الطعن 1472 لسنة 45 ق جلسة 4 / 1 / 1976 مكتب فني 27 ق 2 ص 17 جلسة 4 من يناير سنة 1976

برياسة السيد المستشار محمود كامل عطيفه نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ مصطفى محمود الاسيوطى، ومحمد عادل مرزوق، وأحمد فؤاد جنينة، ويعيش رشدى.
————-
(2)
الطعن رقم 1472 لسنة 45 القضائية

(1)إثبات. “بوجه عام. شهود”. “محكمة الموضوع”. “سلطتها في تجزئة الدليل”.
لا يشترط في شهادة الشهود أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها. كفاية أن تكون مؤدية إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة.
عدم التزام المحكمة بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم قضاءها عليه. أساس ذلك ؟ سلطتها في تجزئة الدليل.
(2) إثبات. “بوجه عام. شهادة”. حكم. “ما لا يعيبه في نطاق التدليل”.
تطابق أقوال الشهود والدليل الفنى. غير لازم. كفاية أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفنى تناقضا يستعصى على الملاءمة والتوفيق. مثال لتسبيب سائغ في قتل عمد.
(3)دفاع. “الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره”. حكم. “تسبيبه. تسبيب غير معيب”.
عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحى دفاعه الموضوعى والرد عليها ردا صريحا. كفاية أن يكون مستفادا من أدلة الثبوت التى أوردتها.
(4)دفاع. “الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره”. إجراءات. “إجراءات المحاكمة”. نقض. “أسباب الطعن”.
وجوب حضور محام للدفاع عن المتهم أمام محكمة الجنايات. يستلزم حضوره إجراءات المحاكمة من بدايتها إلى نهايتها. عدم تحقق ذلك. إخلال بحق الدفاع.

—————-
1 – الأصل أنه لا يشترط في شهادة الشهود أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفى أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدى إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما قاله الشهود بالقدر الذى رووه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها وهى لا تلتزم بأن تورد في حكمها من أقوال الشهود إلا ما تقيم قضاءها عليه، إذ لها في سبيل استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى أن تجزئ أقوالهم فتأخذ بما تطمئن إليه منها وتطرح ما عداه دون إلزام عليها ببيان العلة.
2 – أنه لا يلزم لصحة الحكم بالإدانة أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفني تناقضا يستعصى على الملاءمة والتوفيق. لما كان ذلك، وكان ما حصله الحكم المطعون فيه من أقوال شاهدي الإثبات مستمدا مما شهد به أولهما في جلسة المحاكمة وله أصل ثابت مما أدلى به كلاهما في تحقيق النيابة العامة – على ما يبين من المفردات المضمومة – خاصة وأنهما وإن ذكرا فيه أن أعيرة نارية قد أطلقت صوب القتيل، إلا أنهما صرحا بأنهما لا يعرفان عدد ما أصابه منها بالفعل قبل وفاته – الأمر الذى تنحسر به عن الحكم قالة الخطأ في الإسناد؛ وكان البين من مدونات الحكم أنه انتهى باستنتاج سائغ – وفى حدود سلطته الموضوعية – إلى أن عيارا ناريا واحدا أصاب القتيل وهو حي في المكان الذى عثر على جثته فيه فأرداه قتيلا وأن ما ذكر من إطلاق النار صوب القتيل ثم سيره شرقا وغربا بانحناء – وليس يترنح كما يقول الطاعنان – وهو يضع يده على صدره لا يعنى أنه كان قد أصيب بالفعل في ذلك الوقت؛ وهو ما يتلاءم به جماع الدليل القولي مع جوهر الدليل الفني.
3 – من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي وتقصيها في كل جزئية منها للرد عليها ردا صريحا وإنما يكفى أن يكون الرد مستفادا من أدلة الثبوت التي عولت عليها في حكمها.
4 – من المقرر أن الشارع وقد أوجب حضور محام يدافع كل عن متهم بجناية أحيلت إلى محكمة الجنايات، كي يكفل له دفاعا حقيقيا لا مجرد دفاع شكلي تقديرا منه بأن الاتهام بجناية أمر له خطره، فإن هذا الغرض لا يتحقق إلا إذا كان هذا المدافع قد حضر إجراءات المحاكمة من بدايتها إلى نهايتها، حتى يكون ملما بما أجرته المحكمة من تحقيق وما اتخذته من إجراءات طوال المحاكمة، ومن ثم فقد تعين أن يتم سماع الشهود ومرافعة النيابة العامة وباقي الخصوم في وجوده بشخصه أو ممثلا بمن يقوم مقامه، وهو ما لم يتحقق في الدعوى الماثلة، لما كان ذلك، فإن المحكمة تكون قد أخلت بحق الطاعن في الدفاع مما يعيب حكمها بما يستوجب نقضه.

الوقائع:
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم في يوم 25 من أغسطس سنة 1972 بدائرة مركز دشنا محافظة قنا: المتهمان الأول والثاني: قتلا ….. عمدا ومع سبق الإصرار على ذلك بأن بيتا النية على قتله وأعدا لذلك سلاحين ناريين وتوجها إليه في مكان أيقنا تواجده فيه وما أن ظفرا به حتى أطلقا عليه أعيرة نارية قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وقد تلت هذه الجناية جنايتين أخريين هما أنهما في ذات الزمان والمكان سالفي الذكر شرعا في قتل…. و…… عمدا ومع سبق الإصرار على ذلك بأن بيتا النية على قتلهما وأعدا لذلك سلاحين ناريين أطلقا منهما عليهما أعيرة نارية قاصدين من ذلك قتلهما فأحدثا بهما الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي وقد خاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهما فيه وهو مداركة المجنى عليهما بالعلاج. الأمر المنطبق على المواد 45 و46 و230 و231 من قانون العقوبات المتهم الأول: حاز سلاحا ناريا مما لا يجوز الترخيص به “مدفع رشاش”. المتهم الثاني: حاز بغير ترخيص سلاحا ناريا مششخنا “بندقية لى انفيلد” المتهمان الأول والثاني: حازا ذخيرة مما تستعمل في السلاحين سالفي الذكر دون أن يكون مرخصا لأى منهما بحمل سلاح أو إحرازه: المتهم الثالث: (أولا) شرع في قتل … عمدا ومع سبق الإصرار على ذلك بأن بيت النية على قتله وأعد لذلك سلاحا ناريا وتوجه إليه في مكان أيقن وجوده فيه وما أن ظفر به حتى أطلق عليه عيارا ناريا قاصدا من ذلك قتله فأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي الشرعي وقد خاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو مداركة المجنى عليه بالعلاج. (ثانيا) حاز سلاحا ناريا مما لا يجوز الترخيص به “مدفع رشاش”. (ثالثا) حاز ذخيرة مما تستعمل في السلاح سالف الذكر والذى لا يجوز الترخيص به. المتهمون جميعا: أطلقوا بنادق داخل المدينة. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 45 و46 و230 و231 و234/ 2 من قانون العقوبات. والمواد 1/ 1 – 2 و6 و56/ 2 – 4 و30 من القانون رقم 394 سنة 1954 المعدل بالقانونيين رقمي 546 سنة 1954 و75 سنة 1958 والبند “ب” من القسم الأول والقسم الثاني من الجدول/ 3 والمادة 379/ 2 من قانون العقوبات. فقرر ذلك. ومحكمة جنايات قنا قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام (أولا) بمعاقبة المتهمين الأول والثاني بالأشغال الشاقة المؤبدة عن التهم المسندة إليهما. (ثانيا) بمعاقبة المتهم الثالث بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات عن التهم المسندة إليه. (ثالثا) بمصادرة المدفع والبندقية والذخيرة المضبوطة. فطعن المحكوم عليهما الأول والثاني في هذا الحكم بطريق النقض … إلخ.

المحكمة
حيث إن مبنى الطعن المقدم من المحكوم عليهما الأول والثاني هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانهما بجريمة قتل عمد اقترنت بها جناية شروع في قتل، ودان أولهما بجريمتي إحراز سلاح ناري لا يجوز الترخيص فيه وذخيرته، ودان الثاني بجريمتي إحراز سلاح ناري مششخن وذخيرته بغير ترخيص، كما دانهما بجريمتي إطلاق السلاحين في داخل المدينة، قد شابه خطأ في الإسناد وقصور في التسبب وإخلال بحق الدفاع. ذلك بأن الثابت من جماع أقوال شاهدي الإثبات رئيس وحدة المباحث، والمجنى عليه الأول في جناية الشروع في القتل المسندة إليهما – أن عدة أعيرة نارية قد أطلقت على القتيل وهو جالس على الأرض فأصيب ثم قام واضعا يده على صدره وسار مترنحا مسافة ثلاثين مترا إلى أن أعيد إطلاق النار عليه حيث سقط، وهو تصوير قطع الطبيب الشرعي في الجلسة باستحالته بما شهد به من أن إصابة القتيل في أذين القلب تمنعه من أن يسير خطوة واحدة، ولكن الحكم تدخل في رواية هذين الشاهدين فجزأها وحصلها بطريقة مبتسرة مسختها وأبعدتها عن حقيقتها بمظنة أن ذلك يرتفع به التناقض بين الدليلين القولي والفني، ثم استطرد يبرر هذا التناقض بما لا يصلح لرفعه. هذا إلى أنه لم يرد على ما دفع به الطاعنان من أن الضابط وهو في شرفة مسكنه لا يستطيع رؤية مكان الحادث لبعد المسافة ووجود عوائق مادية تحجب هذه الرؤية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن الطاعنين توجها صبيحة يوم الحادث إلى المكان الذى علما بوجود القتيل فيه بعد أن انتويا قتله أخذا بالثأر، وكان أولهما يحمل مدفعا رشاشا بينما كان الثاني يحمل بندقية يهدد بها الأهالي لمنعهم من الاقتراب وحملهم على الفرار، وفى أثناء ذلك أطلق الأول عدة أعيرة من مدفعه صوب القتيل أصابه أحدها في المكان الذى عثر على جثته فيه فأرداه قتيلا، وبعد أن سقط على الأرض قام بقلب جثته وأطلق عليه عيارا آخر ليتأكد من موته. وقد أصابت بعض طلقات المدفع المجنى عليهما الآخرين في جناية الشروع في القتل المسندة إلى الطاعنين الذين تصادف وجودهما في مكان الحادث، ثم ولى الطاعنان هاربين فتابع رئيس وحدة المباحث الذى رأى الحادث الطاعن الثاني الذى تخلص من بندقيته حتى تمكن من القبض عليه ومعه “جبخانة” تحوى ثلاثين طلقة، ثم عثر الضابط في اليوم التالي على البندقية والمدفع وبه سبع طلقات في مبنى مهجور. وحصل الحكم شهادة الضابط في قوله: “فقد شهد النقيب… بالتحقيقات وبالجلسة بأنه في صباح يوم الحادث كان في منزله والمطل على شارع المركز وسمع صوت طلقات نارية فنظر من الشرفة ووجد شخصين أحدهما يحمل سلاحا طويلا عبارة عن بندقية والثاني يحمل سلاحا قصيرا ورأى حامل السلاح القصير يطلق منه عدة أعيرة نارية على شخص بالقرب من مقهى جعفر وعرف من صوت الأعيرة أن السلاح الذى يحمله إما أنه مدفع رشاش أو بندقية آلية ورأى الشخص الذى يطلق عليه النار يسير في الشارع يمينا ويسارا وهو منحنى فأطلق عليه حامل السلاح القصير النار مرة أخرى فسقط على الأرض في وسط الشارع وكان الشخص الآخر يهدد ببندقيته ليمنع الناس من الاقتراب منهما فأسرع هو بالنزول من مسكنه إلى الشارع وعندئذ رأى حامل السلاح القصير يقلب جثة المجنى عليه ويطلق عليه عيارا آخر ليتأكد من موته كما حصل أقوال المجنى عليه الأول في جناية الشروع في القتل المسندة إلى الطاعنين في قوله: “وشهد… بالتحقيقات وتليت أقواله بالجلسة بأنه كان يجلس على مقهى جعفر في صبيحة يوم الحادث ورأى المتهمين الأول والثاني – الطاعنين – يطلقان النار على – القتيل وكان الأول يحمل مدفعا رشاشا وقد أصيب هو في فخذه وذراعه الأيسرين من أحد هذه الطلقات العديدة التي أطلقاها…” ثم رد الحكم على ما أثاره الطاعنان من قيام تناقض بين الدليلين القولي والفني بقوله: “وحيث إن المحكمة تطمئن إلى أقوال شهود الإثبات والتي تأيدت بتقرير الصفة التشريحية وبالتقارير الطبية الشرعية وتعول عليها وتأخذ بها ولا تعول على إنكار المتهمين ولا على ما ساقوه من دفاع، إذ لم يذكر أحد وجود المعركة التي زعمها المتهمان – الطاعنان – أو أن غيرهما أطلقا النار وقت الحادث، وأن ضابط المباحث لم يجزم أن المجنى عليه – القتيل – قد أصيب أمام قهوة جعفر وأنه سار حتى المكان الذى سقط فيه وإنما هو قد ذكر بأنه رأى المتهمين الأول والثاني يطلقان النار صوب شخص لم يتبينه عند قهوة جعفر وأنه رأى هذا الشخص يسير شرقا وغربا وهو منحنى ويضع يده في صدره وهذا لا يعنى أن المجنى عليه كان قد أصيب في صدره في ذلك الوقت. إذ ذكر الضابط في أقواله في التحقيقات وهى التي تطمئن إليها المحكمة لمعاصرتها لوقت الحادث أنه بعد أن نزل من مسكنه إلى الشارع رأى المتهم الأول ـ الطاعن الأول – يطلق النار مرة أخرى على المجنى عليه سقط بعدها مباشرة على الأرض، وأن المتهم المذكور قام بقلب الجثة وأطلق عليها عيارا آخر ليتأكد من موته وهو ما أيده فيه تقرير الصفة التشريحية من وجود إصابة غير حيوية بإلية المجنى عليه حدثت بعد وفاته” – لما كان ذلك، وكان الأصل أنه لا يشترط في شهادة الشهود أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفى أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدى إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلائم به ما قاله الشهود بالقدر الذى رووه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها وهى لا تلتزم بأن تورد في حكمها من أقوال الشهود إلا ما تقيم قضاءها عليه، إذ لها في سبيل استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى أن تجزئ أقوالهم فتأخذ بما تطمئن إليه منها وتطرح ما عداه دون إلزام عليها ببيان العلة؛ كما وأنه لا يلزم لصحة الحكم بالإدانة أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع جوهر الدليل الفنى تناقضا يستعصى على الملاءمة والتوفيق. لما كان ذلك، وكان ما حصله الحكم المطعون فيه من أقوال شاهدي الإثبات سالفي الذكر مستمدا مما شهد به أولهما في جلسة المحاكمة وله أصل ثابت مما أدلى به كلاهما في تحقيق النيابة العامة – على ما يبين من المفردات المضمومة – خاصة وأنهما وإن ذكرا فيه أن أعيرة نارية قد أطلقت صوب القتيل، إلا أنهما صرحا بأنهما لا يعرفان عدد ما أصابه منها بالفعل قبل وفاته – الأمر الذى تنحسر به عن الحكم قالة الخطأ في الإسناد؛ وكان البين من مدونات الحكم السالف إيرادها أنه انتهى باستنتاج سائغ – وفى حدود سلطته الموضوعية – إلى أن عيارا ناريا واحدا أصاب القتيل وهو حي في المكان الذى عثر على جثته فيه فأرداه قتيلا وأن ما ذكر من إطلاق النار صوب القتيل ثم سيره شرقا وغريا بانحناء – وليس يترنح كما يقول الطاعنان – وهو يضع يده على صدره لا يعنى أنه كان قد أصيب بالفعل في ذلك الوقت، وهو ما يتلاءم به جماع الدليل القولي مع جوهر الدليل الفني. لما كان ذلك، وكان الحكم قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة مستمدة من أقوال الضابط والمجنى عليهما في جناية الشروع في القتل المسندة إليهما ومما ثبت من تقرير الصفة التشريحية وسائر التقارير الطبية الشرعية؛ وهى أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها؛ فلا عليه إن هو لم يعرض – بعد ذلك للرد على ما أرسله الدفاع من قول لم يقصد به سوى مجرد التشكيك في رواية الضابط التى اطمأنت المحكمة إلى صدقها، هو بعد المسافة ووجود عوائق مادية تحجب عنه رؤية مكان الحادث من شرفة مسكنه، طالما أنه لم يطلب من المحكمة تحقيقا معينا في هذا الصدد؛ وما دام أنه من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي وتقصيها في كل جزئية منها للرد عليها ردا صريحا وإنما يكفى أن يكون الرد مستفادا من أدلة الثبوت التي عولت عليها في حكمها – لما كان ما تقدم، فإن طعن الطاعنين الأول والثاني لا يعدو في حقيقته أن يكون محاولة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأديا من ذلك إلى مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان محكمة الموضوع بالدليل الصحيح وهو ما لا يقبل لدى محكمة النقض، ومن ثم يكون هذا الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من المحكوم المطعون عليه الثالث هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجرائم شروع في قتل وإحراز سلاح ناري لا يجوز الترخيص فيه وذخيرته وإطلاق في داخل المدينة قد شابه إخلال بحق الدفاع ؛ ذلك بأنه في الجلسة التي سمعت فيها المحكمة الشهود وبعد سماعهم وانتهاء مرافعة المدافعين عن المحكوم عليهما الأول والثاني تبين أن الطاعن غير ممثل فأثبت حضور محام – تصادف وجوده في الجلسة – عن وكيله واقتصر على طلب براءته لأن الحادث جماعي مما يدل على أنه لم يتصل بالدعوى – وليس في محضر تلك الجلسة ما يثبت أنه قد حضرها منذ بدايتها.
وحيث إن البين من محاضر جلسات المحاكمة أنه لم يثبت حضور أحد من المحامين للدفاع عن الطاعن فيما أسند إليه من جنايات، وذلك بجلسة 3 من أبريل سنة 1974 التي سمع فيها الشهود الحاضرون إلى أن تم سماعهم وتلاوة أقوال الشاهدين الغائبين وسماع مرافعة النيابة العامة والمدافعين عن المحكوم عليهما الآخرين، ثم أثبت في نهاية تلك الجلسة حضور محام عن وكيل الطاعن وطلبه براءته لأن الحادث جماعي، مع أنه لم يثبت أن تتبع إجراءات المحاكمة بالجلسة أو أنه حضر سماع الشهود ومرافعة النيابة وسائر الخصوم، وناقشت المحكمة بعد ذلك الطبيب الشرعي ثم أجلت إصدار حكمها المطعون فيه إلى اليوم التالي الذى نطقت به فيه لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الشارع وقد أوجب حضور محام يدافع عن كل متهم بجناية أحيلت إلى محكمة الجنايات، كي يكفل له دفاعا حقيقيا لا مجرد دفاعا شكليا تقديرا منه بأن الاتهام بجناية أمر له خطره، فإن هذا الغرض لا يتحقق إلا إذا كان هذا المدافع قد حضر إجراءات المحاكمة من بدايتها إلى نهايتها، حتى يكون ملما بما أجرته المحكمة من تحقيق وما اتخذته من إجراءات طوال المحاكمة، ومن ثم فقد تعين أن يتم سماع الشهود ومرافعة النيابة العامة وباقي الخصوم في وجوده بشخصه أو ممثلا بمن يقوم مقامه، وهو ما لم يتحقق في الدعوى الماثلة. لما كان ذلك، فإن المحكمة تكون قد أخلت بحق الطاعن الثالث في الدفاع مما يعيب حكمها بما يستوجب نقضه بالنسبة له والإحالة.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .