دستورية التنظيم التشريعي لحق الموظف المعار لمدة تزيد على 4 سنوات في الترقية وتحديد أقدميته عند عودته من الإعارة

الدعوى رقم 104 لسنة 35 ق “دستورية” جلسة 3 / 11 / 2018

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من نوفمبر سنة 2018م، الموافق الخامس والعشرون من صفر سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار وسعيد مرعى عمرو والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمد غنيم نواب رئيس المحكمة
وحضور السيدة المستشار / شيرين حافظ فرهود رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 104 لسنة 35 قضائية “دستورية”، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري بالمنوفية بحكمها الصادر بجلسة 24/3/2013، ملف الدعوى رقم 2614 لسنة 4 قضائية.
المقامة من
محمد موسى سليمان أبوشادى
ضــــد
1- محافــظ المنوفيــة
2- وكيل وزارة الصحة بالمنوفية

الإجـراءات
بتاريخ العاشر من يونيو سنة 2013، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 2614 لسنة 4 قضائية، بعد أن حكمت محكمة القضاء الإداري بالمنوفية بجلسة 24/3/2013،بوقف الدعوى وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليـا للفصل في دستورية نص المادة (58) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 فيما أغفله من تنظيم الحق في الاحتفاظ بترتيب الأقدمية والحق في الترقية المطلقة أو بالرسوب الوظيفي للعامل الذى يشغل وظيفة تكرارية ومرخصًا له بإعارة للعمل في وظيفة تتطابق طبيعتها مع طبيعة أعمال وظيفته بالداخل وتجاوزت مدة إعارته أربع سنوات
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – في أن المدعى في الدعوى الموضوعية كان قد أقام الدعوى رقم 2614 لسنة 4 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري بالمنوفية، ضد محافظ المنوفية وآخر، طالبًا الحكم بإلغاء القرار رقم 2296 لسنة 1995 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية للفئة الثانية اعتبارًا من 1/12/1992، وإلغاء القرار رقم 1238 لسنة 2002 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية للفئة الأولى اعتبارًا من 1/5/2002، وما يترتب على ذلك من آثار، وذكر شرحًا لدعواه أنه حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة عام 1976 وعين بموجبه بوظيفة طبيب بشرى بأحد المستشفيات التابعة لمديرية الشئون الصحية بالمنوفية اعتبارًا من 1/3/1976، وقد رخصت له جهة الإدارة بإعارة للعمل بوظيفة طبيب بأحد مستشفيات المملكة العربية السعودية خلال الفترة من 3/3/1982، حتى 2/9/2001، وبعد عودته من الإعارة تسلم عمله، وتم رفع الدرجة المالية لوظيفته – طبقًا لنظام الرسـوب الوظيفي – إلى الدرجة الثانية اعتبارًا من 1/5/2002، ثم رفعت إلى الدرجة الأولى اعتبارًا من 1/7/2008، وقد علم أن زملاءه الأحدث منه سبقوه في الترقية إلى هاتين الدرجتين، وإلى درجة كبير وتمت ترقيتهم بالأقدمية المطلقة وبالرسوب الوظيفي، فتظلم من ذلك، فأجابته جهة الإدارة بأن سبب تأخر ترقيته إنما يرجع إلى تجاوز مدة إعارته أربع سنوات، ولذلك أعيد ترتيب أقدميته بالدرجة الثالثة، فسبقه زملاؤه الأحدث منه في ترتيب الأقدمية في هذه الدرجة، وذلك تطبيقًا للحكم الوارد بنص المادة (58) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978. وإذ تراءى للمحكمة عدم دستورية نص المادة (58) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 فيما أغفله من تنظيم الحق في الاحتفاظ بترتيب الأقدمية والحق في الترقية المطلقة أو بالرسوب الوظيفى، للعامل الذي يشغل وظيفة تكرارية، ومرخصًا له بإعارة للعمل في وظيفة تتطابق طبيعتها مع طبيعة أعمال وظيفته بالداخل، وتجاوزت مدة إعارته أربع سنوات، لمخالفتها المواد (8، 9، 24، 31، 33، 34، 64، 74) من الدستور الصادر سنة 2012.
وحيث إن المادة (58) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 تنص على أن “يجوز بقرار من السلطة المختصة بالتعيين بعد موافقة العامل كتابة إعارته للعمل في الداخل أو الخارج ويحدد القرار الصادر بالإعارة مدتها وذلك في ضوء القواعد والإجراءات التي تصدرها السلطة المختصة.
ويكون أجر العامل بأكمله على جانب الجهة المستعيرة، ومع ذلك يجوز منحه أجرًا من حكومة جمهورية مصر العربية سواء كانت الإعـارة في الداخل أو الخارج وذلك بالشروط والأوضاع التي يحددها رئيس الجمهورية.
وتدخل مدة الإعارة ضمن مدة اشتراك العامل في نظام التأمين الاجتماعي واستحقاق العلاوة والترقية، وذلك مع مراعاة أحكام القانون رقم 79 لسنة 1975 بإصدار قانون التأمين الاجتماعي والقوانين المعدلة له.
ومع ذلك فإنه لا يجوز في غير حالات الإعارة التي تقتضيها مصلحة قومية عليا يقدرها رئيس مجلس الوزراء ترقية العامل إلى درجات الوظائف العليا إلا بعد عودته من الإعارة كما لا تجوز إعارة أحد شاغلي تلك الوظائف قبل مضى سنة على الأقل من تاريخ شغله لها.
وفى غير حالة الترقية لدرجات الوظائف العليا لا يجوز ترقية العامل الذي تجاوز مدة إعارته أربع سنوات متصلة، وتعتبر المـدة متصلة إذا تتابعت أيامها أو فصل بينها فاصل زمني يقل عن سنة.
وتحدد أقدمية العامل عند عودته من الإعارة التي تجاوز المدة المشار إليها في الفقرة السابقة على أساس أن يوضع أمامه عدد من العاملين مماثل للعدد الذي كان يسبقه في نهاية هذه المدة أو جميع الشاغلين لدرجة الوظيفة عند عودته أيهما أقل”.
وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية – وهى شرط لقبولها – مناطها – وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوى في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هى وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعاوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النصوص التى ثارت بشأنها شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع انعكاس على النزاع الموضوعي؛ فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة. متى كان ذلك، وكان النزاع المردد أمام محكمة الموضوع ينصب على طلب المدعى في الدعوى الموضوعية إلغاء القرارين رقمي 2296 لسنة 1995، 1238 لسنة 2002 فيما تضمناه من تخطيه في الترقية للدرجة الثانية والأولى على التوالي، والاحتفاظ له بترتيب أقدميته في الدرجة الثالثة التخصصية وذلك خلال فترة إعارته من 3/3/1982، وحتى 2/9/2001، مع الاعتداد بهذا الترتيب فيما تم إجراؤه من ترقيات لزملائه الأحدث منه سواء عن طريق الترقية بالأقدمية المطلقة أو الرسوب الوظيفي. وكان نصا الفقرتين الأخيرتين من النص المحال هما الحاكمين لترقية الموظف المعار للخارج الذى تجاوزت مدة إعارته أربع سنوات متصلة لغير درجات الوظائف العليا، وتحديد أقدميته عند عودته من الإعارة، على أساس أن يوضع أمامه عدد من الموظفين مماثل للعدد الذى كان يسبقه في نهاية مدة السنوات الأربع، أو جميع الموظفين الشاغلين لدرجة الوظيفة عند عودته أيهما أقل، فإن المصلحة تكون متحققة بالنسبة لهاتين الفقرتين في الحدود المتقدمة، في مجال انطباقهما على الإعارة للخارج، لما للقضاء في دستوريتهما من أثر وانعكاس على الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع وقضاء المحكمة فيها، دون غيرها من الأحكام التي تضمنتها الفقرتان المار ذكرهما.

ولا ينال مما تقدم إلغاء المشرع قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 بموجب القانون رقم 81 لسنة 2016 بإصدار قانون الخدمة المدنية، ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن إلغاء النص التشريعي لا يحول دون الطعن عليه ممن طبق عليه، أو إحالته للمحكمة الدستورية العليا للفصل في دستوريته.
وحيث إن الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور القائم، وحمايته من الخروج على أحكامه التى تمثل دائمًا القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة، وكان النص المحال قد استمر العمل بأحكامـه بعد صـدور الدستور الحالي حتى يـوم الثاني من شهر نوفمبر سنة 2016 تاريخ العمل بقانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، والذى ألغى بموجب نص المادة الثانية منه قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978، ومن ثم فإن حسم أمر دستورية النص المحال سوف يتم في ضوء أحكام الدستور القائم.
وحيث إن الدستور قد حرص في المادة (4) منه على النص على مبدأ تكافؤ الفرص، باعتباره من الركائز الأساسية التي يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ على وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه فكاكًا. وقوام هذا المبدأ – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن الفرص التي كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتدخل الدولة إيجابيًّا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم بالتالي فيما بينهم على ضوء قواعد يمليها التبصـــر والاعتدال؛ وهو ما يعنى أن موضوعية شروط النفاذ إليها، مناطها تلك العلاقة المنطقية التي تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها.
وحيث إن الدستور قد اعتمد كذلك بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ المساواة، باعتباره إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، وفى الحقوق والحريات والواجبـات العامة، دون تمييز بينهـــم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى – وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية ولا ينطوي بالتالي على مخالفة لنصى المادتين (4، 53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبها هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيـم.
وحيث إن من المقرر كذلك أن النصوص القانونية التي ينظم بها المشرع موضوعًا محددًا لا يجوز أن تنفصل عن أهدافها، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يصدر عن فراغ، ولا يعتبر مقصودًا لذاته، بل مرماه إنفاذ أغراض بعينها يتوخاها، وتعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التى أقام المشرع عليها هذا التنظيم باعتباره أداة تحقيقها، وطريق الوصول إليها.
وحيث إن الدستور قد عُنى في المادة (14) منه بكفالة حق المواطنين في شغل الوظائف العامة على أساس الكفاءة، ودون محاباة أو وساطة، وجعل شغل الوظائف العامة تكليفًا للقائمين عليها لخدمة الشعب، وناط بالدولة كفالة حقوق شاغلي الوظائف العامة وحمايتهم، وقيامهم بأداء واجباتهم في رعاية مصالح الشعب.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور هو القانون الأساسي الأعلى الذى يرسى القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ويحدد السلطات العامة ويرسم لها وظائفها ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، ويقرر الحريات والحقوق العامة ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، ومن ثم فقد تميز الدستور بطبيعة خاصة تضفى عليه السيادة والسمو بحسبانه كفيل الحريات وموئلها وعماد الحريات الدستورية وأساس نظامها، وحق لقواعده أن تستوى على القمة من البناء القانوني للدولة وتتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام باعتبارها أسمى القواعد الآمرة التي يتعين على الدولة التزامها في تشريعاتها وفى قضائها وفيما تمارسه من سلطات تنفيذية، دون أية تفرقة أو تمييز في مجال الالتزام بها، بين السلطات العامة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. وإذ كان خضوع الدولة بجميع سلطاتها لمبدأ سيادة الدستور أصلاً مقررًا وحكمًا لازمًا لكل نظام ديمقراطي سليم، فإنه يتعين على كل سلطة عامة، أيًّا كان شأنها وأيًّا كانت وظيفتها وطبيعة الاختصاصات المسندة إليها، أن تنزل على قواعد الدستور ومبادئه وأن تلتزم حدوده وقيوده، فإن هى خالفتها أو تجاوزتها شاب عملها عيب مخالفة الدستور، وخضعت – متى انصبت المخالفة على قانون أو لائحة – للرقابة القضائية التي عهد بها الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا بوصفها الهيئة القضائية العليا التي اختصها دون غيرها بالفصل في دستورية القوانين واللوائح بغية الحفاظ على أحكام الدستور وصونها وحمايتها من الخروج عليها.

وحيث إن الدساتير المصرية المتعاقبة قد حرصت جميعها – منذ دستور سنة 1923 – على تقرير الحريات والحقوق العامة في صلبها قصدًا من المشرع الدستوري أن يكون النص عليها في الدستور قيدًا على المشرع العادي فيما يسنه من قواعد وأحكام وفى حدود ما أراده الدستور لكل منها، فإذا خرج المشرع فيما يقرره من تشريعات على هذا الضمان الدستوري، وعن الإطار الذى عينه الدستور له، بأن قيد حرية أو حقًّا أو أهدر أو انتقص من أيهما تحت ستار التنظيم الجائز دستوريًّا، وبالمخالفة للضوابط الحاكمة له، وقع عمله التشريعي في حومة مخالفة أحكام الدستور.
وحيث إن المواثيق الدولية قد حفلت بالنص على حق الفرد في تولى الوظائف، ومن ذلك المادة (7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والثقافية الذى تمت الموافقة عليه وإعلانه بقرار الجمعية العامة للأمم المتحـدة رقم 2200 في 1/12/1966، والتي نصت على تساوى جميع الموظفيـن في فرص الترقية داخل جهات عملهم، إلى الدرجات الأعلى دون إخضـاع ذلك إلا لاعتبارات تتعلق بالكفاءة والجدارة لتولى تلك الوظائف، وهو ذات ما نص عليه الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب والذى تمت إجازته من قبل مجلس الرؤساء الأفارقة بدورته العادية رقم (18) في نيروبى (كينيا) يونيو 1981 في المادة (13) منه.
وحيث إن الأصل أن يكون لكل وظيفة حقوقها وواجباتها، فلا تقابل مزاياها بغير مسئولياتها، ولا يكون وصفها وترتيبها منفصلاً عن متطلباتها التى تكفل للمرافق التي يديرها موظفوها حيويتها واطراد تقدمها، وقابلية تنظيماتها للتعديل وفق أسس علمية قوامها التخطيط المرن وحرية التقدير، فلا تتعثر أعمالها أو تفقد اتصالها ببعض أو تدرجها فيما بينها، وشرط ذلك إعداد موظفيها علميًّا وفنيًّا، فلا يلى شئونها غير القادرين حقًّا على تصريفها، سواء أكان عملهم ذهنيًّا أم مهنيًّا أم يدويًّا .
وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن لكل وظيفة تبعاتها، فلا يشغلها إلا من يستحقها على ضوء طبيعة الأعمال التي تدخل فيها، وغاياتها، والمهارة المطلوبة فيها، والخبرة اللازمة لها، ولا يجوز بالتالى أن يكون التعيين في وظيفة بذاتها أو الترقية منها إلى ما يعلوها، عملاً آليًّا يفتقر إلى الأسس الموضوعية، أو منفصلاً عن عوامل الخبرة والجدارة التي يتم على ضوئها اختيار من يتولاها، ولا مجرد تطبيق جامد لمقاييس صماء لا تأخذ في اعتبارها خصائص كل وظيفة ومكانتها، والحد الأدنى للتأهيل لها والتدريب على أداء واجباتها ومسئولياتها، وغير ذلك من مقوماتها الموضوعية المحددة تحديدًا دقيقًا، وعلى تقدير أن تقييم شاغل الوظيفة إنما يرتبط بأهميتها الحقيقية .
وحيث إن الأصل في الأقدمية الوظيفية أن تكون معبرة عن مدة خدمة فعلية قضاها الموظف قائمًا بأعباء وظيفته، وهى بذلك لا تفترض، ولا يجوز حسابها على غير حقيقتها سواء بزيادتها أو إنقاصها، كما أن شروط الترقية إلى الوظائف، وبخاصة الوظائف الإشرافية أو القيادية يجب أن تعبر عن الانحياز إلى الأصلح والأكثر خبرة وعطاء، وهو ما يتطلب أن تكون المدة البينية أو الكلية اللازمة لشغل تلك الوظائف – بحسب الأصل – مدة فعلية وليست حكمية، حتى لا يُعهد بأعمال هذه الوظائف لغير من يؤدونها بحقها، فلا يكونون عبئًا عليهــا يُقيدها أو يُضعفها، بل يثرونها من خلال خبرة سابقة وجهد خلاق يتفاعل مع مسئولياتها.
وحيث إنه يتبين من الاطلاع على المذكرة الإيضاحية لقانون نظام العاملين المدنيين بالدولة أن أحكام هذا القانون تقوم على أسس موضوعية، وذلك عن طريق الاعتداد أولاً “بالوظيفة”، باعتبارها مجموعة من الواجبات والمسئوليات، يلزم للقيام بها توافر اشتراطات معينة في شاغلها، تتفق مع نوعها وأهميتها، وتسمح بتحقيق الهدف من إيجادها، وأن هذا الاعتداد الموضوعي لا يتعارض مع الجانب الآخر للوظيفة، المتمثل في “الموظف” الـذى يقوم بأعبائها وما يتطلبه هـذا الجانب “البشرى” لا الشخصي من الاعتداد بالخبرة النظرية أو المكتسبة اللازمة للقيام بأعباء الوظيفة، ومراعاة ذلك في الأجر الذى يحصل عليه بوصفه مقابلاً موضوعيًّا لا شخصيًّا، لما يناط به من مسئوليات .

وحيث إنه متى كان ما تقدم وكان المشرع بإقراره النص المحال قد انحاز إلى إعمال الأسس الموضوعية للوظيفة وذلك بالاعتداد بالوظيفة ومراعاة واجباتها ومسئولياتها، والتي يلزم للقيام بها توافر الاشتراطات اللازمة لشغلها ومن بينها مدة الخبرة الفعلية التي قضاها الموظف في وظيفته السابقة قائمًا بأعبائها، وذلك ضمانًا لجدارته وكفاءته بتوليها، فينهض بها من خلال خبرته السابقة وجهده الخلاق الذى دأب عليه خلال الفترات المنقضية، وهو ما يتفق مع الأهداف التي رنا المشرع إلى تحقيقها بالنص المحال، الذى ترتكن أحكامه إلى أسس موضوعية تبررها، دون مصادمة في ذلك لمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص التي حرص الدستور على كفالتهما في المواد (4، 9، 53) منه.

وحيث إن المشرع قد راعى في تحديده للقواعد الحاكمة للإعارة والحقوق الناشئة عنها والالتزامات والواجبات المترتبة عليها، تحقيق التوازن بين حق الموظف في الإعارة، الذى قرره له القانون، واعتبارات المصلحة العامة، بحسبان الوظائف العامة طبقًا لنص المادة (14) من الدستور تكليفًا للقائمين بها لخدمة الشعب، لذلك احتفظ المشرع للموظف المعار بكافة حقوقه في الترقية والأقدمية في حالة الإعارة للمدة التي قدر أنها لا تخل بمتطلبات الوظيفة العامة واستمرار أدائها لدورها الدستوري في رعايـة مصالح الشعب، والتي حددها بسنوات أربع، فإذا استطالت مدة الإعارة متجاوزة هذا الحد باختيار الموظف المعار، فإن التنظيم الذى قرره المشرع بالنص المحال – في حدود الإطار المار ذكره – لحق الموظف المعار لمدة تزيد على أربع سنوات في الترقية وتحديد أقدميته عند عودته من الإعارة، محافظًا على ذلك الحق، ومراعيًا مقتضيات المصلحة العامة، وحاجة الجهة المعيرة لشغل الوظائف تمكينًا للقائمين عليها من القيام بأداء واجباتهم في خدمة الشعب، يكون كافلاً تحقيق التوازن الذى أوجبته المادة (27) من الدستور، دون مناقضة للحق في الوظيفة العامة الذى كفله الدستور بالمادة (14) منه، كما لا ينال من كرامة الموظف المعار على أي وجه من الوجوه، ولا يمثل مساسًا بحق الملكية الـذى حرص الدستور على كفالته بالمادتيـن (33، 35)، ولا يعد خروجًا على مبدأ سيادة القانون الذى اعتبره الدستور في المادة (94) منه أساسًا للحكم في الدولة، ولا يتضمن كذلك انتقاصًا من عناصر أو محتوى أي من الحقوق المتقدمة على نحو ينال من جوهرها وأصلها، وهو ما حظره الدستور بنص المادة (92) منه.
وحيث إن النص المحال – في حدود النطاق المتقدم – لا يخالف أى نص آخر في الدستور، الأمر الذى يتعين معه القضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .