بحث ودراسة التصكيك الإسلامي في ظل الازمة العالمية

عبد القادر زيتوني / جامعة بجاية – الجزائر

(*) بحث مقدم لمؤتمر (الأزمة المالية والاقتصادية العالمية المعاصرة من منظور إسلامي) الذي أقامه المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالتعاون مع جامعة العلوم الإسلامية العالمية، في عمّان – الأردن، ذي الحجة (1431هـ) – كانون أول (2010م).

المقدمة:

إن من نافلة القول أن ثمة اهتماماً تنظيرياً وتطبيقياً منقطع النظير بما بات يُعرف في أروقة المصرفية التمويلية المعاصرة بـ(التصكيك الإسلامي)، إذ باتت هذه الآلية إحدى أهم الابتكارات المالية الأكثر جذباً للمؤسسات المالية، وذلك في ضوء الطلب المتزايد على منتجاتها في الأسواق العالمية. إن من الآفاق الرحبة التي يمكن من خلالها تطوير العمل المصرفي الإسلامي عملية التوسع في تصكيك الاستثمارات وتسييلها وجذب المدخرات الصغيرة قبل الكبيرة.
فالتصكيك الإسلامي لن يكون أداة تمويلية فحسب، بل أنه سيعمل على تطوير العمل المصرفي، وتزويد الأسواق المالية بأدوات مالية متعددة ومتنوعة، بالإضافة إلى إيجاد مؤسسات وساطة مالية تعدّ ضرورية لقيام مثل هذه الصناعة التمويلية، ومساعدة المؤسسات المالية الإسلامية على تخطيها لمشاكل متعددة، ومنها مشكلة السيولة بشقيها إدارة الفائض منها ونقصها. وأيضاً توفير أدوات مالية لإدارة مخاطر هذه المؤسسات مما يمكنها من تلبية متطلبات معايير الكفاءة الدولية. كما ستوفر الصكوك الاستثمارية الإسلامية إطاراً إشرافياً ورقابياً ملائماً على هذه المؤسسات من قِبل البنوك المركزية.
من جانب آخر، لا يزال العالم يحاول الخروج بأقل الخسائر وبأسرع الطرق من إحدى أعنف الأزمات الاقتصادية. وفي اللحظات التي شك فيها العالم بأنظمته الاقتصادية وأساليبه المالية، حظيت المصرفية الإسلامية بنصيب جدير بالاهتمام في الدراسات الاقتصادية الغربية التي عدلت العديد من التشريعات في العديد من المؤسسات الغربية المصرفية بما لا يمنع من تبني آليات وسياسات مالية إسلامية للحد من المخاطر.

لقد أصبحت الصناعة المالية الإسلامية صناعة مالية محترفة ومتطورة وراسخة على الصعيدين الدولي والعربي في تحقيق النمو والأرباح وهي قادرة على المبادرة وتقديم حاجات لعملائها وأصبحت تجربة رائدة. إن جميع ما ذكر لا يشكل إنجازاً إذا قيس بما حققته الآلية التي نحن بصدد الحديث عنها بل يعتبر توطئة لظهورها حيث غيرت هذه الأداة وجه الصيرفة الإسلامية في العالم وحققت لها من الذيوع والشيوع ما لم تحققه جميع أدوات الصيرفة الإسلامية. بل إن هذه الآلية هي التي خلقت إمكانية التوسع والقبول للصيرفة الإسلامية في مختلف دول العالم وفي ظل الأزمة التي يعيشها.
تهدف هذه الدراسة بشكل أساسي إلى إبراز دور التصكيك الإسلامي في دعم مسيرة تطور الصناعة المصرفية الإسلامية في ظل الأزمة العالمية. وتحديداً سيتم تناول التصكيك الإسلامي من حيث مفهومه، وضوابطه، وآلياته، ودوره في دعم تطور الصناعة المصرفية الإسلامية، بالإضافة إلى الحديث عن واقع التصكيك الإسلامي ودوره في علاج الأزمة العالمية والوقاية منها.

أولاً: التصكيك الإسلامي – مفهومه وضوابطه وآلياته:

التصكيك الإسلامي موضوع متشعب وكبير، والتطورات فيه متسارعة متعاقبة على نحو فاق التوقعات، بل أصبح التصكيك الإسلامي من أكثر منتجات المصرفية الإسلامية المعاصرة نمواً واتساعاً. وعليه فقد غدا التصكيك الإسلامي حيث الساعة، وأصبح التصور العام له من الأهمية بمكان للعاملين والمهتمين بالمصرفية الإسلامية.
وبناء على ما سبق، سنتناول مفهوم التصكيك الإسلامي وآلياته وضوابطه في ما يلي.

1. مفهوم التصكيك الإسلامي:
يعرف التصكيك الإسلامي بأنه عملية تحويل الأصول المقبولة شرعاً إلى صكوك مالية مفصولة الذمة المالية عن الجهة المنشئة لها، وقابلة للتداول في سوق مالية شريطة أن يكون محلها غالبه أعيانا وذات آجال محددة بعائد غير محدد أو محدد ولكن ليس خاليا من المخاطر.[1] ويعرف أيضاً بأنه عملية تقسيم ملكية الأصول والموجودات المالية إلى أجزاء يمثل كل منها صكا قابل للتداول لأغراض الاستثمار في سوق المال وفق الضوابط والمعايير الشرعية.[2]
إن المتمعن في هذه التعاريف سيجد أن للتصكيك الإسلامي خصائص تميزه عن التصكيك التقليدي وذلك رغم التماثل الكبير بينهما من حيث الإجراءات، ولعل أهم ما يتباين فيه هذان المفهومان ما يلي:
أ- ترتكز عملية التصكيك الإسلامي على موجودات حقيقية[3] تكون متوافقة تماما مع أحكام المعاملات الإسلامية الأساسية، وهذا عكس التصكيك التقليدي الذي يقوم غالبا على تصكيك الديون.
ب – يحصل حاملو الصكوك الناتجة عن عملية التصكيك التقليدي على فوائد محددة مسبقا بالإضافة إلى أصل الدين، وعلى غرار ذلك يعتمد العائد الذي يحصل عليه حامل الصك الناتج عن عملية التصكيك الإسلامي على ما تحققه تلك الأصول من ربح أو خسارة.
ج – من أهم مكونات صفقة التصكيك التقليدي التعزيزات الائتمانية، أما في التصكيك الإسلامي فالوضع يختلف إذ العلاقة ليست علاقة دائنية وإنما هي مشاركة في الأصول واستحقاق للربح أو الخسارة وبالتالي لا توجد حاجة لمثل تلك التعزيزات.[4]

2. آلية إصدار الصكوك الإسلامية:
تشتمل عملية إصدار الصكوك[5] على خطوات أولية يطلق عليها تنظيم الإصدار وتتلخص فيما يلي:
أ) إعداد التصور والهيكل التنظيمي الذي يمثل آلية الاستثمار بواسطة الصكوك ودراسة المسائل القانونية والإجرائية والتنظيمية ودراسة الجدوى، وتضمين ذلك كله في نشرة الإصدار. ب) تمثيل حملة الصكوك (المستثمرين) وذلك من خلال تأسيس شركة ذات غرض خاص. جـ) طرح الصكوك[6] للاكتتاب بهدف جمع الأموال التي ستمول بها الموجودات الممثلة بالصكوك. د) تسويق الصكوك. هـ) التعهد بتغطية الاكتتاب: قد لا يتم الاكتتاب بكامل الإصدار من الصكوك مما يستدعي وجود جهة تلتزم بتغطية الاكتتاب بهذا الجزء غير المكتتب به، ومن ثم بيعه للمستثمرين الآخرين.
تأتي بعد هذه الخطوات التحضيرية لإصدار الصكوك مرحلة الاكتتاب التي تشكل مرحلة التعاقد الفعلي بين مالك المشروع والمستثمرين (حملة الصكوك)، ثم تأتي ترتيبات ما بعد الاكتتاب.[7] هذا وتشمل الأطراف في هيكل التصكيك كل من: المنشىء، المصدر والمستثمرين، ويمكن أن يشمل أيضا بالإضافة إلى ذلك ما يلي: واحدة أو أكثر من وكالات التصنيف الائتماني لتصنيف الأوراق المالية (الصكوك)، ومصرف استثماري للتصرف بصفته مستشارا أو لطرح الصكوك للمستثمرين.

3. ضوابط عملية التصكيك الإسلامي:
إن الصكوك القائمة على أساس عملية التصكيك تصدر بالاستناد لعقد شرعي على أساس صيغة من صيغ التمويل الإسلامية. تخضع عملية التصكيك لضوابط ومعايير يجب مراعاتها لتكون متوافقة مع أحكام الشريعة الغراء، وتتمثل هذه الضوابط فيما يلي:[8]
أ) أن تكون نوعية الأصول المصككة من الأصول المباحة شرعا. ب) أن يكون بيع الأصول المراد تصكيكها مبنية على الديون في الذمم من المنشىء إلى شركة التصكيك نقدا للابتعاد عن بيع الدين بالدين. جـ) أن تكون خطوات وهيكل التصكيك مقبولة شرعا. د) عنصر الملكية للأصول لتصح عملية البيع والشراء وتسوغ الاستفادة من العوائد. هـ) يجب أن يراعى في إصدار الصكوك مبدأ الأولويات في الاقتصاد الإسلامي. و) يجب النظر في مآلات عملية التصكيك ومدى ملاءمتها للمصلحة العامة.

4. مزايا التصكيك الإسلامي:
توفر عملية التصكيك مزايا عدة للمتعاملين فيها، وهذه هي:
أ. المُصدر الأصلي:
تساعد عملية التصكيك في المواءمة بين مصادر الأموال واستخداماتها. يضاعف التصكيك من قدرة المنشآت على خلق الأموال أي تحريرها لتأمين السيولة اللازمة لتمويل احتياجاتها المختلفة، هذا إضافة إلى تنويع مصادر التمويل. ويعتبر التصكيك وسيلة جيدة لإدارة المخاطر الائتمانية نظرا لأن الأصل محل التصكيك مخاطره محددة.
ب. المستثمرون:
ينتج التصكيك أداة قليلة الكلفة مقارنة بالاقتراض المصرفي وذلك لقلة الوسطاء والمخاطر المالية المرتبطة بالورقة المالية المصدرة. وتتميز أداة التصكيك بأنها غير مرتبطة بالتصنيف الائتماني للمصدر، حيث أنها تتمتع بتصنيف إئتماني عالي نتيجة دعمها بتدفقات مالية محددة. وللصكوك الإسلامية تدفقات مالية يمكن التنبؤ بها. وتوفر عمليات التصكيك فرصا استثمارية متنوعة للأفراد والمؤسسات والحكومات بصورة تمكنهم من إدارة سيولتهم بصورة مربحة.
ج. الاقتصاد الكلي:[9]
تقوم الصكوك الإسلامية بدور هام في تعبئة الموارد المكتنزة لدى المسلمين، وتشجعهم على رفع معدلات الادخار والاستثمار. وتتميز الصكوك الإسلامية بتنوعها الأمر الذي يجعلها تلائم قطاعات اقتصادية واسعة. وتوفير التمويلات اللازمة لمشاريع البنية التحتية. ومعالجة قصور التمويل الحكومي، حيث تساهم الصكوك في نقل عبء تمويل ومخاطر التشغيل التجاري الخاصة بمشروعات البنية الأساسية إلى عاتق القطاع الخاص.[10]

ثانياً: التصكيك الإسلامي ودوره في دعم تطور الصناعة المصرفية الإسلامية:

تعتبر عملية التصكيك الإسلامي أداة محورية في دعم نشاط الصيرفة الإسلامية يمكن من خلالها تطوير هيكل الموارد والاستخدامات للمصارف الإسلامية، وكذا تفعيل دورها الاستثماري والتمويلي وتخفيف المخاطر فيها هذا إلى جانب الحد من مشكلة السيولة.

1. دور التصكيك في حل مشكلة السيولة في المصارف الإسلامية:
لقد كان التحدي الأساسي للمصارف الإسلامية هو كيفية إجراء مختلف عمليات الوساطة المالية من حشد للمدخرات وتوظيفها دون اللجوء لآلية سعر الفائدة. ولهذا كانت البداية مصرفية بصياغة العقود الإسلامية للتمويل والبيوع والاستثمار في جانبي حشد وتوظيف الموارد بالمصارف الإسلامية. ومع التطور الكبير طرأت حاجات جديدة لهذه المؤسسات في إطار تأقلمها المستمر مع متغيرات البيئة المالية الدولية تتمثل في الحاجة لأدوات لإدارة السيولة ودعم الربحية على المستوي القصير وكذلك لتوفير تمويلات مستقرة في الأجلين المتوسط والطويل للمشروعات الكبرى سواء الخاصة أو الحكومية.
واستجابة لذلك تم تطوير الأدوات الإسلامية المستندة على عمليات أسواق رأس المال فكانت الصكوك مختلفة الآجال، وذلك على خلفية انتشار فكرة الأسواق المالية في مختلف الأقطار الإسلامية. ومما ساعد على انتشارها الاستخدام المكثف لها من قبل الحكومات الإسلامية في كثير من الدول لأغراض إدارة موازناتها العامة بعيدا عن الأدوات التقليدية. ومع التطور الهائل للمصارف الإسلامية ونجاحها عالميا، تراكمت لهذه المؤسسات أصولا ضخمة من الذمم والتمويل والاستثمارات بجانب الموجودات الأخرى في ميزانياتها السنوية بصورة جعلت العائد على هذه الموجودات يتناقص باستمرار بسبب صعوبة تدوير هذه الأصول وتسييلها لإعادة استخدامها استجابة لحاجات العملاء.
وتزامنا مع هذه الظروف ظهرت عملية التصكيك الإسلامي كإحدى أهم الابتكارات التي جادت بها الصناعة المصرفية الإسلامية والتي تمت هيكلتها للمساهمة وبشكل أساسي في إدارة السيولة لدى المصارف الإسلامية. إذ تمكن عمليات التصكيك المصارف والمؤسسات المالية من تسييل الأصول غير السائلة في ميزانيتها وتحويلها إلى أصول قابلة للتداول في الأسواق المالية، واستخدام السيولة المتوفرة في إعادة الاستثمار وزيادة حجم عملياتها وأنشطتها دون الحاجة إلى زيادة رأس المال أو زيادة حجم الودائع.
ومن ناحية أخرى، يتيح وجود الأوراق المالية (الصكوك) للمصارف والمؤسسات المالية المجال لإدارة سيولتها بكفاءة عالية وذلك نتيجة لما يلي: تنوع الأدوات الاستثمارية المتاحة للاستثمار، والتنوع بالآجال والأدوات المتاحة للاستثمار ، وتجنب عدم التوافق بين استحقاق الموجودات والمطلوبات. ويساعد وجود التصكيك المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية على استغلال السيولة الفائضة وبالتالي المنافسة في الأسواق المالية المحلية والدولية. ويساعد وجود أدوات التصكيك وتنوعها وتعدد أجالها في تعميق وتطوير السوق الثانوي اللازم لتداول الأدوات المالية في الدول الإسلامية.

2. دور التصكيك في إدارة المخاطر في المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية:
أ – إدارة مخاطر الائتمان:تمكن الإدارة الجيدة لعمليات التصكيك المصارف من حسن إدارة مخاطر الائتمان ويظهر ذلك من خلال ما يلي: تخفيض مستوى التركز الائتماني من خلال تجميع حجم كبير من الموارد المالية لإعادة استثمارها في عمليات جديدة وتنويع عملياتها، ووجود جهات تعزز الضمان للائتمان[11] للأوراق المالية المصدرة، وتساعد عمليات التصكيك في تشجيع المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية على تمويل مختلف القطاعات مثل الصناعة والزراعة والإنشاءات والنقل والاتصالات والتجارة والائتمان وغيرها، والتنويع حسب العملاء والأدوات والقطاعات والأسواق، ويوفر التصكيك تنوعا في الأدوات الاستثمارية المتاحة من حيث العائد والمخاطر والضمان.
ب – إدارة مخاطر أسعار الصرف: يساعد توفر الأدوات الاستثمارية وتنوعها من حيث العملات والأصول الاستثمارية المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية في إدارة مخاطر أسعار الصرف وغيرها.
ج – تحسين نسبة كفاية رأس المال: وذلك بإخراج بعض أصول المصرف ذات المخاطر العالية من الميزانية مما يؤدي إلى انخفاض الأصول المرجحة بالمخاطر، ومن ثم ارتفاع نسبة كفاية رأس المال.
د – تكلفة الحصول على التمويل: تساعد عملية التصكيك في تمكين المصارف والمؤسسات المالية من الحصول على التمويل بتكاليـف منخفضة. ويعزى ذلك بشكل رئيسي إلى ارتفاع مستوى التصنيف الائتماني للإصدارات، الأمر الذي يؤدي إلى تحسين العائد على الإصدارات من الصكوك.
هـ – تكلفة الوكيل: ففي آليات التصكيك لا توجـد مشكلة الوكيل نظرا لعزل أصول المحفظة عن أصول المصرف ودور الإدارة سلبي يقتصر على متابعة المحفظة.
و – الإفصاح ونشر المعلومات: حيث تتيح آلية التصكيك مزيدا من المعلومات وتماثل كبير في الأدوات المصككة، كما أنها تتيح توفير المعلومات حول التدفقات النقدية، وهو ما يساعد على رفع المستوى الائتماني لآلية التصكيك بما يحسن مستوى الإيراد للصكوك.
وبالإضافة لما سبق نذكر كذلك: التنويع في مصادر الدخل والتطور التقني.

3. دور التصكيك في تفعيل الاستثمار طويل الأجل في المصارف الإسلامية:
يعد النشاط الاستثماري في المصارف الإسلامية بمثابة البديل الشرعي للتعامل الربوي في مجال التمويل في البنوك التقليدية. ويجد هذا النشاط اهتماما كبيرا من قبل الإدارة تخطيطا وتنفيذا ومتابعة بحيث يتماشى مع مقتضيات ومبادئ الشريعة الإسلامية ويجاري احتياجات العملاء ومتطلباتهم. إلا أن الاستثمار قصير الأجـل يمثل السمة الغالبة لاستثمارات هذه المصارف[12] على حساب الاستثمار طويل الأجل الذي لم يحظ بأي أهمية تذكر. فمدخلات المصارف الإسلامية تعامل في الغالب معاملة الحسابات الجارية في حق السحب، الأمر الذي أوقع تلك المصارف في أزمة، فبينما كانت مدخلاتها قصيرة الأجل كانت أهدافها الاستثمارية طويلة الأجل، فتحولت من الأسلوب الاستثماري طويل الأجل إلى الأسلوب التجاري قصير الأجل بحثا عن السيولة والربحية[13]. وكان من نتيجة ذلك أن أصبحت المرابحة بديلاً للائتمان في جانب المخرجات، وفي المقابل أصبحت الودائع الجارية في جانب المدخلات، فتحولت المصارف الإسلامية إلى صورة شبيهة بالمصارف التقليدية، كما أن الوضع التطبيقي لهذه المصارف جاء متناقضا تماماً مع التصورات النظرية المسبقة، والتي أفرطت في إعطاء دور اقتصادي واجتماعي لهذه المصارف حال قيامها، والتي كان من أهمها قدرة هذه المصارف على الاعتماد بصورة أساسية على التمويل بالمشاركة، والقيام باستثمارات طويلة الأجل بصورة كبيرة.
ولمعالجة هذا الخلل وإعادة التوازن إلى نشاطات تلك المصارف كان لابد من إحداث تغيير في أساليب التمويل، فكانت عملية التصكيك الإسلامي كأحد أبرز هذه الأساليب، إذ أنه يمكن للصكوك الناتجة عن تلك الآلية (التصكيك) أن تقدم تمويلا طويل ومتوسط الأجل. ومن ثم يمكن للمصارف الإسلامية أن تعيد التوازن لاستثماراتها من خلال توظيف الأموال المودعة لديها في صكوك استثمارية طويلة الأجل مثل صكوك الاستثمار في مشروعات قطاعية[14] وهي صكوك ترتبط بالنشاط الاقتصادي الذي سيتم توظيفها فيه، إذ يقوم البنك الإسلامي بتقديم التـمويل للمشروعات الاقتصادية في الزراعة والصناعة والخدمات الإنتاجية ومن ثم إصدار صكوك تمويل واستثمار خاصة بهذه الأنشطة القطاعية.

4. دور التصكيك الإسلامي في توفير إطار ملائم للتعامل بين البنك المركزي والمصارف الإسلامية:
إن العلاقة بين البنوك المركزية والمصارف الإسلامية تنبع من أهمية إشراف المصارف المركزية على المصارف الإسلامية لضمان حسن سير أعمالها والاطمئنان على أوضاعها المالية وضمان حقوق أصحاب الحسابات لديها. إلا أن المصارف الإسلامية تعاني من خضوعها لنفس أدوات السياسة النقدية التي تطبق على المصارف التقليدية، وأن بعض هذه الأدوات ما هو قائم على الربا كسعر إعادة الخصم، والمقرض الأخير، والنسب الائتمانية التي لا تتناسب مع طبيعة العمل المصرفي الإسلامي، الأمر الذي يزيد مع تعقيد طبيعة العلاقة بين البنك المركزي والمصارف الإسلامية. وفيما يلي نتناول سياستين من سياسات البنك المركزي ودور عملية التصكيك الإسلامي في تقديم البدائل:

أ. سياسة الملجأ الأخير للسيولة:
تقوم البنوك المركزية بوظيفة المقرض الأخير للبنوك التجارية بحيث تقدم لها قروضا في أوقات تقل فيها السيولة. وبالرغم من أن معظم البنوك الإسلامية تعمل تحت إشراف البنك المركزي إلا أنها لا تستطيع شرعا الاستفادة من هذه التسهيلات لأن هذه الأموال تقدم على أساس الفائدة. وللتغلب على هذه المشكلة كان لابد من إيجاد بدائل، لذا اقترح مجلس الفكر الإسلامي بباكستان آلية لتقاسم الأرباح بحيث يمكن حساب الأرباح على أساس الناتج اليومي[15]، إلا أنه يؤخذ على هذا الأسلوب إضافته لأعباء جديدة تتمثل في دراسة المشروع المطلوب له السيولة وإدارة ومتابعة المشروع، أيضاً مما يؤخذ عليه ما يتعلق بعملية استرداد البنك المركزي لهذه السيولة، فمن المعروف أن البنك المركزي يمنح تلك السيولة لآجال قصيرة بينما يقتضي تمويل هذه المشروعات آجال طويلة أو متوسطة الأجل ومن ثم فسوف تكون هناك قيوداً تتعلق باسترداد البنك المركزي لأمواله.
وهناك اقتراح آخر بإنشاء صندوق مال مشترك من طرف البنوك الإسلامية تحت إشراف البنوك المركزية لتوفير العون المالي من بعضها البعض عند حدوث مشكلات في السيولة وذلك على أساس تعاوني، إلا أن هذا الأسلوب سيؤدي بتلك المصارف إلى الاحتفاظ بهذه الأموال بصورة موارد مجمدة لدى البنك المركزي مما يعمل على خلق مشكلة أخرى لهذه المصارف، وهي زيادة حجم الموارد المعطلة وهو ما يضيف عبئاً جديداً إلى التزامات هذه المصارف، إضافة إلى ما يترتب على ذلك الأمر من حرمان المصارف الإسلامية والمجتمع من فرص استثمار هذه الموارد.
وفي هذا الصدد يمكن للصكوك الاستثمارية القابلة للتداول أن تشكل البديل الملائم، فالمصارف الإسلامية تستطيع أن تبيع الصكوك التي بحوزتها للبنك المركزي عند حاجتها للسيولة بدلاً من عرضها مباشرة في الأسواق الثانوية وذلك لئلا تحدث انخفاضاً في أسعار هذه الأوراق نتيجة زيادة المعروض منها فيشتريها البنك المركزي، ومن ثم يمكن إعادة بيعها في الأسواق المالية مباشرة أو فيما بعد.[16]

ب. عمليات السوق المفتوحة:
من المعلوم أن تأثير هذه الأداة ينعدم على المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية وذلك لكون الأصول التي تمتلكها لا تتضمن السندات التي يتعامل بها البنك المركزي. لذا قام عدد من الباحثين والمؤسسات المصرفية في السنوات القليلة الماضية باستحداث عدد من الصكوك كان من ضمن أغراضها الاستخدام كبدائل للسندات الحكومية الربوية المتعامل بها في الأسواق النقدية كأدوات للتحكم في حجم المعروض النقدي. ومن أمثلة هذه الصكوك: صكوك المضاربة وأسهم المشاركة في شركات استثمارية وصكوك للمشاركة في عمليات إجارة على أصول عينية متنوعة.[17]
فإذا أراد البنك المركزي أن يزيد العرض النقدي فإنه سيتجه إلى شراء الأسهم والصكوك المملوكة للبنـوك والمؤسسات المالية والأفراد، وذلك بالقيمة السوقية لهذه الصكوك أو بأعلى منها ويدفع قيمة هذه الصكوك نقداً، ويقوم مستلمو هذه المبالغ بإيداعها في البنوك، وتتم عملية توليد الائتمان عندما تتسلّم البنوك التجارية هذه الودائع. فإذا ما قابل ذلك العرض طلب على الائتمان فإن ذلك سيعمل على إجراء توسع في كمية النقود. وتتحقق النتيجة ذاتها إذا قام البنك المركزي بشراء هذه الصكوك من الحكومة مباشرة، لأن الحكومة ستستخدم هذه المبالغ في الإنفاق العام فيترتب على هذا الإنفاق زيادة الدخول في شكل أجور ومرتبات أو إيجارات تودع مرة أخرى في البنوك. بينما يحدث العكس إذا أراد للبنك المركزي تقليص حجم المعروض النقدي.

5- دور التصكيك الإسلامي في تطوير السوق المالية الإسلامية:
إن النجاح في إنشاء السوق المالية الإسلامية ثم بقاؤها ونموها على المدى الطويل لن يعتمد على وجود تشريعات تحميها أو هيكل تنظيمي جيد لإدارة شؤونها بقدر ما يعتمد على اختصاصها بمزايا غير متوافرة في السوق المالية التقليدية، وعلى ذلك فإن قيام السوق المالية الإسلامية ونمو نشاطها في البلدان الإسلامية وفي الخارج أيضا يعتمد على تقديمها لخدمات جديدة واختصاصها لمزايا فريدة يتيحها لها جوهر المفهوم الإسلامي وهو الدور الذي يمكن أن تحققه آلية التصكيك الإسلامي، حيث أن استخدام الصكوك والتوسع في التعامل بها من قبل المدخرين والمستثمرين والمصارف والحكومة يؤدي إلى تدعيم دور السوق المالية، وذلك من خلال:[18]
أ. توسيع تشكيلة الأدوات المالية الإسلامية في السوق التي تشمل صكوك الشركات، صكوك البنوك الإسلامية والصكوك الحكومية.
ب. توسيـع قاعدة المؤسسـات المشتركة في السوق المالي والتي تتعامل في الصكـوك الإسلامية إصدارا وتداولا وتشمل المصارف الإسلامية بل والتقليدية أيضا (كما هو الحال في ماليزيا) وشركات الاستثمار المؤسسي والحكومة وكذا القطاع الخاص والمؤسسات المالية الوسيطية، وذلك إذا تمتعت الصكوك بالتداول في السوق المالية.
ج. كما ترتفع كفاءة السوق المالية الإسلامية بازدياد كمية ونوعية الصكوك الإسلامية لما يترتب عليها من تعميق للسوق واتساعه.
د. إضافة مؤسسات مالية جديدة، إذ إن هيكل عملية التصكيك يتم من خلال كل من موجد العملية (المصدر الأصلي)، والمنشأة ذات الغرض الخاص، ومتعهد تغطية الاكتتاب، ومتعهد إعادة الشراء، ووكيل الدفع، وكذا الأمين.

ثالثاً: واقع التصكيك الإسلامي ودوره في الوقاية وعلاج الأزمة العالمية والوقاية منها:

صدق من قال “مصائب قوم عند قوم فوائد”، فالأزمة العالمية الراهنة خلقت فرصا استثمارية ضخمة في الغرب. ونظرا لحاجة تلك الدول للسيولة وحاجة الدول الإسلامية لاستثمار ثرواتها فإنه يمكن القول أن الصيرفة الإسلامية ستحظى بترحيب أكبر في الدول الغربية. وتعتبر سوق الصكوك الإسلامية المتنامية إحدى أهم المجالات التي ستعطي دعما قويا للعمل المصرفي الإسلامي في ظل هذه الأزمة، وذلك من خلال جذب المستثمرين الدوليين الأكثر حرصا في الدخول في استثمارات أقل مخاطرة.
فبعد مضي أكثر من عامين على الأزمة المالية لا يزال العالم غير مطمئن إلى ما ستؤول إليه الأمور، إذ لا تزال العديد من الشركات والبنوك تعلن إفلاسها لأسباب عدة، أبرزها ما يعرف بفلسفة التوسع بالدين[19] أو ما يعرف بالتوريق (التصكيك التقليدي) الذي يعتبر أحد الآليات المرتبطة بأسواق الأوراق المالية الثانوية. حيث ساعد التوسع بالديون من خلال توريقها[20] وتسييلها بالبيع على زيادة حجم الفقاعة في سوق الائتمان. فالسلع والخدمات لم تعد مقصودة لأن الناس تتبادل أوراق الدين وتتاجر بها مما مزق كل ارتباط بين سوق النقود وسوق السلع والخدمات، فانهارت بذلك الشركات والمؤسسات الإنتاجية لأن الطلب على سلعها لم يعد مباشرا، وإن قُصد فإن الاتجار به يكون ببيوع مستقبلية مما ساعد على مزيد من الخلخلة في الأسواق. هذا وقد أدى فصل الرهن[21] الذي يعتبر من لوازم توثيق الدين والتصرف به بيعا وشراء إلى مزيد من التوسع في الدين.
من ناحية أخرى، لقد أضفت الأزمة المالية العالمية على المصارف الإسلامية بمزيد من الاهتمام والقبول الواسع إقليميا وعالميا. ويتوقع أن يكون هناك إقبال أكبر خلال المرحلة المقبلة على المنتجات الإسلامية ومنها الصكوك، خاصة إذا ما توجهت الحكومات العربية والإسلامية لهيكلة تمويل المشاريع الضخمة في بلدانها من خلال إصدار الصكوك ليتم تغطيتها من خلال البنوك الإسلامية، الأمر الذي سيسهم في توفير السيولة لمشاريع التنمية بما يسهم في التخفيف من آثار الأزمة في دول المنطقة. هذا ويتوقع أيضا أن تلاقي المصارف الإسلامية إقبالا كبيرا من المجتمعات غير المسلمة من أنحاء مختلفة، نظرا لشفافية معاملاتها وقيمها ومستوى خدماتها.

وعليه، لقد تجدّد اهتمام العالم بآليات التصكيك الإسلامي بعد تعمق الأزمة المالية العالمية في محاولة لتوفير السيولة والحد من تداعيات الانهيارات المالية. وتحاول الدول الغربية الاستفادة من الطلب على المنتجات المالية الإسلامية في منطقة الخليج لإطلاق صكوك إسلامية للحصول على سيولة لتمويل المؤسسات العالمية التي تضررت من أزمة الرهن العقاري. ونظرا للاستثمارات الضخمة التي تعتزم دول الخليج إقامتها فإنه من المرتقب أن تشهد آلية التصكيك الإسلامي تطورات متزايدة.
ورغم ما يشهده الاقتصاد العالمي في الآونة الأخيرة من انتكاسات في أسواقه المالية، فإننا نجد أن الصكوك الإسلامية تحقق معدلات مرتفعة في حجم إصدارها وانتشارها، ليس فقط في السوق الإقليمية أو في البلدان الإسلامية، بل حتى في دول غير إسلامية، ولعل من أهم المؤشرات التي تؤكد ذلك ما يلي:

1. تنامي حجم سوق التصكيك الإسلامي:
لقد باتت الصكوك الإسلامية أكثر أدوات التمويل الإسلامي توسعا، حيث يشهد سوق التداول الخاص بها نموا سريعا بمتوسط 35 % سنويا لا سيما في منطقة الخليج العربي، حيث قفز حجم الإصدارات في سوق التصكيك الإسلامي في غضون أقل من عشر سنوات من 997 مليون دولار إلى أكثر من 26 مليار دولار، وهو ما يبرز الدور الريادي لهذه الأداة في ترسيخ قواعد الصناعة المصرفية الإسلامية على المستوى العالمي.
وقد سجل سوق الصكوك معدلات نمو سنوية مرتفعة خصوصا خلال سنتي 2003م و 2006م حيث تجاوز معدل النمو 819 % و 136 % على التوالي مما يبرز أن هناك إقبالا كبيرا للتعامل في الصكوك الإسلامية. ولقد تم تسجيل أكبر حجم إصدار سنة 2007م بقيمة تجاوزت 48 مليار دولار، وقد تزامن هذا كله مع الطفرة النفطية، حيث سعت المؤسسات المالية الإسلامية في هذه الدول سعيا متزايدا إلى العثور على فرص لتوظيف أموالها في استثمارات شرعية، وهو ما وفرته الصكوك الإسلامية. والملاحظ أيضا أن إصدار هذه الصكوك بعد أن بلغ ذروته في عام 2007م سجّل بعد ذلك تراجعا في حجم الإصدار بنسبة فاقت 60% عام 2008م. وقد يتبادر إلى الذهن إلى أن الأزمة العالمية هي السبب الرئيس في ذلك، ولكن المتتبع للأحداث سيجد أن الأزمة لم تك إلا سببا جانبيا، وأن الأسباب الحقيقية وراء هذا التراجع تعود إلى بعض المخالفات الشرعية، وغياب الإطار التشريعي أو عدم استكماله في بعض الدول الإسلامية، إضافة إلى محدودية الأسواق المالية، وافتقارها إلى المؤسسات البنية التحتية المساندة لها، وقلة الموارد البشرية المؤهلة للعمل في هذه الصناعة وغير ذلك.
ومن دلائل تنامي أهمية الصكوك على المستوى العالمي تأسيس مؤشر “داو جونز سيتي غروب” للصكوك والذي أطلق في ذروة نمو هذه السوق، والذي يقيس أداء الصكوك العالمية المتوافقة مع الشريعة. ويتكون المؤشر من سندات إسلامية مقيمة بالدولار الأمريكي. وقد تم إيجاد هذا المؤشر ليكون مرجعية للمستثمرين الباحثين عن استثمارات ذات دخل ثابت متوافقة مع الشريعة، كما أنه يعمل على زيادة التداول في السوق الثانوية.

2. الحاجة إلى مصدر لتمويل مشاريع البنية التحتية:
إن من المؤشرات الدّاعمة لنمو الطلب على الصكوك الإسلامية ارتفاع الطلب العالمي على أدوات الاستثمار ووجود إقبال متنامي من قبل الحكومات على إصدار صكوك لتمويل مشاريع البنية التحتية خصوصا في منطقة الخليج العربي التي تعتزم القيام بمشروعات بقيمة 800 مليار دولار خلال السنوات المقبلة، حيث ترسخت القناعة بأهمية الصكوك كأداة تمويلية تتميز بأنها مدعومة بأصول حقيقية وذات مخاطر منخفضة وبالتالي فهي مصدر مهم لضخ الأموال في المشاريع والتوسعات الكبرى، ومن الأمثلة التي تشير إلى لجوء الحكومات إلى إصدار صكوك لتمويل مشاريع البنية التحتية نذكر:
أصدرت شركة “باوستهد” القابضة في ماليزيا صكوكا بمبلغ 1.3 مليار دولار لإنشاء محطة طاقة. كما أصدرت قطر صكوكا بقيمة 137 مليون دولار لإنشاء مدينة حمد الطبية بالدوحة. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة عدة إصدارات إسلامية من أهمها إصدار لصالح شركة طيران الإمارات بمبلغ 500 مليون دولار. كما قام بنك دبي الإسلامي بإصدار صكوك إجارة لصالح هيئة الطيران المدني بدبي لتطوير وتوسيع مطارها وبلغ حجم الإصدار 750 مليون دولار. ومن المشاريع الضخمة في أبو ضبي والتي ينتظر أن يتم تمويلها عبر إصدارات الصكوك مشروع ميناء الخليفة والمنطقة الحرة بحوالي 10 مليار دولار. وقد أصدرت البحرين صكوك إجارة بقيمة 750 مليون دولار لتوفير الموارد اللازمة للحكومة لإنشاء بعض المشاريع خاصة مشاريع المرافق الأساسية. وفي تركيا أصدرت صكوك مشاركة بمبلغ 200 مليون دولار لتمويل بناء جسر معلق على مضيق البوسفور. هذا وتعتزم دولة قطر اللجوء إلى سوق الصكوك الإسلامية لتمويل ما يصل إلى 60 مليار دولار من مشروعات الطاقة، بينما أعلنت دولة الكويت أنها تحتاج إلى استثمار 64 مليار دولار على الأقل في السنوات المقبلة لتطوير صناعة الطاقة.

3. الطفرة النفطية لدول الخليج:
تشهد سوق الأدوات المالية الإسلامية رواجا واسعا في وقتنا الراهن. ونظرا لفيض السيولة التي أغرقت به المؤسسات المالية الإسلامية بفضل الطفرة النفطية الجارية، تسعى هذه المؤسسات سعيا متزايدا إلى العثور على فرص لتوظيف رأسمالها الفائض في استثمارات تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية. وبالمثل، هناك إقبال متزايد من صناديق التحوط ومؤسسات الاستثمار التقليدي على الأوراق المالية الإسلامية سعيا لزيادة العائد وتنويع الاستثمارات، وهو ما أدى إلى طفرة في معاملات التصكيك الإسلامي تمخضت عن زيادة إصدارات الصكوك الإسلامية بمقدار أربعة أضعاف من 7.8 مليار دولار عام 2004م إلى 28.5 مليار دولار عام 2007م.[22]

4. نمو المصرفية الإسلامية:
إن من المؤشرات الداعمة لزيادة الطلب على الصكوك حتى في ظل هذه الأزمة هو الاهتمام الكبير التي تحظى به أدوات المصرفية الإسلامية، حيث تشهد نموا متسارعا في الوقت الحاضر ليس بسبب تنامي السيولة المالية في دول المنطقة فحسب، بل بسبب توسع رقعة الحلول والمنتجات المالية الإسلامية التي تواكب احتياجات قطاعات واسعة من المستثمرين سواء الحكومات أو الشركات أو المؤسسات المالية الإسلامية نفسها.

رابعاً: دور التصكيك الإسلامي في معالجة آثار الأزمة والوقاية منها

1. دور التصكيك في توفير السيولة لتمويل المؤسسات المتضررة من الأزمة:
أفرزت الأزمة المالية العالمية أزمة سيولة خانقة تضررت جرّاءها العديد من الشركات الغربية، وهنا توجهت الأنظار إلى أساليب التمويل الإسلامي التي باتت تحظى بقبول واسع من قبل الغربيين خصوصا ما يعرف بالصكوك الإسلامية التي تعد واحدة من أهم الأدوات التي باتت تعطي دعما قويا للصناعة المصرفية الإسلامية، في وقت قيدت فيه الأزمة العالمية وسائل التمويل التقليدية لتلك الشركات. هذا وترى وكالة ستاندرد آند بورز أن الدول الغربية تحاول الاستفادة من الطلب على المنتجات المالية الإسلامية في منطقة الخليج لإطلاق صكوك إسلامية بغية الحصول على السيولة لتمويل المؤسسات العالمية التي تضررت من أزمة الرهن العقاري، حيث أصدرت شركة التجزئة البريطانية “تيسكو” أول صكوك لها في عام 2007م لصالح وحدتها الماليزية وباعت أيضا أوراقا مالية تقليدية.

2. تمويل عجز الموازنة العامة:
لقد بات عجز الموازنة واحدا من أهم المشاكل الاقتصادية التي أرّقت وأثقلت كاهل الحكومات، حيث تواجه العديد من الدول صعوبات كبيرة في الحصول على موارد لتمويل عجزها خصوصا في ظل الأزمة الحالية* [23] التي أفرزت شحا كبيرا في موارد التمويل، وهنا توجهت الأنظار إلى الصكوك الإسلامية كإحدى الفرص الهامة التي يمكن أن تستفيد منها تلك الحكومات لتوفير ما تحتاجه من موارد بغرض تمويل العجز. إذ تعتزم الحكومة الأردنية إصدار صكوك إسلامية بقيمة 1.5 مليار دولار لتمويل العجز الموازني المقدر بـ 1.7 مليار دولار، حيث أن بيع هذه الصكوك سيتيح للحكومة الأردنية الحصول على أموال من المؤسسات المالية الإسلامية وكذا اجتذاب المزيد من المستثمرين من الشرق الأوسط والعالم الإسلامي للاستثمار في مشروعات الدولة بوسائل تتوافق مع الشريعة. ومن التجارب السباقة في هذا المجال تجربة السودان حيث بلغ حجم الصكوك[24] التي أصدرتها الحكومة ما نسبته 5.8% من الناتج المحلي لمدة تتراوح بين 6 أشهر و6 سنوات. هذا ولقد اتجهت الحكومة البريطانية إلى إصدار صكوك إسلامية للحصول على تمويل للخزينة البريطانية من السوق المالية الإسلامية، وكذلك حذت فرنسا الخطى من أجل اللحاق ببريطانيا، بل من أجل أن تكون السباقة في الحصول على الحصة الأكبر من التمويل الإسلامي في أوروبا.

3. دور التصكيك في تمتين أخلاقيات الرقابة:
مما لا شك فيه أن من أبرز أسباب الانهيارات التي حدثت في أسواق المال العالمية والإفلاسات التي لحقت بالعديد من البنوك والشركات الكبرى في العالم، ضعف الضوابط التشريعية التي تحكم عمل هذه المؤسسات، حيث أشارت تقارير عديدة إلى أن صناديق الاستثمار وصناديق التحوط وشركات السمسرة لم تك تخضع للبنك المركزي، كما أن العديد من البنوك الكبرى لم تك تخضع أيضا لمعايير بازل 1 وبازل 2 وبعد أن انكشفت الحقائق والتجاوزات، نادى كثيرون بالاستفادة من ضوابط التصكيك الإسلامي المنبثقة من الأصول المصرفية الإسلامية[25]، حيث أصدرت الهيئة الفرنسية العليا للرقابة المالية قرارا يقضي بمنع تداول الصفقات الوهمية والبيوع الرمزية التي يتميز بها النظام الرأسمالي، كما أصدرت الهيئة نفسها قرارا يسمح للمؤسسات والمتعاملين في الأسواق المالية بالتعامل مع نظام التصكيك الإسلامي في السوق المنظمة الفرنسية.[26]

4. دور التصكيك في إعادة التوازن بين الاقتصادي الحقيقي والاقتصاد المالي:
لقد شهدت الدول الغربية تطورات هائلة في عملية التصكيك كانت في معظمها في مجال تصكيك الديون[27] ، وقد رافق ذلك موجة حادة من المضاربات أدت إلى اتساع الفجوة بين الاقتصاد الحقيقي والاقتصاد المالي[28] باعتبار أن عقود الربا تفصل الربح عن النشاط الاقتصادي الحقيقي. وعلى عكس التجربة الغربية فإن التصكيك الإسلامي يشترط وجود الأصول قبل تصكيكها الأمر الذي يحفظ لهذه الأصول قيمتها، وبالتالي فهو يربط الاقتصاد الحقيقي بالاقتصاد المالي مما يخلق توازنا كبيرا بينهما، ومن ثم فالتصكيك الإسلامي يشكل فرصة هامة لتصحيح المسار.

5. دور التصكيك في الرفع من كفاءة الأسواق المالية:
إذ يمكن لآلية التصكيك الإسلامي الرفع من مستوى كفاءة الأسواق المالية وذلك لانتفاء الغش والغرر والغبن والمضاربات الهدامة التي تعصف بتلك الأسواق مما يؤثر سلبا على تخصيص الموارد، ذلك أن المضارب يهتم بالقيمة السوقية للأسهم والسندات في الأجل القصير والتي تدخل في تقديرها عوامل ليس لها علاقة بالمردود المتوقع، مما يؤدي إلى توجيه الموارد باتجاه أنشطة يتوقع لها الربح السريع، مما يؤثر على عملية تحديد الأسعار العادلة ويخل بالتوازن الحقيقي لمستويات الأسعار وزعزعة استقرار النشاط الاقتصادي، الأمر الذي يؤثر سلبا على كفاءة الأسواق المالية ويحجبها عن أداء دورها التنموي.
ومن ثم فآلية التصكيك الإسلامي تعمل على تحريك الموارد المالية وتوجيهها إلى أنشطة استثمارية حقيقية. وفي نفس الوقت تعمل على تقليل المضاربات وتهتم بالسوقين الأولية والثانوية بشكل متكافئ.[29]

الخاتمة:

بعد هذا الاستعراض البسيط والسريع لخصائص آلية التصكيك الإسلامي وكذا دورها في دعم مسيرة تطور الصناعة المصرفية الإسلامية، تبين لنا ما يلي:
– تفتح عمليات التصكيك الإسلامي أمام المصارف الإسلامية آفاقا إستراتيجية واسعة من شأنها تذليل العديد من العقبات التي تعترض تطور الصناعة المصرفية الإسلامية، فهي تعمل على حل مشكلة السيولة من خلال تقديمها أصولا قابلة للتسييل بسرعة وبتكلفة قليلة، وفي نفس الوقت تشكل هذه الصكوك فرصا استثمارية ملائمة لتوظيف الفائض في هذه المصارف. هذا وتوفر آلية التصكيك الإسلامي حلولا متنوعة لإدارة مختلف المخاطر التي تواجه أعمال المصرفية الإسلامية، كما تتيح هذه التقانة فرصا استثمارية طويلة الأجل للمصارف الإسلامية، مما يسمح بتفعيل الدور التنموي المنوط بها، وأقصد بذلك الدور الاجتماعي بدرجة أساسية.
– للتصكيك الإسلامي دور مهم للغاية في تطوير السوق المالية الإسلامية، حيث تساعد هذه الآلية في توسيع وتعميق السوق المالية من خلال طرح أدوات مالية جديدة للتعامل بها في تلك السوق، هذا إضافة إلى خلق مؤسسات مالية جديدة تؤدي دورا مهما في هيكل هذه العملية.
– استفادت صناعة التمويل الإسلامي من الازدهار الاقتصادي الذي عاشته ولازالت تعيشه دول الشرق الأوسط، حيث شكلت الفوائض والسيولة الهائلة الناجمة عن الطفرة النفطية مصدرا مهما لنمو سوق التصكيك الإسلامي. حيث أن نمو هذه السوق يعتبر مؤشرا هاما جدا على تنامي حجم الصناعة المصرفية الإسلامية وذلك نظرا لكونها الأداة الأكثر إقبالا مقارنة بالأدوات التمويلية الأخرى.
– يوجد اعتراف دولي بأهمية الصكوك الإسلامية كمنتج مالي قابل للتطور والاستمرار لتلبية الاحتياجات المالية المختلفة بدليل وجود إصدارات من الصكوك لمؤسسات غير إسلامية، وأن هذه الصكوك تمثل لهم فرصة هامة للاستثمار في المستقبل القريب.
– خلقت الأزمة المالية العالمية فرصا واعدة لأدوات الصيرفة الإسلامية خصوصا منتج الصكوك الإسلامية الذي بات يشهد إقبالا واسعا بدليل أن 60% من إصدارات الصكوك اشترتها مؤسسات غربية رغم أزمة الائتمان العالمية.
– إن تنامي الطلب على الصكوك الإسلامية يعود إلى وجود مؤشرات كتوسع سوق التصكيك الإسلامي وكذا الافتقار إلى مصادر لتمويل مشاريع البنية التحتية وعجز الموازنة، أضف إلى ذلك الطفرة النفطية لدول الخليج ونمو المصرفية الإسلامية.
– تعتبر آلية التصكيك الإسلامي إحدى الخيارات المتاحة والفاعلة في ظل الأزمة الحالية. إذ تشكل ملاذا للمستثمرين الذين تضرروا من الأزمة المالية، ويظهر ذلك من خلال قدرتها على توفير السيولة سواء لتمويل المؤسسات المتضررة أو لتمويل العجز الموازني للحكومات، كما يظهر ذلك من خلال قدرتها على تمتين أخلاقيات الرقابة وإعادة التوازن بين الاقتصاد المالي والاقتصاد الحقيقي، هذا إلى جانب مساهمتها الفاعلة في الرفع من كفاءة الأسواق المالية.
واستنادا إلى النتائج المتوصل إليها فإن التوصيات الناجمة عنها عامة في طبيعتها ويمكن أخذها بعين الاعتبار من قبل المهتمين، تتلخص فيما يلي:
– على المصارف الإسلامية اغتنام الفرص التي أتاحتها هذه الأزمة من خلال إنشاء بنوك استثمارية دولية تقدم للعالم رؤية جديدة، وكذا مواصلة التطوير والتحديث في أنشطتها الإسلامية والخدمية ومنتجاتها المالية لتقديم منهج مبتكر في إدارة الأصول واستثمار الأموال بأسلوب يحقق رسالة الاقتصاد الإسلامي.
– الاستمرار في نشر ثقافة التصكيك الإسلامي في أوساط مجتمعات الأعمال بوصفها أدوات مالية تقدم حلولا مبتكرة لهم في مجال حشد وتوظيف الموارد.
– ضرورة الاستفادة من الاعتراف الدولي للصكوك الإسلامية كمخرج لتمويل المؤسسات المتضررة من أزمة الرهن العقاري.
– ضرورة الاستفادة من عملية التصكيك الإسلامي في تطوير السوق المالية الإسلامية وإرساء قواعدها.

الهوامش:
[1] فتح الرحمن علي، محمد صالح. “دور الصكوك الإسلامية في تمويل المشروعات التنموية”، منتدى الصيرفة الإسلامية، بيروت، 2008م، ص05.
[2] الأمين حامد، أحمد إسحاق. “الصكوك الإستثمارية الإسلامية وعلاج مخاطرها”، (رسالة ماجستير، جامعة الأردن، 2005م)، ص24.
[3] مجلس الخدمات المالية الإسلامية. “مسودة مشروع متطلبات كفاية رأس المال لتصكيك الصكوك والإستثمارات العقارية”، 2007م، ص03.
[4] علي محمد بني عامر، زاهرة. “التصكيك ودوره في تطوير سوق مالية إسلامية”، (رسالة ماجستير، جامعة الأردن، 2008م)، ص83.
[5] هناك شروط ينبغي توفرها والالتزام بها عند إصدار الصكوك، للاطلاع على هذه الشروط انظر كل من:
– المجلس الشرعي بهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، تقرير 2008م، البحرين.
– مصطفى سانو، قطب. “في إصدار الصكوك والشروط الواجب توفرها في مصدريها”، المؤتمر العلمي السنوي الخامس عشر عن الأسواق المالية والبورصات، الإمارات العربية المتحدة، 2007م.
[6] للتفصيل في موضوع طرح الصكوك أنظر: جريدة الإقتصادي، 5 خطوات لطرح الصكوك وإدارتها، العدد 12629، 1429ه.
[7] للاطلاع على ذلك أنظر: أبو غدة، عبد الستار. “صناديق الإستثمار الإسلامية دراسة فقهية تأصيلية موسعة”، المؤتمر العلمي السنوي الرابع عشر عن المؤسسات المالية الإسلامية معالم الواقع وآفاق المستقبل، جامعة الإمارات العربية المتحدة، 2005م، ص693.
[8] أختر زيتي، عبد العزيز. “الصكوك الإسلامية (التوريق) وتطبيقاتها المعاصرة وتداولها”، الدورة التاسعة عشر لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الإمارات العربية المتحدة، 2009م، ص9-10.
[9] للتوسع أكثر أنظر: علي محمد بني عامر، التصكيك ودوره في تطوير سوق مالية إسلامية، مرجع سابق، ص125-150.
[10] أحمد محيسن، فؤاد محمد. “الصكوك الإسلامية (التوريق) وتطبيقاتها المعاصرة وتداولها”، الدورة التاسعة عشر لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الإمارات العربية المتحدة، 2009م، ص51، بتصرف.
[11] للتوسع أكثر في موضوع معالجة التعزيز الإئتماني في عملية التصكيك أنظر: مجلس الخدمات المالية الإسلامية، مسودة مشروع متطلبات كفاية رأس المال لتصكيك الصكوك والإستثمارات العقارية، مرجع سابق، ص20.
[12] لقد تبين في إحدى الدراسات والتي قام بها الدكتور عبد الحميد الغزالي بأن الإستثمارات القصيرة والمتوسطة الأجل والتي لا تتعدى آجالها نحو سنتين، قد شكلت ما يزيد عن 59% من إجمالي إستثمارات المصارف الإسلامية، في حين بلغت الإستثمارات قصيرة الطويلة الأجل أقل من 5% من إجمالي الإستثمارات في معظم المصارف الإسلامية القائمة، وللتوسع أكثر أنظر: أبو الهيجاء، إلياس عبد الله. “تطوير آليات التمويل بالمشاركة في المصارف الإسلامية حالة الأردن”، (أطروحة دكتوراه، الجامعة الأردنية، 1428ه)، ص126.
[13] دوابة، أشرف محمد، دور الأسواق المالية في تدعيم الاستثمار طويل الأجل في المصارف الإسلامية، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، 1427هـ، ص11.
[14] أمين محمد علي، نادية. “صكوك الاستثمار الشرعية خصائصها وأنواعها”، المؤتمر السنوي الرابع عشر عن المؤسسات المالية الإسلامية معالم الواقع وآفاق المستقبل، جامعة الإمارات العربية المتحدة، 2005م، ص986.
[15] إقبال، منور وآخرون، “التحديات التي تواجه العمل المصرفي الإسلامي”، المملكة العربية السعودية: المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، د.ت ص40.
[16] علي محمد بني عامر، التصكيك ودوره في تطوير سوق مالية إسلامية، مرجع سابق، ص172.
[17] كامل فهمي، حسين. “أدوات السياسة النقدية التي تستخدمها البنوك المركزية في إقتصاد إسلامي”، المملكة العربية السعودية: المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، 1427ه، ص43، بتصرف.
[18] منصور، عبد الملك. “العمل بالصكوك الإستثمارية الإسلامية على المستوى الرسمي والحاجة إلى تشريعات جديدة”، مؤتمر المصارف الإسلامية بين الواقع والمأمول، الإمارات العربية المتحدة، 2009م، ص36-37.
[19] مظهر قنطقجي، سامر. “ظوابط الإقتصاد الإسلامي في معالجة الأزمات المالية العالمية”، سوريا: دار النهضة، 2008م، ص32، بتصرف.
[20] عندما يتجمع لدى البنك محفظة كبيرة من الرهونات العقارية، يلجأ إلى إستخدامها لإصدار أوراق مالية جديدة يقترض بها من المؤسسات المالية الأخرى بضمان هذه المحفظة.
[21] تعد صكوك (سندات) الرهن العقاري من الأسباب الرئيسية التي أشعلت فتيل الأزمة المالية العالمية التي تحولت لأزمة إقتصادية عالمية، وقد ساعد على ذلك عدة عوامل منها:
– التوسع الكبير في إصدار سندات المنازل المضمونة بعقارات (RMBS) من طرف شركتي فاني ماي وفريدي ماك لدرجة وصلت قيمتها 4500 مليار دولار في مارس 2008، هذا خلافا للسندات الأخرى التي أصدرتها شركات وبنوك إستثمار أخرى وذلك دون وجود ضوابط وأسس رقابية تساعد على التأكد من عدم تعثر عملاء الرهن العقاري عن سداد استحقاقاتهم، وبالتالي أصبح لدى حاملي الأسهم من الأفراد الشركات والبنوك العالمية والصناديق السيادية لكل دول العالم تقريبا صكوك للديون المشكوك في تحصيلها.
– إعتماد مجلس النواب الأمريكي سياسة التحرير عام 2000م، حيث تم استثناء عقود مبادلة الديون المتعثرة من قيود قانون سنة 2000م الخاص بالمشتقات المالية، وهو ما شجع شركات التأمين وعلى رأسها عملاق التأمين الأمريكي شركة (AIG) للتأمين على صكوك الرهن العقاري على اعتبار أنها مضمونة السداد ومغطاة برهونات عقارية، وعند انفجار الأزمة وجدت نفسها مجبرة على تعويض حاملي بواليص التأمين مما أدى إلى إفلاسها فورا.
– قيام شركات التصنيف الائتماني بناء على تأمين (AIG) لصكوك الرهن العقاري بمنحها تصنيف (AAA) مما أدى إلى إقبال كل دول العالم لشرائها.
[22] – جوبست، آندي وآخرون. “التمويل الإسلامي يشهد توسعا سريعا”، صندوق النقد الدولي، 2007م، ص02.
[23] وصل معدل العجز في الموازنات الأوروبية في سنة 2010م إلى 7% من الناتج الإجمالي لمنطقة اليورو بعدما بلغ في سنة 2009م 6.4 %.
[24] بلغ أجمالي إصدارات الصكوك في السودان حتى الآن أكثر من 12 مليار دولار حسب إحصائيات السوق المالية الإسلامية الدولية.
[25] توفيق حطاب، كمال.”الصكوك الإستثمارية الإسلامية والتحديات المعاصرة”، مؤتمر المصارف الإسلامية بين الواقع والمأمول، دبي، 2009م ص24-25.
[26] جريدة القبس، دعوات لتطبيق الشريعة الإسلامية كحل للأزمة العالمية، العدد 12710، 1429ه.
[27]تجاوز حجم صكوك الرهن العقاري 24 تريليون دولار وهو ما يعادل ضعف الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي تقريبا.
[28] أوردت مؤسسة ماكنيزي العالمية في أحد تقاريرها في العام 2008م أن حجم الأصول الحقيقية لعام 2007م لم يتجاوز 48 تريليون دولار في حين تجاوز حجم الأصول المالية المتداولة 144 تريليون دولار لنفس السنة.
[29] يقصد بالجدارة الاقتصادية للمشروع: الكفاءة في استغلال الموارد المالية وتوليد قيمة مضافة مالية ويتوقف ذلك على إعداد دراسات الجدوى وتقييم المشروع. علي محمد بني عامر، التصكيك ودوره في تطوير سوق مالية إسلامية، مرجع سابق، ص196.