تعريف الجريمة المخلة بالشرف والأمانة وتأثيرها على المسؤولية التأديبية للموظف القطري

– تحديد ماهية الجريمة المخلة بالشرف والأمانة، ومدى تأثيرها على المسؤولية التأديبية للموظف.

– إن جريمة تعاطي المخدرات تعتبر من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة إذا أدين فيها الموظف، مما تنعقد معها مسؤوليته التأديبية لكونها تمس سمعته وكرامته.

من حيث إن المستقر عليه بداءة في هذا المجال أنه لا يوجد تلازم بين ضرورة أن تكون الجريمة التي يدان بها الموظف مخلة بالشرف والأمانة وبين إنعقاد مسؤوليته التأديبية نظرا لاستقلال المسؤولية الجنائية عن المسؤولية التأديبية، حيث يمكن أن تكون الجريمة غير ماسة بالشرف والأمانة وفي ذات الوقت يمكن مساءلة الموظف عنها تأديبيا.

ومن حيث إنه عن مدى إعتبار الجريمة التي أدين بها المعروضة حالته مخلة بالشرف والأمانة من عدمه، فإن القاعدة العامة أن الجريمة المخلة بالشرف لم تحدد في قانون العقوبات أو في أي قانون تحديدا جامعا مانعا، كما أنه من المتعذر وضع معيار مانع في هذا الشأن، على أنه يمكن تعريف هذه الجرائم بأنها هي تلك التي ترجع إلى ضعف في الخلق وانحراف في الطبع مع الأخذ في الإعتبار طبيعة الوظيفة، ونوع العمل الذي يؤديه العامل المحكوم عليه، ونوع الجريمة والظروف التي أرتكبت فيها، والأفعال المكونة لها، ومدى كشفها عن التأثير بالشهوات، والنزوات، وسوء السيرة، إلى الحد الذي ينعكس أثرها على العمل، وغير ذلك من الإعتبارات.

ومن حيث أن المخدرات نوع من السموم، وتعاطيها ينتهي غالبا بالإدمان عليها، والإدمان يتحدد ضحاياه بأخطار فادحة، وتنشأ عنه أضرار إجتماعية، واقتصادية جسيمة، حيث أن المدمن يعيش حياة قلقة مضطربة، ويهمل شؤون أسرته وواجباته نحوها، وتنحصر إهتماماته في إشباع شهواته، فيغدو قدوة سيئة لأفراد أسرته، وقد أثبت علماء الإجرام قيام رابطة وثيقة بين الإدمان وارتكاب الجرائم خاصة جرائم الأموال، فضلا عن أن الإدمان يغري بالخمول وكراهية العمل فيصبح المدمن خاملا، بليد الحس، وكثيراً ما يفقد مورد رزقه بسبب هبوط كفايته العقلية والجسمية.

وليس صحيحا أن تعاطي المخدرات مباحا في الشريعة الإسلامية نظراً لعدم ورود نص صريح بشأنها، والصحيح أن متناول المخدرات يُحد كما يُحد متناول الخمر سواء بسواء حسبما ذهبت إلى ذلك دار الإفتاء المصرية عام 1940، وقال إبن تيمية في كتاب السياسة الشرعية أن الحشيش حرام يُحد متناوله كما يُحد شارب الخمر، وهو أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج.. وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهي داخلة فيما حرمه الله ورسوله من الخمر والمسكرات لفظا ومعنى.

ومن حيث إنه، واهتداء بما تقدم، فإن الثابت من الحكم الصادر من دائرة الجنايات والحدود بالمحاكم الشرعية ضد المعروضة حالته، وذلك بجلده خمسا وخمسين جلده لإدانته بتعاطي مادة الحشيش المخدرة. وإقرار المذكور بأنه كان يجلس في مجلس يوجد به مجموعة من أربعة أشخاص يدخنون الحشيش بعد العشاء إلى الساعة الحادية عشر مساء، وذلك لمدة عشرين يوماً بصفة دائمة، والثابت للمحكمة وجود آثار تعاطي مادة الحشيش المخدرة في عينة بول المتهم التي تم تحليلها هي – كما قرر الخبير في الدعوى – نتيجة تعاطي مادة الحشيش المخدرة وليس لاستنشاقه لتلك المادة من آخرين عن طريق الجلوس معهم، فضلا عما جاء في بيان أسبقيات المتهم الجرمية من وجود سابقة له في تعاطي مادة الهيروين المخدرة وحكم عليه فيها بعقوبة الحبس لمدة ستة أشهر مع وقف التنفيذ وغرامة مقدارها خمسمائة ريال، لذلك فقد انتهت المحكمة إلى إدانته بالعقوبة السابقة الإشارة إليها.

وتأسيساً على ذلك فإنه على الرغم من خلو قانون العقوبات القطري من نص يقضي باعتبار جريمة تعاطي المخدرات من الجرائم الماسة بالشرف والأمانة غير أن هذه الجريمة في دولة قطر وفي ظل العادات والتقاليد السائدة فيها، ونص النظام الأساسي المؤقت المعدل على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع فيها، فضلا عن أن هذه الجريمة تنبئ عنم ضعف في الخلق، وانحراف لشخص مرتكبها، لا سيما إذا أخذنا في الإعتبار أن الموظف المعروضة حالته يعمل بإدارة شؤون الموظفين بوزارة التربية والتعليم، والتي تتصل بالنشء الذي تعمل الدولة جاهدة على تربيتهم على مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، وقد أقدم المعروضة حالته على ذلك، ويعكف على تعاطي الهيروين والحشيش المخدر ومجالسة رفقاء السوء لفترات طويلة، وهو ما ثبت في حقه بموجب أحكام نهائية، مما ينم عن تأثره بشهوته ونزواته لتعاطي المواد المخدرة لفترات طويلة وعودته لإرتكاب هذه الجريمة أكثر من مرة مما يؤثر عليه لدى أداء عمله ويمس في النهاية سمعته وسيرته وتكون الجريمة التي أدين فيها في ظل الظروف التي أرتكبت فيها، وبالنظر إلى أنه يعمل في وزارة التربية والتعليم وللإعتبارات الأخرى، من الجرائم التي تمس، والحال كذك، بشرفه وأمانته ومخلة بهما.

وفي مجال التأديب، فإنه لما كان تعاطي المخدرات مما يمس السمعة والسيرة، نظرا لما تنطوي عليه هذه الجريمة من مخالطة رفقاء السوء والآثار السلبية والسيئة التي تخلفها بالنسبة للمتعاطي بل وبالنسبة للمجتمع بأسره فقد إشترطت المادة (10/3) من قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم (1) لسنة 2001 فيمن يعين في إحدى الوظائف أن يكون محمود السيرة حسن السمعة، كما أوجبت المادة (75/3) من ذات القانون على الموظف الإلتزام بالمحافظة على شرف الوظيفة وكرامتها وحسن سمعتها، سواء في مكان العمل أو خارجه، ومن ذلك يبين أن حسن السمعة هو من الصفات الجوهرية المطلوبة في كل موظف عام، إذ بدون هذه الصفة لا تتوافر الثقة والطمأنينة في شخص الموظف العام مما يكون له أبلغ الأثر على المصلحة العامة فتختل الأوضاع وتضطرب القيم في النشاط الإداري، ولئن كان لا يحتاج الأمر في التدليل على سوء السمعة إلى وجود دلائل أو سبهات قوية تلقي ظلالا من الشك على توافرها حتى يتهم الموظف بعدم حسن السمعة، غير أنه في الحالة المعروضة توجد أحكام جنائية صدرت ضد المعروض حالته في جرائم تعاطي المخدرات فهي كافية بذاتها كدليل قاطع، على انتفاء حسن السمعة وهو شرط صلاحية لتولي الوظائف العامة وشرط للإستمرار في شغلها، ويعد خروجا منه على مقتضى واجبات وظيفته.

وانتهت إدارة الفتوى من العقود إلى أن جريمة تعاطي المعروض حالته للمخدرات، في ظل الظروف التي ارتكبت فيها، هي من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة وتمس سمعته.

فتوى ف.ع 3/11- 469 / 2002

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .