أركان النظام النيابي الأربعة

ينهض النظام النيابي على أربعة أركان اساسية تتمثل في وجود هيئة نيابية منتخبة وأن تكون نيابة هذه الهيئة من الأمة لمدة محدودة، وأن المنتخب يمثل الأمة بأسرها، وأخيرا، استقلال الهيئة النيابية عن هيئة الناخبين.

أولا – وجود هيئة نيابية منتخبة ذات سلطة فعلية:

يمثل وجود هيئة برلمانية منتخبة الركن الأول والأساس لقيام النظام النيابي، سواء كانت هذه الهيئة تتكون من مجلس أو مجلسين. فلقيام النظام النيابي يشترط وجود برلمان يقوم الشعب بانتخاب أعضائه، لأن الانتخاب هو الوسيلة الديمقراطية الوحيدة في اختيار الحكام. كما أن أعضاء البرلمان المنتخبين يجب ألاّ يقلّوا بأي حال من الأحوال عن الأعضاء المعينين وإلا فقد النظام النيابي صفته الديمقراطية، كما يشترط أن يكون للبرلمان اختصاصات فعلية وحقيقية في ممارسة مظاهر السيادة الشعبية في النطاق الذي يرسمه الدستور طبقا لمبدأ الفصل بين السلطات. وتتولى هذه الهيئة المنتخبة مهمة الرقابة على السلطة التنفيذية، وسن القوانين، والموافقة على الميزانية العامة للدولة، فضلا عن تمثيل رغبات وآراء المواطنين، ويجب أن تكون سلطات البرلمان سلطات حقيقية.

ثانيا – مدة العضوية في الهيئة البرلمانية يجب ان تحدد لمدة معينة.

ليس معنى استقلال البرلمان أن يستمر الأعضاء نوابا عن الشعب مدى الحياة، فإن ذلك قد يؤدي إلى الاستبداد وتضعف بمرور الزمن فكرة تمثيل الأمة، ولذلك يجب لضمان صدق البرلمان في تعبيره أن نرجع إلى الشعب من وقت لآخر ليعيد انتخاب البرلمان ويحقق رقابته على ممثليه. وعملية تجديد الإنتخاب من وقت لآخر وذلك حتى يتمكن الشعب من فرض رقابته على البرلمان من ناحية وحتى لا تمتد النيابة لأجل غير محدد. فيفقد الشعب سلطاته لنوابه من ناحية أخرى. كما أن تحديد مدة العضوية مسألة اعتبارية تختلف الدساتير في تحديدها من دولة لأخرى، ولكنها تتفق على التوفيق بين اعتبارين لتحديد المدة هما:

أ- ألا تكون مدة طويلة على نحو يقوّض أساس تقريرها وهو رقابة الشعب على نوابه وأدائهم البرلماني.

ب- ألا تكون شديدة القصر، فلا يتمكن النواب من أداء رسالتهم ويفقدون الإستقلال الواجب لهم، إشفاقا من المواجهة السريعة للناخبين، الأمر الذي يفرض خضوعهم لرغبات الناخبين، فيصبحون نوابا إقليميين لا قوميين.

وعلى هذا الأساس، تحدد معظم الدساتير مدة عضوية أعضاء البرلمان ما بين ثلاثة وخمسة أعوام حتى يتمكن الشعب من فرض رقابته على الهيئة النيابية.

ثالثا – تمثيل النائب المنتخب للأمة بأسرها:

من مقتضيات النظام النيابي أن النائب يمثل الأمة كلها لا دائرته فقط. ولقد انتشر هذا المبدأ بعد الثورة الفرنسية وقبيل ذلك كان النائب يمثل فقط دائرته الانتخابية. وترتب على هذه التمثيل بأنه كان من حق الناخبين أن يصدروا تعليمات إلزامية للنائب، ولم يكن بمقدوره الخروج على هذه التعليمات، وكان عليه أن يراعي مصالح الدائرة وأن يقدم حسابا بأعماله، وكان من حق الناخبين عزل النائب، وبعد الثورة الفرنسية تغير المبدأ وأصبح النائب يمثل الأمة بأجمعها بحيث يستطيع إبداء الرأي بحرية كاملة من دون التقيد بتعلميات الناخبين لأنه يعمل من أجل الصالح العام للأمة وليس لمجرد تحقيق مصالح إقليمية ضيقة للدائرة التي انتخب فيها، ما لم يعد من حق الناخبين عزل النائب متى شاءوا.

رابعا – استقلال النائب عن الناخبين طوال مدة نيابته:

تقتصر مهمة الناخبين في النظام النيابي على عملية انتخاب النواب، أعضاء البرلمان، وبعد إنتهاء هذه المهمة يصبح البرلمان صاحب السلطة القانونية ولا يستطيع الشعب التدخل في أعماله. وفي الحقيقة، فإن هذا المبدأ يختلف عن المبدأ السابق الخاص بتمثيل الهيئة النيابية للأمة بأكملها، لأن استقلال أعضاء البرلمان يعتبر نتيجة منطقية لزوال الوكالة الإلزامية وتحررالنواب من تبعاتها، وعمومية نيابة البرلمان عن الأمة. وعلى هذا الأساس فإنه لا يجوز للشعب أن يتدخل في ممارسة الهيئة البرلمانية لسلطاتها طوال مدة انتخابها، بحيث لا يجوز الأخذ بأي مظهر من مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة، كالاستفتاء الشعبي، أو الاقتراح الشعبي، أو الاعتراض الشعبي. فليس لجمهور الناخبين إلا الانتظار حتى يأتي موعد الانتخاب الجديد، لكي يعبروا عن إرادتهم في إختيار من يرونه أكثر صلاحية لتمثيلهم.

لم تقتنع الشعوب، نتيجة زيادة الوعي السياسي وانتشار الثقافة والتعليم، بالدور الذي تقرره الديمقراطية النيابية وهو «عملية الانتخاب»، ولذلك زادت مساهمة الشعوب في الحكم، ووجد ما يسمى بحكم الاقتراح الشعبي وحق الحل الشعبي، وحق الاعتراض الشعبي وغيرها من الحقوق التي حولت النظام النيابي إلى ما يسمى بالديمقراطية شبه المباشرة.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت