المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان

خصصت الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان[ر: حقوق الإنسان] لعام 1950، مجموعة من الحقوق والحريات للأفراد وجعلت، وفق ما جاء في المادة 19، المحكمة الجهاز القضائي المسؤول عن ملاحقة مخالفات الدول، وانتهاكاتها لهذه الحقوق والحريات. ولدت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان The European Court of Human Rights عام 1959، بعد أن قبلت ثماني دول اختصاصها (المادة 56 من اتفاقية عام 1950)، أما مقرها فهو مدينة ستراسبورغ الفرنسية. وأصبح النظام الأوربي لحماية حقوق الإنسان بفضلها النظام الأكثر تكاملاً في العالم؛ من حيث ربطه النظام العام الأوربي لحقوق الإنسان بقضاء أوربي له اختصاص إلزامي، وليسدّ بذلك أيضاً النقص الذي يعانيه الاتحاد الأوربي في جهازه القضائي؛ من حيث حماية وصيانة حقوق الإنسان الأوربي والقاطنين في دول الاتحاد.

يعدُّ النظام الأوربي لحماية حقوق الإنسان نظاماً مكملاً للقضاء الوطني للدول الأطراف وليس بديلاً منه، إذ يشترط استنفاد طرق التقاضي الوطنية أولاً أو تثبت عدم فعاليتها حتى يتم اللجوء إلى القضاء الأوربي، كما لم يسع هذا النظام إلى توحيد النظم القانونية الوطنية، بل إلى إيجاد تنسيق بينها ليضمن بذلك حداً أدنى من الحماية للأوربيين أينما وجدوا في القارة.

التطور التاريخي لعمل المحكمة

أوجدت اتفاقية روما لعام 1950 جهازين يكفلان احترام الدول لالتزاماتهم الناتجة من الاتفاقية، وهما اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان والمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان.

أ ـ تطور اختصاص اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان حتى 1998: The European Commission of Human Rights لم يكن نظام المحكمة يسمح للأفراد تقديم شكواهم مباشرة أمام المحكمة، بل كان لا بد من اللجوء إلى اللجنة الأوربية أولاً، والتي كان يقع على عاتقها فحص مدى صلاحية الطلبات المقدمة لها، سواءً أكان ذلك من قبل دول أم أفراد، لتقوم لجنة مكوَّنة من ثلاث قضاة بفحص قبول الدعوى شكلاً، ثم النظر في مضمونها ومحاولة طرح الحل الودي، وفي حال إخفاقها في المصالحة كان على اللجنة أن تصدر تقريراً حول وجود أو عدم وجود خرق لقواعد الاتفاقية، ترسله للدول المعنّية وللجنة الوزراء التي يحق لها في حال عدم إحالة الموضوع إلى المحكمة أن تصدر خلال مدة ثلاثة أشهر قراراً بأغلبية ثلثي الأعضاء حول مدى وجود انتهاكات للاتفاقية والبروتوكولات الملحقة بها، علماً أن قرارات لجنة الوزراء ملزمة للدول الأطراف.

أما فيما يتعلق باللجوء إلى المحكمة مباشرة فكان حقاً لكل من: اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان، أو أحد الأطراف المتعاقدة الذي يدعي أحد رعاياه أنه ضحية، أو الدولة المتعاقدة التي قدَّمت الشكوى للجنة، وأخيراً الطرف الذي قُدّمت ضده الشكوى، وذلك خلال مدة زمنية لا تتجاوز ثلاثة أشهر من صدور قرار اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان.

تسبب نظام تقاسم القرار بين اللجنة والمحكمة (جهازان قضائيان) ومجلس الوزراء (جهاز سياسي) في كثير من المشكلات، إضافة إلى تراكم القضايا، حيث بدأ رقم العرائض المقدَّمة للجنة يرتفع بصورة كبيرة، ففي عام 1975 سجلت 444 عريضة، وبلغ عدد العرائض 5006 عام 1998، ليكون إجمالي عدد العرائض بين عامي 1955 و1998، 44056 عريضة. كل هذه الأسباب حملت على ضرورة تعديل النظام الذي نصت عليه اتفاقية روما لعام 1950.

ب ـ الاختصاص الإلزامي للمحكمة: وقّعت الدول الأطراف برتوكولاً ملحقاً بالاتفاقية برقم 11 في 11/5/1994، ودخل حيز التنفيذ في 1/11/1998، وقد عدل هذا البرتوكول نظام التقاضي أمام المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، حيث ألغيت اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان من جهة، ومن جهة أخرى أصبح من حق الأفراد التوجه مباشرة إلى المحكمة.

النظام الحالي لعمل المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان

منذ التعديل الأخير وبعد إلغاء دور اللجنة ودور لجنة الوزراء، أصبح من حق الأفراد والدول الأطراف في اتفاقية روما تقديم عرائضهم مباشرة للمحكمة، ويمكن للمحكمة أن تتلقى شكوى مقدَّمة من دولة ضد خرق مرتكب من قبل دولة أخرى لأحكام الاتفاقية، كما يمكن أن تتلقى شكوى من أفراد طبيعيين أو اعتباريين.

تنظر لجنة مكونة من ثلاثة قضاة، في العريضة المقدمة، لتبت في قبول الدعوى شكلاً. وفي حال عدم قبول الدعوى لابد من أن يكون الأمر بالإجماع (المواد 29 إلى 35 من البرتوكول رقم 11). أما في حال قبول الدعوى شكلاً فيتم تثبيت الوقائع واقتراح الحل الودي على الأطراف المعّنية من قبل غرفة مكوّنة من سبعة قضاة. فإذا لم يتم التوصل إلى هذا الحل تصدر المحكمة حكماً يصبح قطعياً ما لم يستأنف خلال ثلاثة أشهر، وعندها تنظر الغرفة الكبرى المكوّنة من سبعة عشر قاضياً في الدعوى بعد أن تقرر لجنة مكوّنة من خمسة قضاة إمكان النظر في الاستئناف، وتصدر الغرفة الكبرى قراراً قطعياً ملزماً للأطراف المعّنية بالدعوى، وتراقب لجنة الوزراء تنفيذ القرار.

كما يمكن أن تصدر المحكمة آراء استشارية، بناء على طلب لجنة الوزراء، وذلك فيما يتعلق بتفسير الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والبرتوكولات الملحقة بها. لكن لا يحق للمحكمة أن تعطي رأياً فيما يتعلق بطبيعة الحقوق التي تكفلها اتفاقية عام 1950 أو آلية تطبيقها، وذلك على عكس المحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان[ر] والتي وسّعت نطاق سلطاتها الاستشارية، حيث خلقت نظاماً موازياً للنظام القضائي الأمريكي لحقوق الإنسان.

تكوين المحكمة

تتكون اللجنة المختصة بقبول نظر الدعوى شكلاً من ثلاثة قضاة منتخبين لمدة 12 شهراً فقط، أما الغرف المكوّنة من سبعة قضاة فهي منتخبة لمدة ثلاث سنوات، ويمكن للدول التي لا يوجد لها قاض في الغرفة التي تنظر في دعواها أو في الدعوى الموجهة ضدها اختيار قاض متمم ad hoc judge، كما ينتخب قضاة الغرفة الكبرى لمدة ثلاث سنوات أيضاً، ويتم تغيير تكوين هذه الغرفة في كل دعوى لإيجاد توازن جغرافي من جهة، ولإيجاد توازن بين النظم القانونية الأوربية المختلفة من جهة أخرى.

تعقد الجلسات بصورة علنية، إلا في حال اتخاذ قرار مخالف بهذا الشأن من قبل المحكمة ولأسباب استثنائية متعلّقة بالأخلاق أو النظام العام أو الأمن القومي لدولة ما أو لمصلحة العدالة، أما اللغات الرسمية فهي الفرنسية والإنكليزية فقط.

وكان قبول الفرد الطبيعي والاعتباري كشخص يمكنه التقاضي أمام المحكمة قد أدى إلى تثبيت مبدأ وجاهية المحاكمة وفتح الحوار المتبادل بعد أن كان الأمر قاصراً على سماع وجهات نظر الدول فقط.

وسمحت المادة 36 المعدّلة بموجب البرتوكول رقم 11 للدول الأطراف أن تتدخل أمام المحكمة بجميع غرفها عن طريق تقديم عرائض مكتوبة، وأن تحضر الجلسات في حال كانت الدعوى مقدَّمة من أحد رعاياها، كما سمحت لرئيس المحكمة أن يدعو أي دولة طرف في الاتفاقية وليست طرفاً في الدعوى وأي شخص يراه مناسباً ليقدِّم ملاحظاته المكتوبة حول موضوع الدعوى.

بلغ عدد الدول الأطراف في اتفاقية روما 45 دولة عام 2004، وجميعها أطراف في نظام المحكمة، ويحق لكل دولة أن يكون لها قاض من جنسيتها في عداد قضاة المحكمة.

من هم الأفراد الذين يحق لهم المثول أمام المحكمة؟

1ـ كل شخص طبيعي يحمل جنسية دولة من الدول الأطراف في الاتفاقية، وكل شخص مقيم على أراضيها، بغض النظر عن جنسيته، سواء قدّمت الدعوى ضد دولته أم ضد أي دولة أخرى من الدول الأطراف، كما يمكن للاجئ وعديم الجنسية أيضاً الانتفاع من هذا الحق.

2ـ المنظمات غير الحكومية[ر]: الدولية وغير الدولية، سواء كانت ذات غاية نفعية أم لا، كالنقابات، والمنظمات الدينية، والقانونية، والجمعيات والأحزاب السياسية.

3ـ مجموعات الأفراد: الذين تجمعهم مصلحة مشتركة وإن كانت مؤقتة، ويرون أن الحقوق التي تكفلها اتفاقية روما وملاحقها قد انتهكت.

بعض الإحصاءات

صدر عن المحكمة 36 قراراً في الفترة الواقعة بين عامي 1960 و 1979، وارتفع العدد إلى 119 قراراً في الفترة الواقعة بين عامي 1980 و1989، و389 قراراً في الفترة الواقعة بين عامي 1994 و1998، ويمكن القول إنه بدءاً من عام 1991 حتى عام 2004 أصدرت المحكمة نحو 75 قراراً سنوياً.

وكانت المحكمة قد نظرت عام 1999 في 176 دعوى، وفي عام 2000 في 695 دعوى، وفي عام 2001 في 880 دعوى، وفي عام 2002 نظرت المحكمة في 844 دعوى وفي عام 2003 نظرت في 703 دعوى، والزيادة مستمرة مما يؤكد فاعلية المحكمة والنظام الأوربي لحماية حقوق الإنسان.