بحث ودراسة قانونية عن الوثيقة ودورها في تطوير وتطبيق القانون

اعتبر توثيق المعاملات على مر العصور و اختلاف التشريعات، اداة لاثبات الحق، وحمايته من الضياع، وهكذا وجدنا التشريعات القانونية على اختلاف ايديولوجياتها، نصت في كثير من الاحيان على تضمين المعاملات داخل محررات مكتوبة، واعتبرت احيانا هذا الشرط عامل قيام للمعاملة ككل، اذ بتخلفه زال التصرف القانوني برمته، كما جعلت منه في احيان اخرى وسيلة لاثبات التصرف لا غير.

وقد انقلت الوثيقة مع التطور الفكري الذي شهده الحقل القانوني من اداة اثبات وحماية للمعاملة ، الى اداة لتطبيق القانون ، ذلك ان السياسات التشريعية قد تستهدفه احيانا حماية طرف من اطراف العلاقة العقدية، او ازاحة تعسف عنه نتيجة مركزه الاقتصادي الضعيف، بل وتهمها احيانا اخرى ضرورة ورود شروط بعينها في صلب المعاملة العقدية، تفاديا لمشاكل اخرى فيما بعد، ولحسن سير العدالة بصفة عامة ، فلن تجد من غير التدخل عبر تحديد شكل الوثيقة وسيلة افضل للاطمئنان على هذه المتطلبات، وفي اطار اخر، لعبت الوثيقة دورا اساسيا في تطوير قانون العقود ذلك ان الافراد تدعوهم الحاجة مثلا الى ابرام عقود ، لم تنظم داخل تشريعاتهم، فتكون بذلك هذه الوثيقة عامل تاثير على المشرع فيما بعد من اجل استيعاب هذه الممارسات العقدية داخل التشريعات الوطنية.
فالى أي مدى يمكن اعتبار الوثيقة عامل تطبيق للقانون وعامل تطوير له؟؟ ذلك ما سنحاول الوقوف عليه من خلال استعراض فاعليتها في تمكين الدولة من الوقوف على حسن تطبيق القانون( مبحث اول). ومن خلال ايضا تاثيرها على مشرعي الدول من اجل استيعاب ممارسته عقدية معينة داخل التشريعات الوطنية( مبحث ثان).
المبحث الاول: المحرر كوسيلة لتطبيق القانون:
عندما نقول تطبيق القانون من خلال الوثيقة، فاننا نقصد بذلك ان تكون اداة من خلالها ننزل الاحكام القانونية الخاصة بالعقود على ارض الممارسة التعاقدية، ذلك انه يمكن القول بان التجربة اثبتت انه الغالب الاعم من الحالات، تتسم نماذج العقود الموضوعة من طرف المشرع بتطبيق القانون، بل ان الغاية منها هي تطبيقه(مطلب اول) في حين انه غالباماتطبع المحررات التي هي من ابداع الخواص بطابع التعسف في مواجهة المتعاقد/المستهلك(مطلب ثان) اضافة الى ان المحرر بصفة عامة يساعد بشكل او باخر على التاكد من مراعاة شروط التعاقد واثبات الحقوق الشيء الذي جعل المشرع ينحو مؤخرافيما يضع من قوانين على التنصيص على مكونات العقد الشيء الذي يدل على الخدمة الكبيرة التي يقدمها المحرر بصفة عامة في مجال تطبيق القانون(مطلب ثالث).

المطلب الاول: العقود التي توضع من طرف المشرع نموذج على تطبيق القانون من خلال الوثيقة:

كما سبقت الاشارة الى ذلك فنماذج العقود التي هي من وضع المشرع انما تحترم في مجملها قانون العقود، هذا ان لم نقل ان الغاية من وضعها هي التاكد من احترام القانون في هذا الباب، وللوقوف على هذه الحقيقة، ارتاينا ان ناخذ كنموذج على هذا الطرح بعض العقود التي حددت بنودها وشروطها من طرف المشرع، كعقد الشغل(فقرة 1). وعقد التدريب المهني وعقد الشغل تحت الاختبار(فقرة 2).

فقرة اولى:عقد الشغل:

بحكم انعدام التوازن الاقتصادي بين طرفي علاقة العمل- المؤاجر والاجير- لصالح الاول على حياب الثاني، سادت ممارسات تميزت بالعديد من المساوئ ردحا طويلا من الزمن، فكان ان استغل ارباب العمل مبدا رضائية العقود والعقد شريعة المتعاقدين لفرض شروطهم المجحفة على العمال، ويرتضي هؤلاء هذا الوضع تحت ضغط الظروف الاقتصادية، وهكذا فرضت ساعات عمل طويلة، باجور زهيدة، في اجواء غير صحية، مع عدم احترام راحة الاجير…

ولكن بعد ذلك ، وتحت تاثير عوامل متعددة ( تاثير الدول الاشتراكية، الدور النقابي، الضغط العمالي..) تدخلت الدول ونظمت هذا العقد بدقة، وجاءت على تحديد بنوده، من تحديد للعطل، وللحد الادنى للاجور، وذكرت امثلة على حالات الطرد التعسفي، ونظمت التعويض الخاص به، ومكنت الاجير من الحق النقابي….، خلاصة القول انه وبعد تدخل الدول في علاقات الشغل بموجب قواعد قانونية امرة، لا يمكن مخافتها او الاتفاق على ذلك الا بشروط، اصبح الاذعان نافذا ليس فقط في حق الاجير، بل وكذلك في حق المؤاجر، ذلك ان كلا طرفي علاقة الشغل يذعن للمقتضيات القانونية التي تنظم العلاقة بينهما على نحو امر، ولو على صعيد الحد الادنى ، اضافة الى مايمكن ان تفرضه الاتفاقية الجماعية في هذا الصدد من قواعد وشروط وما يهمنا نحن هو ابراز دور الوثيقة في تطبيق القانون، وكما سبقت الاشارة فقد نصت تشريعات الدول على مجموع ما يجب ان يتضمنه عقد الشغل من قواعد، ولكن كيف السبيل للوقوف باطمئنان على احترام هذه المقتضيات، انها الوثيقة التي تتضمن هذا العقد.

فقرة ثانية: عقد التدريب المهني وعقد الشغل تحت الاختبار:

هذا عن عقد الشغل، وكذلك الامر بالنسبة لعقد التدريب المهني و عقد الشغل تحت الاختبار ، فبصرف النظر عن اختلاف طبيعتهما اذ الثاني يفترض ان الاجير لا تنقصه الخبرة او التجربة، وانما يقصد به اتاحة الفرصة للمشغل للوقوف على مدى صلاحية الاجير وكفاءته ن او اعطاء الفرصة للاجير للاحاطة بظروف الشغل التي سوف يعمل فيها، وليقدر ما اذا كان المجهود الذي يبدله يتناسب مع الاجر المحدد له، اما عقد التدريب المهني فيفترض ان الاجير تنقصه الخبرة و التجربة، وان لا خبرة له على الاطلاق ، ويسعى من خلال عقده الى اكتسابها، فهذين العقدين حظيا بالتنظيم القانوني، وهكذا فبالنسبة لعقد التدريب المهني نجد ان المشرع نظم الحالتين التي يتم بهما هذا العقد أي سواء من طرف الدولة من خلال مراكز التكوين المهني ، او من طرف مؤسسة العمل، وذلك اما في ظهير 16 ابريل1940 و المعدل بظهير 7مارس 1954 او في ظل المقتضيات الخاصة التي جاء بها ظهير 23مارس 1993 المعدل بظهير1998 ، و التي تتعلق بتحديد تدابير لتشجيع المنشات التي تقوم بتدريب الحاصلين على بعض الشهادات بقد التكوين من اجل الادماج في الحياة العملية.

ثم من خلال مقتضيات مقتضيات من ظهير 2يوليوز 1947 الخاص بضابط الخدمة و العمل التي تتحدث عن المتدربين الماجورين وغير الماجورين اما عن احكام عقد الشغل تحت الاختبار، فقد عنيت بها بعض مقتضيات الفصل الثاني من النظام النموذجي المؤرخ في 23اكتوبر1948 بالنسبة لتحديد مدة الاختبار في القطاعين الصناعي و التجاري، واهتمت مقتضيات الفصل الخامس من ظهير 24ابريل1973 بالقطاع الفلاحي، ولربط ذلك بمناخ الدراسة نقول ان الوقوف على تطبيق هذه المقتضيات ، تلعب فيه الوثيقة المنظمة دورا اساسيا اذ تبين بوضوح التزام الطرفين بالمقتضيات القانونية.

واذا كان هذا هو حال العقود الموضوعة من طرف المشرع فكيف هو الامر مع العقود الموضوعة من طرف الخواص؟؟

المطـــلب الثانـــي:العقود المبرمة من طرف الخواص وتطبيق القانون :

بعد ما اطلعنا في المطلب السابق على تطبيق القانون من خلال الوثيقة وذلك باعطاء أمثلة تتعلق بالعقود الموضوعة من طرف المشرع، نحاول أن نلمس الفارق في هذا المطلب من خلال العقود المبرمة من طرف الخواص، وكنموذج على ذلك نأخذ عقد الليزينك.
عقد الليزينك عقد عرف قديما ، حيث نجد تنظيما له في تشريع حمورابي، كما ونجد استيعابا لهذه الفكرة في مصر القديمة لكن الظهور الحديث لهذا العقد بتجليا ته وأهدافه المتعارف عليها حاليا، كان انتاجا أمريكيا ثم انتقل إلى الدول العربية وعلى رأسها المغرب وتونس .

مايهمنا نحن في هذه الدراسة، هو بيان الخلل الذي يشوب هذا العقد من حيث التوازن الإقتصادي والقانوني بين طرفي العلاقة العقدية، حتى نسير في إطار المنهجية المسطرة للموضوع وهي بيان دور الوثيقة في تطبيق وتطوير القانون .

وإذا كانت العقود الموضوعة من طرف المشرع نموذج على تطبيق القانون من خلال الوثيقة، فهذا نموذج على سير العديد من العقود المبرمة من طرف الخواص في طريق الإخلال بالقانون عن طريق الوثيقة.
ولبيان ذلك، سنأخذ بعض النقط التي يبرز من خلالها الإختلال بشكل واضح وهي كالتالي:
1) كثرة أعباء المستأجر 2) ارتفاع السومة الكرائية مقارنة مع النفع 3) عدم التزام المؤجر بالضمان 4) انفراد المؤجر ببعض الشروط 5) المبالغة في مبلغ التعويض الإتفاقي.

1) كثرة أعباء المستأجر:
إذا كانت القوانين المدنية تميز في مجال الإصلاحات بين الكبرى والصغرى، فتجعل الأولى على عاتق المؤجر والثانية على عاتق المستأجر ( الفصلين 638 و 639 ق. ل. ع المغربي مثلا )، ذلك أن الأولى غالبا ما تستهدف جوهر الأصل باعتباره مصدر دخل للمؤجر في حين أن الثانية إنما نتميز ببساطتها وقلة أهميتها، نجد عقود الليزينك تخرق هذا المبدأ، لتلزم المستأجر بجميع الإصلاحات دون تمييز.

وتأتي قمة خرفة القانون، عند التزام المستأجر بمخاطر فقدان الشيء ولو أن الضرر كان ناتجا عن قوة قاهرة أوحادث فجائي، فالحالة الوحيدة التي يعفى فيما المستأجر من المسؤولية هي حالة كون الضرر ناتج عن فعل المؤجر.

كذلك يلزم هذا العقد المستعمل بالصيانة وكذلك ضرورة إرجاعه في حالة صالحة للإستعمال ويمنع عليه إكراته من الباطن أو تفويته إلا بعد الحصول على الموافقة من المؤسسة المتعاقد معها.

2) تخلص المؤجر من الزامية الضمان:
إذا كان المؤجر في ضل النظرية العامة للإلتزام ملزم بضمان الإستمتاع الهادئ للشيء المؤجر ومن ضمان العيوب الخفية مثلا، فانه وفي ظل هذه العقود، نجد الإعفاء التام والكلي للمؤجر من أي ضمان ولو تعلق الأمر بتخريب الشيء وهلاكه أو عدم تشغيله في تعارض واضح مع نص المادة 643 ق.ل.ع وما بلها ويزداد الأمر خطورة عندما يتوقف دفع أقساط الإيجار، وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لضمان العيوب الخفية مثلا، فهل ينطبق نفس القول في حالات التعرض ؟ في رأينا الشخصي فإن المؤجر لن يكون مسؤولا إلا عن التعرض القانوني أو التعرض المادي للتابعين له، أما في غير ذلك من الحالات فلن تقوم مسؤوليته.
وعليه فالإعفاء تام، يجد سنده في الطابع التكميلي للقواعد القانونية المنظمة للإلتزام المؤجر، وكذلك في أن المستأجر هو الذي يختار الشيء المتعاقد حوله وكذلك المورد، الشيء الذي يجعله وكيلا عن المؤجر في علاقته بالمورد.

3) انفراد المؤجر بإعمال الشرط الفاسخ
إن الطريقة التي يمر منها هذا العقد، تجعل من الصعب قيام أو إثبات الخطأ في جانب المؤجر، ذلك أن المستأجر يلعب دور وكيل عن المؤجر في علاقته بالمورد، وبذلك فالتسليم يكون مباشرة إليه بصفته تلك، وهكذا فمحاولة إعمال آلية الفسخ بسبب خطأ المؤجر يصعب تحقيقها.

4) المبالغة في مبلغ التعويض الإتفاقي:
يتم تحيد مبلغ التعويض، على أساس الأقساط المتبقية والتي لم تستحق، وذلك بنسب متفاوتة، وقبول الشركة لهذا التوجه، إنما ينبني غالبا على مدى قابلية الأصل إلى التسويق مجددا، وإلى عمليات مالية أخرى توازن بين مبلغ التعويض وفرص التوظيف من جديد .

5) ارتفاع أقساط الإيجار:
ويرجع السبب في ذلك، إلى أن القسط يأخذ أبعادا أخرى فهي تمثل أقساطا إيجاريه – أقساط إملاك، بالنظر للمؤجر الشيء الذي يجعلها تتميز بطابع الإرتفاع.
إضافة إلى أن هذه الأقساط تفوق الثمن الإجمالي للشيء المؤجر لأنها تحتوي أمور أخرى كالفوائد والمصاريف إضافة إلى مقابل الإستفادة المقدمة من طرف المؤجر.
إن مثل هذه الممارسات هي التي دفعت في رأينا بالمشرع إلى سن سياسة تشريعية، تستهف إيراد البيانات الواجب أن يتضمنها العقد، تفاديا لمثل هذا الخلل الذي يشوب بعض العقود.

المطلب الثالث:التوجه التشريعي الحالي لضمان تطبيق القانون من خلال الوثيقة:

سعى المشرع المغربي في الاونة الاخيرة من خلال عدة قوانين، الى الحرص على التنصيص على مكونات العقد داخل صلب القانون نفسه، وهكذا نجد مثلا في القانون 51.00 المتعلق بالايجار المفضي الى تملك العقار المادة 7 منه تنص على على انه يجب ان يتضمن هذا العقد العناصر التالية: هوية الاطراف المتعاقدة، مراجع العقار محل العقد، موقع العقار ووصفه كليا او جزئيا، ثمن البيع المحدد غير قابل للمراجعة، مبلغ التسبيق عند الاقتضاء وتحديد الوجيبة التي التي يتحملها المكتري المتملك وفترات وكيفية تسديدها وكذا كيفية خصم الوجيبة من ثمن البيع، تخويل المكتري المتملك امكانية تسبيق اداء ثمن البيع كليا او جزئيا قبل حلول تاريخ حق الخيار، مراجع عقد التامين المبرم من قبل البائع لضمان العقار، شروط مزاولة حق الخيار وفسخه، تاريخ بدء الانتفاع من العقار و الاجل المحدد للمكتري المتملك لممارسة حقه في تملك العقار وكذا شروط التمديد و الفسخ المسبق للعقد…

كذلك المتصفح للقانون 18.00 يجد المادة 12 منه تسير في نفس المنحى، حيث نصت هي الاخرى على مشتملات العقد ونصت المادة 3-618 المدمجة في ق ل ع و المتعلقة بقانون بيع العقارات في طور الانجاز، على ضرورة اشتمال العقد على هوية الاطراف المتعاقدة، الرسم العقاري الاصلي للعقار المحفظ موضوع البناء او مراجع ملكية العقار غير المحفظ، مع تحديد الحقوق العينية و التحملات العقارية الواردة على العقار و أي ارتفاق اخر عند الاقتضاء، تاريخ و رقم رخصة البناء، وصف العقار محل البيع، ثمن البيع النهائي و كيفية الاداء، اجل التسليم، مراجع الضمانة البنكية او اية ضمانة اخرى او التامين عند الاقتضاء.

كما نصت على ضرورة ان يرفق العقد بنسخة مطابقة لاصل التصاميم المعمارية بدون تغيير وتصاميم الاسمنت المسلح ونسخة من دفتر التحملات، شهادة مسلمة من لدن المهندس المختص تثبت الانتهاء من اشغال الاساسات الارضية للعقار.
وهكذا يظهر كيف ان الوثيقة هنا تمكن من حماية المتعاقد المستهلك الذي في اغلب الحالات يكون هو الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية ذلك ان المنتج الذي يملك مفاتيح السلعة وعلى علم بخبايا السوق يستطيع ان كان سيء النية التحايل على الطرف الاخر، وبتنصيص المشرع على مشتملات العقد، انما يوفر من خلال المحرر الحد الادنى من الحماية-ان لم نقل اكث من ذلك- ويكون بذلك هذا المحرر اداة لخدمة تطبيق القانون.

ولا يقتصر دور المحرر في تطبيق القانون فقط على ما ذكر، بل يتعداه ليغطي حالات اخرى كثيرة ومتنوعة، فالمحرر يكون وسيلة ناجعة امام القضاء مما يمكن القاضي من اعمال عادل وسليم للقانون، والمحرر اضافة الى ذلك هو وسيلة لاثبات حقوق الافراد، هو ايضا وسيلة تمكن من بسط الرقابة على مايبرم من عقود ومدى مطابقتها للقانون، بل اننا بدانا نلحظ توجه المشرع نحو اقرار رسمية العقود المتعلقة بالعقارات المحفظة مثلا كوسيلة لتفادي ما تنتجه المعاملات بهذا الخصوص من مشاكل ناجمة عن جهل المتعاقدين بالمقتضيات القانونية، حيث يتم تضمين العقد في ورقة عرفيةن وعندما يحدث نزاع ويعرض الامر على الضاء يكون الاشكال اخطر ، وباقرار الرسمية هذه، واسناد هذه المهمة للمتخصصين و المقصود هنا العدل او الموثق نكون قد سعينا الى تطبيق القانون خلال الوثيقة، وتجنبنا الكثير من المشاكل بل ووفرنا الكثير من الجهد و الوقت.

وما دمنا نتحدث عن تطبيق القانون من خلال الوثيقة، فالى أي مدى يمكن اعتبار الوثيقة سندا تنفيذيا؟
لقد هبت بعض التشريعات المقارنة الى القول بان الورقة الرسمية تغني عن الحصول على حكم قضائي في مجال التنفيذ، ذلك انه يمكن التنفيذ بها مباشرة ودون حاجة للحصول على حكم قضائي.
ان تصورا كهذا لدور الوثيقة، ليكشف عن زاوية اخرى اساسية لدور الوثيقة في تطبيق القانون، ولكن ماذا عن الوضع في التشريع المغربي ، ايمكننا ان نسير في هذا الاتجاه؟ وهل تسعفنا النصوص القانونية و الاطار التشريعي العام للاخذ بهذا القول؟
بالنسبة للتشريع المغربي فانه يمكننا القول بانه لا توجد مقتضيات صريحة بذلك، فحتى الفصل 432 من ق م م ينص على انه” تكون العقود المبرمة بالخارطة امام الضباط و الموظفين العموميين المختصين ايضا قابلة للتنفيذ بالمغرب بعد اعطائها الصيغة التنفيذية ضمن الشروط المقررة في الفصول السابقة”. نلاحظ انه يتحدث عن العقود المبرمة بالخارج، وفوق ذلك فالامر يتعلق بضرورة اقترانها بالصيغة التنفيذية، وفي ذلك اشارة الى عدم توفرها على الطابع التنفيذي في حد ذاتها .
كانت هذه امثلة عن تطبيق القانون من خلال الوثيقة، ولكن دور الوثيقة لا ينحصر فقط في المساعدة على تطبيق القانون بل يتعداه الى المساهمة في تطوير القانون.

المبحث الثاني:دور الوثيقة في تطوير القانون:

المقصود بدور الوثيقة في تطوير قانون العقود ، هو كيف ان الممارسات التعاقدية التي يعرفها المشهد القانوني تكون في مراحل اخرى عامل تاثير على المشرع، لاستيعابها داخل الترسانة القانونية الوطنية، وذلك بالتنظيم القانوني.
وللتذليل على ذلك ناخذ كمثال التعويض الاتفاقي حيث لم يحظى بالتنظيم القانوني الا بموجب القانون رقم 95-27 بتاريخ 13 يوليوز 1995(مطلب اول). وعقد اللليزنك(مطلب ثان) ثم نختم ببعض العقود المتفرقة و التي تهم نشاطات مختلفة كالعقود البنكية(مطلب ثالث).

المطلب الاول: التعويض الاتفاقي:

لم يعنى المشرع المغربي بتنظيم موضوع التعويض الاتفاقي الا سنة 1995 وذلك بموجب القانون 95-27 الذي عدل وتمم بموجبه الفصل 264 من ق ل ع وعلى الرغم من غياب هذه المقتضيات القانونية قبل هذا التاريخ، فان ذلك لم يمنع هذه المؤسسة من التواجد وبقوة في الممارسة التعاقدية ، خاصة في العقود ذات الصبغة الاقتصادية، ولا يمنع هذا من القول بامكانية وروده على كافة انواع العقود من بيع وكراء وقرض….
ولقد كان وراء انتشاره الواسع هذا الفائدة الكبيرة التي يراها المتعاملون في هذا النظام القانوني ذلك ان الممارسة ابانت ان تضمين العقود شروطا كهذه تشكل عاملا اساسيا لضمان التنفيذ العقدي، فقد اصبح ينظر الى التعويض الاتفاقي على انه تقنية ناجحة لدفع المتعاقدين على تنفيذ ما التزمو به وكلما ارتفع مبلغ التعويض كلما كان ذلك حافزا ودافعا اكبر على التنفيذ وهو بذلك يتخذ بعدين اولهما يتمثل في دفع المدين على التنفيذ وثانيهما التحديد الجزافي و المسبق لمقدار التعويض الذي يستحقه للدائن كتعويض عن الاخلال بالالتزام العقدي.

فتشابك وتعقد الحياة و اتساع مظاهر الاستهلاك و ما نتج عنه من تشعب المعاملات، وكثرة النزاعات التي تهم الاخلال بالالتزامات التعاقدية، دفع الى التفكير في هذه المؤسسة ، فاذا كان العقد اداة اساسية تقوم عليها الحياة الاقتصادية ، فان اكتمال دوره رهين بمدى الثقة المتوفرة في ان ما ابرم من عقود سيتم تنفيذه و التعويض الاتفاقي هنا هو ضمانة هامة في تحقيق ذلك بطبيعة الحال لا يجب ان تنقلب هذه المؤسسة الى اداة اضطهاد واستغلال، وهذا ما عمل المشرع على استحضاره اثناء استيعابه لهذه الممارسة العقدية ، ودون التدخل في تفاصيل هذه التقنية وقانونيتها وشروط مراجعتها فان ما يهمنا كما سبقت الاشارة الى ذلك ، هو بيان دور الوثيقة في تطوير قانون العقود وهو بذلك أي التعويض الاتفاقي يصدق عليه القول بانه احد النماذج التي برهنت على صحة هذه المقولة، ذلك ان المشرع وبعد ممارسة طويلة غير مقننة لجا الى تنظيمه بالقانون المشار اليه سابقا.

المطلب الثاني:عقد الليزينك كممارسة اغنت قانون العقود:

لقد كانت للممارسة التعاقدية كما سبقت الاشارة الى ذلك، دور كبيرا في اغناء الحقل التعاقدي بصفة عامة، وتاثيرا اكبر على المشرع بصفة خاصة ، وبذلك استوعبت النصوص القانونية العديد من هذه الممارسات، الامر الذي يؤكد الدور الكبير الذي تلعبه الوثيقة في اغناء و تطوير قانون العقود، وكان من اهم هذه الممارسات التعاقدية ما يصطلح عليه بعقد التمويل بالكراء.

لقد سبقت في المغرب الممارسة الخاصة بعقد التمويل بالكراء الاطار التشريعي منذ ما يزيد عن 30 سنة ، فقد ظهرت اول شركة متخصصة في الائتمان الايجاري منذ سنة 1965 اطلق عليها اسمMaroc Leasing وهي الشركة الوحيدة التي ظلت تعمل في هذا الميدان الى حدود سنة 1972 تاريخ ظهور شركة ثانية سميت Magreb-bail و التي كانت من تاسيس البنوك و شركات التامين، اما عن الاطار التشريعي الذي استوعب هذه الممارسة فلم يصدر الا بتاريخ 6 يوليو 1993 و النتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان، الذي خصص له الفصلين 404 و 405 وسماه التمويل الايجاري وبذلك حقق المشرع ما كان يطمح اليه الممارسون و الباحثون من ضرورة خروج الاطار التنظيمي لهذا العقد الى حيز الوجود.

بل اننا –وفي سبيل بيان دور الوثيقة في تطوير قانون العقود- نجد ان نفس المسار قد تم سلوكه في فرنسا، فتحت ضغط الممارسة التعاقدية، تم استيعاب هذا النص في الاطار التشريعي، وهكذا كانت اول شركة اسست في فرنسا سنة 1962تحت اسم Lovear-France بينما الاطار التشريعي لم يصدر الا في سنة 1966 في شكل قانون وقع تتميمه بمقتضى الامر الصادر بتاريخ 28/09/1967 و المرسوم المؤرخ في 4/7/1972 ثم ادخلت عليه عدة تعديلات من كان من بينها تعديل 1992.

المطلب الثالث: ممارسات تعاقدية اخرى اغنت قانون العقود الخاصة:

من بين الممارسات التعاقدية، التي اثرت في واضع التشريع المغربي نجد العقود المتعلقة بالنشاط البنكي، وهكذا نجد ان المشرع المغربي قد استوعب بالتنظيم التشريعي العديد من العقود حيث نظم الحساب البنكي، ايداع النقود، فتح الاعتماد و الخصم، وحوالة الديون المهنيةو رهن القيم….

كذلك نظم المشرع-اعتمادا على ما استقرت عليه الممارسة التعاقدية- العديد من العقود المتعلقة بالمهن الحرة، وهكذا نجده نظم الشركة فيما بين المحامين و الاطباء و المهندسين و الخبراء المحاسبين، غير منساق بالمرة وراء ما استقرت عليه هذه الممارسة كليا، ذلك انه منع الاطباء- تماشيا مع ما يتم التشبت به في الخطاب الايديولوجي للمهنة الحرة- من الانتظام تحت شركة تجارية، فلم يبق امامهم بناء على احالتهم على الاشكال المنصوص عليها في ق ل ع الا شكلين و هما الشياع و الشركة المدنية، وبصرف النظر عن قبولهم او لا فان ما يسجل هنا هو القول بالتاثير الفعال للوثيقة في تطوير قانون العقود، ذلك ان المشرع المغربي عبر عن يقظته اثناء عملية الاستيعاب و الدمج داخل الترسانة القانونية لهذه الممارسات.
كذلك هناك عقد الممارسة الحرة للمهنة داخل العيادة الخاصة، التي يمكن ممارستها سواء من طرف الطبيب الموظف. رغم ان المشرع المغربي لم ينظم الا تلك المتعلقة بحالة الطبيب الموظف.

ويبقى الامر مفتوحا على مزيد من التطورات، اذ انه مثلا و فيما يخص عقد الوعد بالبيع، وجدنا الممارسة التعاقدية ينساب داخلها هذا النوع من العقود ، بالرغم ان الاساس القانوني الواضح و المضبوط غير موجود داخل ق ل ع المغربي، وهكذا يحاول الفقه و معه القضاء تقعيد هذا العقد قانونيا استنادا الى الفصول 1 و 18 و 14 واخرى كالفصلين 788 و 834 وعلى احكام عامة كالفصلين 230 و 231 من ق ل ع الى جانب المصدر المنصوص عايه في ق ل ع و المتعلق بالالتزامات الصادرة عن الارادة المنفردة.

وربما يكون ذلك دافعا للمشرع فيما بعد للتدخل لتنظيم هذا النوع من العقود عبر التنصيص عليه بشكل واضح داخل ق ل ع . وبذلك يتاكد القول بمساهمة الويقة في تطوير قانون العقود.