ميراث المرأة في الإسلام
نظرة في حقوقها المدنية وحقوقها الاقتصادية

أفاض بعض الكتاب هذه الأيام في البحث في نصيب المرأة من الميراث في الإسلام وما كنت أظنني اضطر للكتابة في هذا الموضوع لولا دواعٍ حفزتني إليها فهأنا أدلي برأيي في هذه المسألة فأقول:
1 – كانت المرأة قبل الإسلام مستعبدة في كل مكان، إلا بقاعًا معروفة، وفي فترات محدودة من تاريخها، وكانت في بلاد العرب محرومة من جميع الحقوق المدنية، بل كانت معتبرة من الأمتعة، فتورث كما تورث الماشية بعد موت زوجها.

2 – فلما جاء الإسلام رفع عنها هذا النير الثقيل وخولها جميع الحقوق التي للرجل وكلفها من أمور الدين بكل ما كلفه إياه منها وقرر لها من الثواب والعقاب مثل ما قرره له منها، ولم يحد لنشاطها العقلي ولا البدني حدًا تقف عنده.

فأباح لها أن تتعلم كل ما تجد في نفسها ميلاً إليه من العلوم والفنون والصناعات وأن تتعاطى من الأعمال كل ما تشعر في نفسها يهوي إليه، فلم يوصد في وجهها باحة من باحات المحاولات الإنسانية، حتى أجاز لها أن تتولى القضاء، وأن تضطلع بمهمة الإفتاء، وأن تحضر الصلوات، والمحافل التي تقام للبحث في الشؤون العامة مما يهم الجماعة، وأبيح لها أن تبدي رأيها فيها.

وهل ينسى أحد ما اعترضت به امرأة على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وهو يخطب محاولاً تحديد قدر الصداق، فرجع عن رأيه إلى رأيها بعد أن قررته له بالحجة.

3 – وقد وصل الإسلام من مراعاة كرامة المرأة إلى حد لم تبلغه امرأة في العالم إلى اليوم، فقرر أنها تصبح بالتزويج قرينة الرجل لا خادمة له، فليست مكلفة بأن تقوم له بأي عمل من الأعمال البيتية، وزاد على هذا فاعتبرها سيدة بكل معنى السيادة، فقرر بأنها غير مكلفة بخدمة نفسها إلا إذا كان زوجها معسرًا، وقد بالغ في الاعتداد بسيادتها إلى حد أنه لم يكلفها بإرضاع بنيها ولا حضانتهم فإن فعلت كان لها أن تتقاضى عليه من زوجها تعويضًا ماليًا.

4 – وأطلق لها الحق في البيع والشراء والاتجار والتملك والرهن والإيجار وسائر المعاملات الاقتصادية بدون توقف نفاذ ذلك على استئذان أحد بعد بلوغها سن الرشد، وهذه الحقوق لم تصل إليها امرأة في العالم إلى اليوم، فهل يعقل أن الدين الذي يتوسع في منح المرأة حقوقها الطبيعية إلى هذا الحد يعود فيحط من نصيبها في الميراث إلى النصف من نصيب الرجل بدون سبب وجيه ؟

هذا مكان لبيان وجيز
5 – للإسلام نظام اجتماعي خاص يقوم على مقتضيات الفطرة البشرية، وينطبق على منطق الاجتماع، وقد ثبت بالجري عليه أنه أسرع النظم في إيصال الأمم إلى درجات عالية من الكمال الاجتماعي، فقد أوصل العرب بعد جاهلية جهلاء إلى درجة من المدنية والسلطان خولاها السيادة المطلقة على عظم المعمور في أقل من قرن من الزمان.

6 – فمن مقررات هذا النظام الاجتماعي الإسلامي الاعتداد بوظيفة المرأة الطبيعية إلى مدى بعيد، فرفع من قيمتها إلى حد أن صرح بأن الجنة تحت أقدام الأمهات، وورد في الأثر أن رجلاً سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – قائلاً: (من أحق الناس بحسن معاشرتي، فقال له أمك، فقال له الرجل: ثم من ؟ فأجابه أمك، فسأله ثالثة فأجابه أمك ؟ فكررها رابعة، فقال له: ثم أبوك) فلا جرم أنه لم يؤثر عن أمه في رفع قدر الأمومة مثل ما أثر عنها في الإسلام كما ترى.

7 – لم يشأ الإسلام أين يجعل هذا الاعتداد بوظيفة المرأة ومكانتها نظريًا محضًا فحاطها من الضمانات بما يجعله حقيقة واقعة، فقرر أن الجنس النسوي لا يجوز أن يتكلف مع وظيفة الأمومة عملاً آخر يقطعه عنها، ولا يتفق وتركيب النساء الجسدي من ناحية أخرى، ففرض على الجنس العامل القيام بنفقات الجنس الرقيق قيامًا لا هوادة فيه، فجعل على الأب نفقة بنته، فإن تزوجت انتقل هذا التكليف إلى زوجها، فإن عدمتهما اضطلع بهذا العبء أهلها، حقًا شرعيًا تتقاضاه أمام القضاء فإن فقدت جميع ذويها تحملت الحكومة القيام بهذا الواجب حتى لا تتعرض لما لم تخلق له، ولا تتحمله من الأعمال الخارجة.

8 – وقد جاء النظام الاجتماعي في الفلسفة الحسية وهي فلسفة العصر الحاضر موافقًا للنظام الإسلامي.

فقال مؤسسها: (أجوست كونت) في كتابه: (النظام السياسي على حسب أصول الفلسفة الحسية):
(يجب على الرجل القيام بحاجة المرأة، هذا هو القانون الطبيعي لنوعنا الإنساني وهو القانون الذي يلائم الحياة البيتية للنساء).
(وهو يشبه ذلك الإجبار الذي يقضي على الطبقة العاملة من الناس بأن يغذي الطبقة المفكرة منهم لتستطيع هذه أن تتفرغ لأداء وظيفتها الأصلية).
(غير أن واجبات الجنس العامل نحو الجنس النسوي أقدس من ذلك، لأن الوظيفة النسوية تقتضي الحياة البيتية، فهو بالنسبة للمفكرين يعتبر تضامنًا ولكنه بالنسبة للنساء يعد ذاتيًا).
9 – نقول بعد هذا إن النظام الاجتماعي الذي يحيط المرأة بكل هذه الضمانات المالية والحقوق المعيشية، كان يسمح أن لا يجعل لها حقًا أصلاً في الميراث.
ولكن الإسلام زاد في ضمان حياتها وتوفير راحتها فقرر لها نصف ما للرجل من الميراث.
فهل يعتبر مع كل هذا التلطف بها أنه قد سلبها حقًا أو بخسها حظًا ؟
ولو كان الإسلام بعد كل هذه الضمانات المعيشية للنساء قرر لهن من الميراث بقدر ما قرر للرجال، أفلا يكون ذلك داعيًا لناقد في القرن العشرين لأن يعتبر هذا من المحاباة التي لا يقوم معها نظام، ولا تتعادل مع وجودها حقوق الآحاد ؟ أليس من أعجب العجب في بلاد كمصر يعالج كتاب مثل هذه الشؤون الاجتماعية قبل درسها دراسة تليق بمكانتها، ويأتي على أثرهم رجال يبنون على هذا التقصير المخجل صروحًا من النقد إذا نظر إليها العارف تداعت أركانها وسقطت ولم يبقَ منها أثر ولا عين