الهدنة في القانون الدولي

عاصم الزعبي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

أعلنت روسيا وتركيا عن اتفاق وقف إطلاق النار(هدنة) بين الأطراف المتحاربة في سورية، ودخل حيّز التنفيذ الساعة الثانية عشر بعد منتصف ليل 30 كانون الأول ديسمبر 2016، وتضمّن وقف الأطراف المتحاربة الأعمال القتالية كافة، بما في ذلك الغارات الجوية، وتعهد الأطراف بعدم محاولة توسيع رقعة الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم على حساب الطرف الآخر، وشمل الاتفاق جميع مناطق المعارضة، بما فيها المناطق مشتركة السيطرة بين المعارضة المعتدلة، وجبهة “فتح الشام”، واستثني من الاتفاق مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.

عرف فقهاء القانون الدولي الهدنة بأنها: “وقف العمليات الحربية بين طرفي القتال بناء على اتفاق المتحاربين”، وهي إجراء يحمل الطابع السياسي إلى جانب الصفة العسكرية، ويلجأ إليه المتحاربون -عادة- بوصفه مقدمة لإيجاد أساس لعقد صلح بينهما.

تصنف الهدنة في سورية -بحسب القوانين الدولية- أنها “هدنة محلية”، فالطرفان المتحاربان هما النظام والمعارضة، وجاء الاتفاق عليها لتقرر وقف إطلاق نار شامل، على أن تجري المفاوضات وفق بيان جنيف، والقرار 2254، الصادر عن “مجلس الأمن الدولي” بتاريخ 18 كانون الاول/ ديسمبر 2015، الذي ينص على دعم المجلس للمسار السياسي لحل الأزمة السورية بإشراف “الأمم المتحدة”، من خلال تشكيل هيئة حكم ذات صدقية تشمل الجميع، وغير طائفية.

كما نص الاتفاق الروسي – التركي، على إطلاق مفاوضات؛ للوصول إلى حل سياسي خلال شهر من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وإدخال مساعدات إلى جميع المناطق المحاصرة، وفق خطة تضمن كل من تركيا وروسيا الالتزام التام بتنفيذها.

خرق وقف إطلاق النار ومراقبته

وفي حال حدوث إخلال أو خرق جسيم للهدنة، من أي من الطرفين المتحاربين، فإن ذلك يُعطي الحق للطرف الآخر أن يقوم بنقضها، ولكن إذا كان الإخلال قد جرى إرتكابه من قبل أفراد من أي من الطرفين من تلقاء أنفسهم، فللطرف الآخر أن يطلب معاقبة المسؤولين عن هذا الخرق ودفع التعويضات عن الأضرار التي نتجت عن هذا الخرق، وذلك بحسب المواد 40 و41 من لائحة لاهاي وتنص المادتين على أنه:

(مادة 40): كل خرق جسيم لاتفاقية الهدنة من قبل أحد الأطراف، يُعطي للطرف الآخر الحق في عدّها منتهية، بل واستئناف العمليات العدائية في الحالة الطارئة.

(مادة 41): إن خرق شروط الهدنة من طرف أشخاص بحكم إرادتهم يعطي الحق في المطالبة بمعاقبة المخالفين فقط، ودفع تعويض عن الأضرار الحاصلة إن وجدت.

يُعدّ موضوع مراقبة خرق الهدنة أو وقف إطلاق النار، من البنود الأساسية التي لابدّ من وضع آليات عملية لها ترافق إتفاق وقف إطلاق النار، وهذا ما لم يحدث في الاتفاق الخاص بوقف إطلاق النار في سورية، حيث جاء من ضمن الاتفاق أن يضع الضامنون (روسيا وتركيا) آلية ملائمة لمراقبة وقف إطلاق النار، استنادًا إلى معايير “الأمم المتحدة”، ليجري إقرارها شركةً، بعد موافقة الأطراف المتحاربة والضامنين، دون أن يجري تحديد هذه المعايير أو تحديد موعد لوضعها؛ ما يترك الباب مفتوحًا أمام عدم تكييف أي عمل عدائي من أي من الأطراف على أنه خرق أم لا.

دور المجتمع المدني في رصد ومراقبة الخروقات

من الصعب في الحالة السورية، وفي ظل عدم تحديد معايير لمراقبة وقف إطلاق النار في الاتفاق، تقدير وإحصاء الخروق التي من الممكن أن تمس الهدنة التي تعدّ هشة في الأصل.

فمن الناحية العامة، يجب أن يتضمن الاتفاق أحكامًا قوية بشأن الإمتثال له، ولكن في حالة الحرب الداخلية، أو كما تُسمى من بعضهم بالحرب الأهلية، في سورية ليس هناك نمط محدد لمراقبة ورصد وقف إطلاق النار.

ولكن من خلال تجارب عديدة، أثبت المجتمع المدني ومنظماته دورًا فعالًا في وضع مثل هذه الآلية، خصوصًا أنه ليست هناك مراقبة دولية أو من الضامنين حتى الآن، وهنا يُمكن للمجتمع المدني الإعتماد على مبادىء توثيق حقوق الإنسان، وأهمها الدقة والنزاهة، كما يمكن استخدام الصور، والفيديو، والمقابلات لتوثيق خرق وقف إطلاق النار والتحقق منها.

كما يمكن المجتمع المدني ومنظماته مراقبة الوضع الإنساني؛ لضمان دخول المساعدات إلى المناطق المُتضررة، والمحاصرة، والتأكد من أن الحاجات الإنسانية تلبى، بحسب البند في الاتفاق المتعلق بإدخال المساعدات، وفق ضمانات روسيا وتركيا.

لا يزال اتفاق وقف إطلاق النار في بدايته، ولا بد من الانتظار، لمعرفة ما إذا كان الاتفاق الحالي سيكون له أثر إيجابي دائم على هذه الحرب أم لا، مع الإشارة إلى أن انتهاكات وقف إطلاق النار لا تعد -بالضرورة- انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي، أو قانون حقوق الإنسان الدولي، وإنما هي إنتهاك لإتفاق وقف إطلاق النار نفسه.