بحث قانوني رائع عن قواعد الإثبات في المواد المدنية و التجارية

المبحث الأول شروط الواقعة القانونية محل الإثبات

من أهم الشروط التي يشترطها المشرع في الواقعة القانونية محل الإثبات في المادة الثانية من قانون الإثبات أن تكون الواقعة متعلقة بالدعوى ومنتجة فيها وجائزة القبول.

وعلى ذلك فإننا سوف نتناول هذه الشروط الثلاثة بشيء من التفصيل فيما يلي:

الشرط الأول يجب أن تكون الواقعة متعلقة بالدعوى

أولاً:معنى الشرط وأهميته
هذا الشرط يعني أن تكون الواقعة المراد إثباتها ذات صلة بالحق المتنازع فيه لكي يؤثر ثبوتها في الفصل في الدعوى.

وتظهر أهمية هذا الشرط في الإثبات غير المباشر حيث لا ينصب الإثبات على الواقعة مصدر الحق المتنازع فيه. وإنما على واقعة على صلة بالحق نفسه ويؤدي إثباتها إلى جعل الواقعة مصدر الحق محتملة الوجود.

ولنضرب مثلاً للإثبات المباشر الذي ينصب على الواقعة مصدر الحق مباشرة كقيام المؤجر بإثبات عقد الإيجار لكي يطالب المستأجر بالأجرة.

أما بالنسبة للإثبات غير المباشر فمثاله الحالة التي يطالب فيها المستأجر بإثبات الوفاء بأجرة شهر معين. فإنه يستطيع إثبات أنه أوفى بأجرة هذا الشهر بإثبات وفائه لأجرة شهور لاحقة.

ثانياً: مدى رقابة محكمة النقض على تحقق هذا الشرط:

قضت محكمة النقض بأنه”إذا رأت المحكمة أن الوقائع المطلوب إثباتها غير متعلقة بالدعوى وجب عليها أن تقضي برفض طلب التحقيق ولو من تلقاء نفسها. فذلك أمر متروك لمطلق تقدير المحكمة”.

ويرى غالبية الفقه أن تقدير مدى تعلق الواقعة بالدعوى من المسائل التي تترك تقديرها لقاضي الموضوع دون رقابة من محكمة النقض.

ونحن نعتقد على خلاف ذلك أنه يجب أن نفرق في هذا الشأن بين حالتين:

الحالة الأولى:

التي يرد فيها الإثبات على الواقعة التي تعد بذاتها مصدراً مباشراً للحق. يجب على القاضي في هذه الحال أن يقدر ما إذا كانت تلك الواقعة من شأنها أن تبرر طلب المدعى وإعطائها الوصف أو التكييف القانوني اللازم وينظر في مدى تعلق الواقعة بالدعوى. ومثل هذا النظر يعد من المسائل القانونية التي يخضع فيها القاضي لرقابة من محكمة النقض.

الحالة الثانية:

وهي التي يرد فيها الإثبات على واقعة أخرى متصلة بالواقعة مصدر الحق المتنازع فيه. فإن تقرير اتصال هذه الواقعة بالدعوى هو من إطلاقات قاضي الموضوع التي لا تخضع لرقابة محكمة النقض مادام حكمه كان مبنياً على أسباب قانونية سائغة.

أما من ناحية تسبيب حكم القاضي في مدى اتصال الواقعة بموضوع الدعوى ومدى خضوعه لرقابة محكمة النقض فيجب أيضاً أن نميز بين فرضين أيضاً:

الفرض الأول:

إذا ما قبلت محكمة الموضوع إثبات الواقعة. فمعنى ذلك أن المحكمة قدرت اتصالها بالدعوى. فلا يجوز الطعن في حكمها هذا بالنقض مادام أن الأخذ بهذه الواقعة مقيد بقيد آخر هو كونها منتجة في الدعوى.

الفرض الثاني:

أن ترفض المحكمة إثبات الواقعة بحجة عدم اتصالها بالدعوى. ففي هذه الحالة ينبغي أن يكون رفضها مبني على أسباب سائغة ومقبولة. ويكون حكم المحكمة قابل للطعن عليه أمام محكمة النقض التي إن رأت أن أسباب الرفض غير سائغة عقلاً أو تنطوي على مسخ أو تشويه للواقعة يجوز لها نقض الحكم للقصور في التسبيب.

ويلاحظ أخيراً أن للمحكمة أن ترفض اعتبار الواقعة متعلقة بالدعوى حتى ولو اتفق الطرفان على خلاف ذلك. أما العكس غير صحيح. فلو أن الطرفان قد استبعدا الواقعة ولم يتعرضا لها في الإثبات. فلا تملك المحكمة قبول إثبات الواقعة وذلك تطبيقاً لمبدأ حياد القاضي.

الشرط الثاني أن تكون الواقعة منتجة في الدعوى

أولاً:المقصود بالشرط واستبعاد عدة معاني له
ومعنى هذا الشرط أن تكون الواقعة حاسمة في إسناد الحق إلى المدعي أو عدم إسناده إليه. أي يكون من شأنها لو ثبتت تغيير وجه الحكم في الدعوى.

وعلى هذا تكون الواقعة غير منتجة في الدعوى إذا كان يستوي في نظر القانون ثبوتها أو عدم ثبوتها حتى ولو كانت الواقعة متصلة بالدعوى كما سبق وأن بينا في الشرط السابق.

ومثال ذلك أن يدعي شخص أنه قد تملك عقاراً بالتقادم القصير على أساس أنه قد وضع يده عليه مدة عامين أو ثلاثة أعوام. فلا شك أن المحكمة إذا ما رفضت دعواه دون أن تمكنه من إثبات هذه واقعة وضع يده على الأرض فإن حكمها يكون متفقاً مع نصوص القانون؛ وذلك لأن واقعة وضع اليد على الأرض ـ بفرض ثبوتها ـ غير منتجة في إسناد حق الملكية للمدعي لأن التملك بالتقادم القصير يجب أن يكون بمضي خمس سنوات على الأقل.

وليس المقصود بهذا الشرط عدة معاني منها:

أولاً:

ليس المقصود بهذا الشرط أن تؤدي الواقعة الواحدة إلى إثبات ادعاء من يطلب إقامة الدليل(المدعي). بل يكفي أن تكون هذه الواقعة حلقة في سلسلة وقائع أخرى تؤدي إلى ثبوت الحق المدعى به. ولهذا فإن كل واقعة منتجة في الدعوى تكون متعلقة بها بينما العكس غير صحيح. فليست كل واقعة متعلقة بالدعوى منتجة فيها.

ثانياً:

ولا يفهم من ذلك لكي تكون الواقعة منتجة أنه يلزم بالضرورة أن يترتب عليها بذاتها أثر قانوني. فقد تكون الواقعة منتجة بهذا المعنى أي يترتب عليها بذاتها أثر قانوني. وقد تكون منتجة بمعنى آخر وهو أن يؤدي ثبوتها إلى ثبوت واقعة أخرى يترتب عليها الأثر القانوني. ومثال ذلك أن يطلب شخص آخر عقار جاره بالشفعة. ويريد لإثبات حقه في الشفعة أن يثبت أنه يملك ساقية وأن لجاره عليها حق ارتفاق. ففي هذا المثال يتقدم المدعي بطلب إثبات وجود الساقية التي تروي أرض الجار وله عليها حق ارتفاق أولاً (وهي واقعة ثابتة) ليتوصل إلى إثبات تملكه للأرض التي تقع فيها الساقية. وأن هذه الأرض هي ملك له. وأن عقار جاره الذي بيع والمراد أخذه بالشفعة يروى منها. فكل واقعة من هذه الوقائع السابقة تعد منتجة في الدعوى. فلو لم يثبت المدعى وجود الساقية أصلاً أو ثبت أنها ليست واقعة في الأرض التي يملكها أو أن عقار جاره لا يروى من الساقية لأدى ذلك إلى تغيير وجه الحكم في الدعوى. ومع ذلك فإن كل واقعة من هذه الوقائع على حدة لا تكفي وحدها لترتيب الأثر القانوني (الأخذ بالشفعة).

ثانياً: مدى رقابة محكمة النقض على تحقق هذا الشرط:

أما عن رقابة محكمة النقض في خصوص كون الواقعة منتجة أو غير منتجة في الدعوى فنرى أنه يجب التمييز بين حالتين:

إذا ما كانت الواقعة منتجة قانوناً في الدعوى فهذا يخضع لرقابة محكمة النقض. وهو ما يعني أن القاضي إذا ما أغفل بحث طلب أو دفاع جوهري أبداه الخصم ويترتب على الفصل فيه أن يؤثر في النتيجة التي انتهى إليها الحكم يعتبر حكمه باطلاً لقصوره في التسبيب.

أما إذا ما كانت الواقعة منتجة في إثبات واقعة أخرى يترتب عليها بدورها أثر قانوني. فهنا تكون الرقابة على التسبيب فقط إذا ما رفض القاضي اعتبار الواقعة داخلة في وعاء الإثبات بزعم أنها غير منتجة. بمعنى أنه ينبغي أن يكون رفض القاضي لإثبات الواقعة الأولى مبني على أسباب سائغة وإلا ينبغي نقض حكمه.

الشرط الثالث أن تكون الواقعة جائزة القبول

أولاً:المقصود بالشرط
ويقصد بهذا الشرط ألا تكون الواقعة مستحيلة وألا يكون في القانون ما يمنع إثباتها. ونتناول هذا الأمر بشيء من التفصيل:

ألا تكون الواقعة مستحيلة:

قد تكون الواقعة مستحيلة التصديق عقلاً. كمن يدعي بنوته لشخص أصغر منه سناً. وقد تكون مستحيلة الإثبات. كمن يدعي واقعة مطلقة غير محددة كادعاء شخص الملك المطلق دون أن يحدد سبب التملك أو طبيعة الملك والشيء الذي يملكه.

ففي مثل هذه الأمثلة وغيرها لا يمكن قبول الواقعة في الإثبات من الناحية القانونية.

ألا يكون في القانون ما يمنع إثبات الواقعة:

يمنع القانون إثبات الواقعة إما لاعتبارات تتعلق بالسياسة التشريعية وإما لاعتبارات تتعلق بالصياغة القانونية.

ومن أمثلة النوع الأول أن القانون في جريمة القذف يمنع القاذف من إثبات صحة الوقائع التي أسندها للمقذوف في حقه. كما أن القانون يمنع من إثبات الواقعة إذا كانت مخالفة للنظام العام أو لحسن الآداب كمن أدعى أنه اشترى مخدرات ويطلب تسليمها إليه فلا يقبل منه إثبات هذه الواقعة. لكن يلاحظ في هذه الحال الأخيرة أنه إذا كان المدعي ممنوعاً من إثبات الواقعة التي يدعيها إن المدعى عليه ليس ممنوعاً من إثبات عدم مشروعية الواقعة ومخالفتها للنظام العام كما في إثبات الصورية التدليسية متى كانت مشوبة بمخالفة النظام العام أو الآداب العامة.

أما عن النوع الثاني وهي الوقائع التي يمنع القانون إثباتها لاعتبارات تتعلق بالصياغة القانونية فيجب أن نفرق هنا بين عدة فروق لمعرفة معنى الصياغة الفنية:

الفرق بين جواز قبول الواقعة وجواز قبول الدليل
من الوقائع ما لا يجوز إثباته مطلقاً بأي دليل. كالوقائع المستحيلة بطبيعتها كإدعاء شخص ملكيته لقطعة أرض على سطح القمر والوقائع التي منع القانون إثباتها كوقائع القذف.

ومن الوقائع ما يجوز إثباتها ولكن بدليل معين لا يقبل سواه. كواقعة الزنا حيث يحدد القانون الأدلة التي تقبل لإثباتها.

ومن الوقائع ما يجوز إثباتها ولا يقبل فيه دليل معين. كالتصرفات القانونية التي تزيد قيمتها على خمسمائة جنيه فلا يجوز الإثبات فيها بشهادة الشهود ( البينة).

ومن الأدلة ما يجوز قبوله من حيث المبدأ ولكن يحرمه القانون في بعض الحالات. كما في الحالة التي يكون فيها الشاهد قد اتصل علمه بالواقعة التي يطلب للشهادة فيها إما بحكم عمله أو بحكم علاقة الزوجية أو القرابة لأحد الخصوم في الدعوى.

الفرق بين جواز قبول الواقعة وقبول الدعوى
قد تكون الواقعة مما يجوز إثباته ولكن يحكم بعدم قبول الدعوى المقامة بمقتضاها لعيب في إقامة الدعوى لا في الواقعة نفسها. كانعدام صفة المدعي أو أهليته.

وعلى العكس قد تتوافر في الدعوى شرائط قبولها وتدخل في حوزة المحكمة ومع ذلك تثور فيها واقعة لا يجوز إثباتها. فلا تعتبر واقعة في وعاء الإثبات.

الفرق بين جواز قبول الواقعة وقابليتها للإثبات
يرى بعض الشراح أن جواز قبول الواقعة هو ذاته جواز قابليتها للإثبات. ويقولون أن جواز قبول الواقعة يستلزم أن تكون موجودة ومحددة ومتصلة بالدعوى ومنتجة فيها. وهذا الرأي ليس له أساس من الصحة لأن جواز قبول الواقعة يستند في المقام الأول إلى مدى إنتاجها في الدعوى ويستلزم هذا ألا يكون ثمة مانع من ترتيب الأثر على الواقعة ( كونها جائزة القبول ) كما يستلزم بداءةً تحديدها أما غير ذلك من الشروط فهو تزيد لا معنى له. لذلك فإننا نرى أن جواز قبول الدعوى له معنى خاص هو ألا يكون ثمة عارض ـ من استحالة قانونية أو عقلية ـ يمنع من ترتيب الأثر القانوني على الواقعة أو إقناع القاضي بوجودها. أما عبارة قابلية الإثبات فمعناها كما أوضحنا في بداية الحديث عن هذا الشرط هو ألا تكون الواقعة مستحيلة وألا يكون في القانون ما يمنع إثباتها.

المبحث الثاني شهادة الشهود

(البينـــــــة)

أولاً:أحكام الشهادة

تعريف شهادة الشهود( البينة)

شهادة الشهود هي إخبار شخص أمام القضاء بواقعة من غيره ويترتب عليها حق لغيره. والشهادة على هذا النحو شهادة مباشرة أي أن الشخص يخبر بما وقع تحت سمعه وبصره. أما إذا كانت الشهادة سماعية أي سمعها الشخص عن رواية الغير فهي تعتبر شهادة غير مباشرة وهي بهذا المعنى الأخير لا تعتبر شهادة بالمعنى القانوني وإنما تعتبر قرينة فقط.

الجهة التي يتم أمامها الشهادة
والشهادة على هذا النحو يتم الإدلاء بها أمام القضاء بعد حلف اليمين إلا إذا كان الشاهد عمره يقل عن خمسة عشر عاماً فإن أقواله تسمع بغير يمين وعلى سبيل الاستدلال.

كيفية أداء الشهادة
ويجب أن تؤدي الشهادة أمام المحكمة شفاهة ولا يجوز أن يستعين الشاهد فيها بمفكرات أو مذكرات مكتوبة إلا إذا كانت طبيعة النزاع تتطلب ذلك كأن تكون دعوى حساب يستلزم فيها الرجوع إلى أرقام وبيانات حسابية لا تعيها الذاكرة العادية.

واستثناء من حكم القاعدة السابقة إذا كان الشاهد عاجزاً عن الكلام لسبب دائم أو عارض فإنه يجوز أن تأذن له المحكمة بأن يؤدي شهادته عن طريق الكتابة. كما يجوز أن تؤدي الشهادة بالإشارة إذا كان ذلك ممكناً.

هذا ويتم تدوين الشهادة بالجلسة أمام المحكمة أو القاضي المنتدب للتحقيق وبحضور الشهود.

تكييف الشهادة من الناحية القانونية( ماهية الشهادة)

الشهادة عمل مادي لأنها مجرد إخبار عن أمر حصل والشاهد ليس إلا حاكياً له. وعلى ذلك فإنه لا يمكن اعتبار الشهادة تصرفاً قانونياً لأنها لا يترتب عليها انصراف أثر قانوني لما حدث في شأن الشاهد. كما أنه لا يمكن اعتبار الشهادة فعلاً نافعاً أو ضاراً لعدم توافر أركانهما. فهي إذن لا تعدو أن تكون مجرد عمل مادي أي واقعة مادية.

سلطة القاضي في تقدير شهادة الشهود
قضت محكمة النقض بأن قاضي الموضوع هو وحده صاحب الحق في تقدير ما يقدم إليه من أدلة في الدعوى. وعلى ذلك فإن الشهادة تكون خاضعة لتقدير قاضي الموضوع الذي لا يتقيد في تقديرها بعدد الشهود أو بصفاتهم الشخصية ولا يكون ملزما بتصديق جميع أقوال الشهود. كما يحق له أن يرجح شهادة شاهد على آخر وغير ملزم في ذلك ببيان أسباب الترجيح ولا رقابة عليه في ذلك من محكمة النقض.

ثانياً:الحالات التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود بحسب الأصل

الوقائع المادية
والوقائع المادية منها ما يكون بفعل الإنسان كالجرائم وحوادث السيارات. ومنها ما يكون بفعل الطبيعة كالزلازل والبراكين والحريق والجنون ومرض الموت. وعلى ذلك فإن طبيعة الوقائع المادية ـ وبخلاف التصرفات القانونية التي يستلزم القانون لإثباتها طرق معينة ـ تأبى طبيعتها باشتراط وسيلة معينة لإثباتها. فهي لذلك يمكن إثباتها بكافة طرق الإثبات بما في ذلك بالطبع وفي المقام الأول شهادة الشهود.

ويلاحظ أن العبرة بالواقعة محل الإثبات دون ما يترتب على ثبوتها من آثار قانونية. فإجازة العقد القابل للإبطال تصرف قانوني وليس واقعة مادية. ومع ذلك يجوز أن نستنتج هذه الإجازة من وقائع مادية يجوز إثباتها بشهادة الشهود.

المواد التجارية
إذا كان قانون الإثبات يتطلب الكتابة لإثبات التصرفات القانونية التي تزيد قيمتها عن خمسمائة جنيه. فإن التصرفات والأعمال التجارية تخرج عن هذه القاعدة. وعلى ذلك فيجوز في خصوص التصرفات التجارية إثباتها بالبينة أيا كانت قيمة التصرف. ذلك أن اشتراط الكتابة في هذه الأعمال يتنافى مع متطلبات التجارة وما تقتضيه من ثقة متبادلة وسرعة.

ويجوز اللجوء للإثبات بالبينة فيما يوافق أو يخالف الكتابة في المواد التجارية وذلك بعكس القاعدة التي سوف نراها فيما بعد والتي تقضي بعدم جواز إثبات ما يخالف الكتابة إلا بالكتابة. ولكن مع هذا يجب أن نلاحظ أن القانون يتطلب الكتابة بالنسبة في بعض المواد التجارية كما في الأوراق التجارية. إذا لا يتصور وجود شيك مثلاً دون كتابة. وكذلك بالنسبة إلى عقود الشركات.

كما أنه يجوز الاتفاق بين الطرفين على اشتراط الكتابة لإثبات تصرفهم في المعاملات التجارية. وفي هذه الحالة لا يجوز إثبات المعاملة التجارية بالبينة.

والمرجع فيما إذا كانت المعاملة معاملة تجارية أم لا هو بالقانون التجاري. فهو الذي يحدد ما هي الأعمال التجارية ومن هو التاجر.

والقاعدة تقضي في هذا الصدد بأنه إذا كان طرفي التصرف تاجرين بشأن معاملة تجارية فإن لكل منهما أن يثبته بالبينة في مواجهة الآخر. أما إذا كان أحدهما تاجر والآخر غير تاجر أو كانا تاجرين بشأن معاملة مدنية. فإنه يجب أن يلتزم ـ في الحالة الأولى ـ التاجر في مواجهة غير التاجر بالإثبات بالكتابة فيما يجاوز خمسمائة جنيه. أما غير التاجر فلا يلتزم في مواجهة التاجر بإثبات هذا التصرف بالكتابة فله أن يثبت جميع التصرفات باستخدام كافة طرق الإثبات بما فيها البينة. وفي الحالة الثانية يجب على كل من الطرفين الالتزام بقواعد إثبات التصرفات القانونية المدنية والتي تشترط الإثبات بالكتابة فيما يجاوز خمسمائة جنيه.

التصرفات القانونية التي تزيد قيمتها على خمسمائة جنيه
يجوز الإثبات بالبينة في التصرفات التي لا تجاوز قيمتها خمسمائة جنيه مصري بشرط ألا يكون هناك نص قانوني أو اتفاق يخالف ذلك ويشترط الكتابة في مثل هذه التصرفات.

فيمكن أن يشترط المشرع الكتابة في بعض التصرفات حتى ولو كانت قيمتها أقل من خمسمائة جنيه كما هو الشأن في عقد الصلح و الكفالة .