قانونيون يطالبون بتعويض المتهم عـن «التــــــوقيف» بعد الحكـم ببراءتـه

إعادة نشر بواسطة محاماة نت 

طالب محامون بضرورة تحرّك المشرّع لإجراء تعديلات في قانون الإجراءات الجزائية في ما يتعلق بـ«وجوب تعويض المتهمين عن فترة الحبس الاحتياطي في حال صدور حكم بالبراءة، وذلك عن الأضرار التي لحقت بهم من جراء الحبس فترات تصل في أحيان كثيرة إلى ما يتجاوز العام»، لافتين إلى أن إجراء الحبس يمس مباشرةً حرية المتهم الشخصية، ويسبب له خسائر كبيرة، قد تتضمن فقدانه وظيفته، وتشويه سمعته، وتلحق به مشكلات مالية، فضلاً عن تعثر حياته الأسرية، الذي لا ينفع معه حصوله على حكم يؤكد براءته في ما بعد.

البلاغ الكاذب

وتفصيلاً، نادى المحامي يعقوب شاهين بـ «النص قانوناً على حق المتهم بالحصول على التعويض من جراء الحبس، على أن تنحصر سلطة القضاء في تقدير قيمة التعويض، فضلاً عن النص قانوناً على أحقية المتهم بالتعويض في حال حدوث خطأ جسيم بحقه من أي جهة، إذا أدى ذلك إلى حبسه وصدر الحكم ببراءته لاحقاً».

وقال إن «التوقيف يقع قبل العقوبة أو قبل الحكم، وهو تدبير احتياطي، مؤقت، ولا بدّ من اطلاق سراح المتهم في حال الشك في الادلة التي تدينه»، متابعاً أنه «قد يتسبب في معاناة المتهم من ضغوط شخصية هائلة أيضاً مثل الخسارة الاقتصادية التي تلحق به، وانفصاله عن أسرته، وقد يتعدى ذلك، خصوصاً في مجتمعاتنا، إذ يبقى المتهم مشتبهاً فيه في نظر المجتمع، حتى بعد حصوله على البراءة».

ولفت شاهين إلى أن البراءة تأتي في أحيان كثيرة من جراء ثبوت أن البلاغ المقدم من الشاكي كاذب، وعليه لابد من تشديد عقوبة البلاغ الكاذب باعتباره السبب في حبس المتهم، وهو إجراء سيدفع الشاكي إلى التفكير كثيراً لدراسة عواقب بلاغه الكيدي قبل التقدم به ضد المتهم».

البراءة المتأخرة

في السياق نفسه، طالب المحامي سعيد الغيلاني، بتعويض المتهم بعد براءته بـ100 درهم عن اليوم الواحد الذي قضاه في الحبس من دون وجه حق، أسوة بالحبس بدل الغرامة المعمول به حالياً في الإمارات، باحتساب 100 درهم عن كل يوم حبس.

واعتبر أن «المتهم المحبوس على ذمة القضية ليس باستطاعته أن يعيل أسرته، فيتوقف مصدر رزقها، ومن الممكن أن ينسحب ذلك على أبنائه، فيتوقف عن دفع مصاريف رسومهم الدراسية. وقد يقضي متهم أكثر من المدة المقررة لعقوبته، أو حتى نصفها، وهو بريء»، وتساءل: «ما فائدة أن يحصل على حكم براءة بعد ذلك؟».

وتابع الغيلاني: «يتوجب تكفيل المتهم على ذمة القضية، وألا يمدد الحبس لأكثر من 21 يوماً، إلا للمتهمين في القضايا الجنائية الكبرى، التي يشكل فيها المتهم خطورة على الآخرين، كالقتل والاغتصاب وتجارة المخدرات، وهي تلك المُعاقب عليها بالإعدام والمؤبد».

وطالب بوضع قيود على مسألة تقييد الحرية بالحبس، ضارباً مثالاً بالقانون المصري، بقوله إنه ينص على أن يُفرج عن المتهم في الجنايات بمضي 15 يوماً من تاريخ استجوابه، ويجوز للقاضي التمديد شرط ألا يزيد مجموع أيام الحبس الاحتياطي على 45 يوماً على ذمة التحقيق، وفي الجنح يتوجب الافراج عن المتهم بعد مضيّ ثمانية أيام من تاريخ استجوابه.

كما طالب الغيلاني بمحاسبة الجاني الرئيس عند صدور حكم البراءة، وألا يكتفى بانتهاء الدعوى بهذا الشكل.

نوع الضرر

إلى ذلك، قال المحامي هارون تهلك، إن التعويض ينبغي أن يشمل كلّ ما لحق بالمتهم من ضرر، بسبب إقامة دعوى جزائية ضده، إذا ثبتت بعد ذلك براءته. لكنه رأى أن «التعويض يحدده نوع الضرر».

وشرح أن «تعويض الفصل من العمل هو إعادة الموظف إلى عمله بقوة القانون، مع صرف جميع رواتبه بأثر رجعي، وإذا كان الحبس أدى إلى وجود شيكات من دون رصيد فيتوجب إيقاف دعاوى الشيكات ضده، ومن فاتته صفقات تجارية، يمكنه رفع دعوى للمطالبة بتعويض خسائره مستنداً على حكم البراءة».

وتابع تهلك: «ينبغي ألا يُرمى عبء التعويض على كاهل النيابة العامة مباشرة، خوفاً من خروجها بعد ذلك عن صفة الحيادية، كي لا تعوّض المتهم بعد الحكم النهائي بالبراءة، باعتبارها خصماً شريفاً» وزاد أنه «يتوجب أن يعوّض الحاصل على حكم البراءة، حتى لو بُني حكم البراءة على الشك، فلابد من إعمال أثر هذه البراءة وإلا فما فائدتها كحجة لأي ضرر وقع عليه».

وقال المحامي محمد السويدي، إن من القواعد العامة أن كل إضرار بالغير، سواء كان نفسياً أم مادياً، يتوجب بناء عليه تعويض الشخص المتضرر، فإذا كانت الأدلة غير كافية أثناء التحقيق وبعد حبس المتهم، فعلى من رفع البلاغ الكاذب تعويضه.

ولفت السويدي إلى أنه «بناء على نظرية المسؤولية التقصيرية، يكون إذا قصرت النيابة تجاه متهم بإحالته إلى المحكمة على الرغم من عدم وجود أدلة ثابتة ضده، ورأت المحكمة ذلك، ما تسبب بوقوع ضرر على المتهم، فيعتبر بلاغاً كيدياً، ويحق للشخص رفع دعوى تعويض جراء الضرر الذي وقع عليه».

مشكلات اجتماعية

أشار المحامي محمد الرضا إلى ضرورة تعويض المتهم، خصوصاً إذا كان حكم البراءة مبنياً على خطأ في الإجراءات أو خطأ ارتكبه مأمور الضبط أو عضو النيابة، أو إذا اتضح للمحكمة أن الدعوى كيدية»، متابعاً «لأنه كان لزاماً على النيابة العامة أن تحفظ الدعوى إن وجدت أحد هذه الأمور واضحاً جلياً لديها من خلال ملف الدعوى، كالخطأ في الاجراءات أو ما شابه، وألا يتم حبس المتهم أكثر من ذلك، على اعتبار أن تحقيقات النيابة العامة تعتبر مرحلة من مراحل التقاضي».

واقترح الرضا أن تقدر المحكمة ذلك التعويض بالتزامن مع الحكم النهائي القاضي بالبراءة من محكمة التمييز، معتبراً أن المشكلات التي قد تقع على المتهم المحبوس كثيرة، أبرزها أنه يحق للزوجة إذا حُبس زوجها وقيدت حريته لأكثر من سنة، أن تطلب الطلاق، مؤكداً أن كثيراً من القضايا دين فيها أشخاص بالمؤبد، وفي التمييز حصلوا على البراءة، فمن يعوّضهم عن المدة التي قضوها في الحبس؟ يشار إلى أن القانون الأميركي يعوّض المتهم بعد براءته بـ120 دولاراً عن اليوم، وكذلك القانون الأردني الذي لا يحبس المتهم على ذمة القضية أكثر من ثلث المدة المقررة لعقوبته.