/04/1990 الصادر عن المحكمة العليا –السابق الذكر بعبارة ” … العقوبة المقنعة ” .
2- إذا كانت المصالح الذي يرمي إلى تحقيقها المستخدم لا تتناسب مع الضرر الذي يصيب العامل:
يكون المستخدم متعسفاً في حقه التعديل إذا كان الضرر الذي سيلحقه بالعامل راجحاً رجحاناً كبيراً على المصلحة التي يريد تحقيقها , بحيث يكون التعديل تعسفياً كلما كان الضرر كبيراً والمصلحة ضئيلة ومن ثمة تكون تفاهة المصلحة قرينة على نية الإضرار (2) .
3ـإذا كان التعديل بقصد تحقيق مصلحة غير شرعية : ليس من السلوك المألوف للشخص العادي أن يسعى تحت ستار استعمال حقه إلى تحقيق مصالح غير مشروعة , فإذا قام المستخدم بتغيير اختصاص العامل أو نقله لأنه أصبح عضواً في النقابة , أو نقله إلى عمل أقل ميزة لكي يستقيل هذا العامل من عمله , عدّ عمل المستخدم عملاً تعسفياً غير مشروع بسبب عدم مشروعية المصالح التي يرمي إلى تحقيقها من وراء ذلك التعديل (3) .

ثانيا: معايير التعسف الخاصة بعقد العمل : إذا كانت معايير التعسف المذكورة سابقاً معايير عامة وردت في القانون المدني على سبيل المثال لا على سبيل الحصر مما يفتح المجال لمعايير خاصة بعقد العمل تتفق مع طبيعة علاقات العمل , وتتمثل هذه المعايير في : انتفاء المبرر من التعديل أو عدم أهمية المبرر أو عدم ملائمة الظروف التي يتم فيها التعديل .
1- انتفاء المبرر من التعديل: إذا كان المستخدم مقيد في كل تعديل بوجود مبرر سواء تعلق هذا المبرر بحالة العامل أو بمصلحة المؤسسة أو الظروف الاقتصادية التي تمر بها , فإن غياب هذا المبرر يجعل التعديل تعسفياً , كأن يقوم المستخدم بتخفيض درجة العامل الوظيفية مبرراً ذلك بعدم كفاءته المهنية رغم عدم صحّة ذلك , أو نقل العامل إلى منصب آخر بحجة إعادة تنظيم المشروع رغم عدم ضرورة ذلك (4) .

1- د /عبد الرزاق أحمد السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني الجزائري –مصادر الالتزام – المجلد الثاني – الجزء الأول –منشورات الحلبي بيروت 1998 ص 957 .
2- رمضان أبو السعود –المرجع السابق –ص 103 .
3- د/ عبد الرزاق أحمد السنهوري –الوسيط – المرجع السابق 959 .
4- د/ عبد العزيز المرسي حمود –المرجع السابق -105.

2- عدم أهمية المبرر: قد يكون للتعديل مبرر لكنه قليل الأهمية لا يقتضي إجراء تعديل في عقد العمل، فأذا قام المستخدم بإجراء تعديل على عقد العمل وأثبت العامل عدم أهمية المبرر عد التعديل تعسفيا ،كنقل عامل إلى منصب آخر بسبب عدم كفاءته المؤقتة الراجعة لمرض عارض أو نقل العامل إلى وظيفة أدنى بسبب خطأ تأديبي قليل الأهمية (1)
3-عدم ملائمة الظروف للتعديل: يعد التعديل تعسفيا إذا تم في ظروف غير ملائمة بما يسيئ للعامل، كأن يقوم المستخدم بنقل عامل من القسم الذي كان يعمل فيه إلى قسم آخر بسبب تدني مستوى كفاءته في الوقت الذي يجري فيه تحقيق بسبب اختلاسات وقعت في هذا القسم وقبل أن تظهر نتيجة التحقيق ،مما يثير الشبهات حول هذا العامل، فرغم أحقية العامل في القيام بهذا التعديل لوجود مبرر له، غير أنه يوصف بالتعسف بسبب عدم ملائمة الظروف للتعديل (2)

الفرع الثالث: عدم تعريض العامل أو غيره للخطر
أولت التشريعات العمالية الحديثة أهمية بالغة لحماية العامل ووقايته من الأخطار وحوادث العمل و الأمراض المهنية، حيث خصصت لها حيزا كبيرا في تشريعات العمل وقوانين الضمان الاجتماعي و الصحة،و القوانين المتعلقة بالوقاية الصحية و الأمن وطب العمل وقد نص القانون رقم 88/07 المؤرخ في 26/01/1988 والمتعلق بالوقاية والأمن وطب العمل على هذه الحماية، وعملت كل هذه القوانين على وضع العمال في مأمن من الخطر وإبعادهم عنه وضمان حمايتهم من الدخان والأبخرة الخطيرة و الغازات السامة و الضجيج وضمان الإجلاء السريع في حالة حريق خطير وشيك أو حادث (3)
ولهذا يلتزم المستخدم عند تعديله لعقد العمل بمراعاة سلامة وأمن العمال وعدم تعريضهم للخطر، فإذا كان التعديل من شأنه أن يعرض العامل أو زملائه لخطر الموت أو الحريق فمن حقه رفض هذا التعديل،ومنه فلا يجوز للمستخدم تكليف العامل بعمل قد يعرضه أو يعرض غيره للخطر ،كتكليف عامل في شركة المباني و المنشآت بالصعود إلى أعلى البناء للقيام بعمل من الأعمال اللازمة للإنشاء ،رغم عدم داريته بهذا العمل وعدم اختصاصه للقيام بهذه الأعمال ، مما قـد يعرضـه للسقوط من أعلى البناء، كما

1- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق – ص 49
2- د/ أحمد سليمان – المرجع السابق ص
3- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق – ص 51

لا يجوز للمستخدم حتى وأن دعت إلى ذلك حالة الضرورة تكليف أحد العمال باقتحام حريق شب في المؤسسة بقصد إنقاض أدوات العمل، كما أن نقل كهربائي مبتدئ للعمل بمحطات الضغط العالي من شأنه ان يعرضه ويعرض زملاؤه للخطر نظرا لما يتطلبه العمل في هذه المحطات من درجة عالية من الكفاءة و الخبرة (1)
كما يحظر على المستخدم نقل عامل أو أكثر إلى فرع آخر إلا بعد اتخاذ الإحتياطات اللازمة في المكان الجديد لمنع تأثير المواد الكيماوية المستعملة أو تسربها إلى مكان العمل كالغارات و الأبخرة، وقد نص قانون العمل المصري الجديد الصادر في 1992 على أحكام السلامة والصحة المهنية وما يقتضيه من التزام المستخدم بتأمين بيئة العمل، حيث يفرض هذا القانون الحصول على ترخيص من الجهة المختصة بعد معاينة مكان العمل و التأكد من أنه مؤمن من الأخطار، وإذا قام المستخدم بنقل عامل إلى مكان غير مرخص بمزاولة العمل فيه فإنه يحق للعامل أن يمتنع عن تنفيذ قرار المستخدم (2)
أما القانون الفرنسي فقد حرص وبشكل كبير على حماية العمال من الأخطار المهنية من خلال عدة نصوص قانونية بدءا بقانون العمل الصادر بتاريخ 31 ديسمبر 1991 وخاصة المادة-1 230L- المتعلقة بالحماية من أخطار العمل والمادة 3-213 L-والمادة 14-213- Lالمتعلقة بالمجلس الأعلى للحماية من الأخطار و المادة 200-5 Lالمتعلقة بالوكالة الوطنية لتهيئة ظروف العمل بالإضافية إلى التنظيم المهني للوقاية من حوادث البناء و الأشغال العمومية (O,P,P,B,T,P ).علما أن كل هذه القوانين تلزم المستخدم بالحرص على صحة وسلامة العمال أثناء العمل وتلزمه أيضا بمراعاة هذه الظروف عند تعديل شروط العمل (3)